الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومَثَّلَ المحرَّم بتزويج المرأة من كفأين، والمباح بستر العورة بثوب بعد ثوب، والمندوب بالجمع بين خصال كفارة الحنث
(1)
.
وحكمه بندب الجمع في خصال كفارة اليمين يحتاج إلى دليل كما قدمناه، وتمثيله المخيَّر بالتزويج من كفأين، والستر بثوبين - مَبْنِي على ما سبق منه ومن غيره.
وعندي أنَّ الواجب القدر المشترك كما سبق، لكن التمثيل صحيح فيه أيضًا
(2)
.
(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق
، أو يَنْقُصَ عنه فيمنعه مَنْ مَنَع
(3)
التكليف بالمحال، إلا لغرض القضاء كوجوب الظُّهْر على الزائل عُذْره (وقد بقي قدر تكبيرة)
(4)
، أو يزيد عليه، فيقتضي إيقاع الفعل في جزء من أجزائه
(5)
؛ لعدم أولوية البعض.
= الترتيب، والإمام في "المحصول" مَثَّل للنوعين: النوع الذي ذكره المصنف، وما يحرم الجمع بينه فيما يكون مأمورًا به على التخيير (أي: الواجب المخير)، أو: على البدل، كما هي عبارة الإمام.
(1)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 283.
(2)
انظر: نهاية السول 1/ 155، السراج الوهاج 1/ 145، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 92.
(3)
في (ص): "يمنع".
(4)
في (غ): "وقد بقي من الوقت تكبيرة".
(5)
في نهاية السول 1/ 160، والسراج الوهاج 1/ 147:"في أيِّ جُزْءٍ من أجزائه".
وقال المتكلمون: يجوز تركه في الأول بشرط العزم، وإلا لجاز ترك الواجب بلا بدل.
ورُدَّ بأنَّ العزم لو صلح بدلًا لتأَدَّى الواجب به، وبأَنَّه لو وجب العزم في الجزء الثاني لتعدد البدل، والمبدل واحد.
ومنا من قال: يختص بالأول، وفي الآخِر قضاء.
وقالت الحنفية: يختص بالآخر، وفي الأول تعجيل.
وقال الكرخي
(1)
: الآتِي به
(2)
في الأول إنْ بقي على صفة الوجوب يكون ما فعله واجبًا.
احتجوا بأنه لو وجب في أول الوقت لم يجز تركه. قلنا: المكلف مُخَيَّر بين أدائه في أي جزء من أجزائه).
كما أنَّ الواجب ينقسم إلى معيَّن ومخيَّر، كذلك ينقسم إلى مضيَّق وموسَّع، والمضيق والموسع بالحقيقة هو الوقت، ويُوصف به الواجب والوجوب مجازًا، ومقصوده الواجب بالفعل.
(1)
هو عبيد الله بن الحسين بن دلَّال، البغداديّ الكرخي الفقيه الزاهد. ولد سنة 260 هـ. قال الذهبي رحمه الله:"انتهت إليه رئاسة المذهب، انتشرت تلامذتُه في البلاد، واشْتَهَر اسمه، بعد صِيتُه، وكان من العلماء العُبَّاد ذا تهجدٍ وأورادٍ وتألُّه". كان رأسًا في الاعتزال. توفي رحمه الله سنة 340 هـ. انظر: سير 15/ 426، الجواهر المضِيَّة 2/ 493.
(2)
سقطت من (ص)، و (غ)، وهي ليست في نهاية السول 1/ 165، والسراج الوهاج 1/ 155، وشرح الأصفهاني 1/ 94.
الواجب إن زاد وقته على قدره فهو الموسَّع، وإلا فهو المضيق. وهذا على قسمين
(1)
:
أحدهما: أنْ يساويَه
(2)
، فيجوز التكليف به، وقد وقع كصوم نهار رمضان، لا يزيد الزمان على الواجب، ولا الواجب على الزمان.
والثاني: أن ينقص الوقت عن الفعل، فإن كان الغرض من ذلك وقوعُ الفعلِ جميعِه في الزمان الذي لا
(3)
يسعه، فلم يقع هذا في الشريعة، وهو تكليفُ ما لا يطاق يجوِّزه مَنْ جوَّزه، ويمنعه مَن منعه.
وإن كان الغرض
(4)
أن يبتدئ في ذلك الوقت ويُتمه بعد ذلك، أو أن
(5)
يترتب
(6)
في ذِمَّته ويفعله كلَّه بعد ذلك - فهذا جائز، وواقع فيما
(1)
في (غ): "وعلى هذا قسمان". وفي (ص)، و (ك):"وعلى هذا قسمين". وهو خطأ من الناسخ؛ لأنَّ "قسمين" مبتدأ مؤخَّر.
