الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: تصور الأحكام، وقد تَحَيَّلْنا في إخراجه.
والثاني: إثباتها، بمعنى: اعتقاده أنَّ الله أوجب وحَرَّم وأباح مِنْ غير علمٍ بأنه أوجب كذا، أو حَرَّم كذا، أو أباح، وهذا أيضًا ليس من الفقه في شيء، بل هو من أصول الفقه
(1)
.
الثالث: وهو المقصود، إثباتُها مُعَيَّنة لموضوعاتٍ مُعَيَّنة، وقد عَبَّر بعضهم عن هذا بقوله:"الأحكام الجزئية" وأشار إلى أنَّ هذا لا بد من زيادته في الحد.
الوجه الرابع قوله: "الشرعية
": يُخرج الأحكام العقلية، مثل: كون فعل العبد عَرَضًا
(2)
، أو جنسا وغير ذلك
(3)
.
والمراد بالشرعية: ما يتوقف معرفتُها على الشرع. والشرع: هو الحكم، والشارع: هو الله تعالى، ورسوله مبلِّغ عنه، فلذلك يطلق الشارع على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1)
لأنَّ هذا معرفة الأحكام الإجمالية، وهي من أصول الفقه.
(2)
العرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى مَوْضع، أي: محل يقوم به، كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم هو به. والأعراض على نوعين:
قَارُّ الذات: وهو الذي يجتمع أجزاؤه في الوجود، كالبياض والسواد.
وغير قَارِّ الذات: وهو الذي لا يجتمع أجزاؤه في الوجود، كالحركة والسكون.
انظر: التعريفات للجرجاني ص 129.
(3)
كقولنا: اجتماع النقيضين ممتنع. انظر: السراج الوهاج 1/ 81. وكالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وبأن الكل أعظم من الجزء. انظر نهاية السول 1/ 29.
وبما ذكرناه
(1)
يندفع قولُ مَنْ قال: إنَّ الأحكام العقلية شرعية، باعتبار أنَّ الله تعالى خلقها، وأنها تحت قضائه وقدره.
وقد وقفتُ على شرحٍ لهذا الكتاب
(2)
فيه أنَّ قولَه: "الشرعية" احتراز عن الأحكام العقلية، وتنبيه على أنَّ الحق: أنَّ الأحكام بحسب الشرع لا بحسب العقل، كما هو مذهب المعتزلة
(3)
.
واعلم أنَّ المعتزلة لا يُنكرون أنَّ الله تعالى هو الشارع للأحكام، وإنما يقولون: إن العقل يُدرك أنّ الله شرع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها، فهي طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي، فليس في قوله:"الشرعية" تنبيه على خلاف قول المعتزلة، وإنْ كان قول المعتزلة باطلًا، ولعله اسْتَنَد في هذا إلى قول الإمام، فإنه قال: قولنا: الشرعية احترازٌ عن العلم بالأحكام العقلية، كالتماثل والاختلاف، والعلم بقُبْح الظلم وحُسْن الصدق، عند مَنْ يقول بكونهما عقليين
(4)
.
وكلام الإمام هذا صحيح، ومعناه: أن الحُسن والقُبح لا يُدْرَكان بالعقل عندنا، فلا يُحْترز عنهما، وأما عند المعتزلة فَيُدْرَكان بالعقل وهما حكمان عقليان يُحترز عنهما، وليس العلم بهما فِقْها، والحكم الشرعي تابع لهما على رأي المعتزلة لا عَيْنُهما، فما كان حَسَنًا جَوَّزه الشرع، وما
(1)
من كون المراد بالشرعية: ما يتوقف معرفتها على الشرع.
(2)
هو شرح شمس الدين الأصفهاني على المنهاج.
(3)
انظر: شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 39، تحقيق د/ عبد الكريم النملة.
(4)
انظر: المحصول 1/ ق/ 92.
كان قبيحًا منعه، فصار عند المعتزلة حكمان: أحدهما: عقلي، والآخَرُ: شرعي تابع له.
والفقه هو العلم بالثاني؛ فلذلك
(1)
احترز عن الأول عندهم.
وكلام هذا الشارح يقتضي أنهم يطلقون على العلم بالأحكام العقلية فِقْهًا، وليس كذلك
(2)
.
