المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثانية: الكافر مكلف بالفروع خلافا للحنفية(2)، وفرق قوم بين الأمر والنهي) - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(قال المصنف رحمه الله

- ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

- ‌البحث الثالث: في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها، وما بينها من النسب

- ‌الوجه الثاني من الكلام على التعريف: الباء في قوله: (بالأحكام)

- ‌الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام

- ‌الوجه الرابع قوله: "الشرعية

- ‌الوجه الخامس قوله: "العملية

- ‌الوجه السادس: قوله: "المكتسب من أدلتها

- ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

- ‌مقدمة

- ‌(الباب الأول: في الحكم. وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في تعريفه

- ‌(الفصل الثاني: في تقسيمه

- ‌الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنَع النقيض فوجوب

- ‌(الثاني: ما نُهِي عنه شرعًا فقبيح، وإلا فحسن، كالواجب، والمندوب، والمباح، وفِعْلِ غير المكلف)

- ‌(الثالث: قيل: الحكم إما سبب، وإما مسبب

- ‌(الرابع: الصحة: استتباع الغاية

- ‌(الخامس: العبادة إنْ وقعت في وقتها المعيَّن

- ‌(السادس: الحكم إنْ ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة

- ‌(الفصل الثالث: في أحكامه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة

- ‌(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق

- ‌(الثالثة: الوجوب إنْ تناول كلَّ واحد كالصلوات الخمس

- ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

- ‌(الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌(السادسة: الوجوب إذا نُسخَ بقي الجواز خلافًا للغزالي

- ‌(السابعة: الواجب لا يجوز تركه. قال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب. قلنا: لا بل به يحصل)

- ‌(الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه. وهو الحاكم، والمحكوم عليه، وبه

- ‌(فرعان على التَّنَزُّل:

- ‌ الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا

- ‌ حكم الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌ امتناعَ تكليفِ الغافلِ

- ‌(الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف؛ لزوال القدرة)

- ‌(الرابعة: التكليف يتوجه حال المباشرة. وقالت المعتزلة: بل(2)قبلها)

- ‌(الفصل الثالث: في المحكوم به.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: التكليف بالمحال جائز

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية(2)، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

- ‌خاتمة

- ‌(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا(1)به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل

الفصل: ‌(الثانية: الكافر مكلف بالفروع خلافا للحنفية(2)، وفرق قوم بين الأمر والنهي)

العقاب على معاصٍ تصدر منه في حال الكفر، فنقول حينئذ: إنْ قلنا إنّ الكافر غير مكلف بالفروع فهذا منتفٍ، ولا بد وأن تكون النار التي استوجبها بعدم الإيمان. وإنْ قلنا: إنه مُكَلَّف، فلو قُدِّر إسلامه بعد ذلك كما فرضتم لكان غير معاقب على تلك المعاصي التي صدرت منه في حال الكفر؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله؛ فتعيَّن أن يكون العقاب على ترْك الإيمان وهو المطلوب

(1)

.

قال: ‌

‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية

(2)

، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

.

أطبق المسلمون على أن الكفار بأصول الشرائع مخاطَبون، وباعتقادها

(3)

مطالبون، ولا اعتداد بخلاف مبتدع يُشَبِّب

(4)

(5)

بأن العلم بالعقائد يقع اضطرارًا فلا يُكَلّف به. وأجمعت الأمة كما نقله القاضي أبو بكر على تكليفهم بتصديق الرسل، وبترك تكذيبهم وقتلهم

(1)

انظر مسألة التكليف بالمحال في: المحصول 1/ ق 2/ 363، التحصيل 1/ 316، الحاصل 1/ 467، المستصفى 1/ 288، الإحكام 1/ 191، نهاية السول 1/ 345، السراج الوهاج 1/ 218، البحر المحيط 2/ 109، بيان المختصر 1/ 413، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 9، شرح تنقيح الفصول ص 143، تيسير التحرير 2/ 137، فواتح الرحموت 1/ 123، شرح الكوكب 1/ 484.

(2)

في (ت): "للمعتزلة". وهو خطأ.

(3)

في (ص): "وباعتبارها". وهو خطأ.

(4)

في (غ): "شبَّب".

(5)

أي: يُزَيِّن كلامه ويحسنه. انظر: لسان العرب 1/ 482، مادة (شبب).

ص: 449

وقتالهم

(1)

، ولم يقل أحد: إن التكليف بذلك يتوقف

(2)

على معرفة الله تعالى.

وأما فروع الدين: فقال الشافعي ومالك وأحمد: إنهم مخاطبون بها، وخالفت الحنفية

(3)

، وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني مِنْ أصحابنا

(4)

.

وذهب قوم إلى أن النواهي متعلِّقة بهم دون الأوامر، وربما ادَّعى بعضهم أنه لا خلاف في تعلق النواهي، وإنما الخلاف في الأوامر. قال والدي أيده الله

(5)

: وهي طريقة جيدة

(6)

.

(1)

أي: وترك قتل الرسل وقتالهم. انظر: التلخيص 1/ 386.

(2)

في (ص): "متوقف".

(3)

المخالفون من الحنفية هم مشايخ سمرقند، ومَنْ عداهم من المشايخ متفقون على تكليف الكفار بالفروع. وإنما اختلف مَنْ عدا مشايخ سمرقند بعد اتفاقهم على التكليف بالفروع: في أن التكليف في حق الأداء كالاعتقاد، يعني: هل أداء العبادات واجب على الكفار كما أنه يجب عليهم الاعتقاد بوجوب العبادات؟ فهل هم مطالَبون بالأداء والاعتقاد، أو بالاعتقاد فقط؟ فالعراقيون من الحنفية قائلون بأن الكفار مكلفون بالأداء والاعتقاد معًا كالشافعية القائلين بذلك، فيعاقبون على ترك الأداء والاعتقاد معًا، والبخاريون من الحنفية قائلون بأنهم مكلفون بالاعتقاد فقط دون الأداء، فيعذبون على ترك الاعتقاد فقط. انظر: تيسير التحرير 2/ 148، فواتح الرحموت 1/ 128، سلم الوصول للمطيعي 1/ 371.

(4)

انظر: البحر المحيط 2/ 127.

(5)

في (غ): "أطال الله بقاءه".