(2)
أي: يساوي الوقتُ الفعلَ.
(3)
في (ك): "لم".
(4)
أي: وإن كان الغرض من هذا النقص.
(5)
سقطت من (ص).
(6)
أي: يثبت ويستقر. في المصباح 1/ 233: "رَتَب الشيءُ رُتُوبًا، من باب قعد: استقر ودام"، وفي اللسان 1/ 409:"رَتَبَ الشيءُ يَرْتُب رُتُوبًا، وترتَّب: ثبت فلم يتحرك. . . ورتَّبَه ترتيبًا: أثبته. . . . وعيشٌ راتِبٌ: ثابت دائم. وأمر راتب، أي: دارٌّ ثابت". وانظر: القاموس المحيط 1/ 71، مادة (رتب). وبهذا يُعلم أنَّ ما شاع على الألسن من أنَّ رتَّب بمعنى نَظَّم لَحْنٌ وخطأ؛ ولذلك قام طابعوا هذا الكتاب (وأقصد الطبعة التوفيقية الأولى لهذا الكتاب) بتغيير الكلمة التي في الأصل (يترتب) =
لو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصبي، أو طهرت الحائض، وقد بقى من الوقت مقدارُ ركعةٍ (وَوُسِّع ما بعده لبقيتها)
(1)
- فإن تلك الصلاة تجب، وكذا إذا بقي مقدارُ تكبيرةٍ على أصح القولين كالركعة، وهذا يَطَّرد في الصلوات الخمس
(2)
.
وإذا كان كذلك في آخر وقتِ صلاةٍ يُجمع ما قبلها معها: كالعصر والعشاء
(3)
- فتجب الأولى أيضًا وهي
(4)
الظهر والمغرب
(5)
؛ ولذلك
(6)
= وإبدالها بكلمة (يثبت) ظنًا منهم أنَّ الأولى خطأ، وبالطبع فإن خطأ المطبعة التوفيقية قد وجد في نسخة د/ شعبان؛ لأنَّ نسخته المطبوعة منسوخة من التوفيقية بلا شك ولا ريب.
(1)
في (ص): "وَوَسِع ما بعده بقيتها". أي: وَسِع ما بعد الوقت بقية الركعات من الصلاة، وعلى المُثْبَت في أعلى الصفحة يكون المعنى: وَوُسِّع ما بعد الوقت لبقية الصلاة. أي: أنَّ الصلاة يُوسَّع وقتُها إلى ما بعد انتهاء الوقت؛ لإكمال ما تبقى.
(2)
قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 3/ 65: "وإنْ بقي من الوقت قدر تكبيرةٍ فما فوقها مما لا يبلغ ركعة - فقولان: أصحهما باتفاق الأصحاب تلزمه تلك الصلاة".
(3)
أي: وإذا كان هذا الأمر - وهو بقاء ما يسع ركعة واحدة، أو تكبيرة واحدة - في آخر وقت صلاةٍ يُجمع ما قبلها معها، مثل صلاة العصر يُجمع معها صلاة الظهر، وصلاة العشاء يُجمع معها صلاة المغرب.
(4)
في (ص): "فهي".
(5)
أي: فتجب صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، في حق الكافر إذا أسلم وبقي من وقت العصر أو العشاء مقدارُ ركعة أو مقدارُ تكبيرة الإحرام، وكذا المجنون إذا أفاق، والصبي إذا بلغ، والحائض إذا طهرت. انظر: المجموع 3/ 64 - 66.
(6)
في (ك): "وكذلك". وهو خطأ.
مثَّل المصنف بالظهر وأطلق القضاء حتى يشمل وقت الضرورة، وهو وقت العصر بالنسبة إليها
(1)
.
والضمير في قول المصنف "يساوي" و"ينقص" و"يزيد" لوقت.
وفي قوله: "وهو" يصح
(2)
إعادته للوقت وللوجوب
(3)
وللواجب، وهو مقصوده على ما سبق.
وقوله: "لغرض القضاء" كأنه بَنَى على قول مَنْ يقول: إنَّ الصلاة إذا وقع بعضها خارج الوقت يكون قضاء إما كلها، وإما الخارج عنها.
والصحيح من مذهب الشافعي أَنَّه متى وقع
(4)
ركعة منها في الوقت فالكل أداء
(5)
.
