الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الفصل الثالث: في أحكامه.
وفيه مسائل:
الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة
.
وقالت المعتزلة: الكل واجب، على معنى أنَّه لا يجوز الإخلال بالجميع، ولا يجب الإتيان به، فلا خلاف في المعنى.
قيل: الواجب مُعَيَّن عند الله تعالى دون الناس، ورُدَّ بأنَّ التعيين يُحيل تَرْك ذلك
(1)
الواحد، والتخيير يُجَوِّزه، وثبت اتفاقًا في الكفارة، فانتفى الأول
(2)
.
قيل: يَحْتمل أنَّ المكلف يختار المعيَّن، أو يُعَيِّن ما يختاره، أو يَسْقط بفِعْل غيره.
وأجيب عن الأول: بأنه يُوجب تفاوت المكلَّفين فيه، وهو خلاف (النص و)
(3)
الإجماع.
وعن الثاني: بأن الوجوب مُحَقَّق
(4)
قبل اختياره.
وعن الثالث: بأن الآتي بأيها
(5)
آتٍ بالواجب إجماعًا.
(1)
سقطت من: (ت).
(2)
يعني: ثبت التخيير اتفاقًا في الكفارة، فانتفى الأول وهو التعيين.
(3)
سقطت من (ت)، و (غ).
(4)
في (ك): "متحقق".
(5)
في (ت)، و (ك):"بكل منهما". وفي (ص): "بأيهما". وهو خطأ. والذي =
قيل: إنْ أَتى بالكل معًا - فالامتثال: إما بالكل - فالكل واجب، أو بكل واحد - فتجتمع مؤثرات على أثر واحد، أو بواحد غير معيَّن ولم يوجد، أو بواحدٍ
(1)
معيَّن، وهو المطلوب. وأيضًا الوجوب معَيَّن، فيستدعي محلًا معيَّنًا، وليس الكل ولا كل واحد، وكذا الثواب على الفعل والعقاب على الترك، فإذًا الواجب واحدٌ معيَّن.
وأُجيب عن الأول
(2)
: بأن الامتثال بكل واحد، وتلك معرِّفات.
وعن الثاني: بأنه يستدعي أحدَها لا بعينه، كالمعلول المعيَّن المستدعِي علةً مِنْ غير تعيين.
وعن الآخَرَيْن
(3)
: بأنه يستحق ثوابَ (وعقابَ)
(4)
أمورٍ لا يجوز تَرْكُ كلِّها ولا يجب فعلُها).
قوله: "في أحكامه"، يعنى: في أحكام الحكم، وذَكَر في هذا الفصل سبع مسائل، والإمام ذكرها بعينها في باب الأوامر في القسم الثاني منه في المسائل المعنوية
(5)
، وجَعَل المسائلَ الثلاث الأولى في أقسام الوجوب؛ لأنَّه
= أثبَتُّه هو الموجود في (غ)، وفي نهاية السول 1/ 132، والسراج الوهاج 1/ 137، وشرح الأصفهاني 1/ 88.
(1)
سقطت من (ت)، و (ص).
(2)
وهو الواجب المعيَّن، فيستدعي محلًا معينًا.
(3)
وهما: الثواب على الفعل، والعقاب على الترك. وفي نهاية السول 1/ 147، والسراج الوهاج 1/ 144، ومناهج العقول 1/ 82، وشرح الأصفهاني 1/ 91:"وعن الأخيرَيْن".
(4)
سقطت من (ت).
(5)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 265.
بحسب المأمور به ينقسم إلى معيَّن ومخيَّر، وبحسب وقت المأمور ينقسم إلى مضيَّق وموسَّع، وبحسب المأمور ينقسم إلى واجب على التعيين وواجب على الكفاية.
وجَعَل المسائل الأربع الأخيرة في أحكام الوجوب
(1)
، ولو فعل المصنِّف كذلك كان أحسن
(2)
، وكأن عذره في ذلك أنَّ المخيَّر والموسَّع وفرضَ الكفاية مما وقع الكلام فيه، وفي تحقيق عروض ذلك للواجب، فَحَسُن البحث في أنَّ الوجوب هل يَعْرِض
(3)
له ذلك أَوْ لا
(4)
، وهو حكم له.
وبعد ثبوت هذا الحكم تصير الثلاثةُ المذكورةُ أقسامًا، للوجوب الذي هو قسم من أقسام الحكم، فصح كلٌّ من الاعتبارين.
وقوله: "بمعين" يعني مُعَيَّنَ النوع، وإلا فالتعيين الشخصي لا
(5)
يتعلق الوجوب به؛ لأنَّ الشخص دخل في الوجود، وما دخل في الوجود لا يصح التكليف به، فمراده
(6)
(7)
بالمعيَّن: المعلوم المتميز
(8)
(9)
.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 317.
(2)
وكذا ذكر الإسنوي في نهاية السول 1/ 133.
(3)
سقطت من (ص).
(4)
يعني: هل يَعْرض للوجوب بأنه موسَّع أو مضيَّق، وفرض كفاية أو عين. . . إلخ.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
في (غ): "لأنَّ مراده".
(7)
وفي (ص): "لمراده". وهو خطأ.
(8)
في (ت): "المميز".
(9)
يعني: مراد المصنف بقوله: "بمعيَّن" هو معيَّن النوع الذي وجوده ذهني، لا المعيَّن =
وقوله: "وقد يتعلق بمبهم" إشارةً إلى أنَّ المختار أنَّ الواجب واحدٌ لا بعينه، ونَقَل القاضي إجماعَ سلف الأمة وأئمة الفقهاء عليه، خلافًا لكثير من المعتزلة، وقومٍ من نوابت
(1)
الفقهاء المتبعين لهم على بدعتهم
(2)
في قولهم
(3)
: إنَّ الكل واجب
(4)
، وحَرَّر بعض المتأخرين معنى الإبهام في ذلك
(5)
، فقال: إن مُتَعَلَّق الوجوب هو القدر المشترك بين الخصال، ولا تخيير فيه، ومُتَعَلَّق التخيير خصوصيات الخصال ولا وجوبَ فيها
(6)
.
= الشخصي الذي وجوده في الخارج، فالوجوب لا يتعلق بالمعيَّن الشخصي؛ لأنَّ الشخص قد تحقق وجوده في الخارج، فكيف يصح التكليف بإيجاده وهو موجود! . فمراد المصنف بالمعيَّن: المعلوم المتميز، أي: المعلوم في الذهن، المتميِّز عن غيره في حقيقته.
(1)
النوابت: هم الأحداث الأغمار، أي: الذين لا عقل لهم، وفي اللسان 2/ 96: ونَبَتت لهم نابتة، إذا نَشَأ لهم نَشْأٌ صغار، وإنَّ بني فلان لنابتةُ شرٍّ، والنوابت من الأحداث: الأغمار. ووقعت الكلمة في (ص): "توابت الفقهاء"، وفي هامشها: شرح للكلمة بمعنى: أغمارهم. ولعل هذا سهو من الناسخ، وفي (ت):"ثوابث الفقهاء". وفي (غ): "ثوابت". وفي (ك): "لواب". وكل هذا خطأ من النساخ.
(2)
في (ت): "بدعهم".
(3)
في (ص)، و (ك):"قوله". وهو خطأ.
(4)
انظر: التلخيص 1/ 359.
(5)
لعله يقصد القرافي فإنه ذكر هذا التحرير الذي نقله الشارح رحمهما الله تعالى. انظر: نفائس الأصول 3/ 1418.
(6)
يعني: أنَّ مُتَعَلَّق الوجوب في الوجوب المخيَّر هو القدر المشترك بين الخصال، وهو التكفير مثلًا في كفارة اليمين، والتكفير واجبٌ لا تخيير فيه، ومتعلق التخيير في الوجوب المخير هو خصوصيات الخصال، أي: حصول ذلك التكفير بأيِّ واحدٍ من تلك الخصال بخصوصها (سواء العتق بخصوصه، أو الإطعام بخصوصه، أو =
وعندي زيادةُ تحريرٍ أخرى: وهو أنَّ القدر المشترك يقال على المتواطئ
(1)
كالرجل ولا
(2)
إبهام فيه، فإن حقيقته معلومة متميِّزة عن
(3)
غيرها من الحقائق.