(6)

انظر: البحر المحيط 2/ 130، قال الشيخ المطيعي في تعليل هذا القول: "وذلك لأن الكف عن المنهيِّ عنه ممكن من الكافر حال كفره، بخلاف فعل الطاعات؛ لأن =

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الكف عن المنهيات لا يتوقف على نيةٍ فصح من الكافر حال كفره، بخلاف فِعْل العبادات فإنه لا بد فيه من النية، فَتَوَقَّف فعلها على الإيمان، فلا تصح من الكافر حال كفره؛ ولذلك هم يُعَاقَبون في الدنيا على ترك لإيمان بالقتل، والسبي، وأخذ الجزية، والحد في الزنا والقذف، والقطع في السرقة، ولا يؤمرون بفعل شيء من العبادات أداءً في حال الكفر، ولا قضاءً بعد زواله بالإسلام" إلى أن قال رحمه الله تعالى عن هذا المذهب وهو أن الخلاف في الأوامر دون النواهي:"وهذا المذهب هو قضية بناء المسألة على الأصل: أن اجتناب النواهي لا يتوقف على الإيمان فليس شرطًا فيه". والمعنى واضح: وهو أن هذا المذهب الذي ينفي الخلاف في النواهي ويجعله في الأوامر هو مقتضى بناء المسألة على الأصل: وهو أن الإيمان هل هو شرط في التكليف بالفروع، أم ليس بشرط؟ وقد اتفقنا على أن المنهيات لا تحتاج إلى نية، فمِنْ ثَمَّ خرجت من الخلاف، والنية كما هو معلوم لا تصح إلا من مؤمن. انظر: سلم الوصول 1/ 374. وينبغي أن يُعْلم أن تكليف الكفار بالمنهيات ليس المراد به إثابتهم على الترك، فهذا لا يتأتى إلا بالإيمان، لكن المراد أننا نُجري عليهم العقوبات الدنياوية التي هي من قبيل خطاب الوضع، كالمعاملات سواء. قال المطيعي: "وقد علمتَ أنه لا خلاف في أنهم مخاطبون في الدنيا بالعقوبات والمعاملات". سلم الوصول 1/ 375، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 128. قال ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته "رد المحتار" 3/ 223: "الذي تحرر في المنار وشرحه لصاحب البحر أنهم مخاطبون بالإيمان وبالعقوبات سوى حدِّ الشرب، والمعاملات، وأما العبادات فقال السمرقنديون. . .". وحَكَى أقوال السمرقنديين والبخاريين والعراقيين السابق ذِكْرُها. فيستثنى من العقوبات عقوبة شرب الخمر لاعتقادهم إباحته. قال السيوطي في الأشباه ص 254: "ولا يُحد لشرب الخمر، ولا تُراق عليه، بل تُرد إذا غُصِبت منه، إلا أنْ يُظهر شربها أو بيعها"، وانظر: البحر المحيط 2/ 139، الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 102. وكذا أكل لحم الخنزير فإنهم يعتقدون إباحته، قال الجصاص: "قال أصحابنا: أهل الذمة محمولون في البيوع والمواريث وسائر العقود على أحكام الإسلام كالمسلمين، إلا في بيع الخمر والخنزير، فإن ذلك جائز فيما بينهم". أحكام القرآن 2/ 436، وانظر: الأم 4/ 206، كشاف القناع 3/ 126، شرح منتهى الإرادات =

ص: 451

وفي المسألة مذهب رابع: أن المرتد مكلَّف دون غيره؛ لالتزام المرتد أحكامَ الإسلام. ولا معنى لذلك؛ لأن مأخذ المنع فيهما سواء: وهو جهله بالله تعالى

(1)

.

وزعم القرافي أنه مَرَّ به في بعض الكتب حكايةُ قول أنَّهم مكلَّفون بما عدا الجهاد دون الجهاد

(2)

؛ لامتناع قتالِهم أنفسَهم

(3)

.

واعلم أن هذه المسألة إنما ذُكِرتْ على صفة المثال لأصل: وهو أنه هل حصول الشرط الشرعي شرطٌ في صحة التكليف أم لا؟ وهي مسألة مشهورة

(4)

. وهنا مُبَاحثتان:

إحداهما: أن تكليف الكافر بالصلاة والصوم والحج ونحوها لا إشكال فيه؛ لتمكنه من إزالة المانع والفعْلِ بعدَه

(5)

،

= 2/ 132، لكن يُمنعون من إظهارهما، وكذا يُقَرُّون على نكاح المحارم فيما بينهم لاعتقادهم إباحته لكن يمنعون من إظهاره، وإظهار كل منكر، وإقرارنا لهم على هذه المنكرات لا لكونهم غير مخاطبين بتحريمها؛ بل لأن الشارع أمرنا أن نكف عما يَدينون به وإن كان باطلًا، لكن بشرط أن لا يظهروه بين المسلمين. وفي المسألة تفاصيل كثيرة انظرها في رسالة "تكليف الكفار بأحكام الشريعة الإسلامية" ص 121 - 137، للدكتور خالد بكر عابد.

(1)

انظر: البحر المحيط 2/ 131.

(2)

قوله: "دون الجهاد" زيادة تأكيد، أي: دون الجهاد فلا يكلَّفون به.

(3)

انظر: شرح تنقيح الفصول ص 166.

(4)

انظر: المستصفى 1/ 304، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 210، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 12، الإحكام 1/ 144، شرح الكوكب 1/ 500.

(5)

المانع: هو الكفر. والفعل: هو الصلاة والصوم ونحوهما.

ص: 452

كالمُحْدِث

(1)

، وحصول الشرط الشرعي غير مشروط في صحة التكليف على الرأي الصحيح. أما الزكاة فقد يقال في تكليفهم بها إشكال؛ لأنَّ شرطها بعد مِلْك النصاب مُضِيُّ الحول وإنما يجب بتمامه، فإذا تَمَّ الحولُ وهو كافر فكيف

(2)

يكلف بزكاته، وهو لا يمكنه فِعْلها في حال الكفر ولا بعده؟ لأنه لو أسلم اشْتُرِط مُضِيُّ حولٍ مِنْ وقت إسلامه، وهذا بخلاف الصلاة حيث يمكن فعلها في الوقت.

