الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما المصنف وقوله: إنه ينبني على أنَّ للفعل جهاتٍ توجب الحسن والقبح - فيحتاج إلى مقدمة، وهي أنَّ المعتزلة مع إجماعهم على القول بالحسن والقبح العقليين افترقوا: فطائفة منهم قالوا: إن الفعل لذاته يكون حسنًا أو قبيحًا من غير صفة، وطائفة قالوا بصفة، وطائفة قالوا بوجوه واعتبارات، وهو الذي أشار إليه المصنف. ويلزم من بطلان قولهم في ذلك بطلانُ قولهم في الصفة، وفي الذات من طريق الأَولى، فما سلكه المصنف
(1)
أتَمُّ في إلزام مذهب المعتزلة مما سلكه الإمام في الصفة؛ لأنَّه قد لا يوافق قائل هذه المقالة المعتزلة في الذات والصفة الحقيقية، ويوافقهم في الوجوه والاعتبارات. فإذا بَيَّن بطلان قولهم فيه بطل قوله، والراد بالوجوه: أنَّ الوطء مثلا له جهة نكاح، وجهة زنا، فيحسن بالأُولى ويقبح بالثانية
(2)
.
(الرابع: الصحة: استتباع الغاية
. وبإزائها البطلان والفساد. وغاية العبادة: موافقة الأمر عند المتكلمين، وسقوط القضاء عند الفقهاء. فصلاة مَنْ ظَنَّ أَنَّه متطهر صحيحة على الأول (لا الثاني)
(3)
).
تفسير الصحة باستتباع الغاية
(4)
جيد من جهة كونه شاملًا للعبادات
(1)
سقطت من (ص).
(2)
انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 1/ 137، الحاصل 1/ 242، التحصيل 1/ 177، الاحكام 1/ 181، شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني 1/ 94، شرح تنقيح الفصول ص 78، المستصفى 1/ 312، السراج الوهاج 1/ 112، نهاية السول 1/ 89.
(3)
في (ص): "لا على الثاني".
(4)
قال الإسنوي في نهاية السول 1/ 95: "غاية الشيء: هو الأثر المقصود منه، كحل =
والمعاملات، إلا أنَّ الأولى في تحرير العبارة أن يُقال: كون ذلك الشيء يستتبع غايته، فإن استتباع الغاية يقتضي حصول التبعية، وقد يتوقف ذلك على شرط كالعقد في زمن الخيار. وكونه يستتبع الغاية صحيح وإنْ توقفت التبعية على شرط؛ لأنَّ معناه أَنَّه بهذه الحيثية.
وتفسير المتكلمين جيد؛ لأنَّ الصحة في اللغة مقابلة للمرض
(1)
، وعلى هذا النحو ينبغي أن يكون في الاصطلاح فما وافق الأمر
(2)
- لا خَلَل فيه، فيسمى صحيحًا، وَجَب قضاؤه أم لم يجب، وما لم يوافق الأمر - فيه خلل فيسمى فاسدًا، والخلاف بين الفريقين في التسمية، ولا خلاف في الحكم، وهو وجوب القضاء على مَنْ صلى ظانًا الطهارة فتبين حدثُه إذا كانت الصلاة فريضة
(3)
، وتسمية الفقهاء إياها فاسدة ليس لاعتبارهم سقوط
= الانتفاع بالمبيع مثلًا. فإن ترتبت الغاية على الفعل، وتبعته في الوجود - كان صحيحًا، فاستتباع الغاية: هو طلب الفعل لتبعية غايته، وترتب وجودها على وجوده؛ لأنَّ السين للطلب كاستعطى، وكأنه جَعَل الفعلَ الصحيحَ طالبًا ومقتضيًا لترتب أثره عليه مجازا".
(1)
انظر: لسان العرب 2/ 507.
(2)
قال في فواتح الرحموت 1/ 121: "المراد بالموافقة أعم من أنْ تكون بحسب الواقع، أو بحسب الظن، (أي: بحسب الظن مع مخالفة الواقع)، بشرط عدم ظهور فساده؛ لأنا أُمرنا باتباع الظن ما لم يظهر فساده، والمُسْقِط للقضاء هو الموافقة الواقعية".
(3)
لأنَّ وجوب القضاء لا يكون إلا بوجوب الأداء، فالنافلة لا يكون أداؤها واجبًا، فكذا قضاؤها.
والمراد بالقضاء هنا هو فعل العبادة مرة ثانية في الوقت، وهو الإعادة اصطلاحًا، وليس المراد بالقضاء هنا المعنى الاصطلاحي: وهو فعل العبادة بعد خروج الوقت. انظر: حاشية البناني على شرح المحلي 1/ 100.
القضاء في حد الصحة، كما ظنه الأصوليون
(1)
، بل لأنَّ شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر
(2)
، والصلاة بدون شرطها فاسدة، ولا مأمورٌ بها، بل هو ظَنَّ أَنَّه متطهِّر فترتب عليه الحكم، بمقتضى ظَنِّه، وأمْرُه (ظاهرًا بها)
(3)
كأمر المجتهد المخطئ بما ظنه، وغايته أَنَّه سقط عنه الإثم، وأما أَنَّه أتى بالمأمور به فلا.