ويقال على المُبْهم بين شيئين أو أشياء
(4)
، كأحد الرجلين، والفرق بينهما أنَّ الأول: لم يُقْصد فيه إلا الحقيقة التي هي مُسَمَّى الرجولية.
والثاني: قُصِد فيه أخص من ذلك، وهو أحد الشخصين
(5)
بعينه وإن لم يُعيَّن، ولذلك سُمِيَّ مبهمًا؛ لأنَّه أُبهم علينا أمره.
والأول: لم يقل به أحدٌ بأن الوجوب يتعلق بخصوصياته، كالأمر بالإعتاق، فإن مُسَمَّى الإعتاق ومسمى الرقبة متواطئ كالرجل، فلا تعلق للأمر بالخصوصيات لا على التعيين ولا على التخيير، ولا يقال فيه واجب مخير، ولا يأتي فيه الخلاف، وأكثر أوامر الشريعة من ذلك
(6)
.
= الكسوة بخصوصها)، ولا وجوب في هذه الخصوصيات، إنما الوجوب في القدر المشترك، فلا تعارض بين الوجوب والتخيير؛ لأنَّ موردهما مختلف.
(1)
المتواطئ: هو الكلي الذي استوت أفراده في معناه. كالإنسان، والرجل، والمرأة، فإن حقيقة الإنسانية والذكورة والأنوثة مستويةٌ في جميع الأفراد، وإنما التفاضل بينها بأمورٍ أُخَرَ زائدةٍ على مطلق الماهية. انظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي ق 1/ 21.
(2)
في (ص): "فلا".
(3)
في (ص): "من".
(4)
يعني: ويُقال القدر المشترك على المبهم بين شيئين أو أشياء. والقصد أنَّ القدر المشترك يطلق على المتواطئ كالرجل المراد به الحقيقة الخالصة، ويطلق القدر المشترك على المبهم بين شيئين، المراد بهما الأفراد لا الحقيقة.
(5)
في (ت): "المُشَخَّصَيْن".
(6)
المعنى: أنَّ المتواطئ لا يتعلق الوجوب بخصوصياته أي: أفراده، بل بماهيته. فمثلا: =
والثاني: متعلِّق بالخصوصيات
(1)
؛ فلذلك وقع الخلاف فيه، وأجمعت
(2)
الأمة على إطلاق الواجب المخيَّر عليه
(3)
. ولا منافاة بين ما قلناه، وما حكيناه عن بعض المتأخرين مِنْ تعلق الوجوب بالقدر المشترك، لكن فيما قلناه زيادة، وهي تبيين أنَّ ذلك القدر المشترك أخصُّ، منظورٌ فيه إلى الخصوصيات
(4)
.
= إذا أمر الشارع بإعتاق رقبة - فالأمر هنا متعلِّق بالماهية المشتركة (وهي ماهية المتواطئ: إعتاق رقبة)، ولا علاقة للأمر بخصوصيات هذا المتواطئ أي: أفراده من حيث كونها أفرادًا، بل الأمر متعلِّق بإيجاد ماهية هذا المتواطئ من حيث هي، بصرف النظر عن الأفراد؛ لأنَّه ليس لأي فرد من الأفراد خصوصيةٌ ما، بل الكل متساوٍ في الاشتراك في الماهية المشتركة، والماهية لا تعدد فيها من حيث هي، ولذلك لا يكون الأمر بها على التخيير، ولا يقال عنها واجب مخير، بل المطلوب هو إيجاد تلك الماهية بأيِّ فرد كان. لا يقال: إن قولَنا: أىُّ فرد كان - تخييرٌ؛ لأنَّ الأمر ليس لَه تَعَلُّق بهذا التخيير، فالأمر متعلِّق بالماهية، والماهية توجد بفردٍ من أفرادها.
(1)
أي: بالأشخاص والأفراد الخارجية، كما ذكر قبل قليل.
(2)
في (ك): "واجتمعت".
(3)
"انظر ما قاله الإسنوي في نهاية السول 1/ 135، فهو قريب مما قاله الشارح رحمهما الله تعالى.
(4)
أي: الأفراد الخارجية. والمعنى: أنَّ السبكي يقول: نحن نقول بمقولة هذا المتأخِّر - الذي نَقَل عنه هذا التحرير - ولكنا نقيِّد كلامَه وإطلاقَه في قوله: "متعلَّق الوجوب هو القدر المشترك بين الخصال" بأن المراد بالقدر المشترك: هو المطلق على المبهم بين الأفراد الخارجية، لا المتواطئ الذي يستوي أفراده في معناه، إذ حقيقته واحدة لا تعدد فيها ولا إبهام، والأمر حينما يتعلق بالماهية المشتركة لا يُنظر في هذا التعلق إلى خصوصيات الماهية، وهي الأفراد المعينة، بل يُنظر إلى تحقق هذه الماهية بأيِّ فرد كان، فليس لأيِّ فرد "ما" خصوصية معينة، بل الغرض هو تحقق الماهية كما سبق =
وقول المصنف: "من أمور معينة"، إنما قيَّد بقوله معيَّنة؛ لأنها إذا كانت غير معينة، فإما أن يقع التكليف بالقدر المشترك بينها من غير نظر إلى الخصوصيات، فذلك لا يُسمى إبهامًا، بل هو كالإعتاق على ما سبق، وليس كلامنا فيه.
وإما أن يُنْظر
(1)
إلى الخصوصيات كما ذكرناه في تفسير
(2)
الإبهام، فيستحيل لعدم العلم بها
(3)
.
ونحن مرادنا هنا بالمعيَّنة المعلومة المتميزة
(4)
؛ فلذلك قيَّد بقوله: المعينة، ليُبَيِّن صورةَ المسألة.
و"خصال الكفارة" يعني: كفارة اليمين، وهي الإعتاق والإطعام والكسوة، فإنها مخير
(5)
فيها، وكذا ما هو على التخيير من كفارات الحج.
وقوله: "نَصْب أحد المستعدِّين للإمامة"، يعنى: إذا شَغَر الوقت عن إمامٍ وهناك جماعة - يجب نَصْبُ واحد، وكذا قاله
(6)
غيره، وهو صحيح،
= بيانه، وما نحن فيه ليس كذلك، بل الأمر متعلِّق بخصوصية أفراد معيَّنة، فالتكفير لليمين لا يتم إلا بتحقق فرد من أفرادٍ مخصوصة، فإذن الوجوب متعلِّق بالقدر المشترك المبهم بين أفراد معينة.
(1)
في (ت): "ننظر".
(2)
في (ص): "في غير". وهو تحريف.
(3)
أي: فيستحيل التكليف بمبهم من خصوصياتٍ (أي: أفراد) غير معينة؛ لعدم العلم بها.
(4)
في (ت): "التمييز".
(5)
في (ص): "يخير".
(6)
في (ص): "قال".
إلا أنَّه من القسم الأول الذي قلنا: إن الوجوب فيه متعلِّق بالقدر المشترك من غير نظر إلى الخصوصيات، كإعتاق رقبة، فينبغي أن لا يُمَثَّل به
(1)
.
وجماعة من أصحابنا ومن المعتزلة ذكروا أمثلةً من الواجب المخيَّر من
(2)
القسمين جميعًا.
والصواب ما قدمته
(3)
، نعم في أهل الشورى الذين
(4)
جعل عمر رضي الله عنه الأمر فيهم ونحوه يتعلق الأمر بأعيانهم، فيحسن أن يكون مثالًا للواجب المخير.
وقول المعتزلة: إنَّ "الكل واجب" على المعنى المذكور، مأخذهم فيه أنَّ الحكم يتبع الحُسْن والقُبْح، فإيجاب شيء يَتْبع حُسْنَه الخاصَّ به، فلو كان واحد من الثلاثة واجبًا، والاثنان غير واجبين - لخلا اثنان عن المقتضِي للوجوب، فلا بد أن يكون كل واحد بخصوصه
(5)
مشتملًا على
(1)
المعنى: أنَّ الوجوب متعلِّق بالماهية لا بخصوصية الأفراد المعينة، إذ خصوصية الأفراد غير معتبرة هنا، ولا ينظر لها، بل المعتبر هو الماهية وهو أهلية الإمامة، فكل مَنْ وُجِدت فيه هذه الماهية، فهو مؤهَّل لأن يكون إمامًا، فالحكم منوطٌ بالماهية لا بالأفراد المعيَّنة لذاتها. فهذا وجوبٌ من القسم الأول الذي القدر المشترك فيه يراد به الماهية لا الأفراد، ومن ثَمَّ فلا إبهام فيه؛ لأنَّ الماهية لا تتعدد فيها، فلا يقال عنه واجب مخير.