وجواب هذا الإشكال: بأنه إذا تم الحول كُلِّف بإخراجها بأن يُسْلِم ويخرجها بعده، فالتكليف بإخراجها بعد الإسلام الآن متحقِّق، ولكنه إذا أسلم تسقط، ويكون

(3)

بمثابة نسخ الشيء قبل إمكان فعله

(4)

، وذلك جائز؛ فما كَلَّفناه بمستحيل بل بممكن.

فإن استمر على كفره كان التكليف مستمرًا، وإنْ أسلم سقط. ويظهر بهذا معنى قول الأصوليين كما ستعرفه إن شاء الله تعالى: الفائدةُ تضعيف العذاب في الآخرة. ومُضِيُّ الحول ليس من شرطه الإسلام، والذي يُستأنف حَوْلُه بعد الإسلام زكاةُ الحول الثاني، أما الأول فقد استقر وجوبُه وهو متمكِّن من الإخراج

(5)

.

(1)

فالمانع: هو الحدث. والفعل: هو الصلاة.

(2)

في (ص)، و (ك):"كيف".

(3)

أي: سقوط الزكاة.

(4)

لأنها تسقط بمجرد الإسلام.

(5)

أي: الحول الأول استقر وجوبه على الكافر وهو قادر على إخراجه، لكن سقط عنه بمجرد الإسلام كما سبق بيانه.

ص: 453

وفي الزكاة ثلاثة أشياء:

الخطاب بأدائها، وهو حاصل لما بيناه

(1)

.

والثاني: ثبوتها في الذمة، وهو حاصل أيضًا لا يفترق الحال بين المسلم والكافر فيه.

و

(2)

الثالث: تعلقها بالمال، وهذا يظهر أنه في المسلم خاصَّةً دون الكافر لما ستعرفه على الأثر إن شاء الله تعالى.

فنقول: والمباحثة الثانية: أنَّ إطلاق الخلاف بخطاب الكفار بالفروع ربما يُتوهم منه أنَّ مَنْ يقول بتكليفهم بالفروع يقول: إن

(3)

كلَّ حكمٍ ثبت في حق المسلمين ثبت في حقهم، ومن لا يقول بذلك يقول: لا يثبت في حقهم شيء من فروع الأحكام، وليس الامر على هذا التوهم. وكَشْف الغطاء في ذلك أن الخطاب على قسمين: خطاب تكليف، وخطاب وضع. فخطاب التكليف بالأمر والنهي هو محل الخلاف

(4)

، وليس كل تكليف أيضًا، بل ما لم

(5)

نعلم اختصاصه بالمؤمنين أو ببعض المؤمنين، وإنما المراد العامة التي شَمِلهم لفظُها هل يكون الكفر مانعًا مِنْ تعلقها بهم أو لا؟

(1)

أي: والخطاب بالأداء حاصل للكفار، لما بيّنه في المسألة من كونهم مكلفين بالفروع.

(2)

سقطت الواو من (ص).

(3)

سقطت من (ص) و (ك).

(4)

انظر: البحر المحيط 2/ 142.

(5)

سقطت من (ت).

ص: 454

وأما خطاب الوضع فمنه ما يكون سببًا

(1)

لأمر أو نهي، مثل: كون الطلاق سببًا لتحريم الزوجة. قال والدي أطال الله بقاه: فهذا مِنْ محل الخلاف أيضًا، والفريقان مختلفان في أنه هل هو سبب في حقهم أيضًا

(2)

؟ وربما يقول المانع من التكليف هو سبب، ولكن قارنه مانع. والعبارتان وإن

(3)

وقع فيهما تشاجر فهو لفظي.

ومِنْ خطاب الوضع كون إتلافهم وجناياتهم

(4)

سببًا في الضمان

(5)

، وهذا ثابت في حقهم إجماعًا، بل ثبوته في حقهم أولى مِنْ ثبوته في حق الصبي، وكون وقوع العقد على الأوضاع الشرعية سببًا فيه في البيع والنكاح وغيرهما، فهذا لا نزاع فيه، وفي ترتب الأحكام الشرعية عليه في حقهم كما في حق المسلم

(6)

. وكذا كون الطلاق سببًا للفرقة فإن الفرقة

(1)

في (ت)، و (ص)، و (ك):"بسبب". وهو خطأ. والصواب ما أثبته، وهو الموافق لما في (غ) لكن فيها: سبب. وهو خطأ نحوي.

(2)

يعني: المختلفون في مخاطبة الكفار بالفروع مختلفون أيضًا في طلاق الكفار، هل هو سبب في تحريم الزوجة في حقهم أم لا؟ وكذا كل سبب لحكم تكليفي هو من محل الخلاف.

(3)

في (ت)، و (غ)، و (ص):"إن".

(4)

أي: إتلافهم للأموال، وجناياتهم على النفوس وما دونها. انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 213.

(5)

بمعنى أن الضمان يؤخذ منهم قهرًا، ولا يخاطبون بالوجوب، كما يَضْمن الصبيُّ المتلَفَ في ماله. انظر: تقريرات الشربيني على المحلي والبناني 1/ 213.

(6)

سبق نقل الاتفاق على أنهم مكلفون بالعقوبات والمعاملات، كما في فواتح الرحموت 1/ 128، وفي تيسير التحرير 2/ 150. وقد نازع الزركشي في ثبوت الإجماع =

ص: 455

تثبت إذا قلنا بصحة أنكحتهم

(1)

، ومِنْ هذا القبيل الإرث والملك به، ولولا ذلك لما ساغ

(2)

بيعهم لِمَوَاريثهم

(3)

، وما يشترونه، ولا معاملتهم. وكذا صحة أنكحتهم إذا صدرت على الأوضاع الشرعية، والخلاف في ذلك لا وجه له.

قال والدي أيده الله: بل ما أظن أحدًا يتحقق عنه القول بأن النكاح الصادر منهم على الأوضاع الشرعية يكون فاسدًا

(4)

، والصحة حكم شرعي وهي ثابتة في حقهم، ومَنْ يقول بأن الصحة حكم عقلي مراده مطابقة الأمر، فهي حاصلة في حقهم؛ لمطابقة عَقْدهم الوجه المشروع. وأوضح دليلٍ على ثبوت الصحة في حقهم من غير نزاع أن

= في الإتلاف والجناية، وقال: بأن الخلاف جارٍ في الجميع. انظر: البحر المحيط 2/ 143، 131، حاشية البناني على المحلي 1/ 212.