وقولهم: إنَّ المأمور به صلاة على مقتضى ظنه
(4)
ممنوع
(5)
، بل صلاة على شروطها في نفس الأمر، ويسقط عنه الإثم بظنه وجودَها
(6)
.
(1)
انظر: السراج الوهاج 1/ 64، نهاية السول 1/ 97، شرح الإصفهاني 1/ 71، بيان المختصر 1/ 409، المحصول 1/ ق 1/ 142.
(2)
يعني: ليس تسمية الفقهاء لهذه الصلاة الواجب قضاؤها - فاسدةً، باعتبار أنَّهم يشترطون سقوط القضاء في تعريف الصحة، كما ظن الأصوليون ذلك؛ بل لأنَّ شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر.
وأنا لا يتبين لي فرق بين التعليلين، بل تعليل صحة الصلاة بكونها مسقطة للقضاء، هو ذاته تعليلها بكونها موافقة لنفس الأمر؛ لأنَّ سقوط القضاء متفرع عن الموافقة في نفس الأمر، فالموافقة ملزوم، وسقوط القضاء لازم، وهما لا ينفكان، فالتعبير بأحدهما تعبير بالآخر. قال في فواتح الرحموت 1/ 121:"فموافقة الأمر وسقوط القضاء متلازمان".
(3)
في (ت): "ظاهر أنَّها".
(4)
انظر: شرح تنقيح الفصول ص 76، شرح الكوكب 1/ 465.
(5)
في (ك)، و (ص):"فممنوع".
(6)
ولذلك قال في فواتح الرحموت: "فإن الأمور بالصلاة إنما أُمر بالطهارة الواقعية، لكن لما كان العلم بها متعسِّرًا اكتُفِي بالظن، فصلاة الظان فاسدة في نفس الأمر، ولم يُوجَد موافقة الأمر في الواقع، وذمته مشغولة بالقضاء، وإنما لا يأثم بل يؤجر بقصده إلى الامتثال، والله تعالى تجاوز عن الخطأ والسهو، ووعد أنْ يثيب على النية".
وقد رأينا الفقهاء قيدوا فقالوا: كل مَنْ صحت صلاته صِحةً مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به، وهذا التقييد يقتضي انقسام الصحة إلى ما يُغني عن القضاء وما لا يُغني
(1)
. وقالوا فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا إنه يصلي على حسب حاله، ويقضي.
وحكى إمام الحرمين في هذه الصلاة هل توصف بالصحة أو الفساد؟ وجهين، وهو غريب، والمشهور وصفها بالصحة، وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يُحْكم بفسادها! هذا لا عهد به
(2)
، وليس بمثابة الإمساك تشبها بالصائمين
(3)
.
(1)
وهذا التقسيم للصحة يدل على أنَّ الفقهاء يقولون برأي المتكلمين في أنَّ الصحة هي موافقة الأمر، سواء وجب القضاء أم لم يجب، كما سيأتي في كلام الشارح قريبًا.
(2)
أي: غير معهود في الشرع. وهذا يدل على أنّ الفقهاء يقولون بصحة صلاة فاقد الماء والتراب مع كونه مأمورًا بالقضاء، فهذا يدل على أن الصحة عند الفقهاء هي موافقة الأمر. ويمكن أنْ يجاب على قول الشارح رحمه الله تعالى:"وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يحكم بفسادها" - أنْ يقال: وكيف نأمره بإعادة صلاة حُكِم بأنها صحيحة، بل القول بفسادها مع وجوب القضاء اليق وأقرب من القول بصحتها مع وجوب القضاء. ولعل الأقرب أنْ يقال: هي صحيحة إلى أنْ يرتفع العذر، فإذا وجد الماء أو التراب بطلت وفسدت.
(3)
يعني: وليس صلاة من فقد الماء والتراب كإمساك غير الصائم تشبها بالصائمين؛ لأنَّ الصيام هنا مفقود وها هنا الصلاة موجودة.
قال النووي في المجموع 2/ 339 - 340: "قال إمام الحرمين: وإذا أوجبنا الصلاة في الوقت أوجبنا القضاء فالمذهب أن ما يأتي به في الوقت صلاة، ولكن يجب قضاؤها. قال: ومن أصحابنا مَنْ قال: ليست صلاة بل تشبه الصلاة، كالإمساك في رمضان لمن أفطر عمدًا، قال: وهذا بعيد. قال: فإن قيل: هلا قلتم: الصلاة المفعولة في الوقت مع الخلل فاسدة كالحجة الفاسدة التي يجب المضي فيها. قلنا: إيجاب الإقدام على الفاسد محال. وأما التشبه فلا يبعد إيجابه". وانظر: المجموع 2/ 278، كفاية الأخيار 1/ 55.
والفرق بين هذه الصلاة وصلاة مَنْ ظَنَّ الطهارة أنّ هذا عالم بحاله، والظان جاهل، فالعالم أتى بجميع ما كُلِّف به الآن. وبقي شرطٌ سقط عنه لعجزه، ووجب استدراكه بعد ذلك بالقضاء، والظان لم يأت بما هو الآن فرضه، فالصواب أن يكون حد الصحة عند الفريقين موافقة الأمر، غير أنَّ الفقهاء يقولون: ظانٍّ الطهارة مأمور بها، مرفوع عنه الإثم بتركها
(1)
. والمتكلمون يقولون: ليس مأمورًا بها
(2)
(3)
، فلذلك تكون صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء.