(1)
يعني: ولأجل وجوب الظهر مع العصر لمن أدرك آخر وقت العصر بقدر تكبيرة؛ مَثَّل المصنف بالظهر، وأطلق القضاء ولم يحدده بالقضاء في وقت العصر، حيث قال:"إلا لغرض القضاء"؛ وذلك ليشمل القضاءُ قضاءَ الظهر في وقت العصر، وقضاء الظهر بعد العصر، إذا أدرك من العصر مقدارَ تكبيرة واحدة؛ لأنَّ وقت العصر وقت ضرورة للظهر. قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 3/ 66:"واستدلوا على وجوب الظهر بإدراك آخر وقت العصر، ووجوب المغرب بإدراك أخر وقت العشاء: بأنهما كالصلاة الواحدة، ووقت إحداهما وقتُ الأخرى في حقِّ المعذور بسفر، وهذا الحكم رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وفقهاء المدينة السبعة، رضي الله عنهم".
(2)
في (ص): "تصح".
(3)
في (ت)، و (ص):"والوجوب".
(4)
في (ك): "أوقع".
(5)
انظر: نهاية المحتاج 1/ 360.
ولم يقل بأن وقت الصبح مثلا يخرج بطلوع الشمس مطلقًا، بل قال: إنْ طَلَعت الشمسُ ولم يُصَلِّ منها ركعة - فقد خرج وقتها.
واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أدرك ركعة (من الصبح)
(1)
قبل أنْ تطلع الشمس فقد أدرك الصبح"
(2)
.
وقليلٌ من الفقهاء اليوم مَنْ يُحرر هذا بل يعتقد أنَّ الحكم بالأداء يجعل ما بعد الوقت تابعًا للركعة الواقعة في الوقت مع خروج الوقت
(3)
.
ولو حُمِل كلام المصنف على القضاء اللغوي انتفى عنه هذا الاعتراض
(4)
.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ 1/ 6، في كتاب وقوت الصلاة، باب وقوت الصلاة، حديث رقم 5. والبخاري 1/ 211، في مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة، حديث رقم 554، وفي باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب 1/ 204، حديث رقم 531. ومسلم 1/ 424، في المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، رقم 608. والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 378، في الصلاة، باب إدراك صلاة الصبح بإدراك ركعةٍ منها.
(3)
يعني: أنَّ هذا خلاف مراد الشافعي، فالشافعي يرى أنَّ مَنْ أدرك ركعةً قبل خروج الوقت فقد أدرك الوقت، فالصلاة كلها واقعة في وقتها، بخلاف ما قال هؤلاء.
(4)
يعني: لو حمل كلام البيضاوي على القضاء اللغوي: وهو أداء ما عليه، وبراءة ذمته - انتفى عنه هذا الاعتراض، وهو كون الصلاةِ الواقعِ جزءٌ منها في آخر الوقت، وباقيها خارج الوقت، هل هي قضاء كلها، أو ما وقع منها خارج الوقت، أو أنها أداء كلها كما هو مذهب الشافعي؟ فقول المصنف:"إلا لغرض القضاء" ترجيحٌ لقول مَنْ =
وقوله: "الظهر"؟ قد بينا أَنَّه لا اختصاص لهذا الحكم بها
(1)
.
وقوله: "الزائل عذره" مُسْتَنَده تسميةُ الفقهاء الأشياء المذكورة أعذارًا وإن كان الكفر ليس بعذر
(2)
.
وقوله: "تكبيرة" بناه على الأصح.
وقوله: "فيقتضي" من هنا إلى آخر الكلام في حكم الواجب الموسع.
واعلم أنّ الناس اختلفوا فيه
(3)
، فمنهم مَنْ اعترف به، ومنهم مَنْ أنكره.
أما المعترفون به: فجمهور الفقهاء، وجمهور المتكلمين من الأشعرية ومن المعتزلة، وهؤلاء المعترفون اختلفوا في جواز تركه أوَّلَ الوقت بلا بدل، مع اتفاقهم على أَنَّه يقتضي إيقاعَ الفعل في أيِّ جزء كان.
فجمهور الفقهاء قالوا: بجواز تركه (في أول الوقت)
(4)
بلا بدل، ولا
= يرى أنها قضاء، فيعْتَرض عليه بأن مذهب الشافعي أنها أداء كلها، فلو حُمِل القضاء على معناه اللغوي: وهو قضاء ما عليه وبراءة ذمته - انتفى عنه هذا الاعتراض.
(1)
أي: هذا الحكم عام في جميع الصلوات.