(1)

يعني: إذا قلنا بصحة أنكحتهم على أوضاع دينهم وطرائقهم في النكاح، لا على أوضاعنا الشرعية. فإذا قلنا بصحة أنكحتهم يتأتى القول بأن الطلاق سبب للفرقة، أما إذا قلنا بفساد أنكحتهم - فلا يتأتى القول بأن الطلاق سبب للفرقة؛ لأن الفرقة لا تتحقق إلا بعد صحة النكاح.

(2)

في (ص)، و (غ)، و (ك):"شاع". وفي (ت): "ساع". والمراد بها: ساغ، فالنسخة كثيرًا ما تُّهمِل التنقيط. وقد نقل الزركشي في البحر المحيط 2/ 143 كلام السبكي دون عَزْوه إليه، وفيه:"لما ساغ".

(3)

في (ك)، و (غ):"لموارثهم". والمعنى: لما جاز بيعهم لما يرثونه.

(4)

ذهب المالكية إلى فساد أنكحة الكفار؛ لأن إسلام الزوج عندهم شرط لصحة النكاح، فإذا أسلم الكفار صح نكاحهم ترغيبًا في الإسلام. انظر: الخرشي على خليل 4/ 244.

ص: 456

أبا حنيفة قال بها في الأنكحة، وهو صَدْرُ القائلين بعدم تكليفهم بالفروع

(1)

. وأما صحة البيع ونحوِه إذا جرى على الوضع

(2)

الشرعي فلا نَعْلم مَنْ يقول بفساده في حقهم.

ومِنْ خطاب الوضع ثبوت المالِ في ذمتهم

(3)

في الديون، وفي الكفارات

(4)

عند حصول أسبابها، ولا نزاع في ثبوت ذلك في حقهم كما ثبتت

(5)

في حق المسلمين

(6)

. وكذلك تعلق الحقوق التي يُطَالَبون بأدائها

(1)

بَيَّن الحنفية أن مسألة عدم تكليف الكفار بالفروع ليست منقولة عن أبي حنيفة وأصحابه. قال الشيخ المطيعي: "وليست هذه المسألة منقولةً عن أبي حنيفة وأصحابه كأبي يوسف ومحمد وزفر، وإنما البخاريون استخرجوا هذه المسألة، أي: أن الكافر مكلف بالاعتقاد دون الأداء، من قول محمد في المبسوط. اهـ من مسلم الثبوت وشرحه كشف المبهم. . . قال الكمال بن الهمام: والمسألة ليست بمحفوظة عن المتقدمين، وإنما استنبطها مشايخ بخارى من بعض تفريعاتهم، والعراقيون: أنهم مخاطبون بالكل، وهو القول المنصور الذي تعاضده الأدلة". سلم الوصول 1/ 371. وانظر: تيسير التحرير 2/ 149، فواتح الرحموت 1/ 130، أصول السرخسي 1/ 74.

(2)

في (ك): "الوجه".

(3)

في (غ): "ذممهم".

(4)

مثل كفارة الظهار، واليمين. قال السيوطي رحمه الله تعالى في الأشباه والنظائر ص 255:"ومما يجري عليه في أحكام المسلمين: وجوب كفارة القتل، والظهار، واليمين، والصيد في الحرم، وحد الزنا والسرقة". وانظر: البحر المحيط 2/ 141.

(5)

في (ت): "يثبت".

(6)

هناك نزاع في ثبوت الكفارات على الكفار، والذي ذهب إليه الحنفية والمالكية عدم وجوبها عليهم. انظر: تكليف الكفار بأحكام الشريعة الإسلامية ص 136، 153.

ص: 457

بأموالهم، مثل تعلق أروش الجنايات

(1)

برقاب الجناة من أرقائهم

(2)

، ونحو ذلك. وعكس هذا تعلق الزكاة بالمال تعلق رَهْنٍ كما قاله بعض الفقهاء، أو جناية كما قاله بعضهم، أو شركة كما هو الأصح من مذهب الشافعي

(3)

، فظهر أنه لا يثبت في حقهم وإنْ قلنا: إنهم مخاطبون بالزكاة؛

(1)

قال في اللسان 6/ 263، مادة (أرش):"أرَّش بينهم: حمل بعضهم على بعض وحَرَّش، والتأريش: التحريش. . . وأرشت بين القوم تأريشًا: أفسدت. والأَرْش من الجراحات: ما ليس لها قدر معلوم، وقيل: هو دية الجراحات. . . وأروش الجنايات والجراحات جائزة لها (أي: عطية لها) عما حصل فيها من النقص، وسُمِّي أرشًا لأنه من أسباب النزاع". وانظر: المصباح المنير 1/ 15. وفي أنيس الفقهاء للقونوي ص 295: "الأرْش: اسم للواجب على ما دون النفس. وفي المُغْرب: الأَرْش دية الجراحات، والجمع أروش". وانظر: التعريفات للجرجاني ص 11؛ القاموس الفقهي ص 19.

(2)

يعني: لو جنى رقيق الكافر - فإن سيده الكافر هو المسؤول عن أداء أروش الجنايات.

(3)

المعنى: أن تعلق الزكاة بأموال الأغنياء يكون بأحد هذه التعلقات الثلاث: أ - فعند بعض الفقهاء تتعلق الزكاة بأموالهم مثل تَعَلُّق الرهن، تعلَّق به حق المرتهِن، فكذلك الزكاة تعلَّق فيها حقُّ الفقراء بمال الغني. والراهن: هو الدين الذي دفع الرهن. والمرتهن: الدائن الذي أخذ الرهن. ب - وعند بعض الفقهاء تتعلق الزكاة بالمال مثل تعلق أروش الجنايات، تعلق بها حقُّ المجني عليه بمال الجاني، فكذلك الزكاة تعلَّق فيها حق الفقراء بمال الغنى مِنْ هذا القبيل. جـ - وعند بعض الفقهاء وهو الأصح مِنْ مذهب الشافعي رضي الله عنه تتعلق الزكاة بالمال مثل تعلق الشركة، فالمال المشترك فيه لا يمتلكه واحد من الشركاء، بل هم مشتركون في ملكيته، فكذلك الزكاة تتعلق بمال الغنى تعلق الشركة، فيشارك الفقراء الأغنياءَ بقدر الزكاة في امتلاك أموالهم. قال النووي رحمه الله تعالى: "هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة؟ فيه قولان: فإن =