ومن أمرناه بصلاة بلا طهارة ولا
(4)
تيمم حيث يجب القضاء - صحيحة على المذهبين وإنْ وَجَب
(5)
القضاء
(6)
، فليس كل صحيح يسقط
(1)
وهذا يدل على أنَّ الفقهاء يشترطون لصحة الصلاة موافقة ذات الأمر، وهو معنى قول الأصوليين سقوط القضاء، كما سبق بيانه.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
وهذا يدل على أنَّ المتكلمين يشترطون لصحة الصلاة موافقة الأمر في ظن المكلف سواء وافق ذات الأمر أم لم يوافق، فلما كان يظن أنَّه متطهر، لم يكن مأمورًا بالطهارة. وانظر: شرح الكوكب 1/ 465.
(4)
في (ك)، و (ت)، و (غ):"أو".
(5)
في (ص): "وإنْ أُوجب".
(6)
ويمكن أنْ ينازع في هذا ويقال بأن صلاته هذه ليست موافقة لذات الأمر، وإن أمرناه بأدائها؛ لأنَّ الأمر بأدائها غير موافقة الأمر، كما في أمر مَنْ ظن الطهارة بالصلاة، فهو مأمور بأدائها مع كونه غير موافق لذات الأمر. فالأمر بالأداء غير موافقة ذات الأمر، وهذا هو سر الخلاف، هل الصحة تنفيذ الأمر، أو موافقة ذات الأمر؟ ولعل للشارح أنْ يقول: صلاة مَنْ ظن الطهارة غير مأمور بها عند الفقهاء، ولذلك حكموا عليها بالفساد، أما صلاة فاقد الماء والتراب فهو مأمور بها عندهم، فتكون صحيحة. =
قضاؤه
(1)
.
واقتصر المصنف على غاية العبادة لذكر الخلاف، ولم يذكر غاية العقود، والمراد من كون العقد صحيحًا عند المتكلمين على ما اقتضاه كلام القاضي أبي بكر: وقوعُه على وَجْهٍ يُوافق حكمَ الشرع من الإطلاق له.
وعند الفقهاء: كونُه بحيث يترتبُ أثره عليه. وهو معنى إطلاقهم ترتب الأثر
(2)
.
والباطل: هو الذي لا يترتب أثره عليه. والبطلان والفساد لفظان مترادفان، والإزاء والحِذَاء والمقابِل ألفاظٌ مترادفة
(3)
.
وجَعْل المصنف هذا تقسيمًا رابعًا للحكم يقتضي أنَّ الصحة والبطلان حكمان شرعيان، ويكون الحكم تارة بالصحة، وتارة بالبطلان، وقد تقدم الكلام في رَدِّه إلى الاقتضاء والتخيير، أو في كونه زائدًا عليه
(4)
.
= فالجواب: أنَّ هذا الذي قاله الشارح - رحمه الله تعالى - تفريق بين متماثلين، وإلا فما الفرق بين عذر النسيان وعذر فقد الماء والتراب، كلاهما موانع عن الطهارة المأمور بها، ولا أظن أنَّ الفقهاء يقولون بأنها مأمور بها ولا بالصحة، بل ربما الوجهان اللذان ذكرهما إمام الحرمين المراد بهما أن هذه الصلاة فاسدة على رأي الفقهاء صحيحة على رأي المتكلمين. فما ذكره الأصوليون صحيح دقيق، وكلام الشارح رحمه الله تعالى في انتقاده لا وجه له، والله تعالى أعلم.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سقطت من (ص).
(3)
هذا شرح لما في المتن من كلمة: "وبإزائها". وانظر: المصباح المنير 1/ 17.
(4)
يعني: أو في كون الحكم بالصحة أو البطلان زائدًا على الاقتضاء والتخيير.
وخالف ابن الحاجب الجمهور فقال: إنَّ الصحة والبطلان أو الحكمَ بهما أمر عقلي
(1)
.
وقال في "المنتهى": القول بأنَّ الحكم بالصحة والبطلان حكم شرعي بعيد. وحجته أنَّ الموافقة أمر عقلي، وقد فسرنا الصحة بها
(2)
.
وأُورِدَ عليه: أنَّ العقلي ما لا مدخل للشرع فيه، وهذا للشرع فيه مدخل، فتسميته شرعيًا غير بعيد.
وفَهِم بعضُ مَنْ شرح كتابه أَنَّه لا يطرد قوله في صحة العقود؛ لأنَّ ترتب الأثر شرعي
(3)
. ولا يَبْعُد طَرْدُه؛ لأنَّ الصحة ليست ترتب الأثر، بل كونه بحيث يترتب الأثر عليه، ومعنى ذلك وقوعه على وجه مخصوص، وذلك أمر عقلي
(4)
، لكن تسميته شرعيا باعتبار أنّ للشرع
(1)
انظر بيان المختصر 1/ 407، منتهى السول والأمل ص 41.