(2)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"بين". وهو خطأ.
(3)
من أنَّ الواجب المخيَّر إنما يطلق على المبهم بين الأفراد المعينة، لا على المتواطئ الذي استوت أفراده في معناه.
(4)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"الذي".
(5)
في (ص): "لخصوصه".
صفة تقتضي وجوبَه، وكل منها
(1)
يقوم مقام الآخر، فَوُصِفَ كلُّ منها
(2)
بالوجوب والتخيير معا.
وتحقيق هذا الكلام إنما يُنتج أنَّ المشتمل على الحُسْن المقتضي للوجوب هو أحدها، لا خصوص كل منها، فلذلك كان معنى كلامهم
(3)
إيجابَ أحدها على الإبهام، وإنما قصدوا الفرار من لفظ يُوهم أنَّ بعضها واجب، وبعضها ليس بواجب، (وأنه لا يجوز التخيير بين الواجب وغيره)
(4)
.
وأصحابنا لا يُراعون الحُسْن والقبح، ويُجَوِّزون التخيير بين ما يُظن أنَّ فيه مصلحة، وبين ما لا مصلحة فيه، ومع ذلك لم يقولوا بوجوب واحد معيَّن، وإنما قالوا بوجوب أحدها من غير تعيين؛ لأنَّه مدلول لفظ الأمر، ومدارهم في إثبات الأحكام عليه
(5)
. فإذا نظرنا إلى مجرد ذلك لم يكن فرقٌ في المعنى بين مذهب أصحابنا ومذهب المعتزلة، وبذلك صرح طوائف منا ومنهم وتَبِعهم المصنف
(6)
، وإذا دققنا البحث، وقررنا ما قدمناه من الفرق
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"منهما". وهو خطأ؛ لأنَّ الضمير يعود إلى الخصال الثلاثة.
(2)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"منهما". وهو خطأ، كما سبق تعليله في الهامش السابق.
(3)
أي: كلام المعتزلة.
(4)
في (ص): "وأنه لا يخير بين الواجب وغيره".
(5)
سقطت من (ص).
(6)
يقصد السبكي بهذا أنَّ المعتزلة حينما قالوا بإيجاب الكلِّ لا يقصدون وجوب كل خصلة بخصوصها، بل كان مقصودهم من كلامهم الفرارَ من أنْ يُوصف بعض الخصال بالوجوب المقتضِي للحسن، وبعضها بعدم الوجوب المقتضي لعدم الحسن، لكنهم قولهم بإيجاب الكل يُقِرون بأن المكلف مطالب بواحدٍ مبهمٍ =
بين أنْ يُراد مع القدر المشترك الخصوصيات أَوْ لا، أمكن أن يُقال في خصال الكفارة احتمالان:
أحدهما: أن يكون الواجب القدر المشترك بين الخصال
(1)
.
والثاني: أن يكون كل خصلةٍ واجبة (على تقدير أن لا يُفعل غيرُها)
(2)
، وكل من الاحتمالين يمكن أن يُقرَّر على مذهبنا ومذهبهم، والأقرب إلى كلام الفقهاء الثاني
(3)
، وبه يَفْترق الحال بينه وبين إعتاق
(4)
رقبة، فإن الثابت فيه الأول لا غير
(5)
.
= من هذه الخصال الواجبة، وهذا في التحقيق هو نفس قول أصحابنا والجمهور، والجمهور حينما يقولون بأن الواجب واحد غير معيَّن لا يُراعون الحُسْن والقبح، وما فيه مصلحة وما ليس فيه مصلحة؛ لأنَّ مدار الجمهور على مدلول لفظ الأمر، لا على الحسن والقبح الذي اعتمده المعتزلة؛ فلذلك اختلف الفريقان في الألفاظ، لكن المعنى واحد.
(1)
والمراد بالقدر المشترك هو المبهم بين الأفراد المعينة، كما سبق توضيحه. والمعنى: أنَّ الواجب واحد غير معيَّن، فالواحد غير المعين هو القدر المشترك المبهم بين الأفراد المعينة، هذا على قول الجمهور، وأما على قول المعتزلة فيفسَّر هذا الاحتمال بوجوب الجميع؛ لأنَّ الوجوب يَتْبع الحُسْن عندهم، فالقدر المشترك عندهم الخصلة الموصوفة بالحسن، وهذا شامل للجميع.
(2)
في (ص): "على تقدير أنْ لا يَغْفل عنها". وهو خطأ.
(3)
أي: حينما يؤمر المكفِّر بالإعتاق، فالواجب القدر المشترك، وهو كونه عبدًا، لا خصوص كونه زيدًا أو عمرًا، أو غيرهما.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
أي: الثابت فيه هو القدر المشترك من غير نظرٍ إلى الخصوصيات، فالأمر متعلِّق بماهية إعتاق رقبة، ولا نظر لخصوصية الأفراد، كما سبق بيانه. وينبغي أنْ يُتنبه لكلام =
وقول المصنف: "فلا خلاف في المعنى"، قد علمت أنَّه يمكن تمشيته، ويمكن التوقف فيه؛ لظهور معنيين يمكن أنْ يذْهب إلى كل منهما ذاهب.
والأوفق بقواعد المعتزلة الأول، وهو تعلق الوجوب بالقدر المشترك لا غير، حتى يكون هو الموصوف بالحُسْن، وبقواعدنا يصح ذلك وغيره، وهو الأقرب إلى كلام الفقهاء، وهو المختار، وإن لم يكن بين المعنيَيْن تباعد، لكن يظهر أثره في أمور: منها: أَنَّه
(1)
إذا فَعَل خصلة يُقال على ما اخترناه
(2)
: إنها الواجب، وأما على المعنى الآخر فينبغي أن يقال: إن الواجب تَأَدَّى بها، لا أنها هي الواجب
(3)
.
وقوله: "قيل: الواجب معيَّن عند الله دون الناس"
(4)
، (هو قولٌ
= الشارح حتى لا يلتبس قوله: "فإن الثابت فيه الأول لا غير"، بالاحتمالين اللذين ذكرهما قبله، فلا يريد بقوله "الأول لا غير" الاحتمال الأول، بل يريد ما ذكرته؛ لأَنه قال قبل ذلك:"وإذا دققنا البحث وقررنا ما قدمناه من الفرق بين أنْ يراد مع القدر المشترك الخصوصيات أوْلا". فالأول: هو القدر المشترك، والثاني هو الخصوصيات، ومَنْ فهم ما سبق من كلامه مع التعليق - وضح له هذا المعنى تمامًا، ويدل على ما قلت أَنَّه لم يجعل إعتاق رقبة من الواجب المخير؛ لأنَّ الوجوب متعلق بالماهية لا الأفراد، كما سبق ذكره، والله تعالى أعلم بالصواب.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
وهو أنّ كل خصلة واجبة على تقدير ألا يفعل غيرها.
(3)
أي: على المعنى الثاني - وهو الأوفق بقواعد المعتزلة - أنَّ الوجوب متعلِّق بالقدر المشترك لا غير، فتكون الخصلة قد تأدى بها الواجب: وهو القدر المشترك، لا أنها هي الواجب.
(4)
قال الإسنوي: "وهذا القول يُسَمَّى قولَ التراجم؛ لأنَّ الأشاعرة يروُونه عن =
ترويه المعتزلة عن أصحابنا، ويرويه أصحابنا عن المعتزلة)
(1)
، واتفق الفريقان على فساده، وعندي أَنَّه لم يقل به قائل
(2)
، وإنما المعتزلة تَضَمَّن رَدُّهم علينا، ومبالغتُهم في تقرير تعلق الوجوب بالجميع - ذلك، فصار معنىً يُرَدُّ عليه
(3)
.
وأما رواية أصحابنا له عن المعتزلة فلا وجه له؛ لمنافاته قواعدَهم
(4)
.
وقوله: "وَرُدَّ بأنَّ التعيين يُحيل تَرْكَ ذلك
(5)
الواحد"
(6)
، أي: لأنَّ
= المعتزلة، والمعتزلة يروُونه عن الأشاعرة". نهاية السول 1/ 140.