ص: 458

لأمرين:

أحدهما: أن المقصود أنهم يأثمون بتركها، وليس المقصود أنها تؤخذ منهم في كفرهم، والتعلق المذكور

(1)

إنما يقصد به تأكُّد

(2)

الوجوب لأجل الأخذ؛ ليصان الواجب عن الضياع، فلا معنى لإثباته في حق الكافر؛ لأنه إنْ دام على الكفر (لم تؤخذ)

(3)

منه، وإنْ أسلم سقطت، وما كان كذلك لا معنى للتعلق الذي هو

= قلنا بالعين فقولان: (أحدهما): أن الفقراء يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة؛ لأن الواجب يتبع المال في الصفة، فتؤخذ الصحيحة من الصِّحاح، والمريضة من المِرَاض. ولو امتنع من إخراج الزكاة أخذها الإمام من عين المال قهرًا. (والثاني): أنها تتعلق بالمال تعلق استيثاق؛ لأنه لو كان مشتركًا لما جاز الإخراج من موضع آخر كالمُشْتَرك بين رجلين، وعلى هذا القول في كيفية الاستيثاق قولان: أحدهما: تتعلق به تعلق الدين بالرهن. والثاني: تعلق الأرش برقبة العبد الجاني؛ لأن الزكاة تسقط بتلف المال قبل التمكن، فلو قلنا: تعلقها تعلق المرهون لما سقطت. وإذا قلنا: تتعلق بالذمة فهل المال خُلْو من التعلق، أو هو رهن بها؟ فيه وجهان. قال أصحابنا: فإن قلنا: تتعلق بالعين تعلق الرهن أو الأرش فهل تتعلق بالجميع أم بقدرها فقط؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره: أصحهما بقدرها. قال الإمام: التخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور، وما عداه هفوة، وتظهر فائدة الخلاف في بيع مال الزكاة". المجموع 5/ 377 - 378، مع اختصار وتصرف يسير، وانظر الخلاف في بيع مال الزكاة بعد وجوبها فيه في المجموع 5/ 468.

(1)

أي: تعلق الزكاة بالمال الذي ذكرناه آنفًا، هل هو تعلق رهن، أو جناية، أو شركة؟

(2)

في (ص)، و (ك):"تأكيد".

(3)

في (ص): "لم يوجد". وهو خطأ.

ص: 459

يوثقه

(1)

فيه

(2)

، والموجود في حق الكفار إنما هو الأمر بأدائها، وهذا مشترك بينهم وبين المسلمين، وثبوتها في الذمة قَدْرٌ زائد على ذلك قد يقال به في الكافر أيضًا، وإثبات تعلقها بالدَّيْن أمر ثالث يختص بالمسلم لا وجه للقول به في الكافر.

الثاني

(3)

: أن المعتمد في ثبوت الشركة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}

(4)

(5)

، ولا مِرْية في أن الكافر لا يدخل في ذلك، وكتاب أنس الذي كتبه له أبو بكر رضي الله عنه وفيه:"هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين" وفيه: "في كل

(6)

خمسٍ شاةٌ"

(7)

،

(1)

في (ت): "موثقه". وفي (ص): "تَوَثُّقه": "تَوْثقة". والذي في البحر المحيط 2/ 144: "يوثقه". وقد نقل الزركشي عن الشارح كلامه من غير عزو إليه.

(2)

أي: في الواجب. والمعنى: أن الكافر لا يدفع الزكاة في حال كفره وبعد إسلامه، وما دام حاله كذلك فلا معنى لقولنا بأن الزكاة متعلقة بماله؛ لأن المراد بالتعلق هو توثيق وتأكيد الواجب عليه، وهو لا يلزمه دفعه، فأي معنى للتعلق ودفع الزكاة لا يلزمه!

(3)

في (غ): "والثاني".

(4)

سورة التوبة: الآية 103.

(5)

أي: دليل شركة الفقراء للأغنياء في أموالهم بقدر الزكاة هو هذه الآية، التي تأمر بأخذ الصدقة من أموال الأغنياء لتكون للفقراء، فقَدْر الزكاة من مال الغني حق للفقير، فأصبح شريكًا له في ماله.

(6)

سقطت من (ت).

(7)

أخرجه البخاري 2/ 525، في كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة، حديث رقم 1380. وفي باب لا يُجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع 2/ 526، رقم 1382. وفي باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية 2/ 526، رقم =

ص: 460

ولا يلزم من إثبات هذا التعلق في حق المسلمين إثباته في حق الكافرين؛ لظهور

(1)

الفرق على ما قدمناه. ولا شك أن الأدلة الواردة في أحكام الشريعة منها ما يتناول لفظُه الكفار مثل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}

(2)

ونحوه، فيتعلق بهم حكمُه على القول بتكليفهم بالفروع، ومنها ما لا يشملهم لفظه كما ذكرناه من الآية والحديث، وكالآيات التي فيها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}

(3)

ونحوه، فلا يتناولهم لفظًا. قال والدي أطال الله بقاه: ولا يثبت حكمها لهم وإنْ قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع - إلا بدليل منفصل، أو تبيين عدم الفرق بينهم وبين غيرهم، والاكتفاء بعموم الشريعة لهم ولغيرهم، وأما حيث يظهر الفرق، أو يمكن معنى غير شامل لهم فلا يقال بثبوت ذلك الحكم لهم؛ لأنه يكون إثبات حكم بغير دليل، والتعلق قدر زائد على الوجوب، (فلا يثبت)

(4)

في حقهم بغير دليل ولا معنى.

= الحديث 1383، وباب مَن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده 2/ 527، رقم 1385. وانظر الأرقام 1386، 1387، 2355، 6555. وأخرجه أبو داود 2/ 214 - 224، في الزكاة، باب في زكاة السائمة، حديث رقم 1567. وأخرجه النسائي 5/ 18 - 23، في الزكاة، باب زكاة الإبل، حديث رقم 2447. وابن ماجه 1/ 575، في الزكاة، باب إذا أخذ المصدق سنًا دون سن أو فوق سن، حديث رقم 1800، من حديث ثمامة بن عبد الله بن أنس عند جده أنس أن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة. . إلخ.

