الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أردتَ مُخْبَرَه صح أن يكون عَلِم على حقيقتها.
إذا علمتَ هذا فدخولُها في قوله: "العلم بالأحكام" - لا بد منه.
أما على طريقة التضمين في الفعل فظاهر.
وأما على طريقة الزيادة في الفعل فلأنَّ المصدر المُعَرَّف بالألف واللام ضعيف العمل جدًا
(1)
. (والعامل إذا ضعف)
(2)
يُقَوَّى بالحرف، كقوله:{إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}
(3)
{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}
(4)
(5)
.
وعلى كل تقدير هي متعلِّقة بالعلم، وأما تقدير محذوف يتعلق به، كقولنا: العلم المتعلق بالأحكام فلا حاجة إليه إلا إذا فَسَّرنا العلم بالصناعة فيظهر تقديره.
الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام
": يخرج به العلم بالذوات
(6)
،
(1)
لبعده عن مشابهة الفعل؛ لأنَّه كلما قَرُب الاسم من الفعل قَوِي عملهُ، وكلما بَعْد عن مشابهة الفعل ضَعُف عمله، والألف واللام من علامات الاسم، فإذا دخلت على المصدر أضعفت عمله؛ لبعده عن مشابهة الفعل.
(2)
فى "ص"، و (ك):"وإذا ضعف".
(3)
سورة يوسف: 43.
(4)
سورة البقرة: 97. وسورة آل عمران: 3. وسورة فاطر: 31. وسورة الأحقاف: 30.
(5)
أصل الجملة: ومُصَدِّقًا ما بين يديه. فمُصَدِّق اسم فاعل، وهو أضعف من الفعل بالنسبة للعمل؛ لأنه اسم، والأصل في العمل للفعل، فأُدْخِلت اللام للتقوية، فأصبحت الجملة:"ومُصَدِّقًا لما بين يديه".
(6)
أي: العلم بالحقائق والماهيات، وهي المُعَبَّر عنها عند المناطقة بالأجناس والفصول. انظر: تعريفهما في: حاشية البيجوري على متن السلم ص 38. =
والصفات الحقيقية
(1)
، والإضافية
(2)
غير الحكم والأفعال
(3)
.
وإنما قلنا غير الحكم؛ لأنَّ الحكم الشرعي كلام متعلِّق
(4)
، فهو صفة عرضت لها الإضافة.
وهنا تنبيهات: منها أنَّ الحكم يطلق على النسبة الخبرية: وهي معلوم التصديق
(5)
، وبه يخرج التصور كلُّه، وعلى إنشاء الأمر والنهي والتخيير، ومنه الحكم الشرعي.
والعلم قد يَتَعَلَّق به على جهة التصور، ألا ترى إلى قول المصنف، ولا بد للأصولي مِنْ تصور الأحكام الشرعية ليتمكن من إثباتها ونفيها،
= قال الطوفي في شرحه لمختصره 1/ 117: والذوات الحقائق. وذات الشيء: حقيقته في عرف المتكلمين.
(1)
مثل: صفة السمع من حيث هو، والبصر من حيث هو. ويُعَبَّر عن ذلك عند المناطقة بالخاصة والعَرَض العام. انظر: تعريفهما في: حاشية البيجوري ص 39.
(2)
هي الصفات الحقيقية إذا أضيفت إلى شيء آخر، مثل: سمع زيد، وبصر عمرو، وسمع الحيوان، وبصر الإنسان. . . وهكذا.
قال الإسنوي في "التمهيد" ص 50، في شرح حد الفقه: واحترزنا بالأحكام عن العلم بالذوات كزيد، وبالصفات كسواده، وبالأفعال كقيامه.
(3)
أي: الحكم صفة إضافية، لأنَّ الحكم متعلِّق بأفعال المكلفين، فهو مِنْ غير التعلق لا يُعتبر، ومع ذلك فإنّ الحكم يُبْحث في الفقه، بخلاف غيره من الصفات الإضافية، فإنها لا تُبْحث في الفقه.
(4)
في "ك": "يتعلق". وفي (ص): "يتعلق به".