(2)
قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 3/ 66: "عادة أصحابنا يسمون هؤلاء (أي: الصبي، والمجنون، والمغمى عليه، والحائض والنفساء، والكافر) أصحاب أعذار، فأما غير الكافر فتسميته معذورًا ظاهرة، ويسمى الكافر معذورًا؛ لأنَّه لا يطالب بالقضاء بعد الإسلام تخفيفًا عنه، كما لا يطالبون تخفيفًا عنهم".
(3)
سقطت من (ص).
(4)
في (ص): "في أوله".
يَعْصي حتى يُخلى الوقتُ كلُّه عنه، وهذا الذي قدمه المصنف.
وجمهور المتكلمين قالوا: لا يجوز تركه إلا ببدل، واتفقوا على أنَّ ذلك البدل هو العزم، فإذا تَضَيَّق الوقتُ تَعَيَّن الفعل.
ونصر القاضي هذا القول وردَّه الإمام وغيرُه بأن العزم لو صلح بدلًا لتأدَّى الواجب به.
وفي هذا الرد نظر؛ لأنَّ لهم أن يقولوا: هو
(1)
بَدَلٌ عن فعله في أول الوقت لا عن فعله مطلقًا، إلا أنَّ ذلك يُعَكِّر عليهم؛ لأنَّ فعله في أول الوقت بخصوصه
(2)
ليس بواجب، فلا يحتاج تركه فيه إلى بدل.
فالجواب المحرَّر أن يقال: إما أن يكون الفعل في الأول واجبًا أوْ لا: إن لم يكن فلا حاجة إلى البدل، وإن كان فإما أن يكون كلَّ الواجب أوْ لا
(3)
؟
إنْ كان فيتأدى ببدله، وإلا فيلزم أنْ يكون واجبان ولا دليل عليه
(4)
.
(1)
في (ت): "هذا".
(2)
في (ص): "لخصوصه".
(3)
يعني: فإما أنْ يكون الفعل في أول الوقت هو كل الواجب بحيث لا يبقى واجب في الأجزاء الباقية، أو أنَّ الواجب في أول الوقت ليس كل الواجب، بل بعضَه.
(4)
يعني: إنْ كان الفعل في أول الوقت هو كلُّ الواجب - فيتأدى هذا الواجب ببدله، وهو العزم، كما يقولون عنه إنه بدل. وإن لم يكن الفعل في أول الوقت كلُّ الواجب بل بعضه - فيلزم أنْ يكون واجبان، واجب في أول الوقت، وواجب في ثاني الوقت، ولا دليل عليه.
وقوله: "لو وجب العزم في الجزء الثاني لتعدد البدل والمُبْدل واحد"
(1)
- ممنوع
(2)
، أنَّ المبدل واحد؛ لأنَّ العزم في الجزء الأول (بدل عن الفعل في الجزء الأول، والعزم في الجزء الثاني)
(3)
بدل عن الفعل في الجزء الثاني. فالبدل متعدد، والبدل متعدد، وإنما الجواب ما ذكرناه. وهنا فرغ الكلام على الفريق
(4)
المعترفين بالواجب الموسَّع.
وأما المنكرون له فقد تضمنهم قوله: "ومنا" إلى آخره، وجملتهم
(5)
ثلاث طوائف. وزاد غيره رابعة، وفرقة خامسة قالوا: يختص بالأول، فإنْ فعله فيه كان أداء، وإنْ أَخَّره وفعله في آخر الوقت كان قضاء. وهذا القول نسب إلى بعض أصحابنا.
وقد كثر سؤال الناس من الشافعية عنه فلم يعرفوه، ولا يوجد في شيء من كتب المذهب
(6)
.
(وأقمت حينا)
(7)
من الدهر أظن أنَّ الوهم سَرَى إلى ناقله من قول
(1)
يعني: لو وجب العزم في الجزء الثاني من الوقت - لتعدد البدل، وهو العزم في أول الوقت، والعزم في ثاني الوقت، والمبدل وهو فعل الصلاة واحد.
(2)
كلمة: "ممنوع"، خبر لكلمة "وقوله" أي: وقوله كذا ممنوع.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "الفِرقَ".
(5)
في (ص): "وجميعهم".
(6)
في البحر المحيط 1/ 283: "قال السبكي: سألت ابن الرفعة وهو أوحد الشافعية في زمانه، فقال: تتبعت هذا في كتب المذهب فلم أجده".
(7)
في (ص): "ولي حين".
أصحابنا: إنَّ الصلاة تجب بأول الوقت وجوبًا موسَّعًا. وقول بعضهم: تجب في أول الوقت، وينصبون الخلاف في ذلك مع الحنفية، وقولهم
(1)
: (إنها تجب)
(2)
بآخره.