(1)

في (ت): "بظهور".

(2)

سورة البقرة: الآية 21.

(3)

سورة البقرة: الآية 104.

(4)

في (ص): "فلا نثبته".

ص: 461

ومِنْ خطاب الوضع كون الزنا سببًا لوجوب الحد، وذلك ثابت في حقهم، ولذلك رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين

(1)

، ولا يحسن القول ببناء ذلك على تكليفهم بالفروع، فإنه كيف يقال بإسقاط الإثم عنهم فيما يعتقدون تحريمه؛ لكفرهم

(2)

! وهذا في الكتابي الذي يَعتقد شرعًا، أما من لا يَعتقد

(1)

أخرجه البخاري في عدة مواضع، منها 1/ 446، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز بالمُصَلَّى والمسجد، حديث رقم 1264. وفي كتاب المحاربين، باب أحكام أهل الذمة 6/ 2510، حديث رقم 6450. وانظر الأرقام الآتية: 3436، 4280، 6433، 6901، 7104. وأخرجه مسلم في صحيحه 3/ 1326، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى رقم 1699. وأبو داود 4/ 593 - 595، في كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين، رقم 4446. والترمذي 4/ 34، في كتاب الحدود، باب ما جاء في رجم أهل الكتاب، رقم 1436. وابن ماجه 2/ 854، في كتاب الحدود، باب رجم اليهودي واليهودية، رقم 2556.

وفي الباب عن ابن عمر، والبراء، وجابر، وابن أبي أوفى، وعبد الله بن الحارث بن جُزْء، وابن عباس، رضى الله عنهم جميعًا.

(2)

قوله: "لكفرهم" متعلِّق بقوله: "بإسقاط الإثم عنهم". والمعنى: أنه لا يحسن بناء مسألة وجوب الحد عليهم بسبب الزنا على مسألة تكليف الكفار بالفروع؛ لأن هذا الخلاف إنما يكون في أحكام ديننا التي لا يعتقدونها ولا يدينون بها، أما إذا كانوا يعتقدون ما نعتقده ويدينون به فهم مكلفون به بمقتضى دينهم الموافق لديننا، فكيف يحصل بعد ذلك خلاف في هذا، ويقول مانعُ تكليفِهم بأن الإثم ساقط عنهم لكونهم كفارًا! الأظهر أن هذه الصورة خارجة عن محل النزاع. هذا ما يدل عليه كلام الشارح رحمه الله تعالى. وقد ذهب المالكية إلى عدم إقامة حد الزنا على الذمي، بل يُرد إلى أهل دينه، لكن يُمنع من إظهاره ويُعاقب إذا أعلنه، وإذا اختاروا أن يَحكم حاكمُنا بينهم حَكَم بحكم الإسلام، لكن لا يقام حد الرجم عليه؛ لأن النكاح في الشرك لا يُحَصِّن عند المالكية؛ لفساد أنكحتهم عندهم، فالإحصان لا يكون إلا =

ص: 462

شيئًا فيجري الخلاف في تعلق التحريم به في جميع المحرمات. وقد قال الأستاذ أبو إسحاق في أصوله: "لا خلاف أن خطاب الزواجر من الزنا والقذف يتوجه عليهم كما هو على المسلمين، ونَصَّ الشافعي رضي الله عنه على أن حد الزنا لا يسقط بالإسلام"

(1)

. فانظر هذه المواضع وتأملها ونَزِّل كلام العلماء عليها، (ولا يظننّ)

(2)

الظان مخالفة ما ذكرناه لعبارات الأصوليين؛ لأنهم إنما قالوا: التكليف بالفروع، فلا يرد خطاب الوضع عليهم (والله أعلم)

(3)

.

قال: (لنا: أن الآية الآمرة بالعبادة تتناولهم، والكفرُ غيرُ مانع؛ لإمكان إزالته. وأيضًا: الآيات المُوعدة بترك الفروع كثيرة مثل: {وَوَيْلٌ

= في نكاح صحيح ومن شروطه عندهم الإسلام. انظر: الكافي لابن عبد البر 2/ 1068، 1073، بداية المجتهد 2/ 435، المدونة 6/ 211، 271.

(1)

يعني: إذا زنا الكافر ثم أسلم، فإن الإسلام لا يُسقط حدَّ الزنا. لكن في الأشباه والنظائر للسيوطي ص 255:"ولو زنا ثم أسلم، فعن نَصِّ الشافعي أن حد الزنا يسقط عنه بالإسلام". وكذا في التمهيد للإسنوي ص 128. قال الزركشي في البحر المحيط 2/ 141: "وأما حدود الله تعالى: فنص الشافعي في "الأم" على أن الذمي إذا زنى ثم أسلم لا يسقط عنه الحد. وأما ما وقع في "الروضة" من سقوط الحد والتعزير عنه عن نص الشافعي، وأنَّ ابن المنذر نقله في "الإشراف" - فقد راجعت كلام ابن المنذر فوجدته نسبه لقوله إذ هو بالعراق، فهو قديم قطعًا، ونصُّ الأم جديد، فحصل في المسألة قولان، حكاهما الدارمي في "الاستذكار" وجهين".

(2)

في (ت) و (ك): "ولا يظن".

(3)

سقطت من (ص).

ص: 463

لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}

(1)

(2)

. وأيضًا: فإنهم

(3)

كُلِّفوا بالنواهي؛ لوجوب حد الزنا عليهم، فيكونون مكلفين بالأوامر

(4)

قياسًا).

اسْتُدِلَّ على المختار بأوجه:

الأول: أن المقتضِي لتناول الكفار قائمٌ مثل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}

(5)

وغيرها، والكفر لا يمنع من التناول؛ للتمكن من إزالته، فأشبه الحدَثَ المانعَ من الصلاة، إذ كل منهما مانع ممكِن الزوال، وما قال أحد من المسلمين: إن المُحْدِث لا يكلّف بالصلاة - حتى نبغ أبو هاشم

(6)

وقال مُنْكَرًا من القول وزورًا.