(1)
في (ت): "وهو قول يرويه أصحابنا عن المعتزلة"، ويرويه المعتزلة عن أصحابنا".
(2)
قال الإسنوي: "ولما لم يُعرف قائله عَبَّرَ المصنف عنه بقوله: قيل". نهاية السول 1/ 141. وقد ذكر الزركشي هذا المذهب فقال: "والثالث أنَّ الواجب واحد معيَّن عند الله غير معيَّن عند المكلف، لكن علم الله أنَّه لا يختار إلا فِعْل ما هو واجب عليه، واختياره معرِّف لنا أنَّه الواجب في حقه، وعلى هذا فيختلف بالنسبة إلى المكلفين. حكاه ابن القطان مع جلالته". البحر المحيط 1/ 247، فماذا يَقْصد بقوله: "حكاه ابن القطان مع جلالته"؟ والظاهر أنَّ الزركشي أراد أنْ يبين أنَّ هذا القول قال به البعض، إذ حكاه ابن القطان مع جلالته في العلم، وتثبته في النقل.
(3)
يعني: أنَّ المعتزلة حينما بالغوا في الرد على الجمهور في تقرير تعلق الوجوب بالجميع، جاء هذا القول ضمنًا في ردِّهم ولم يقصدوه.
(4)
لأنَّ الحكم عندهم تابع للحُسْن والقبح العقلي، فكيف يكون مجهولا للناس، والحكم لا يأتي إلا بما يحسنه العقل أو يقبحه!
(5)
سقطت من (ت)، و (ص).
(6)
المعنى: أنَّ الواجب لو كان معيَّنا عند الله تعالى لاستحال تركه؛ لأنَّ الواجب لا يجوز تركه.
الواجب لا يجوز تركه، والتخيير يُجوِّزه، أي: يُجَوِّز الترك ضرورة، فلازم التعيين ولازم التخيير لا يجتمعان
(1)
، فالملزومان وهما التعيين والتخيير لا يجتمعان؛ لأنهما لو اجتمعا لاجتمع لازمهما؛ لأنّه يلزم من وجود الملزوم وجود اللازم، والتخيير ثابت بالاتفاق في الكفارة، فانتفى التعيين
(2)
.
وقوله: "قيل يَحْتَمِل أنّ المكلف يَختار المعيَّن أو يُعَيِّن ما يختاره، أو يَسْقط بفعل غيره"
(3)
، يعني: وعلى كلٍّ من الاحتمالات الثلاثة لا يتنافى التعيين والتخيير.
أما في الأول؛ فلأن التعيين في نفس الأمر، والتخيير في الظاهر.
وأما الثاني؛ فلأن التخيير قبل الاختيار، والتعيين بعده
(4)
.
وأما الثالث؛ فلأنا نمنع أنَّ الواجب لا يجوز تركه مطلقًا، بل هو الذي لا يجوز تركه بغير بدل.
وقوله: "وأجيب عن الأول بأنه يُوجب تفاوت المكلفين فيه"، أي:
(1)
لازم التعيين إحالة الترك، ولازم التخيير جواز الترك، وهما لا يجتمعان.
(2)
انظر: نهاية السول 1/ 141، السراج الوهاج 1/ 135، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 88.
(3)
يعني: أنَّ المكلف إما أنْ يختار المعيَّن عند الله تعالى؛ لجواز أنْ يُلهم الله كلَّ مكلف عند التخيير إلى اختيار ما عَيَّنه له، أو يحتمل أنّ الله تعالى يعيِّن ما يختاره العبد للوجوب، يعني: فبعد أنْ يختار العبد يعيِّن الله الوجوب على العبد، أو يحتمل أنْ يختار العبد غير المعيَّن عند الله تعالى، لكن هذا المعيَّن يسقط بفعل ذلك الغير. انظر: نهاية السول 1/ 141، السراج الوهاج 1/ 136، شرح الأصفهاني 1/ 88.
(4)
أي: بعد الاختيار.
إذا اختار بعضهم الإطعام، وبعضهم الكسوة، وبعضهم الإعتاق - يكون الواجب على كلٍّ منهم ما اختاره معيَّنًا عند الله، وهو خلاف الإجماع؛ لإجاع العلماء على أنَّ حكم الله في كفارة اليمين واحدٌ بالنسبة إلى الجميع
(1)
.
"وعن الثاني: بأن الوجوب مُحَقَّق
(2)
قبل اختياره"، وإلا لما أثم بتركه، فإما أن يكون معينًا أو مخيرًا، إن كان معينًا عاد الكلام، وإلا بطل قولهم
(3)
(4)
.
"وعن
(5)
الثالث: أنَّ الآتي بأيها آتٍ بالواجب إجماعًا"، يعني به:
(1)
قال الإسنوي: "وأجاب المصنف عن الأول بأنه لو كان الواجب واحدًا معينًا، ويختاره المكلف - لكان كلُّ من اختار شيئًا يكون هو الواجبُ عليه دون غيره من الخصال، فيكون الواجبُ على هذا غيرَ الواجب على الآخر عند اختلافهم في الاختيار، لكن التفاوت بين المكلفين في ذلك باطل بالنص والإجماع، أما النص فلأن الآية الكريمة دالةٌ على أنَّ كل خصلة من الخصال مجزئة لكل مكلف، وأما الإجماع فلأن العلماء متفقون على أنَّ المكلفين في ذلك سواء، وأنَّ الذي أخرج خصلة لو عدل إلى أخرى لأجزأته ووقعت واجبة". نهاية السول 1/ 142.
(2)
في (ص): "تحقق".
(3)
في (ت): "قولكم".
(4)
يعني: أنَّ الوجوب متحقق قبل الاختيار إجماعًا، وإلا لما أثم بترك لواجب، فإما أنْ يكون هذا الواجب معينًا أو مخيرًا، إنْ قلنا بأن الواجب معيَّن - عاد الكلام الذي قلناه على المعيَّن بأنه لا يجوز ترك المعين، وإنْ كان مخيرًا بطل قولهم بالتعيين. وذكر الجابردي أنَّه يلزم على هذا القول (أي: تعين الوجوب بالاختيار) أنَّه لا يجب شيء على من لا يختار أحدها، وهو باطل. انظر: السراج الوهاج 1/ 138.
(5)
في (ص): "وعلى".
القدر المشترك بين قولنا: إنَّ ما فعله هو الواجب، أو تأدَّى به الواجب؛ لأنَّه في ضمنه
(1)
، (وعلى كلٍّ مِن)
(2)
التقديرين لا يكون الواجب خارجًا عنه، فلا يسقط بفعل غيره، وليس كالسنة المجزئة عن الفرض، ولا كالبدل المجزئ عن المُبْدل
(3)
.
وقوله: "قيل: إنْ أَتَى بالكل معا"
(4)
، يعني: دفعة واحدة، إما بنفسه إنْ أمكن ذلك، أو بوكلاء، فالامتثال إما بالكل، أي: المجموع
(5)
،
(1)
قوله: "لأنه في ضمنه" أي: لأنَّ القدر المشترك في ضِمْن قولنا: إنَّ ما فعله هو الواجب، أو تأدَّى به الواجب.
(2)
في (ت)، و (غ):"وعلى كلا".
(3)
يعني: أنَّ ما نحن فيه من خصال الواجب المخيَّر ليس كالسنة المجزئة عن الفرض، ولا كالبدل المجزئ عن المُبْدل؛ لأنَّ كلا من السنة والبدل خارج عن الفرض والمبدل، أما على التقديرين في خصال الواجب المخير - فلا يكون الواجب خارجًا عن القدر المشترك. قال الإسنوى في نهاية السول 1/ 142:"وأجاب عن الثالث بأنه لو كان الواجب واحدًا معيَّنا والمأتي به بَدَلٌ عنه يسقطه - لكان الآتي به ليس آتيًا بالواجب بل ببدله، لكن الإجماع منعقد على أنَّ الشخص الآتي بأيِّ واحدة شاء من هذه الخصال هو آتٍ بالواجب إجماعًا".