(2)
أي: فسرنا الصحة بالموافقة، يعني: موافقة أمر الشرع. قال الأصفهاني في بيان المختصر 1/ 409: "وإنما قلنا: إنها أمر عقلي؛ لأنَّ الصحة في العبادة إما كون الفعل مُسْقطًا للقضاء، كما هو مذهب الفقهاء، أو موافقته لأمر الشريعة، كما هو مذهب المتكلمين. فصلاة مَنْ ظَنَّ أَنَّه متطهر، ثم تبين خطؤه - غيرُ صحيحة على الأول؛ لعدم سقوط القضاء، وصحيحة على الثاني؛ لكونها متوافقة لأمر الشرع. ولا شك أنَّ العبادة إذا اشتملت على أركانها وشرائطها - حكَمَ العقل بصحتها بكل من التفسيرين، سواء حكم الشارع بها أو لا".
(3)
أي: فهم بعض من شرح كتاب ابن الحاجب أنَّ قوله: بأن الصحة أمر عقلي، لا يجري في صحة العقود؛ لأنَّ صحة العقود معناها: ترتب أثرها عليها، وترتب الأثر شرعي، فلا يصح أنْ يقال عنه إنَّه عقلي كما يقول ابن الحاجب.
(4)
يعني: أَنَّه لا يبعد أنْ يكون قول ابن الحاجب مطردًا في صحة جميع العقود؛ وذلك =
مدخلا
(1)
كما قلنا في العبادات.
واعلم أنَّ الإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنكروا كون الصحة حكمًا زائدًا على الاقتضاء والتخيير
(2)
، وأنكروا الحكم بالسببية كما سبق في الموضعين، فلم يبق للصحة معنى عندهم في العقود إلا إباحة الانتفاع، وهو شرعي
(3)
.
ومَنْ يفسر الصحة بكونه مبيحًا للانتفاع يلزمه أنْ يوافق الغزالي في الحكم بالسببية، أو يقول: إنها عقلية
(4)
. وحُكْم القاضي مثلًا بصحة عَقْدٍ
= لأنَّ الصحة ليست هي ترتب الأثر، ذاته، بل الصحة هي كون العقد بحيث يترتب الأثر عليه، ومعنى هذا أنَّ الصحة هي وقوع العقد على وجه مخصوصٍ، وهذا الوقوع أمر عقلي، أما الترتب فهو شرعي. ولذلك قال الأصفهاني في بيان المختصر 1/ 409:"وأما الصحة في المعاملات فلم يتعرض المصنف لها. ويمكن أنْ يقال: إنها أيضًا أمر عقلي؛ لأنَّ الصحة في المعاملات: كون الشيء بحيث يترتب عليه أثره، وإذا كان الشيء مشتملًا على الأسباب والشرائط وارتفاع الموانع - وحكم العقل بترتب أثره عليه، سواء حكم الشرع بها أو لم يحكم".
(1)
يعني: لكن تسمية هذا الأمر العقلي: وهو الوقوع على وجه مخصوص - شرعيًا؛ باعتبار أنَّ للشرع مدخلًا فيه، وهو كون هذا الوجه المخصوص موافقا لأمر الشرع.
(2)
يعني: أنَّ الصحة هي الاقتضاء أو التخيير عند الإمام وأتباعه، لأنهم قسموا الحكم الشرعي إلى الصحة والبطلان. انظر: المحصول 1/ ق 1/ 142، والتحصيل 1/ 178. إلا أنَّ تاج الدين الأرموي اختار في الحاصل 1/ 244: أن هذا التقسيم للأفعال، أي: لمتعلِّق الحكم.
(3)
قال في المحصول 1/ ق 1/ 142: "وأما في العقود فالمراد من كون البيع صحيحًا: ترتب أثره عليه". وترتب أثر العقود هو إباحة الانتفاع، وهو حكم شرعي، وكذا قال في التحصيل 1/ 178، والحاصل 1/ 244.
(4)
يعني: أنَّ مَنْ فسر الصحة بكون العقد مبيحًا للانتفاع - يلزمه أنْ يوافق الغزالي في =
إنما يصح إذا قصد المعنى الشرعي؛ لأنَّه الذي يُنشئه
(1)
القاضي، بخلاف الأهر العقلي
(2)
، وليس للقاضي أنْ يحكم إلا بما يصح أن يكون حكمًا من الشارع، من اقتضاء أو تخيير أو خطاب وضع إنْ قلنا به
(3)
.
وإذا جُعلت الصحة عقلية - لم يكن للقاضي الحكم بها، بل بأثر الصحيح
(4)
.
(وأبو حنيفة سَمَّى ما لم يُشرع بأصله ووصفه كبيع الملاقيح باطلًا، وما شُرِع بأصله دون وصفه كالربا
(5)
فاسدًا).
عند الحنفية إنْ كان العِوَضان غير قابلين للبيع، كبيع الملاقيح
(6)
بالدم مثلًا
(7)
، فهو باطل قطعًا. وكذا إن كان المبيع وحده، كبيع الملاقيح
= الحكم بالسببية؛ لأنَّ إباحة الانتفاع حكم شرعي، والعقد سببه، فهذا قول بالسببية كما يقول الغزالي. أو أنْ يقول بأنَّ الصحة عقلية كما قال ابن الحاجب، فتكون الصحة هي الوقوع على وجه مخصوص، وإباحة الانتفاع أثر ذلك الوقوع لا مُسَبَّبة عنه. والحاصل أَنَّه لا ينجي من القول بالسببية إلا اعتبار الصحة حكمًا عقليًا (الوقوع على وجه مخصوص) أو وضعيًا (أي: علامة على إباحة الانتفاع)، وكلاهما لا يقول بهما الرازى وأتباعه.