(5)
كقولنا: قام زيد. فمعلوم التصديق هي النسبة الخبرية، وهي قيام زيد.
وعلى هذا لا تكون الأحكام مُخْرِجة
(1)
للتصورات، وإنما تَخْرج بقوله بعد ذلك:"المكتسب من أدلتها"، فإن التصور يُكْتسب من التعريفات لا من الأدلة.
وكل مَنْ تكلم على الحد جعل قولَه: "الأحكام" - مُخْرِجًا للتصورات، و
(2)
هذا سؤال قوي
(3)
، وجوابه: أنَّ الحكم لفظ مشترك والمراد به هنا هو
(4)
المعنى الأول.
فإن قلتَ: الألفاظ المشتركة لا تُستعمل في الحدود من غير بيان، وأيضا فإنه
(5)
قال: الفقه العلم بالأحكام الشرعية، ثم عَرَّف الحكمَ الشرعي بالخطاب، فاستحال أن يكون غيره، وإلا لما انتظم الكلام
(6)
.
قلت: ينتظم من جهة أَنَّه إذا عَرَف أنَّ الحكم الشرعي الخطاب الموصوف ترتب عليه حكمُنا
(7)
بثبوت ذلك الخطاب أو نفيه، وهذا هو
(1)
في (ت): "مخرج". وهو خطأ؛ لأنّه خبر يكون، فالصواب: مخرجًا. وتكون العبارة في (ت): "وعلى هذا لا يكون الأحكام مخرجا". أي: لا يكون قيد "الأحكام" في تعريف الفقه مُخرِجًا.
(2)
سقطت الواو من (ص)، و (ك).
(3)
وتقديره: كيف تَخْرج التصورات بقيد الأحكام، مع أنَّ الحكم يأتي أحيانا بمعنى التصور؟
(4)
في "ص"، و (ك):"ها هنا".
(5)
سقطت من (ص)، و (ك).
(6)
سقطت من (ص).
(7)
في (ص): "حكما". وهو خطأ.
المراد بقولنا: الفقه: العلم بالأحكام الشرعية
(1)
.
وسمي شرعيًا لكونه لم يُعْرف إلا من الشرع، والمتعلِّق به تصديقٌ لا تصور. والمذكور في حد الحكم هو حكم الله القائم بذاته، وهو طلبٌ أو تخييرٌ، وسُمِّي شرعيًا لأنّه ناشئ من الشارع
(2)
، والعلم المتعلق به تصور، وإنما ذُكِر لِنَعْرف
(3)
به الحكم المذكور في حد الفقه؛ لتعلقه به.
والقاضي أبو بكر يجعل حكمَ الله إخبارَه بجَعْله الحكم لفعلٍ كذلك
(4)
، فيَسْتَغْنِي عن هذا التكلف
(5)
.
وأما سؤال الاشتراك فهنا قرينة تُبَيِّن المراد، وهي أنَّ العلم
(6)
متعد إلى مفعولين، ولا يجوز دخول الباء على مفعوله إلا إذا تضمن نسبة بنفي أو إثبات، كما تقدمت الإشارة إليه في الوجه الثاني.
فلما دخلت الباء هنا مع لفظ العلم
(7)
الذي ظاهره
(1)
المعنى: أنَّ الحكم الشرعي الموصوف بأنه خطاب الله تعالى المتعلق. . . الخ، إذا عُلم ترتَّب على العلم به ومعرفته حُكمُنا بثبوت ذلك الخطاب أو نفيه، فالمراد هنا بالحكم فى تعريف الفقه هو ما يترتب عليه من إثبات أو نفي، والإثبات والنفي لا يكون إلا في التصديق.
(2)
في (ت): "الشرع".
(3)
في (ك): "ليعرف".
(4)
في (ت): "بجعله الفعل كذلك". وهو خطأ.
(5)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"التكليف". وهو خطأ.
(6)
في (ص): "الفعل". والمراد بالفعل هو العلم.
(7)
في قوله: "العلم بالأحكام".