(4)
أي: أتى بجميع الخصال المخيَّرة. وقول الماتن: "قيل: إن أتى بالكل. . . إلخ" إشارة إلى شُبه القائلين بأنَّ الواجب معيَّن. قال الإسنوي في نهاية السول 1/ 143: "احتج الذاهب إلى أنَّ الواجب واحد معين بأنَّ فعل الواجب له صفات: وهي إسقاط الفرض، وكونه واجبًا، واستحقاق ثواب الواجب. وتَرْكه أيضًا له خاصة: وهي استحقاق العقاب. وهذه الأربعة تدل على أنَّه واحد معين، ثم ذكر المصنف هذه الأوصاف على هذا الترتيب فبدأ بإسقاط الفرض وعَبَّر عنه بالامتثال فقال: إذا أتى المكلف بالخصال جميعها في وقت واحد فلا شك في كونه ممتثلا. . . .".
(5)
يعني: فالامتثال لأمر الله تعالى إما بالكل، أي: المجموع، بمعنى أنْ يكون المجموع =
فالمجموع واجب، ومن ضرورته وجوبُ كلِّ واحد
(1)
. وإن كان الامتثال بكل واحد فتجتمع مؤثِّرات على أثر واحد، وهو محال؛ لأنَّ المؤثر التام يَسْتغني به الأثرُ عن غيره مع احتياجه إليه.
فلو اجتمع مؤثران على أثر واحد - لاحتاج إليهما واستغنى عنهما، ويلزم أن يقع لهما وأن لا يقع بهما، فيجتمع النقيضان
(2)
.
وإن كان الامتثال بواحد غير معين - فغير المعيَّن لا وجود له
(3)
؛ لأنَّ
= هو العلة في إسقاط الواجب، وكل واحد جزء من أجزاء العلة، وهو المسمى بالكل المجموعي. انظر حاشية المطيعي على نهاية السول 1/ 145.
(1)
يعني: فلا يتحقق الامتثال بواحد منها، بل بالكل. وهو باطل؛ لأنَّه خلاف الإجماع على أنَّ الواجب يسقط بواحد منها. انظر: حاشية المطيعي على نهاية السول 1/ 143.
(2)
قوله: فلو اجتمع مؤثِّران على أثر واحد. . . الخ معناه: أننا لو فرضنا المحال بأن الأثر الواحد اجتمع عليه مؤثران فهذا يعني أوَّلًا: أنَّ الأثر محتاج إلى المؤثرين؛ لأنَّ المؤثِّر يُحتاج إليه، ونحن قد فرضنا اجتماعهما عليه وحصوله بهما. ويعني ثانيًا: أَنَّه مُسْتَغْنٍ عنهما؛ لأنَّ من صفة المؤثِّر أنَّه يغني عن غيره ولا يُستغنى عنه، وكل واحد من المؤثرين بهذه الصفة، فهما متناقضان، واجتماعهما مستحيل، فالأثر مُسْتَغْنٍ عنهما لاستحالة اجتماعهما. فلزم من القول باجتماع المؤثرين على الأثر الواحد، أنَّ الأثر يقع بهذين المؤثرين من جهة أننا فرضنا احتياجه إليهما، ويلزم أيضًا ألا يقع الأثر بهذين المؤثرين؛ لأنهما لا يجتمعان، فيكون قد اجتمع في الأثر الواحد نقيضان: الوقوع، وعدم الوقوع. واجتماع النقيضين مستحيل، فينتج منه بطلان القول باجتماع مؤثرين على أثر واحد.
(3)
يعني: أنَّ الامتثال بواحد غير معيَّن مستحيل، فخصال الكفارة قبل الامتثال هي مخيَّرة، وبعد الامتثال تتعين، فكيف يمتثل العبد بشيء غير معين، أي: كيف يُوجِد =
كل موجود معيَّن، (فما ليس)
(1)
بمعين ليس بموجود؛ لأنَّه عكس نقيضه
(2)
، ولما بطلت هذه الأقسام الثلاثة تَعَيَّن الرابع، وهو أنَّ الامتثال بواحدٍ معين، وهو المطلوب؛ لأنَّ ما وقع الامتثال به هو المأمور به.
وأيضًا الوجوب صفة الواجب، وهي صفة معيَّنة، فلا بد أن يكون
= شيئًا وهو حال وجوده غير معيَّن، فهذا مستحيل؛ لأنَّ الوجود لازمه التعيين، فكل موجود متعيِّن.
(1)
في (ص)، و (ك):"كما ليس". وهو خطأ.
(2)
يريد بعكسِ النقيضِ عكسَ النقيضِ الموافق، كما هو ظاهر من المثال، وضابط عكس النقيض الموافق: هو أنْ تُبَدِّل كلَّ واحد من طرفي القضية بنقيض آخر، فتبدل الموضوع بنقيض المحمول، والمحمول بنقيض الموضوع مع بقاء الكيف. فإن كانت القضية كلية موجبة انعكست كلية موجبة كنفسها. وإن كانت كلية سالبة فلا بد من تبديل السور الكلي بسور جزئي، فتنعكس من الكلية السالبة إلى جزئية، عكس الواقع في العكس المستوي، فإن الكلية السالبة فيه تنعكس كنفسها، والكلية الموجبة تنعكس فيه جزئية موجبة.
انظر: آداب البحث والمناظرة للشنقيطي ق 1/ 69. فإذا طَبَّقْنا ضابط عكس النقيض الموافق على القضية المذكورة في الشرح اتضح المعنى. فالقضية الأولى هي: كل موجود معيَّن. وهي كلية موجبة، وعكس نقيضها الموافق كلية موجبة أيضًا، وهي: كل لا معين لا موجود. وقول الشارح: "فما ليس بمعين ليس بموجود" يريد به الكلية، ولكنه حذف حرف السور (كل)؛ لوضوح المعنى المراد، وهو ليس في مقام شرح القاعدة المنطقية. والعكس عند المناطِقة ثلاثة أقسام: العكس المستوي: وإليه ينصرف اسم العكس عند الإطلاق. وعكس النقيض الموافق. وعكس النقيض المخالف. لمعرفة معانيها والأمثلة عليها راجع: آداب البحث والمناظرة ق 1/ 67، حاشية الباجوري على السلم ص 57.
موصوفها معينا
(1)
، وليس المجموع، ولا كل واحد، ولا واحدًا غير معين؛ لما سبق، فثبت أَنَّه معيَّن.
وأيضًا إذا أتى بالجميع، فإنْ أثيب ثواب الواجب على المجموع، أو على كل فرد، أو على غير معيَّن - لزم ما سبق، فلا يثاب إلا على واحد معين.
وأيضًا إذا ترك
(2)
الجميع إنْ عوقب على المجموع، أو على كل واحد، أو على واحد
(3)
غير معين - لزم ما سبق، فلا يعاقب إلا على ترك واحد معيَّن. فهذه أربعة أدلة استُدل بها للقول
(4)
المردود.
وقوله: "وأجيب عن الأول بأن الامتثال بكل واحد"
(5)
، وتلك الخصال معرِّفات لا مؤثِّرات، فلا يلزم اجتماع مؤثرات على أثر واحد،
(1)
لأنَّ غير المعين لا يناسب المعيَّن، ولا وجود له أيضًا في نفسه؛ فيمتنع وصفه بالوجوب؛ لاستحالة اتصاف المعدوم بالصفة الثبوتية، فبطل أنْ يكون الواجب غير معين.
انظر: نهاية السول 1/ 145.
(2)
في (ص): "تركت".
(3)
سقطت من (ت)، و (غ).
(4)
في (ص): "القول". وهو خطأ.
(5)
أجاب المصنف عن الدليل الأول وهو قولهم: إنه إذا أتى بالكل معًا فلا جائز أنْ يكون الامتثال بالكل، ولا بكل واحد، ولا بواحد غير معين. فقال: نختار القسم الثاني وهو حصول الامتثال بكل واحد، ولا يلزم اجتماع مؤثرات على أثر واحد. انظر: نهاية السول 1/ 147.
وأما المعرِّفات فيجوز اجتماعها على الشيء الواحد
(1)
، كأفراد العالمَ للصانع.
وهذا الجواب يحتمل أمرين:
أحدهما
(2)
: أن يكون المقصود منه الردُّ على الاستدلال فقط، من غير بيان ما يعتقده في
(3)
أنَّ الامتثال بماذا، وكأنه يقول: دليلك لا يُنتج أنَّ الواجب واحد معين؛ لاحتمال أن يكون الواجب كلَّ واحد، ويكون الامتثال بكل واحد، ولا يلزم اجتماع مؤثرات على أثر واحد. وهذا إذا فَسَّرنا الامتثال بفعل الواجب، فإنه
(4)
يلزم عليه أنَّ ما يقع به الامتثال واجب، ويكون الجواب على هذا جدَليًا، والجواب التحقيقي
(5)
أنَّ الامتثال بواحدٍ لا بعينه، وهو موجود في ضمن كل واحد
(6)
.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سقطت من (ص).