(1)
في (ص): "يثبته".
(2)
فإن القاضي لا يحكم بالأمور العقلية.
(3)
يعني: إن قلنا بأن الحكم الوضعي داخل في الحكم الشرعي.
(4)
يعني: أنَّ القاضي لا يحكم بالصحة إذا جعلناها عقلية، بل يحكم بأثر العقد الصحيح.
(5)
في (ص): "كالزنا". وهو خطأ.
(6)
في المصباح 2/ 216: "ألقح الفحلُ الناقةَ إلقاحًا: أحْبَلَها. فَلُقِحَت بالولد، بالبناء للمفعول، فهي مَلْقُوحة. . . والجمع ملاقيح: وهي ما في بطون النُّوق من الأجنة".
(7)
كأن يقول: بعتك هذا الولد الذي في بطن الناقة برطل من الدم. فهذا باطل؛ =
بالدراهم على الصحيح عندهم. وإن كانا قابلين للبيع، ولكن جاء الخلل من أمر آخر، كبيع درهم بدرهمين، كل من العوضين قابل للبيع، والخلل من الزيادة - فهو فاسدٌ قطعًا. وكذا إن كان الثمن فقط، كبيع ثوب بدم، على الصحيح عندهم.
والفاسد عندهم إذا اتصل بالقبض يُفيد المِلْكَ الخبيث، والباطل لا يفيد شيئًا
(1)
. وعندنا الباطل والفاسد سواء في المعنى والحكم، ولا يفيد شيءٌ منهما المِلْك.
والملاقيح: ما في بطون الأمهات. وقد علمتَ المراد بأصله وهو كون المبيع يصح بيعه، ووصفه (المبطل في الربا هو التفاضل
(2)
، والمشروع بأصله ووصفه)
(3)
هو الصحيح.
= لأنَّ المبيع والثمن غير قابلين للبيع، فلا يصح بيعهما.
(1)
يعني: أنَّ الفاسد إذا حصل فيه القبض بأن اشترى ثوبا بدم، فهذا الثوب ملك للمشتري، ولكنه ملك خبيث لا يجوز له أنْ ينتفع به، فإذا باعه تصدق بثمنه وجوبًا أو أنْ يتصدق بالثوب ذاته إلى فقير.
أما الباطل فلا يفيد شيئًا من الملك. انظر: الهداية للمرغيناني 3/ 46، 56، ملتقى الأبحر 2/ 19.
(2)
البيع إذا كان مشروعًا بأصله (أي: بأركانه) لا بوصفه (أي: لا بشرائطه) كالربا - فهو بيع فاسد؛ لأنّه مشروع بأصله، وهما العوضان، فالمبيع والثمن صحيحان؛ لأنهما دراهم بدراهم، لكن الفساد جاء من التفاضل وهو الدرهم الزائد، وهذا وصف لا أصل.
انظر: السراج الوهاج 1/ 117.
(3)
سقطت من (ص).
وأما فَرْقُ أصحابنا بين الباطل والفاسد في الكتابة (وغيرها)
(1)
- فلا يضرنا في نصب الخلاف في البيع
(2)
، ومحل الرد عليهم في ذلك كتب الفقه، وكتب الخلاف
(3)
.
(والإجزاء: هو الأداء الكافي لسقوط التعبد به
(4)
. وقيل: سقوط القضاء. ورُدَّ بأن القضاء حينئذ لم يجب؛ لعدم الموجِب
(5)
، فكيف سقط، فإنكم
(6)
تعللون سقوط القضاء به
(7)
، والعلة غير المعلول).
لما كان الإجزاء معناه قريب من معنى الصحة ذكره
(1)
سقطت من (ص).
(2)
يعني: كون الشافعية يفرقون بين الباطل والفاسد في الكتابة وغيرها، فهذا لا يضرهم، ولا يلزمهم به نصب الخلاف والتفريق بين الباطل والفاسد في عقود البيع.
(3)
انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 1/ 142، التحصيل 1/ 178، الحاصل 1/ 244، الإحكام 1/ 186، شرح تنقيح الفصول ص 76، نهاية السول 1/ 94، السراج الوهاج 1/ 115، كشف الأسرار 1/ 258، أصول السرخسي 1/ 80، شرح مختصر الروضة 3/ 465، شرح الكوكب 1/ 464، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 69، بيان المختصر 1/ 407، البحر المحيط 2/ 14، تيسير التحرير 2/ 234، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 99.
(4)
أي: لسقوط طلبه، وذلك بأن تجتمع فيه الشرائط وتنتفي عنه الموانع. نهاية السول 1/ 104.
(5)
أي: حين تحقق الإجزاء لم يجب القضاء؛ لعدم الموجب: وهو إما خروج الوقت من غير إتيانٍ بالفعل، أو الأمر الجديد بعد خروج الوقت. انظر: نهاية السول 1/ 105، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 74، السراج الوهاج 1/ 119، فتح الغفار 1/ 42.
(6)
في (ت): "وإنكم".
(7)
أي: بالإجزاء.