التعدي إلى مفعولين على
(1)
لفظ الحكم الذي هو ظاهر في النسبة - كان ذلك قرينةً في أنَّ المراد بالأحكام ثبوتها لا تصورها.
ومن هنا يتبين لك أنَّ المطلوب من الفقه
(2)
عِلْمه هو كون الشيء واجبًا، أو حرامًا، أو مباحًا، وهو المذكور في حد الفقه، ويقرب دعوى القطع فيه؛ لأنَّ المراد العمل.
والمذكور في حد الحكم هو إيجاب الله، أو تحريمه، أو إباحته، وهو صفة قائمة بذاته تعالى، ويُطْلب تحقيقُها (من الأصولي لا من الفقيه)
(3)
، والمطلوب تصورها.
ودعوى القطع في العلم بتعلقها بما علمه الفقيه عَثْرة
(4)
.
ولو قال قائل: المراد بالأحكام هنا هو المذكور عند حد الحكم، ويُقَدِّر بإثبات الأحكام، ويَسْتدل على هذا التقدير بما قلناه - كان صحيحًا، والله أعلم.
ومن التنبيهات: أنّ الإمام ممن ادَّعى أنَّ بقوله: "بالأحكام"، يخرج العلم بالذوات والصفات
(5)
، ثم أورد سؤالَ كونِ الفقه
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"مع". وهو خطأ.
(2)
في (ك): "الفقيه".
(3)
في (ت): "من الأصول لا من الفقه".
(4)
كذا في: (ت)، وفي (ص)، و (ك):"غيره".
(5)
وكذا ادعاه الجاربردي في السراج الوهاج 1/ 81، والأصفهاني في شرحه على المنهاج 1/ 38.
مظنونًا
(1)
؟ فيقال
(2)
: إنْ أراد بالعلم الاعتقاد الجازم - فيرد سؤالُ الظن، ولا يحسن أنْ يُقال خرج بالأحكام العلمُ بالذوات والصفات؛ لأنها لم تدخل في الجنس
(3)
.
وإن أراد الأعم من التصور والتصديق فيصح ما ادعاه من الإخراج، ولا يرد سؤال الظن؛ لأنَّ الظن قسم من أقسام التصديق، الذي هو قسم من العلم.
وجواب هذا بالتزام الثاني، ومَنْعُ كَوْنِ الظَّنِّ من أقسام العلم؛ لما بيناه في الوجه الأول.
ومن التنبيهات أيضًا: أنَّ بعض مَنْ شرح هذا الكتاب قال: إنَّ الأحكام تُخرِج العلم بالذوات والصفات، كعلمنا بأن الأسود ذات، والسواد صفة. وهذه عبارة غير مُحَرَّرة؛ فإنَّ العلمَ بأنَّ الأسود ذات،
(1)
انظر: كلام الإمام في المحصول 1/ ق 1/ 92.
(2)
أي: جوابًا عن هذا السؤال.
(3)
معنى هذا الجواب هو: أنَّه يقول: إن أردت يا إمام بـ "العلم" في تعريف الفقه: الاعتقاد الجازم - فَيرِد سؤالٌ واعتراضٌ بأنَّ من الفقه ما هو مظنون، وهو غير داخلا في الاعتقاد الجازم - فلا يكون داخلًا في الفقه، فيكون الحد غير جامع. ولا يحسن على تعريف "العلم" بأنه الاعتقاد الجازم أنْ تقول: خرج بـ "الأحكام" العلمُ بالذوات والصفات؛ لأنَّ العلم بها تصور، فلم تدخل في الجنس: الذي هو العِلْم، المُعَرَّف بأنه الاعتقاد الجازم، فهو تصديق لا تصور. وقد فَسَّر الأصفهاني في شرحه على المنهاج (1/ 37)، العلمَ بالتصديق الجازم، ومع ذلك أخرج بالأحكام العلم بالذوات، والصفات، والأفعال.
والسواد صفة - تصديق
(1)
، والتصور العلم بنفس الذات، ونفس الصفة، متمثلةً في الذهن.