(3)
في (ص): "من".
(4)
سقطت من (ص)، و (غ).
(5)
في (ت): "الحقيقي".
(6)
لما قال: إنَّ الامتثال بواحد لا بعينه، وقد سبق أنْ بَيَّن أنَّ الامتثال بواحد غير معين مستحيل - قال هنا: وهو (الواحد غير المعيَّن) موجود في ضمن كل واحد. أي: في ضمن كل واحد من خصال الواجب المخير، فوجود الواحد غير المعين ضمني في الكل. قال الإسنوي في نهاية السول 1/ 150:"غير المعين إنما لا يُوجد إذا كان مجردًا عن المشخصات، ويوجد إذا كان في ضمن شخص، بدليل الكلي الطبيعي، كمطلق الإنسان، فإنه موجود مع أنَّ الماهيات الكلية لا وجود لها".
والثاني: أن يكون جوابا تحقيقيًا، فإن الامتثال معناه: إما فِعْلٌ يَتَضَمَّن مِثْلَ المأمور به، إذا جعلناه افتعالًا مِن المِثْل الذي هو الشَّبَه
(1)
. وإما الانتصاب والقيام لأداء المأمور به، إذا جعلناه من مَثَلَ على وزن ضَرَب، أي: انتصب
(2)
، وعلى كلا التقديرين لا يستلزم أن يكون المُمْتَثَلُ به
(3)
هو الواجب، بل أن يكون الواجب يحصل به
(4)
، ولا شك أنَّ الواجب حاصلٌ في هذه الصورة بكل واحد لتضمنه له وقصْده به
(5)
، فيكون الامتثال بكل واحد وبالمجموع أيضًا؛ لتضمنه
(6)
الواجب، وهو
(7)
واحد لا بعينه. أو يكون الامتثال بكلِّ واحد وكلِّ واحدٍ واجبًا، على معنى
(1)
يعني: أنَّ الامتثال من باب افتعال، والمصدر هو المِثْل بمعنى الشِّبهْ، فيكون معنى امتثال: فِعْل المِثْل، أي: أنَّ العبد فعل مِثْل المأمور به لا ذات المأمور به، فقد أدَّى مثل الواجب لا الواجب ذاته.
(2)
انظر: المصباح 2/ 227 - 228، وفيه: "ومَثَلْتُ بين يديه مُثُولًا، من باب قعد: انتصبت قائمًا). وانظر: لسان العرب 11/ 610 - 614.
(3)
سقطت من (ت)، و (غ).
(4)
في الصورة الأولى سبق أنْ بينا أنَّ فِعْل المِثْل لا يستلزم أداء الواجب ذاته، وفي الصورة الثانية إذا كان الامتثال بمعنى القيام لأداء المأمور به، فليس هو فعل المأمور به - بل هو القيام والانتصاب لأدائه، بمعنى التهيؤ لفعله، لا فِعْله ذاته، فيكون الامتثال على هذه الصورة ليس هو الواجب ذاته، بل إن الواجب يحصل بالتهيؤ والانتصاب، كما أنَّ الواجب يحصل بفعل المِثْل.
(5)
في (ت): "وقصد به".
(6)
أي: لتضمن المجموع.
(7)
في (ص)، و (ك):"وهذا".
ما قدمناه عن الفقهاء، فيصير جوابا تحقيقيًا على المذهبين
(1)
.
وفي الوجه الأول هو جواب جدلي على المذهبين
(2)
.
وقوله: "أو
(3)
بواحدٍ غير معيَّن ولم يُوجد" جوابه
(4)
أنَّ غير المعين له معنيان:
أحدهما: أَنَّه
(5)
المقيَّد بقَيْدِ عدمِ التعيين، وهذا هو الذي لم يُوجد.
والثاني: أحدها
(6)
لا بقيد (التعيين ولا بقيد)
(7)
عدم التعيين، وهذا موجود في ضمن المعيَّن، وهو المقصود هنا، فقولك:"ولم يوجد" ممنوع.
وهذا جواب تحقيقي على المعنى المتفق عليه في المذهبين.
وقوله: "أو
(8)
بواحد معيَّن، وهو المطلوب"، وعللناه بأن ما وقع
(1)
فالامتثال هنا يتحقق بفعل خصلة واحدة من الخصال المخيَّرة، أو بالمجموع؛ لأنَّه متضمن للواجب، سواء اعتبرنا أنَّ الواجب واحد لا بعينه، أو كل واحد واجبًا بشرط أن لا يُفعل غيره على قول الفقهاء.
(2)
أي: مذهب الفقهاء وغيره، بناءً على أَنَّه قُصِد به إبطال دليل الخصم، لا تحقيق الصواب.
(3)
سقطت من (ص).
(4)
أي: جواب قول الخصم في دليله الأول: إن الامتثال بواحد غير معين لا يجوز؛ لعدم وجوده.
(5)
سقطت من (ص)، و (غ)، وفي (ت)، و (ك):"أن". والصواب ما أثبته.
(6)
أي: أحد الخصال المعينة.
(7)
سقطت من (ص).
(8)
سقطت من (ص).
الامتثال به هو الواجب - يتوجه عليه مَنْعٌ؛ لما
(1)
قدمناه في تفسير الامتثال
(2)
.
وقوله: "وعن الثاني" يعني: الوجوبُ وصفٌ
(3)
معيَّن، فيستدعي محلًا معينًا، بأنه
(4)
يستدعي أحدها لا بعينه.
كالحرارة وهي معلول معيَّن يستدعي
(5)
إما الشمس، وإما النار، فهي علة غير معيَّنة
(6)
.
واعلم أنّ المعيَّن يطلق على المشخَّص
(7)
، وليس هو المراد هنا
(8)
في الطرفين
(9)
، ويُطلق على المعلوم المتميِّز، فإنه له تعين بوجه ما،
(1)
في (ت): "مما". وفي (غ): "ما"، وفي (ك):"كما".
(2)
سبق أنْ بين أنَّ الامتثال يكون بفعل مِثْل الواجب، أو الانتصاب والقيام لأداء الواجب، فليس الامتثال يستلزم أنْ يكون بفعل الواجب ذاته.
(3)
في (ص): "وصفه". وهو خطأ؛ لأنَّ المعنى أنّ الوجوب ذاته وصف، فيستدعي محلا معيَّنًا يتعلق به، ويُوصف ذلك المحل بأنه واجب. وهذا كما سبق بيانه هو دليل الخصم الثاني. انظر: نهاية السول 1/ 145.
(4)
في (ص): "فإنه". وهو خطأ؛ لأنَّ المعنى: أنَّ الجواب عن الدليل الثاني للخصم بأنه.
(5)
في (ت): "فيستدعي".
(6)
وكالحدث، فإنه يستدعي علةً مِنْ غير تعيين، وهو إما البول أو اللمس أو غير ذلك. انظر: نهاية السول 1/ 150.
(7)
في (غ): "الشخص".
(8)
في (ت): "ها هنا".
(9)
يعني: أنَّ المعين يطلق على المشخص، وهو واحد بذاته، وليس هذا المعنى هو المراد عند الطرفين: القائلين بالتعيين وعدمه.
فيطلق
(1)
على أحدها أيضًا أَنَّه معين
(2)
بهذا الاعتبار، ويطلق على ما ليس بينه وبين غيره إبهام
(3)
، فأحدها بهذا التفسير غير معين
(4)
، والوجوب معيَّن؛ فلذلك جرى البحث فيه
(5)
(6)
، ولا يلزم أن يكون المحل مساويًا للحالِّ في ذلك
(7)
.
وقوله
(8)
: "وعن الآخَرَيْن"، يعني: الثواب والعقاب بأنه يستحق
(9)
ثواب أمور، ولا يجوز ترك كلها ولا يجب فعلها، يعني: ثواب واجبات
(1)
سقطت الفاء من كلمة: فيطلق في (ص): ويطلق. وهو خطأ؛ لأنَّ المعنى لا يصح بالواو، إذ يوهم أنَّه إطلاق مستقل، وهو ليس كذلك، بل المعنى أنَّه تفريع على الإطلاق الذي قبله، فيطلق المعين (بمعنى المعلوم المتميز) على أحد الخصال المخيرة.