معها، ولم يُفْرِدْه بتقسيم، ولكن الصحة أعم، فإنها تطلق على
(1)
المعاملات، ولا يطلق الإجزاء في المعاملات.
وقوله: "الأداء"، يجب حمله على الأداء اللغوي؛ لأنَّ الإجزاء كما يكون في الأداء
(2)
يكون في القضاء والإعادة
(3)
، فلو قال: الفعل - كان أحسن، والضمير في "به" يعود على الأداء. وما أورده من أنَّ القضاء إذا لم يجب لا يقال: سقط - صحيح
(4)
، وهو وارد على مَنْ حَدَّ الصحة بسقوط القضاء أيضًا
(5)
.
وما أورده من تعليل سقوط القضاء بالإجزاء تَبِع فيه "الحاصل"
(6)
.
وعبارة "المحصول": "لأنا نعلِّل وجوبَ القضاء بأنَّ الفعل الأول لم يكن
(1)
في (ت): "في".
(2)
أي: الأداء الاصطلاحي: وهو فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعًا. انظر: شرح مختصر الروضة 3/ 471، التعريفات للجرجاني ص 9.
(3)
فنقول: أجزأه الأداء. أجزأه القضاء. أجزأته الإعادة. والقضاء: هو فعل المأمور به خارج الوقت لفواته فيه لعذر أو غيره. والإعادة: فعل المأمور به في وقته المقدر شرعًا لخلل في الأول. انظر: شرح الطوفي 3/ 472 - 473.
(4)
المعنى: أنَّ مَنْ عرَّف الإجزاء بسقوط القضاء، اعترض عليه في تعريفه هذا بأن القضاء لا يجب قبل دخول وقته (أي: قبل خروج وقت الأداء) فكيف يقال بسقوطه، والسقوط لا يكون إلا بعد وجوبه!
(5)
أي: هذا الاعتراض وارد أيضًا عَلَى مَنْ عَرَّفَ الصحة بسقوط القضاء، كيف يسقط القضاء وهو لم يجب؛ لأنَّ حصول الصحة يمنع وجوب القضاء، فكيف يقال بسقوط ما لم يجب!
(6)
انظر: الحاصل 1/ 247.
مجزيًا، والعلة مغايرة للمعلول
(1)
". فظن بعض الناس أنَّه انقلب على الإمام.
وكان الباجي يقول: إنها إحدى عُقَد "المحصول" ويتبجح بِحَلِّها زاعمًا أنَّه لو ادعى تعليل سقوط القضاء بالإجزاء مَنَعه الخصم، وقال: هذا عين النزاع. فأخذ مقابليهما
(2)
وأثبت التغاير بينهما، وهو خارج عن محل النزاع
(3)
، (ثم ينقل التغاير إلى محل النزاع)
(4)
؛ لثبوت تغاير المقابِلَيْن، ومن ضرورة ذلك تغاير
(5)
مقابليهما
(6)
.
(1)
أي: وجوب القضاء معلول، وعدم الإجزاء علة، وهما متغايران. انظر المحصول 1/ ق 1/ 145، وعبارته:"ولأنا نعلل وجوب القضاء: بأن الفعل الأول لم يكن مجزيًا، فوجب قضاؤه، والعلة مغايرة للمعلول". وانظر: نفائس الأصول للقرافي 1/ 318.
(2)
في (ص): "مقابلتها". وهو خطأ.
(3)
يقصد الباجي بأن الإمام لو ادعى نقيض ما قال لمنعه الخصم، ففر من ذلك، وغَيَّر العبارة بنقيضها، فَبَدل أنْ يعلل سقوط القضاء بالإجزاء (المعترَض عليه) علَّل بوجوب القضاء بعدم الإجزاء. وهذا خارج عن محل النزاع؛ لأنَّ محل النزاع في تعليل سقوط القضاء بالإجزاء، فأخذ الرازي نقيض هاتين القضيتين، وأثبت التغاير بينهما بأن العلة (وهي عدم الإجزاء) غير المعلول (وهو وجوب القضاء)، وهذا خارج عن محل النزاع، فإن النزاع في نقيض ما قال.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ك): "مغايرتهما".
(6)
يعني: التغاير الذي ادعاه الرازي في نقيض محل النزاع، ينقل التغاير إلى محل النزاع؛ لأنَّ نقيض المتغايرين متغايران. ولذلك وَجَّه القرافي كلامَ الإمام على أنَّه أثبت التغاير في محل النزاع باللازم. لأنَّ محل النزاع - كما سبق - هو: هل الإجزاء هو ذات سقوط القضاء؛ فهما حقيقة واحدة أم لا؟ . فَبَيَّن الإمام رحمه الله تعالى أنَّ نقيض محل النزاع متغايران، فعدم الإجزاء غير وجوب القضاء؛ لأننا نعلل وجوب القضاء بعدم =
وأَيًّا ما كان، فقد أُورد عليه أنَّ العلة قد تكون لشيء، وقد تكون لحكمنا به
(1)
كما إذا قلتَ: هذا إنسان، وسُئِلت لم حكمت عليه بذلك، فتقول: لأَنَّه حيوان ناطق. فالمغايرة هنا بين العلة وحكمك، لا بينها وبين المحكوم به
(2)
، وهذا
(3)
الإجزاء علة لحكمنا بسقوط القضاء، لا لسقوط القضاء نفسه، وليس هذا بالقوي.