ومن التنبيهات: أنَّ الألف واللام في الأحكام للجنس، هذا هو الذي نختاره، والألف واللام الجنسية إذا دخلت على جَمْع قيل تدل على مُسَمَّى الجمع، ويصلح للاستغراق، ولا يُقْتَصر به على الواحد والاثنين محافظة على الجمع.
والمختار أنَّه متى قُصِد الجنس جاز
(2)
أن يُراد به بعضه إلى الواحد، ولا يَتَعَيَّن الجمع، كما لو دخلت على المفرد
(3)
.
نعم قد تقوم قرينة تدل على مراعاة الجمع مع الجنس، فيفارق
(4)
بذلك المفرد.
و
(5)
على ما قلناه يصدق على العلم بحكم مسألة واحدة من الفقه أنها
(1)
لأنّه مُكَوَّنٌ من موضوع ومحمول، فقوله: الأسود ذات - تصديق؛ لأنّه مكون من موضوع: الأسود، ومحمول: ذات. وكذا قوله: والسواد صفة. السواد موضوع، وصفة محمول. فهذا تصديقٌ لا تصور، ونحن في التعريفات نتصور ولا نتعرض للتصديق.
(2)
في (ص): "يجوز".
(3)
فعلى هذا القول الألف واللام الجنسية تُبْطِل الجمعية، وتدل على الواحد فما فوق إلى ما لا نهاية، كما لو دخلت الألف واللام الجنسية على المفرد - تبطل الإفرادية، فيدل اللفظ على الواحد فما فوق إلى ما لا نهاية.
(4)
في (ص): "فيقارب". وهو خطأ.
(5)
سقطت الواو من (ص)، و (ك).
فِقْهٌ، ولا يلزم أن يُسَمَّى العالم بها فقيهًا؛ لأنَّ فعيلًا صفةُ مبالغةٍ مأخوذة من فَقُه بضم القاف إذا صار الفِقْه له سجية
(1)
.
وقال بعضهم: إنها للعموم
(2)
والمراد التهيؤ، أي: يكون له قوة قريبة من الفِعْل يمكنه بها العلم بجميع الأحكام إذا نَظَر، كما هي وظيفة المجتهد
(3)
، وهذا حسن
(4)
في اسم فقيه اسم الفاعل المقصود به المبالغة، لا في اسم الفِقْه المصدر
(5)
.
وقال بعضهم: إنها للعَهْد، والمراد: جملة غالبة بحكم أهلِ العُرْف، عندها يَصْدق الاسم، وهذا ليس بشيء
(6)
.
ومن التنبيهات: أنَّ قولنا: العلم بالأحكام - يصدق على ثلاثة أشياء:
(1)
انظر: لسان العرب 13/ 522، والمصباح المنير 2/ 134.
(2)
الفرق بين الألف واللام الجنسية، والتى للعموم: أنَّ الجنسية يُنظر فيها للماهية أصلًا، وللأفراد تبعًا، والألف واللام التي للعموم ينظر فيها للأفراد أصلًا، وللماهية تبعًا.
(3)
المعنى: أنَّه إذا أُريد بالألف واللام في قوله: "بالأحكام"، العموم - يكون المراد: العلم بجميع الأحكام، وهذا غير متحقِّق في أحد من العلماء، فيكون المراد بالعموم: العلم بجميع الأحكام بالقوة لا بالفعل، أي: يكون للعالم المجتهد القدرة على معرفة حكم المسألة إذا نظر في النصوص واجتهد.
(4)
في (ص): "أحسن".
(5)
المعنى: أنّ تفسير الألف واللام بأنها للعموم حسن في تعريف اسم: فقيه، اسم الفاعل المقصود به المبالغة؛ لأنَّ فعيل من صيغ اسم الفاعل للمبالغة، فالفقيه هو الذي يَعْرف جميع الأحكام بالقوة، أما في تعريف اسم: الفقه، الذي هو المصدر، كما هو الحال هنا في تعريفه، فليس بحسن. وانظر: شذا العرف في فن الصرف ص 78
(6)
لأنّ هذا المقدار من الأحكام مجهول لا يُعْرف.