(2)
في (ص): "يتعين".
(3)
حاصل هذا الكلام أنَّ المعين يطلق بإطلاقات ثلاث: الأول: المشخص، ولا يراد هنا. الثاني: المعلوم المتميز، فإن هذا المعنى له تعين بوجه ما، فيطلق على أحد الخصال أنَّه معين باعتبار هذا المعنى. الثالث: ما ليس بينه وبين غيره إبهام، كالإعتاق مثلا، فإنه ليس بينه وبين معنى الإطعام إبهام.
(4)
أي: إذا قلنا: أحد الخصال المعينة، وأردنا بالمعيَّنة: ما ليس بينها وبين غيرها إبهام - فهذا التعيين ليس بتعيين؛ لأنَّه غير منحصر، فلا يكون تعيينًا.
(5)
سقطت من (ص).
(6)
قوله: "فلذلك جرى البحث فيه" أي: في الوجوب وفي محله.
(7)
أي: لا يلزم أنْ يكون محل الوجوب معينا إذا كان الوجوب معينًا، فقد يكون الوجوب معينًا وهو الحالّ، والمحل غير معين، كما هو في خصال الواجب المخيَّر، فالوجوب معين وهو الكفارة، والمحل غير معين.
(8)
انظر قول المصنف في ص: 228.
(9)
أي: إذا أتى بجميع الخصال المخيرة. وفي (ص)، و (ك):"مستحق".
مخيرة، وهو أزْيَد من ثواب بعضها سواء اقتصر عليه أو ضم إليه نفلًا آخر، وأنقص من ثواب الواجبات المعيَّنة، ولكل منهما
(1)
رتبة من الثواب عند الله تعالى.
وكذا العقاب إذا تركها يستحق العقاب على ترك مجموع أمور، كان المكلف مخيرًا بين تَرْك أيِّ واحدٍ شاء منها بشرط فِعْل الآخر
(2)
.
وقال بعضهم في الثواب والعقاب: إنه يستحق ثواب الواجب على فعل أكثرها ثوابًا، ويستحق على الترك عقابَ أدونها عقابًا
(3)
، فأما ما قاله في العقاب فيظهر اتجاهه، وما قاله في الثواب مراده به الثواب على الواجب، وما عداه تطوع يثاب عليه ثواب التطوع
(4)
، وبهذا يُعلم أنَّ الخلاف في الثواب خلاف في أَنَّه إذا فعل الجميع ما الذي
(1)
في (غ): "ولكل واحد منهما".
(2)
يعني: إذا ترك جميع الخصال فيعاقب على ترك الكل، لا على واحدة لا بعينها، في حين أَنَّه لو فعل خصلةً واحدة جاز له ترك الباقي.
(3)
قال بهذا القول ابن بَرْهان كما في المسودة ص 28، والبحر المحيط 1/ 258، وحكاه ابن السمعاني عن الأصحاب كما في البحر.
(4)
هذا فيما يظهر تأويل من السبكي لهذا القول؛ لأنَّه يرى أنَّ أكثرية الثواب تكون بسبب الوجوب، والمشقة ليس لها علاقة بالوجوب، فما وقع واجبًا كان أكثر ثوابًا، وما كان تطوعًا كان أقل ثوابًا، فهو يفسِّر قول القائل: إنه يستحق ثواب الواجب على فعل أكثرها ثوابًا (والذي يظهر من معناه: أكثرها مشقة) بتفسير آخر، ويقول: معناه أكثرها ثوابا ما وقع واجبا، وما وقع نفلا فهو أقل ثوابًا، فالأكثرية للوجوب كيفما كان وهذا في نظري تفسير بعيد، يخالف قصد القائل، والله تعالى أعلم.
يقع واجبا؟ .
وحكى القاضي قولا ثالثا أنّ الذي يقع واجبا هو العتق؛ لأنَّه أعظم ثوابًا؛ لأنَّه أنفع وأشق على النفس. وأُورد
(1)
عليه بأنه قد لا يكون كذلك.
(2)
ويحتمل عندي قول رابع، وهو أَنَّه لا يثاب، ولا
(3)
يعاقب إلا على أحدها؛ لأنَّه الواجب على قولهم، و
(4)
هذا الخلاف شبيه بالخلاف فيما إذا طَوَّلَ الطمأنينة في الصلاة، أو مسح جميع الرأس في الوضوء، هل يقع الجميع واجبا أَوْ لا؟ .
وبه
(5)
يُعلم أنَّ محل الأقوال الأربعة إذا فعل الجميع، أما قبل
(6)
الفعل فليس إلا ما قدمناه من أحدها (أو الجميع)
(7)
(8)
.
(1)
في (ت)، و (غ):"ورُدَّ".
(2)
كمَلِكٍ يملك كثيرًا من العبيد، فلا يشق عليه العتق.
(3)
سقطت من (ت)، و (ص)، و (ك).
(4)
سقطت الواو من (ت).
(5)
سقطت من (ص).
(6)
في (ص): "قيد". وهو تحريف.
(7)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"والجميع". وهو خطأ.
(8)
انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 2/ 266، التحصيل 1/ 302، الحاصل 1/ 446، المستصفى 1/ 218، جمع الجوامع على المحلي 1/ 175، البحر المحيط 1/ 246، نهاية السول 1/ 132، السراج الوهاج 1/ 133، شرح الأصفهاني 1/ 86، شرح الكوكب 1/ 379، شرح مختصر الروضة 2/ 289، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 235، بيان المختصر 1/ 345، المعتمد 1/ 77، مناهج العقول 1/ 73.
فرع: إذا باع قفيزًا من صُبْرة فالمعقود عليه قفيزٌ لا بعينه، يعني
(1)
القدر المشترك بين أقفزة الصبرة، وقالوا: إنَّ معناه: كل واحد منها على البدل، كما قالوا في خصال الكفارة، وعندي أَنَّه كعتق الرقبة، وقد تقدم تحريره. وإذا اختار المشتري واحدًا منها لا يقول: إنه كان معيَّنًا، بل تعين
(2)
فيه بعد
(3)
إبهامه، وكذا إذا دَعَت المرأةُ إلى تزويجها مِنْ كفأين وجب
(4)
من أحدهما، كالمستعدِّين للإمامة، (أما إذا)
(5)
طَلَّق إحدى امرأتيه أو أَعتق أحد عبديه، فهو كخصال الكفارة سواء، ولا اختصاص للطلاق والعتق بواحد معين، فإذا اختار تَعيَّن ما يختاره
(6)
(7)
.
(تذنيب:
الحكم قد يتعلق على الترتيب، فَيَحْرُم الجمع، كأكل المذكَّى والميتة، أو يباح كالوضوء والتيمم، أو يُسَن ككفارة الصوم).
(1)
في (ك): "بمعنى".
(2)
في (ص): "يعين".
(3)
سقطت من (ص).
(4)
في (ص): "زُوِّجت".
(5)
في (ص): "وإذا".
(6)
يعني: أنَّ الحكم غير مختص بواحد معين، بل الحكم غير معين، فإذا طلق إحدى امرأتيه من غير تعيين فهذا مبهم، فإذا سئل الزوج عن ذلك فاختار للطلاق واحدة - فهنا يتعين الطلاق، وكذا لو أعتق أحد عبديه - فإن العشق مبهم لا يقع، فإذا سئل واختار للعتق واحدا - وقع العتق على المعين.
(7)
انظر هذا الفرع في: المحصول 1/ ق 2/ 277، التحصيل 1/ 303، البحر المحيط 1/ 257.
التذنيب: من قولهم: ذَنَّب الرجلُ عمامتَه إذا أَفْضل منها شيئًا فأرخاه كالذَّنَب، وذنَّبَت البُسْرة بدا فيها الإرْطاب مِنْ قِبَل ذَنَبِها
(1)
.
فالتذنيب هنا معناه: تتمة للمسألة
(2)
، وليس فرعًا منها؛ لأنها في المخيَّر وهو في المرتَّب
(3)
، ولكن التخيير والترتيب
(4)
اشتركا في أنَّ كلًا منهما حُكْمٌ يتعلق بأمور، فإباحة الميتة مرتبة على إباحة المذكى
(5)
، ويحرم الجمع بينهما؛ لعدم الاضطرار المبيح للميتة، ووجوب التيمم وإباحته مرتب على الوضوء؛ لاختصاصه
(6)
بحالة العجز.