قلت: والاستدلال بنحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} مستقيم، وأما ما حُكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"كل ما جاء في القرآن {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} فالمراد المؤمنون" - فلم يصح عنه.

(1)

في (غ)، و (ك):"فويل للمشركين".

(2)

سورة فصلت: الآيتان 6، 7.

(3)

في (ت): "إنهم".

(4)

في (ص)، و (غ)، و (ك):"بالأمر". وهو غير مناسب.

(5)

سورة البقرة: الآية 21.

(6)

هو أبو هاشم عبد السلام بن أبي عليٍّ محمد بن عبد الوهَّاب الجبائيّ المعتزليّ، من كبار الأذكياء. ولد سنة 247 هـ. كان خبيرًا بعلم الكلام، قويَّ العارضة، له من الكتب: الجامع الكبير، الجامع الصغير، العَرَض، وغيرها. توفي سنة 321 هـ.

انظر: وفيات 3/ 183، سير 15/ 63، الفتح المبين 1/ 172.

ص: 464

الثاني: أن الآيات الموعِدة بترك الفروع مثل قوله تعالى: {وَوَيْلٌ

(1)

لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}

(2)

ومثل قوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}

(3)

- دلت

(4)

على أنهم كُلِّفوا ببعض الفروع، فيكونون مكلَّفين بالباقي؛ إذ لا قائل بالفرق، أو بالقياس.

الثالث: وهو دليلٌ على من فَصَّل وقال: تتناولهم المناهي دون الأوامر. ولك أن تجعله دليلًا على الفريقين، وبه يُشعر إيرادُ المصنف

(5)

؛ حيث استدل لتناول النهي، ولو جعله دليلًا

(6)

على من وافق في النهي لم يحتج إلى الاستدلال.

وتقريره

(7)

: أنَّ الدليل على أن النهي يتناولهم وجوبُ حَدِّ الزنا عليهم، فيُلحقَ به الأمر بجامع مطلق الطلب.

فإن قلت: لا نسلم أنه

(8)

يتناول الكافرَ النهيُ ولا يَرِد وجوبُ حد

(1)

في المخطوطات: "فويل". وهو خطأ.

(2)

سورة فصلت: 6، 7.

(3)

سورة المدثر: 42، 43.

(4)

في (غ)، و (ك):"دلّ".

(5)

أي: أن المصنف أورد هذا الدليل للردِّ على مَنْ فَصَّل وفَرَّق بين الأوامر والنواهي، وعلى مَنْ منع التكليف فيهما.

(6)

سقطت من (ت).

(7)

أي: وتقرير هذا الدليل.

(8)

في (ص): "بأنه".

ص: 465

الزنا؛ لأنه التزم أحكامنا بعقد الجزية (أو غيرها)

(1)

؛ ولذلك لا نُحِدُّ الحربي. قلت: الالتزام بمجرده لا يُوجب الحد.

فإن قلت: قال أبو عبد الله بن خوَيْز مِنداد

(2)

المالكي: "إنهم إنما يُقْطعون في السرقة، ويُقتلون في الحِرَابة من باب الدفع، فهو تعزير لا حَدٌّ؛ لأن الحدودَ كفاراتٌ لأهلها وليست هذه كفارات"

(3)

، ومقتضى ذلك أن لا يجب حدُّ الزنا؛ لما ذكره.

قلت: مقالته هذه فاسدة؛ فإن الحدود إنما تكون كفارةً لأهلها إذا كانوا مُسْلمين كما صَرَّح به الشافعي رضوان الله عليه، والكافر ليس من أهل الأجر ولا الثواب ولا الطُّهْرة، وإنما هي في حقه كالديون اللازمة؛ ولذلك نُلْزِمه بكفارة الظهار ونحوها ولا يزول عنه بها إثم

(4)

.

(1)

في (ت): "وغيرها". والمراد بغير الجزية هو عَقْد الأمان الذي يدخل به الكافر ديار الإسلام لمدة محدودة. انظر: بدائع الصنائع 7/ 109.

(2)

هو محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق بن خُوَيْز مِنْداد، أبو عبد الله. قال ابن حجر رحمه الله:"وعنده شواذ عن مالك، واختيارات وتأويلات لم يُعَرِّج عليها حُذَّاق المذهب، كقوله: إنَّ العبيد لا يدخلون في خطاب الأحرار، وإنَّ خبر الواحد مفيد العلم، وإنه لا يعتق على الرجل سوى الآباء والأبناء، وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجي، ولم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي في الفقه. . . وطعن ابن عبد البر فيه أيضًا، وكان في أواخر المائة الرابعة". انظر: الديباج المذهب 2/ 229، لسان الميزان 5/ 291.

(3)

انظر مقولته في البحر المحيط 2/ 128.

(4)

يعني: لو ظاهر الكافر مِنْ زوجته - فإنا نُلْزمه بالكفارة ليستبيح زوجته، ولكن لا يرتفع إثم الظهار عنه بالكفارة، لأنها ليست بكفارة في حقه، بل هي سبب يستبيح به زوجته.

ص: 466

قال: (قيل: الانتهاء أبدًا ممكن

(1)

دون الامتثال. وأجيب: بأن مجرد الفعل والترك لا يكفي فاستويا، وفيه نظر. قيل: لا يصح مع الكفر ولا قضاءَ بعده. قلنا: الفائدة تضعيف العذاب).

لَمَّا قاس الأمر على النهي بالجامع الذي بيَّنه - اعترض الخصم وزعم ثبوت الفرق من جهة أن النهي من باب التروك، فلا يحتاج إلى النية، بخلاف الأمر، وإذن يمكن الكافر

(2)

الانتهاء عن المنهيات مع كفره، ولا يمكنه الإتيان بالمأمورات.

وأجيب عن هذا الاعتراض: بأنك إنْ عَنَيْتَ بقولك: يُمكنه الانتهاء عن المنهيات: أنه يتمكن من تركها من غير اعتبار النية - فكذلك المأمورات. وإن عَنَيْت: أنه يتمكن

(3)

(من الانتهاء)

(4)

عن المنهي لغرضِ امتثالِ قولِ الشرع - فهذا حالة الكفر متعذِّر، فاستوى المأمور والمنهي في أن الإتيان بهما من حيث الصورة غير متوقف على الإيمان، والإتيان بهما لغرض الامتثال متوقف على الإيمان؛ فبطل الفرق.

