الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا
(1)
به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل
، أو بغيره فلم
(2)
يمتثل بالكلية. وقال
(3)
أبو هاشم: لا يوجبه، كما لا يوجب النهيُ الفسادَ. والجوابُ: طلب الجامع ثم الفرق).
إتيان المكلف بالأمور به على الوجه المشروع مُوجِب للإجزاء عند الجمهور، وخالفهم أبو هاشم وعبد الجبار.
وحجة الجمهور: أنه لو لم يكن الامتثال موجِبًا للإجزاء - لكان الأمر بعد الامتثال مقتضيًا إما لذلك المأتي به، ويلزم تحصيلُ الحاصل، أو لغيره ويلزم أن لا يكون الإتيان بتمام الأمور به بل ببعضه، والفرض خلافه
(4)
.
واعلم أن الإجزاء له تفسيران:
أحدهما: سقوط التعبد به، وهو الذي اختاره المصنف في أوائل الكتاب.
(1)
في (غ): "معلقًا".
(2)
في (ت)، و (ص):"لم".
(3)
في (ص) و (ك)، و (غ):"قال".
(4)
المعنى: لو لم يكن الامتثال موجبًا للإجزاء - لكان الأمر بعد الامتثال مقتضيًا لأحد أمرين: إما لذلك الفعل الذي امتثله، فأَمْرُه به بعد فِعْله تحصيل حاصل، أو لغير ذلك الفعل، فيلزم على هذا أن يكون ما فَعَله أولًا ليس امتثالًا لجميع المأمور به، بل امتثال للبعض، وهذا يخالف فَرْض المسألة، إذ المسألة مفروضة أنه امتثل جميع المأمور به، ولم يُجزئه ذلك، فأُمِر بعد الامتثال. فثبت بهذا أن الامتثال موجب للإجزاء، وإلا لزم منه أمران باطلان.
والثاني: سقوط القضاء، وقد ضعفه ثَمَّ.
والخلاف في هذه المسألة إنما هو مبني على تفسيره بسقوط القضاء، أما إذا فُسِّر بما اختاره المصنف فامتثال الأمر يكون محصِّلًا للإجزاء من غير خلاف، وإنما خالف أبو هاشم وأتباعه إذا بُني على ذلك التفسير، فقالوا:(لا يمتنع)
(1)
الأمر بالقضاء أيضًا مع فعله. فحاصل ما يقوله أبو هاشم أنه
(2)
لا يدل على الإجزاء، وإنما الإجزاء مستفاد مِنْ عدم دليل يدل على وجوب الإعادة. ولا خلاف بين أبي هاشم وغيره في براءة الذمة عند الإتيان بالمأمور به.
وقد شَبَّه القرافي هذا الخلاف بالخلاف في مفهوم الشرط
(3)
، كما إذا قال: إنْ دخلتَ الدار فأنتَ حرٌ. فمَنْ قال: لا مفهوم للشرط - قال عدمُ عتقه ما لم يأتِ بالمشروط مستفادٌ من الملك السابق. ومن قال: له مفهوم - قال: هو مستفاد من ذلك، ومن مفهوم الشرط
(4)
أيضًا. وكذلك الخلاف الذي هنا.
وإذا عرفتَ ذلك عَلِمتَ أن أبا هاشم لا يقول ببقاء شغل الذمة بعد الفعل؛ لأن
(5)
الأمر بمجرده لا يدل عليه، وحينئذ فدليل المصنف عليه دليل
(1)
في (ت): "لا يمنع".
(2)
أي: فعل المأمور به.
(3)
انظر: نفائس الأصول 4/ 1594.
(4)
سقطت من (ت).
(5)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"بل إن".
في
(1)
محل الوفاق لا معترض به عليه
(2)
. وهذا هو التحرير في نقل مذهب أبي هاشم، وكذلك نطق به جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في "شرح العنوان".
واحتج أبو هاشم على مذهبه: بأن النهي لا يدل على الفساد بدليل البيع وقت النداء، فكذلك الأمر لا يدل على الإجزاء.
وإليه الإشارة بقوله: "لا يوجبه"، أي: لا يوجب الأمرُ الإجزاءَ، كما لا يوجب النهيُ الفساد.
والجواب: أولًا: طلب الجامع بين المَقِيس والمَقِيس عليه، وهو الأمر والنهي.
فإن أتى به بأن قال: الجامع أن كلًا منهما طلبٌ لا إشعار له بذلك، أو أنهما متضادان، والشيء محمولٌ على ضده كما هو محمول على مثله - أجبنا ثانيًا: بالفرق: وهو أن مقتضى الأمر الإتيان بالمأمور به، فلو لم يكن موجبًا للإجزاء لم يكن للأمر فائدة؛ لأنه حينئذ
(1)
في (ت)، و (ص)، و (غ):"من".