وقال المصنف: إنه يباح الجمع بينهما، وكذا في "المحصول" وغيره
(7)
.
وكنتُ أُصَوِّر هذا للطلبة بما إذا خاف من استعمال الماء، لمرض، ولم ينته خوفه إلى أن يَقْطع أو يَظُن بالضرر المانع من جواز استعمال الماء، فإنه
(1)
أي: مُؤَخَرِها، ويقال للبُسْر الذي قد بدا فيه الإرْطَاب مِنْ قِبَل ذَنَبِه: التَّذْنُوب، والواحدة تَذْنُوبة، في لغة التميميين، وفي لغة أسد: التُّذْنُوب. لسان العرب 1/ 390. وفي المصباح 1/ 67 (مادة بلح): "البلح: ثمر النخل ما دام أخضر، قريبًا إلى الاستدارة، إلى أنْ يغلظ النوى، وهو كالحُصْرم من العِنَب، وأهل البصرة يسمونه الخَلال، الواحدة بلحة وخَلالة، فإذا أخذ في الطول والتلون إلى الحمرة أو الصفرة فهو بُسْر، فإذا خلص لونُه (أي: تكاملت حمرته أو صفرته)، وتكامل إرطابه فهو الزهو".
(2)
انظر: نهاية السول 1/ 157.
(3)
أي: لأنَّ المسألة الأولى في المخيَّر، وهو - أي: التذنيب - في مسألة المرتب.
(4)
في (غ): "المخير والمرتب".
(5)
في (ص): "المضطر". وهو خطأ.
(6)
أي: التيمم.
(7)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 283، التحصيل 1/ 304، الحاصل 1/ 451.
يباح له التيمم لأجل الخوف، ولا يمتنع الوضوء لعدم تحقق الضرر، فإذا تيمم صح تيممُه، فإذا أراد أن يتوضأ بعد ذلك جاز، كما قيل في قوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}
(1)
(إذا جعلناه)
(2)
خطابا لمن يُطَوَّق
(3)
(4)
الصوم ولا يُطِيقه، كالشيخ الكبير فيجوز له الفطر والفدية، ولو حَمَل على نفسه وصام كان خيرًا له
(5)
.
ولا يُقال فكان على قياس هذا أن يُسَنَّ الجمع؛ لأنَّ الوضوء أفضل؛ لأنا نقول صحيح أنَّ الوضوء أفضل، لكن كلامه في الجمع وهو يحصل بإضافة التيمم إليه، وليس بأفضل، بل هو مباح
(6)
، وهذا التصوير على حُسْنه يَخْدِش فيه شيء واحد، وهو أَنَّه إذا توضأ بطل التيمم؛ لأنها
(7)
(1)
سورة البقرة: 184.
(2)
في (ص)، و (ك):"وإذا جعلناه". وهو خطأ.
(3)
في (ت): "يُطَيَّق" أي: يتكلف على جُهْد ومشقة.
(4)
في (ص): "لمن يمكنه". وهو خطأ. والظاهر أنَّ ناسخ (ص) تصرف في الكلمة لما لم يتضح له المعنى.
(5)
انظر: بداية المجتهد 1/ 301، تفسير أبي السعود 1/ 199، تفسير القرطبي 2/ 286. قال القرطبي:"ومشهور قراءة ابن عباس (يُطَوَّقُونَهُ) بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو، بمعنى يُكَلِّفُونَه"، وفي لسان العرب 10/ 231:"ومن الشاذ قراءة ابن عباس ومجاهد وعكرمة: وعلى الذين يُطَوَّقُونه، ويَطَّوَّقُونَه، ويُطَّيَّقُونه، ويَطَّيَّقُونه. . .". وانظر: القاموس المحيط 3/ 260، مادة (الطوق).
(6)
يعني: أنَّه يقول: صحيح أنَّ الوضوء أفضل، لكن كلام المصنف ليس في أفضلية الوضوء، بل في الجمع بين الوضوء والتيمم، وهو - أي: الجمع - يحصل بإضافة التيمم إلى الوضوء، وليس الجمع بينهما بأفضل من الوضوء، بل هو - أي: الجمع - مباح.
(7)
في (ص): "فإنها".
طهارةُ ضرورةٍ، ولا ضرورةَ هنا، فلم يجتمع الوضوء والتيمم، وإذا لم يُمكن اجتماعهما لا يوصف بالإباحة ولا بغيرها
(1)
.
وقوله: "ككفارة الصوم"، يعني كفارة
(2)
الوقاع في صوم
(3)
رمضان يجب به الإعتاق، فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يجد فالإطعام، وكذا كفارة الظهار، ولو مَثَّل بها المصنف - كان أحسنَ؛ للنَّصِّ عليها في القرآن.
وكفارة الوقاع قال مالك بالتخيير فيها
(4)
، ويمكن حمل كلام المصنف على الصوم في كفارة اليمين، فإنه مرتب على الخصال الثلاث المخير فيها
(5)
، وأيًّا ما كان فالحكم بأن الجمع سنة يحتاج إلى دليل ولا أعلمه، ولم أر أحدًا من الفقهاء صرح باستحباب الجمع، وإنما الأصوليون ذكروه ويحتاجون إلى دليل عليه، ولعل مرادهم الورع والاحتياط بتكثير أسباب براءة الذمة، كما أعتقت عائشة رضي الله عنها عن نذرها في كلام ابن الزبير رقابًا كثيرة، وكانت تبكي حتى تَبُلَّ دموعُها خمارَها
(6)
.
(1)
قال الإسنوي في نهاية السول 1/ 159: "التمثيل بالتيمم فاسد؛ لأنَّ التيمم مع وجود الماء لا يصح، والإتيان بالعبادة الفاسدة حرام إجماعًا؛ لكونه تلاعبًا، كما صرحوا به في الصلاة الفاسدة، فإن فُرِض أنَّه استعمل التراب في وجهه ويديه لا على قصد العبادة فلا يكون تيمما".
(2)
في (ص): "ككفارة".
(3)
في (غ): "شهر".
(4)
انظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 172.
(5)
وهي: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم. مخيَّر بين هذه الثلاث، فإن لم يستطع - صام ثلاثة أيام.
(6)
أخرجه البخاري 3/ 1291، في المناقب، باب مناقب قريش، رقم الحديث 3314، =
(وهذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها المصنف في المرتب)
(1)
.
ولعلهم أيضًا لم يريدوا أنَّ الجمع قبل فعله مطلوب، بل إذا وقع كان بعضه فرضًا وبعضه ندبًا، وعبارة القاضي تقتضي هذا، ويكون هذا من باب النوافل المطلقة، ومَثَّل القاضي بالمسح والغَسْل أيضًا، فإنْ أراد مسح الخف فالقول بأنه إذا فعله بعد غَسْل الرجلين
(2)
يكون مندوبًا في غاية البعد.
(وإذا كَفَّر بالعتق ثم صام)
(3)
بنية الكفارة، ينبغي أن يأتي فيه الخلاف المشهور في أَنَّه إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم؟ .
وهذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها المصنف في المرتَّب ذكر في "المحصول" مِثْلَها في المخيَّر أيضًا
(4)
.
= وفي 5/ 2255، كتاب الأدب، باب الهجرة، رقم الحديث 5725. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ص 143، رقم 397. وابن حبان كما في الإحسان 12/ 478 - 479، رقم الحديث 5662. والبيهقي 6/ 61 - 62، في كتاب الحَجْر، باب الحجر على البالغين بالسفه. وأخرجه أحمد بدون بكائها في المسند 4/ 327، 328.
وقد ذكر الحافظ في النكت الظراف هامش تحفة الأشراف (8/ 385) أن لهذا السند علة بَيَّنها إبراهيم الحربي في كتاب "النهي من الهجران". وبيَّنها الحافظ في الفتح (10/ 493) وهي في تحرير اسم الراوي هنا عن عائشة رضي الله عنها، فلا يضر في صحة الحديث؛ إذ العلة غير قادحة.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ص)، و (غ)، و (ك):"الرجل".
(3)
في (ص): "وإذا كفرنا بالعتق صار". وهو خطأ.
(4)
أي: المصنف اكتفى بالتمثيل على ما يحرم الجمع بينه فيما يكون مأمورًا به على =