وفي "المحصول" إيراد ثالث: وهو أنَّه لو أتى بالفعل عند اختلال بعض شرائطه ثم مات - لم يكن الفعل مجزئًا مع سقوط القضاء
(4)
. ولك أن تمنع سقوط القضاء هنا، بل يبقى في ذمته إن كان مفرطا.
وقول المصنف: "لعدم الموجب"، يعني: أنَّ القضاء إنما يجب بأمر جديد بعد خروج الوقت إذا تُرِك
(5)
، ولم يوجد ذلك
(6)
.
= الإجزاء، والعلة غير المعلول، فلما كانت هاتان القضيتان متغايرتين - لزم تغاير نقيضيهما ومقابليهما، وهي أنَّ الإجزاء غير سقوط القضاء، فدل كلامه على محل النزاع باللازم، وبَيَّن بطلان اتحاد حقيقة الإجزاء وسقوط القضاء ببطلان لازمهما: وهو اتحاد حقيقة عدم الإجزاء ووجوب القضاء، وبطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم. انظر: نفائس الأصول للقرافي 1/ 318.
(1)
سقطت من (ص). والضمير في "به" يعود إلى الشيء.
(2)
يعني: فالمغايرة هنا بين العلة - وهو كونه حيوانا ناطقًا -، وبين الحكم بأنه إنسان، لا بين حيوان ناطق وإنسان ذاته. انظر: نفائس الأصول 1/ 319.
(3)
في (ت): "وهنا".
(4)
يعني: لما سقط القضاء مع عدم الإجزاء - دل هذا على أنَّ الإجزاء ليس بعلة لسقوط القضاء. انظر المسألة في المحصول 1/ ق 1/ 144.
(5)
يعني: إذا ترك الفعل الواجب.
(6)
سقطت من (ص)، و (ك).
(وإنما يُوصف به وبعدمه ما يحتمل وجهين، كالصلاة، لا المعرفة بالله
(1)
وَرَدِّ الوديعة).
الصلاة تقع تارة على وجه يكفي في سقوط التعبد بها، وتارة على وجه لا يكفي، فوصفت بالإجزاء وبعدمه؛ لاحتمالها للوجهين المذكورين
(2)
.
وأما المعرفة فلا يقال فيها مجزئة، وغير مجزئة؛ لأنَّه إن تعلق العلم بالله تعالى فهو المعرفة وإلا فلا معرفةَ بل الجهل
(3)
.
وكذلك رَدُّ الوديعة والمغصوب، إنْ حصل إلى المالك أو وكيله برئ، وإلا فلا رَدَّ.
وقال الأصفهاني
(4)
(5)
في "شرح المحصول": إنه لا يقال في العبادة
(1)
سقطت من (ص).
(2)
قال الجاربردي في السراج الوهاج 1/ 121: "الفعل إنما يوصف بالإجزاء وعدم الإجزاء إذا كان ذا وجهين: أحدهما شرعي، والآخر حسي، كالصلاة؛ فإن لها وجهين: أحدهما شرعي: وهو أنْ يكون مستجمعًا للشرائط، والثاني: حسي: وهو أنْ لا يكون كذلك. فعلى التقدير الأول يوصف بالإجزاء، وعلى التقدير الثاني يوصف بعدم الإجزاء".
(3)
يعني: إن تعلق العلم بالله تعالى تعلقًا صحيحًا، كعقائد المسلمين الصحيحة - فهو المعرفة، وإن لم يتعلق العلم بالله تعلمًا صحيحًا، كعقائد النصارى واليهود في الله تعالى - فهو الجهل.
(4)
في (ك): "الأصبهاني".
(5)
هو محمد بن محمود بن محمد، أبو عبد الله القاضي، شمس الدين الأصبهانيّ. ولد سنة 616 هـ. كان إمامًا في المنطق، والكلام، والأصول، والجدل، متدينًا كثير =
المندوب إليها: إنها مجزئة أو غير مجزئة
(1)
.
وهذا الذي قاله بعيد، وكلام الفقهاء يقتضي أنَّ المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض، وقد ورد في الحديث:"أربعٌ لا تجزئ في الأضاحي"
(2)
، واستدل به مَنْ قال بوجوب الأضحية. وأُنكر عليه
(3)
.
= العبادة والمراقبة. من مصنفاته: "شرح المحصول" وهو حسن جدًا، القواعد. توفي بالقاهرة سنة 688 هـ. انظر: الطبقات الكبرى 8/ 100، حسن المحاضرة 1/ 542.
(1)
انظر: الكاشف 1/ 283 - 284. وكذا قال القرافي في شرح تنقيح الفصول ص 78: "وكذلك النوافل من العبادات تُوصف بالصحة دون الإجزاء، وإنما يوصف بالإجزاء ما هو واجب". وانظر: نفائس الأصول 1/ 313 - 314.