فإذا تُؤُمِّل كلام الإمام كان رادًّا على ما قاله هذا الشارح.
وهذا "المعتمد" وغيره من كتب المعتزلة وفيها الأحكام الشرعية في
(1)
في (ت): "ولذلك".
(2)
ملخص كلام السبكي في الاعتراض على هذا الشارح، في قوله:"وتنبيه على أنّ الحق: أن الأحكام بحسب الشرع لا بحسب العقل، كما هو مذهب المعتزلة" - أنّ كلامه هذا يفيد أمرين باطلين: أولهما: أنَّ المعتزلة يقولون بأن الحاكم هو العقل، وهو خلاف مذهبهم، إذ هم يُقِرُّون بأن الحكم شرعي، وأن الشارع هو الله تعالى وحده، وإنما يقولون بأن العقل طريق إلى معرفة الحكم الشرعي، فهو مُدْرِك وكاشِف عن حكم الله تعالى، لا أنَّه مُشَرِّع من دون الله تعالى. وثانيهما: وهو لازم للأول ومُتَرتِّب عليه، وهو أنَّ المعتزلة يُسَمُّون العلم بالأحكام العقلية فقهًا؛ إذ الحكم عندهم - كما يدعي هذا الشارح - منشؤه العقل، ومِنْ ثَمَّ فجميع أحكام الفقه عقلية، وهو خلاف مذهبهم، إذ مذهبهم أنَّ الحكم الشرعي تابع للحكم العقلي، وأن الفقه: هو العلم بالحكم الشرعي لا العقلي. فاحتراز الإمام في التعريف، إنما هو عن الحكم العقلي عندهم دون الشرعي، لا عن جميع الأحكام عندهم. والحاصل أنَّ قيد:"الشرعية" في تعريف الفقه، ليس فيه تنبيه على خلاف قول المعتزلة؛ إذ هم لم يخالفوا في ذلك، فلم يخالفوا في أنَّ مصدر الحكم هو الشرع، ولم يخالفوا في أنَّ الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية لا العقلية. فالعلم بالأحكام العقلية ليس فقهًا عند المعتزلة، وإنْ كانت أحكامًا يلزم بها التكليف عندهم، فمعرفة أحكام الفقه متوقفة عندهم على ورود الشرع، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
تعريف الفقه
(1)
.
وقال هذا الشارح أيضًا: إنَّ وجه نسبة الأحكام إلى الشرع: أن تعلقاتها التنجيزية، أو العلم بتعلقاتها التنجيزية - مستفادٌ من الشرع، لا أنَّ نفس الأحكام، أو تعلقاتها العلمية - مستفاد
(2)
من الشرع؛ فإنَّ الشرع حادث، والأحكام وتعلقاتها العلمية قديمة، والقديم لا يستفاد من الحادث
(3)
. انتهى ما قاله، وكأنه لما رأى الأصحاب يقولون: لا حكم قبل الشرع، وأمثال هذه العبارة، قاصدين: لا حكم قبل البعثة - تَوَهَّمَ أنَّ الشرع: هو البعثة، فقال: إنه حادث، وليس كما قاله ولا كما توهمه، وإنما الشرع ما قدمناه
(4)
.
وأما قول الأصحاب فمرادهم به: لا حكم قبل العلم بالشرع، أو عَبَّروا بالشرع عن البعثة على سبيل المجاز؛ لأن بها يُعرف ويَظْهر
(5)
، وهذا هو الأظهر من مرادهم، وصاحب هذا الكلام لم يَذْكر كلامَ الأصحاب هذا، ولكني أنا ذكرته مأخذا له ودفعتُه، فإني استنكرتُ قولَه: الشرع
(6)
حادث، أما سمع قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
(1)
قال أبو الحسين في تعريف الفقه: وأما في عرف الفقهاء. فهو جُمْلةٌ من العلوم بأحكام شرعية. المعتمد 1/ 4.
(2)
في (ك): "مستفادة".
(3)
انظر: شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 39.
(4)
أي: الشرع قديم، وإنما ظهوره حادث.
(5)
أي: بالبعثة يُعرف الشرع ويَظْهر.
(6)
في (ك): "للشرع".