وقَصْد أصحابنا بقولهم: تجب الصلاة في أول الوقت - كون الوجوب في أول الوقت، لا كون الصلاة في أول الوقت واجبة، فحصل الالتباس في العبارة، ومُتَعَلَّقِ الجار والمجرور
(3)
.
ثم وقفت في "الأم"(في كتاب الحج، وذلك في الجزء الخامس)
(4)
: قال الشافعي: "ذهب بعض أهل الكلام أنَّ فرض الحج على المستطيع إذا لزمه في وقتٍ يُمكنه، فتركه في أوَّل ما يمكنه - كان آثما، كمَنْ ترك الصلاة حتى ذهب الوقت، ويجزئه حجةٌ بعد أول سنة من مقدرته قضاءً، كالصلاة بعد ذهاب الوقت. ثم أعطانا بعضُهم ذلك في الصلاة إذا دخل وقتُها الأول، فتركها وإن صلاها في الوقت، وفيما نذر مِنْ صوم أو وَجَب عليه بكفارة أو قضاء، فقال فيه كله: متى أمكنه فأَخَّره فهو عاص بتأخيره. ثم قال في المرأة يُجْبَر أبوها وزوجها على تركها لهذا المعنى
(5)
.
(1)
أي: الحنفية.
(2)
في (ص): "إنما يجب".
(3)
أي: حصل الالتباس في عبارة الأصحاب بقولهم: تجب الصلاة في أول الوقت. إنْ قلنا: الجار والمجرور مُتَعَلِّق بالفعل: تجب - فالوجوب في أول الوقت. وإنْ قلنا: الجار والمجرور متعلَّق بالصلاة - فالصلاة تجب في أول الوقت. والصواب أنَّه متعلق بالفعل، فالوجوب في أول الوقت لا الصلاة.
(4)
في (ص)، و (غ):"في كتاب الحج في ذلك في الجزء الخامس".
(5)
أي: يجبر أبو المرأة وزوجها على تركها تؤدي الصلاة في أول الوقت، وعلى أنْ =
وقاله معه غيره ممن يفتي
(1)
(2)
. انتهى.
(فقد ثبت هذا المذهب بنقل الشافعي عن غيره)
(3)
، فلعل بعض الناس نقل ذلك عن نقل الشافعي، فالتبس ذلك على مَنْ بعده، وظن أَنَّه من مذهب الشافعي.
وعلى كلِّ تقدير لا يخرج نقلُه عن أصحابنا عن الوَهَم، ثم ظاهر كلام الشافعي كما ترى أنَّ القائل به يقول بالإثم والعصيان بالتأخير عن أول الوقت، والقاضي أبو بكر نقل إجماع الأمة على أنَّ المكلف لا يأثم بتأخيره عن أول الوقت
(4)
.
ولذلك قال بعضهم: إنه في آخر الوقت قضاء يَسُدُّ مَسَدَّ الأداء.
وما نقله الشافعي أثبتُ وأولى
(5)
، فينبغي
(6)
إسقاط هذه اللفظة
(7)
والاقتصار على قوله: "قضاء" كما فعل المصنف، وعدم نسبة
= تؤدي الحج في أول زمان الإمكان.
(1)
أي: وافقه غيره على ذلك.
(2)
انظر: الأم 2/ 117. والعبارة التي نقلها الشارح فيها بعض التصرف والحذف.
(3)
في (ص): "فقد ثبت بنقل الشافعي هذا المذهب عن غيره".
(4)
انظر: التلخيص 1/ 342.
(5)
أي: ما نقله الشافعي رضي الله عنه من الخلاف في هذه المسألة - أولى من نقل القاضي الإجماعَ فيها.
(6)
في (ص): "وينبغي".
(7)
أي: لفظة "يسد مسد الأداء" الأَوْلى حذفها، والاكتفاء بقوله:"قضاء"؛ لأنَّ الذي يقول بالقضاء يُؤَثِّمُ مَنْ أَخَّر الصلاة عن أول وقتها، كما نقل الشافعي رضي الله عنه، أما =
ذلك إلى بعض أصحابنا بل يُنقل قولًا مطلقًا، كما نقله القاضي قولا
(1)
مطلقا
(2)
.
ولم يَرُدَّ المصنف على هذا القول.
وَوَجَّه الردِّ عليه: عدم دلالة الأمر المطلق على الفور، مع ظهور الأدلة من الكتاب والسنة وسِيَرِ السلف على جواز التأخير إلى أثناء وقت الصلاة
(3)
.