(2)
أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه 2/ 1050، في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم 3144. واخرجه أبو داود 3/ 235 - 236، في كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، رقم 2802، بلفظ: "أربع لا تجوز في الأضاحي". والنسائي 7/ 214 - 216، في كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي، رقم 4369، 4370، بلفظ:"أربع لا يَجُزْنَ" وبلفظ: "أربعة لا يَجْزِينَ في الأضاحي". وأخرجه مالك في الموطأ 2/ 482، في كتاب الضحايا، باب ما ينهى عنه من الضحايا. والترمذي 4/ 72، في الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي، رقم 1427، قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح". كلهم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وتمام الحديث بلفظ النسائي:"أربعة لا يجزين في الأضاحي: العَوْراء البَيِّن عَوَرُها، والمريضة البَيِّن مرضُها، والعَرْجاء البَيِّن ظَلْعُها، والكسيرةُ التي لا تُنْقِي" وفي رواية بدل الكسيرة: "والعَجْفاء التي لا تُنْقِي".
(3)
مذهب الشافعي رضي الله عنه والجمهور أنها سنة مؤكدة، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه واجبة على كل مقيم مُوسِر في يوم الأضحى. انظر: المجموع 8/ 385. فتح القدير 8/ 425، بداية المجتهد 1/ 429.
وفي حديث أبي بردة
(1)
: "تجزئ عنك"
(2)
، ضبطه ابن الأثير بالوجهين: بضم التاء مع الهمزة، وفتحها مع الياء. يُقال: أجزأ، بمعنى
(1)
هو هانئ بن نِيار بن عمرو البَلَويّ القضاعيِّ، الأنصاريّ من حلفاء الأوس. وهو خال البراء بن عازب رضي الله عنه. شهد العقبة وبدرًا وما بعدها، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه في الكتب الستة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"قيل: مات سنة إحدى، وقيل: اثنتين وأربعين، وقيل: خمس وأربعين. قلت: وقال الواقديّ: توفي في أول خلافة معاوية، بعد شهوده مع عليٍّ حروبَه كلِّها". انظر: سير 2/ 35، تهذيب 12/ 19، الإصابة 4/ 18، فتح الباري 10/ 13.
(2)
الحديث بهذا اللفظ رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه في الكبير، ففي مجمع الزوائد 4/ 24: وعن أبي جحيفة: "أن رجلًا ذبح قبل أن يصليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ عنك. فقال: يا رسول الله إن عندي جَذَعة. فقال: تجزئ عنك ولا تجزئ بعدك". رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير بنحوه، ورجال الجميع ثقات. اهـ. وانظر: فتح الباري 10/ 15.
والرجل المذكور في الحديث أبو بُردة بن نِيَار الأنصاريُّ خال البراء بن عازب رضي الله عنهما، وحديث أبي بُردة رضي الله عنه أخرجه البخاري 1/ 334، في العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، رقم 940، وانظر الأرقام: 912، 922، 925، 933، 940، 5225، 5236، 5237، 5240، 5243، 6296. ومسلم 3/ 1552، في الأضاحي، باب وقتها، رقم 1961. ومالك في الموطأ 2/ 483، في الضحايا، باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام، رقم 4. وأبو داود 3/ 233 - 235، في الضحايا، باب ما يجوز من السن في الضحايا، رقم 2800. والترمذي 4/ 78، في الأضاحي، باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة، رقم 1508، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 7/ 222، في الضحايا، باب ذبح الضحية قبل الإمام، رقم 4395. وابن ماجه 2/ 1053، في الأضاحي، باب النهي عن ذبح الأضحية قبل الصلاة، رقم 3154.
كفى. وجَزَا بمعنى قضى
(1)
.
ولا تُوصف المعاملات بالإجزاء، وإنما يوصف به ما كان مأمورًا به.
فالصحة أعم محلًا منه؛ لأنها تكون في المعاملات والعبادات، ولا يوصف بها أيضًا إلا ما يحتمل وجهين: أن يقع صحيحًا وفاسدًا، كالصلاة والعقود، فإنها إن وقعت مستجمعة الأركان والشروط كانت صحيحة، وإن وقعت على غير ذلك الوجه كانت فاسدة، بخلاف المعرفة ليس لها إلا وجه واحد. وهذا
(2)
إذا جعلنا اسم الصلاة موضوعًا للصحيح والفاسد
(3)
- ظاهرٌ، وأما إذا قلنا هو
(4)
موضوع للصحيح فقط، ولا يطلق على الفاسد إلا مجازًا - فإنه لا يكون لها إلا وجه واحد. فكأنهم نظروا إلى المعنى الأعم الموجِب للإطلاق المجازي، وجعلوه مورد التقسيم إلى الصحيح وغيره، ولا يرد هذا السؤال في الإجزاء؛ لانقسام الصحيح إلى مجزئ وغير مجزئ، كصلاة المتيمم في الحضر
(5)
ونحوه.
وعند أبي حنيفة رحمه الله كل صلاة وجب قضاؤها لا يجب أداؤها، وكل صلاة وجب
(6)
أداؤها لا يجب قضاؤها، فيستوي عنده
(1)
انظر: النهاية 1/ 270، لسان العرب 14/ 146.
(2)
في (ص)، و (ك):"وهو". وهو خطأ.
(3)
في (ص): "والفساد". وهو خطأ.
(4)
في (غ): "إنه".
(5)
يعني: صلاة المتيمم في الحضر صحيحة، مع كونها غير مجزئة، وتلزمه الإعادة، وهذا عند الشافعية والجمهور. انظر: المجموع 2/ 305.
(6)
في (ص)، و (ك):"يجب".