الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الفصل الثالث: في المحكوم به.
وفيه مسائل:
الأولى: التكليف بالمحال جائز
؛ لأن حكمه لا يستدعي غرضًا. قيل: لا يُتصور وجودُه فلا يُطْلب. قلنا: إن لم يُتصور امتنع الحكم باستحالته).
ما لا يقدِرُ العبد عليه قد يكون معجوزًا عنه مُتَعَذِّرًا عادةً لا عقلًا، كالطيران في الهواء. وقد يكون متعذرًا عقلًا ممكنًا عادة، كمن علم الله تعالى أنه لا يؤمن، فإن إيمانه مستحيل والحالة هذه عقلًا؛ لتعلق علم الله به، وإذا سئل ذوو العوائد عنه حكموا بأن الإيمان في إمكانه، وهكذا كل طاعةٍ قُدِّر في الأزل عَدَمُها
(1)
. وقد يكون متعذرًا عادة وعقلًا، كالجمع بين السواد والبياض.
إذا عرفتَ هذا فمحل النزاع في التكليف بالمستحيل إنما هو في
(2)
المتعذر عادةً، سواء كان معه التعذر العقلي أمْ لا
(3)
.
أما المتعذر عقلًا فقط؛ لتعلق علم الله به
(4)
- فأطبق العقلاء عليه، وقد كلف الله الثقلين أجمعين بالإيمان مع قوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
(1)
أي: هي مستحيلة عقلًا لا عادة.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
فالنزاع في المحال لذاته: وهو الممتنع عادةً وعقلًا. وفي المحال عادةً فقط. وانظر: نفائس الأصول 4/ 1548.
(4)
سقطت من (ت).
بِمُؤْمِنِينَ}
(1)
. فنقول: ذهب جماهير الأصحاب
(2)
إلى أنه يجوز التكليف بالمحال.
وذهبت المعتزلة إلى امتناع التكليف بالمحال مطلقًا، وإليه ذهب بعض أصحابنا كالشيخ أبي حامد
(3)
وإمام الحرمين
(4)
والغزالي
(5)
، واختاره الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد كما صرح به في "شرح العنوان"
(6)
(7)
.
وذهب قوم إلى أنه إنْ كان ممتنعًا لذاته لم يجز، وإلا جاز، واختاره الآمدي، وادَّعى أنَّ الغزالي مال إليه
(8)
.
(1)
سورة يوسف: الآية 103.
(2)
قال به الطوفي من الحنابلة. شرح الكوكب 1/ 486.
(3)
الإسفراييني. انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 207، البحر المحيط 2/ 113.
(4)
انظر: البرهان 1/ 104.
(5)
انظر: المستصفى 1/ 291.
(6)
انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 207، البحر المحيط 2/ 113".
(7)
وذهب إليه ابن الحاجب، انظر: بيان المختصر 1/ 413، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 9.
(8)
قال الآمدي في الإحكام 1/ 192: "والمختار إنما هو امتناع التكليف بالمستحيل لذاته، كالجمع بين الضدين ونحوه. وجوازه في المستحيل باعتبار غيره. وإليه ميل الغزالي رحمه الله". والمراد بالممتنع لذاته: هو الممتنع عادةً وعقلًا، كالجمع بين السواد والبياض. ويقابله الممتنع لغيره، وهو نوعان: الأول: الممتنع عادة لا عقلًا، كالمشي من الزَّمِن والطيران من الإنسان. والثاني: الممتنع عقلًا لا عادة، كالإيمان ممن علم الله أنه لا يؤمن. انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 206، وقال البناني في =
وذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أنه لا يجوز أن يَرِد التكليف بالمحال، فإن وَرَد لا نسميه تكليفًا، بل يكون علامةً نصبها الله تعالى على عذاب مَنْ كلَّفه بذلك
(1)
.
واستدل في الكتاب على الجواز مطلقًا: بأن امتناع التكليف عند القائل به إنما هو لكونه عبثًا، وذلك مبني على تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض وهو باطل. وهذا يصلح ردًا على مَنْ بنى الامتناع على ذلك وهم المعتزلة، وأما مَنْ وافقهم مِنْ أصحابنا فلهم مأخذ آخر.
واحتج المعتزلة ومَنْ وافقهم: بأن المحال لا يُتَصَوَّر؛ لأَن كل ما يتصور بالعقل فهو معلوم
(2)
؛ إذ التصور مِنْ جملة أقسام العلم.
وكل معلوم متميز
(3)
، وكل متميز ثابت
(4)
؛ لأن التميز صفة وجودية ولا بد لها من موصوف موجودٍ، ضرورة عدمِ قيامِ الموجودِ بالمعدوم. فلو
= حاشيته في المحال لذاته: "أي: أن استحالته بالنظر لذاته، أي: نفس مفهومه، بمعنى: أن العقل إذا تصوره حَكَم بامتناع ثبوته، كالجمع بين السواد والبياض، فإن العقل يحكم بامتناع ذلك؛ لما يلزم عليه من الجمع بين النقيضين".
(1)
انظر: الوصول إلى الأصول 1/ 81، 82.
(2)
هذه مقدمة صغرى.
(3)
هذه مقدمة كبرى أولى
(4)
هذه مقدمة كبرى ثانية. ونتيجة هذا المقياس المركب: كل ما يُتصور ثابت. وهذا القياس المركب حَمْلي؛ لأنه مركب من قضايا حملية: وهي المؤلفة من موضوع ومحمول.
كان مُتَصَوَّرًا لكان ثابتًا
(1)
، ولكنه غير ثابت
(2)
، فلا يكون متصورًا
(3)
. وإذا كان غير مُتَصَوَّر فلا يكلَّف به؛ لأنه والحالة هذه مجهول. قال الغزالي: "والمطلوب ينبغي أن يكون مفهومًا للمكلَّف بالاتفاق"
(4)
.
وأجاب المصنف: بأنه إنْ كان غير متصور كما ذكرتم - فيمتنع منكم الحكم عليه؛ لأن الحكم على الشيء فرع تصوره، فلِمَ حكمتم عليه بالاستحالة
(5)
.
ولقائل أن يقول: الحكم باستحالته إنما يَتوقف على تصوره في الذهن، لا على تصور وجوده في الخارج، ولا يمتنع تصوره
(6)
في الذهن، وليس المراد مِنْ قوله: لا يُتصور وجوده، الوجودُ الذهني بل الخارجي. وهذا حق.
وجوابه: أنا لا نسلم أن كل ما لا يتصور وجوده في الخارج لا يُطْلب، وهل النزاع إلا فيه
(7)
؟ !
قال: (غير واقع بالممتنع لذاته، كإعدام القديم وقلبِ الحقائق).
(1)
هذا مُقَدَّم القضية الشرطية، وهو مستفاد من القياس الحملي السابق.
(2)
هذا التالي. ومعنى كونه غير ثابت أنه لا وجود له في الخارج.
(3)
هذه النتيجة. وهذا قياس استثنائي كما هو واضح.
(4)
المستصفى 1/ 292.
(5)
فحكمكم عليه بالاستحالة دليل تصوركم له.
(6)
أي: المحال.
(7)
أي: استدلال الخصم بمثل هذا مصادرة؛ لأنه محل النزاع.