الفرقة الثانية: الحنفية.
قالوا: يختص بالآخِر، وفي الأول تعجيلٌ يَسْقُط الفرض به، أو نفلٌ يَمنع من الوجوب على اختلاف عنهم في المنقول
(4)
.
الثالثة: مقالة الكرخي
(5)
.
= على مقتضى ما نقله القاضي من الإجماع - فلا يأثم وإن كان قضاء.
(1)
في (ت)، و (ك)، و (غ):"نقلًا".
(2)
يعني: الأولى أيضًا أنَّ لا يَنْسِبَ المصنفُ هذا العول إلى بعض أصحابنا في قوله: "ومنا من قال: يختص بالأول، وفي الآخِر قضاء"، وأن يَفْعل كما فعل القاضي، فقد نقله قولًا مطلقًا من غير نسبة. انظر: التلخيص 1/ 342.
(3)
يعني: جواز التأخير ما دام الوقت موجودًا، والفعل حاصل في أثنائه.
(4)
هذا قول بعض الحنفية، ونقله السرخسي عن أكثر العراقيين من مشايخه. انظر: أصول السرخسي 1/ 31، فواتح الرحموت 1/ 74، تيسير التحرير 2/ 191.
(5)
وهي: أنَّ الآتي بالصلاة في أول الوقت إنْ أدرك آخر الوقت وهو على صفة التكليف - كان ما فعله واجبًا، وإن لم يكن على صفتهم بأن كان مجنونًا، أو حائضًا، أو غير ذلك - كان ما فعله نفلا. انظر: نهاية السول 1/ 175، فواتح الرحموت 1/ 74، ومقولة الكرخي مذكورة في المتن؛ ولذلك لم يذكرها الشارح.
المقالة الرابعة: حكيت عن الكرخي أيضًا
(1)
: أنَّ الواجب يتعيَّن
(2)
بالفعل في أي وقت كان.
المقالة الخامسة: أنَّ الوجوب يختص
(3)
بالجزء الذي يتصل الأداء به، وإلا فآخِر الوقت الذي يسع الفعل ولا يفْضُلُ عنه.
وهذا هو المشهور عند الحنفية؛ لأنَّ سبب الوجوب عندهم كلُّ جزء من الوقت على البدل، إن اتصل اتصل به الأداء، وإلا فآخِره
(4)
.
وإنما عُدَّت هذه الفرقة من المنكرين للواجب الموسَّع مع قولهم إنَّ الصلاة مهما أُدِّيت في الوقت كانت واجبة؛ لأنهم لم يُجَوِّزوا أنْ يكون الوقت فاضلًا عن الفعل.
وقول المصنف: "احتجوا" أي: الحنفية ومَنْ قال قريبًا مِنْ قولهم كالكرخي وبقية المقالات التي حكيناها.
وقولهم: "لو
(5)
وجب في أول الوقت" فيه ما نبهنا عليه من الإلباس؛
(1)
سقطت من (ص)، و (غ).
(2)
في (ك): "معيَّن".
(3)
في (ت)، و (ك):"مختص".
(4)
فمذهب عامة الحنفية أنَّ وقت الوجوب هو الجزء الذي يتصل به الأداء من الوقت، فإن لم يُؤَدَّ فيه انتقل للذي يَلِيه، وهكذا، حتى إذا لم يَبْق من الوقت إلا قدُر ما يسع الفرضَ تَعَيَّن لأدائه، وكان هو سبب الوجوب، وإن خرج الوقت كان سببُ الوجوب جميعَ الوقت. انظر: تقسيمات الواجب وأحكامه ص، د/ مختار بابا، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 76.
(5)
سقطت من (ص).
لأنَّ فيه معنيين:
أحدهما: لو وجب في أول الوقت - فِعْلُه في أول الوقت وهذا هو الذي قصدوه.
وقولهم مع ذلك: "لم يجز تركه" يمكن مَنْعُه على مذهب المتكلمين؛ لأنَّ الواجب لا يجوز تركه وتَرْكُ بَدَلِه، أما تركه وَحْده مع الإتيان ببدله فجائز، ويمكن تسليمه ولا يضرنا.
والمعنى الثاني: لو
(1)
وَجَبَ في أول الوقت فِعْلُه في أي جزء كان، وهذا مقصودنا. ومع هذا لا يصح قولُهم:"لم يجز تركه في أول الوقت"؛ لأنَّ الذي لا يجوز تركه هو الواجب، وفعله أول الوقت ليس بواجب، والواجب هو الفعل في أيِّ جزء كان، وهذا لا يجوز تركه، وهذا معنى قول المصنف: "قلنا المكلف مخيَّر
(2)
".