(2)
أي: على أبي هاشم. والمعنى: أن المصنف اعترض على أبي هاشم بأنَّ قوله: إن الامتثال لا يوجب الإجزاء، يلزم منه شُغْل الذمة بعد الامتثال، وهذا لا يقوله أبو هاشم، بل هو يوافق على عدم شغل الذمة بعد الامتثال، لكنه يقول بأن الامتثال لا يُسقط القضاء. فكأن المصنف بنى المسألة على ما اختاره من معنى الإجزاء: وهو سقوط التعبد، وهذا المعنى لا يخالف فيه أبو هاشم؛ لأنه يقول بلازمه وهو عدم شغل الذمة، لكن المسألة مبنية على المعنى الثاني للإجزاء: وهو سقوط القضاء، وهو الذي لا يقول به أبو هاشم؛ لأن الامتثال لا يسقط القضاء.
يكون كأنه قال: افعل هذا، وإذا فعلت فكأنك لم تفعل، بخلاف النهي فإن مقتضاه الانكفاف عن المنهي
(1)
، وقد يكون الانكفاف بحكم
(2)
آخر، كالنهي عن البيع وقت النداء مع مجامعته للصحة؛ ولهذا يصح أن يقال: لا تفعل هذا، وإن فعلته يكون فِعْلُكَ صحيحًا.
فإن قلت: الحاج
(3)
إذا أفسد حجه فهو مأمور بالمضي في فاسد الحج، وإذا مضى فيه كما أُمر لزمه في مستقبل الزمان افتتاحُ حجٍّ صحيحٍ، ولم يقع إذن مُضِّيه مجزئًا وإنْ كان مأمورًا به.
قلت: قال إمام الحرمين: "هذا قول مَنْ يَتَلقَّى الحقائق في الأصول مِنْ خيالاتٍ في
(4)
مضطرب الظنون المتعلقة بالفروع، فنقول: إنْ كان ما خاض أولًا (حَجًّا مفروضًا)
(5)
- فالخطاب بإيقاع حج صحيح قائم، والإفساد مناف لحق الامتثال، وليس المُضِيُّ
(6)
في الفاسد
(1)
في (ك): "المنهي عنه".
(2)
في (ك): "لحكم".
(3)
في (ت): "المجامع".
(4)
في (ت)، و (غ)، و (ك):"من".
(5)
في البرهان 1/ 256: "حجًا صحيحًا مفروضًا". وهذا خطأ؛ لأنه سيقول بعده: "فالخطاب بإيقاع حج صحيح قائم". فكيف يكون الخطاب بإيقاعٍ حجٍ صحيح قائم، وما خاض أولًا صحيح! وقد أشار المحقق إلى نسخة ليس فيها "صحيحًا" وهي الصحيحة.
(6)
في (ت)، و (ص)، و (غ)، و (ك):"المقتضى". وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وهو الموجود في البرهان 1/ 256.
مُقْتضى الأمرِ بالحج الصحيح، وإنما هو مُتَلقَّى من أمر جديد يختص بالحج، فيثبت الجريان في الفاسد بأمرٍ جديد، وبقيَ على المفسِد حقُّ القيام بالأمر الأول. وإنْ كان الحج تطوعًا فيجب القضاء على المفسِد بأمر جديد، وليس ذلك من مقتضى الأمر بالمضي" قال: "وهذا لا غموض فيه. وقد يعتاص
(1)
على الفقيه الفرق بين الفساد والفوات والتحلل بِعُذْر
(2)
الإحصار، وحظُّ الأصولي من
(3)
هذه المسائل تقديرُ أمرٍ جديد في كل ما لا يُتلقى من
(4)
الأمر الأول، وهذا ليس بالعَسِر
(5)
، بل هو مقطوع به"
(6)
. والله أعلم (وبه التوفيق)
(7)
(8)
.
(1)
في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"يتعارض". والمثبت من البرهان.
(2)
في (ت)، و (ص)، و (ك)، و (غ):"بعد"، والمثبت من البرهان.
(3)
في (ك): "في".
(4)
في (ك): "في".
(5)
في (ت): "بالعسير".
(6)
البرهان 1/ 256.
(7)
لم ترد في (ت)، و (غ).
(8)
انظر المسألة في: المحصول 1/ ق 2/ 414، التحصيل 1/ 324، الحاصل 1/ 475، نهاية السول 1/ 383، السراج الوهاج 1/ 230، الإحكام 1/ 175، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 383، شرح تنقيح الفصول ص 133، بيان المختصر 2/ 68، البحر المحيط 3/ 338، المعتمد 1/ 90، مناهج العقول 1/ 158.