قال صاحب الكتاب: وفي هذا الجواب نظر. ووَجْهه: أن المكلَّف إذا ترك المنهي عنه سقط عنه العقاب وإن لم يَنْو، بخلاف المأمور به فإنه لا يحصل الأجر إذا لم ينو.

(1)

في (غ)، و (ك):"يمكن".

(2)

في (ك): "للكافر".

(3)

في (ص)، و (ك)، و (غ):"متمكن".

(4)

سقطت من (ت).

ص: 467

واحتج مَنْ قال بعدم تكليف الكفار بالفروع: بأنها لو وجبت عليهم لكانت إما في حال الكفر أو بعده، والأول باطل؛ لامتناع الإتيان بها في تلك الحالة، وكذلك الثاني؛ لإجماعنا على أن الكافر إذا أسلم لا يؤمر بالقضاء، لقوله عليه السلام:"الإسلام يَجُبُّ ما قبله"

(1)

.

وأجاب المصنف: بأن فائدة قولنا: إنهم مكلَّفون بالفروع - تضعيفُ العذاب عليهم يوم القيامة.

ولقائل أن يقول: التعذيب في الآخرة متوقف على سبق التكليف لا محالة، ويعود الكلام إلى أن التكليف بها إما في حالة الكفر أو بعده. بل الجواب أنا نقول: هو مكلف بإيقاع ذلك بأن يُسْلم ويُوقع، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"الإسلام يَجُبُّ ما قبله" - فحجةٌ لنا؛ لأن قوله: "يَجُبُّ"

(2)

يقتضي سبق التكليف به، ولكن يسقط ترغيبًا في الإسلام. ومن الدلائل الواضحة على أن الكافر مكلّف بالفروع مطلقًا

(3)

ولم أرَ مَنْ ذكره - قولُه تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}

(4)

إذْ لا يمتري الفهمُ في أن زيادة هذا العذاب إنما هو بالإفساد الذي هو قَدْرٌ زائدٌ على الكفر، إما الصَدُّ أو غيره. وأما قول الأصوليين:

(1)

أخرجه أحمد في المسند 4/ 205، ومسلم في صحيحه 1/ 112، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، رقم 121.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

سقطت من (غ).

(4)

سورة النحل: الآية 88.

ص: 468

الفائدة تضعيف العذاب في الآخرة - فصحيح، ولم يريدوا أنه لا تظهر فائدة الخلاف إلا في الآخرة، وإنْ أفْهمتْه عبارةُ طوائفَ منهم، فينبغي أن يُخصص كلامهم، ويُعْلم أنه جواب عما ألْزَم به الخصوم في فروعٍ خاصة لا تظهر فائدةُ الخلاف

(1)

فيها، كالزكاة ونحوها. وقد فَرَّع الأصحاب على الخلاف الأصولي مسائلَ عديدة.

واعلم أنَّ الأقوالَ الثلاثةَ في خطاب الكفار

(2)

بالفروع أوجهٌ

(3)

للأصحاب، حكاها النووي في أوائل الصلاة من

(4)

"شرح المهذب"

(5)

، وسبقه الشيخ أبو إسحاق في "شرح اللمع"

(6)

، فوضح وجْهُ اختلافهم (في المسائل التي بنوها حسب اختلافهم)

(7)

في الأصول.

منها: ذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أنه يجب على الحربي ضمانُ النفس والمال، تخريجًا من أن الكفار مخاطبون بالفروع، وعَزَى هذا إلى المزني في "المنثور"

(8)

.

ومنها: إذا اغتسلت الذميّة لتَحِلَّ لمَنْ يَحِلُّ له وطؤها من

(1)

في (ص): "للخلاف".

(2)

في (غ)، و (ك):"الكافر".

(3)

قوله: "أوجه" خبر أن.

(4)

في (ك): "في".

(5)

انظر: المجموع 3/ 4.

(6)

انظر: شرح اللمع 1/ 277.

(7)

سقطت من (ت).

(8)

انظر: التمهيد للإسنوي ص 130، البحر المحيط 2/ 131، 143.

ص: 469

المسلمين

(1)

- فهل يجب عليها إعادة الغُسْل إذا أسلمت؟ فيه وجهان

(2)

. وفَرَّق إمام الحرمين بين هذه، وبين ما لو وَجَب على الذمي كفارة فأخرجها ثم أسلم - لا يجب عليه الإعادة قطعًا؛ لأن

(3)

الكفَّارة إنما تكون بالمال (ولا تخلو)

(4)

الكفارة عن قصد شرعي من إطعامِ محتاج، أو كسوة عار، أو تخليصِ رقبةٍ عن قَيْدِ رقٍّ، وهذه المصلحة لا تختلف باختلاف أحوال فاعليها، فإذا وُجدت لا حاجة إلى إعادتها، بخلاف ما تُعبِّد به في حقِّ الشخص نفسه، كمسألتنا وكالصوم.

ومنها: لو اغتسل الكافر عن جنابة أو توضأ أو تيمم ثم أسلم فالمذهب الصحيح وجوب الإعادة

(5)

، والثالث الفرق بين الوضوء والغسل

(6)

.

ومنها: هل يمكث

(7)

الكافر الجنب في المسجد؟ فيه وجهان

(8)

.

ومنها: هل يُؤخذ في الجزية، وفي ثمن الشِّقْص المشفوع - مما تيقنا أنه من ثمن الخمر؟ المذهب أنا لا نأخذه، وفيه وجه

(9)

.

(1)

كزوج أو سيد.

(2)

انظر: المجموع 2/ 152 - 153.

(3)

في (ع)، و (ك):"بأن".

(4)

سقطت من (ت).

(5)

انظر: البحر المحيط 2/ 138، المجموع 2/ 153.

(6)

يعني: والمذهب الثاني: أنه لا تجب الإعادة.

(7)

في (غ)، و (ك):"يلبث".

(8)

انظر: البحر المحيط 2/ 139، التمهيد ص 132، قال السيوطي في الأشباه والنظائر ص 254:"ولا يمنع من المكث في المسجد جنبًا، بخلافه حائضًا".

(9)

انظر: التمهيد ص 131، الأشباه والنظائر للشارح 2/ 101، 1/ 390.

ص: 470