(فائدة): قول المصنف: "إنْ تَعَلَّقَ بوقت" يَحْتَمل أنْ يريد به
(3)
إنْ تَعَلَّق بوقت
(4)
على سبيل القصد، كما فسرنا العبادة المؤقتة به
(5)
فيما سبق، ويحترز به عما لا يكون (كذلك)
(6)
،
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ص): "يخير".
(3)
سقطت من (ت).
(4)
في (ص): "الوقت". وهو خطأ.
(5)
سقطت من (ت).
(6)
في (ص): "لذلك". وهو خطأ.
فلا يقال فيه إنه
(1)
ينقسم إلى مضيَّق وموسَّع وإنْ كان يلزمه الوقت. لأنَّ الفعل لا بد له من وقت. وعلى هذا الواجبُ على الفور الذي لم يُنَصَّ على وقته لا يقال فيه (مضيَّق، والواجب على التراخي إذا لم ينص على وقته لا يقال فيه)
(2)
موسَّع.
ويَحْتَمل أنْ يريد أنَّه متى تَعَيَّن وقته، سواء كان تعيينه بالنصِّ عليه، أم بدلالة الأمر عند من يراه - فينقسم إلى مضيق وموسع، ويكون كل واجب مضيقًا أو موسعًا، فما كان للتراخي فهو موسع بلا إشكال، وما كان للفور [فـ] ليس
(3)
بموسع
(4)
، والحج من قال بفوريته إنْ أطلق يلزمه ذلك.
وإنْ أراد إيقاعه في السنة الأولى من سِنِيِّ الإمكان يصير أشهر الحج من تلك السنة بالنسبة إلى ابتدائه كالوقت الموسَّع
(5)
، لكن ينبغي أن يُعذر
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سقطت من (ص)، و (غ).
(3)
زيدت الفاء؛ لأنّ جواب الشرط إذا كان جملة اسمية لا بد من اقترانه بالفاء. انظر: شرح ابن عقيل على الألفية 2/ 375.
(4)
المعنى: ويحتمل كلام المصنف أنّ الفعل متى تَعَيَّن وقتُه بالنص على ذلك الوقت، أو بدلالة الأمر عند من يرى ذلك محدِّدًا للوقت، مثل أنْ يفيد الأمر الفورية أو التراخي - فتكون جميع الواجبات على هذا القول منقسمة إلى مضيق وموسع، ما حُدِّد وقته فهو كما حدِّد، وما لم يُحدد ينظر هل الأمر فيه للفورية فيكون الفعل مضيقًا، أو للتراخي فيكون الفعل موسعا.
(5)
لم يقل: هي وقت موسع، بل قال: كالوقت الموسع، فَشَبَّه أشهر الحج بالوقت الموسع، أي: هي في الحقيقة ليست وقتًا موسعًا؛ لأنّ للحج أياما مخصوصة.
في التأخير إلى آخرها؛ لأنّه مُغَيًّا بيوم عرفة، وأما التوسعة فيما بعد السنة الأولى فلا وجه لها مع القول بالفور
(1)
.
(فرع)
(2)
الموسَّع قد يَسَعُه العمر كالحج وقضاء الفائت، فله التأخير ما لم يتوقع فواتَه إن أخَّر (لمرض أو كِبَر)
(3)
.
إذا أثبتنا الواجب الموسع فقد يكون وقته محدودًا بغايةٍ معلومة
(4)
، كالصلاة، وقد يكون مدة العمر كالحِج، وقضاء الفائت
(5)
حيث قلنا بأنه على التراخي.
وهو إذا فات بعذر على الصحيح، دون الفائت بغير عذر، فإنه على الفور على الصحيح عندهم. وهكذا فَصَّلُوا في الكفارات بين ما سببها معصيةُ وغيرُها
(6)
.
(1)
انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 2/ 289، التحصيل 1/ 304، الحاصل 1/ 451، المعتمد 1/ 124، الإحكام 1/ 149، بيان المختصر 1/ 356، شرح الكوكب 1/ 368، شرح مختصر الروضة 2/ 327، فواتح الرحموت 1/ 69، تيسير التحرير 2/ 187.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (ص)، و (ك):"لكبر أو مرض".
(4)
في (ص): "بغاية تعلق به". وفي (غ): "بغاية يعلق به". وقوله: "يعلق" خطأ من الناسخ.
(5)
في (ك): "الفوائت".
(6)
يعني: الكفارة التي سببها معصية، كالجماع في رمضان عامدًا متذكرًا، تجب على الفور، بخلاف الكفارة التي سببها غير معصية، كتكفير اليمين الذي يرى حانِثه أنّ غيرَه أَبَرُّ منه، فيحنث في يمينه، ويجوز التراخي في التكفير.
وحيث جَوَّزْنا التأخير في ذلك، وفي النذور مدة العمر، فإن حَكَمْنَا بأنه لا يَعْصِي إذا مات - لم يتحقق معنى الوجوب، وإنْ قلنا يَضِيق
(1)
عليه عند الانتهاء إلى غاية معيَّنة من غير دليل - لزم تكليف ما لا يطاق
(2)
، كذا في "المحصول" قال: فلم يبق إلا أنْ نقول يجوز له التأخير بشرط أن يَغْلب على ظنه أنَّه يَبْقى سواء بقي أم لا، وإذا غلب على ظنه أنَّه لا يبقى عَصَى بالتأخير سواء مات أم لا
(3)
.
وهذا الذي قاله قولٌ، والصحيح أنَّه إذا
(4)
مات عَصَى سواءٌ غَلَب على ظنه قبلَ ذلك البقاءُ أم لا، ولا يلزم (تكليف ما لا يطاق)
(5)
؛ لأنَّه كان يمكنه المبادرة، فالتمكن موجود، وجواز التأخير بشرط سلامة العاقبة، وتَبَيَّنَ خلافُه، فَتَبَيَّنَ عدمُ الجواز، والوجوب مُحَقَّق مع التمكن فَيَعْصي.
والفرق بينه وبين ما إذا مات في أثناء وقت الصلاة، فإنه لا يعصي على الصحيح: بأن بالموت خرج وقت الحج، وبالموت في أثناء وقت الصلاة لم يخرج وقتها، ونظيرُ الحج أن يموت
(6)
آخرَ وقتِ الصلاة، فإنَّه
(1)
في (ك): "يتضيق".
(2)
لأنَّه تعليق على مجهول.
(3)
انظر: المحصول 1/ ق 2/ 305.
(4)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"متى".
(5)
في (ص): "التكليف بما لا يطاق".
(6)
في (ص)، و (غ):"يفوت". وهو خطأ.
يَعْصِي بخروج
(1)
الوقت
(2)
.
وقول المصنف: "فله التأخير" على رأي الإمام ظاهرًا وباطنًا، وعلى رأينا ظاهرًا فقط، والباطن مجهول الحال
(3)
، ولا يلزم تكليف ما لا يطاق لما قلناه.
وقوله: "ما لم يتوقع فواته" يعني فلا يجوز التأخير كما قدمناه عن الإمام، وعبارة الإمام:"إذا غلب على ظنه"
(4)
، وهو صحيح، وأما التوقُّع فلا يلزم منه الظن، بل قد يحصل خوفٌ فقط مِنْ غير غلبة ظن، كما قدمناه في الكلام على الواجب المخير والمرتب، فكان الصواب أن يقول
(1)
في (ت): "لخروج".
(2)
قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 7/ 110: "إذا وجب عليه الحج، وتمكن من أدائه، واستقر وجوبُه، فمات بعد ذلك ولم يحج - فقد سبق أنَّه يجب قضاؤه، وهل نقول مات عاصيًا؟ فيه أوجه مشهورة في كتب الخراسانيين، أصحها وبه قطع جماهير العراقيين، ونقل القاضي أبو الطيب وآخرون الاتفاقَ عليه: أنَّه يموت عاصيًا، واتفق الذين ذكروا في المسألة خلافًا على أنَّ هذا هو الأصح، قالوا: وإنما جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة"، وانظر شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 244.
(3)
يعني: على رأي الإمام يجوز التأخير بحسب الظاهر والباطن، يعني: فهو جائز له في الحقيقة والواقع؛ لأنه مات لم يؤدِّ فلا إثم عليه. أما على رأينا - السبكي ومَنْ على رأيه - فلا يجوز إلا ظاهرًا، أما باطنًا يعني: في الحقيقة الواقع هل يجوز له التأخير أم لا؟ فهذا مجهول؛ لأننا لا ندري هل يفعل قبل أنْ يموت، أو يموت قبل أنْ يفعل؟ فهو مجهول الحال بالنسبة لعاقبته، فإنْ فَعَل في العاقبة تَبَيَّن جوازُه في الباطن، وإن لم يفعل في العاقبة تَبَيَّن عدمُ جوازه في الباطن.
(4)
المحصول 1/ ق 2/ 305.