المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم: - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(قال المصنف رحمه الله

- ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

- ‌البحث الثالث: في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها، وما بينها من النسب

- ‌الوجه الثاني من الكلام على التعريف: الباء في قوله: (بالأحكام)

- ‌الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام

- ‌الوجه الرابع قوله: "الشرعية

- ‌الوجه الخامس قوله: "العملية

- ‌الوجه السادس: قوله: "المكتسب من أدلتها

- ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

- ‌مقدمة

- ‌(الباب الأول: في الحكم. وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في تعريفه

- ‌(الفصل الثاني: في تقسيمه

- ‌الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنَع النقيض فوجوب

- ‌(الثاني: ما نُهِي عنه شرعًا فقبيح، وإلا فحسن، كالواجب، والمندوب، والمباح، وفِعْلِ غير المكلف)

- ‌(الثالث: قيل: الحكم إما سبب، وإما مسبب

- ‌(الرابع: الصحة: استتباع الغاية

- ‌(الخامس: العبادة إنْ وقعت في وقتها المعيَّن

- ‌(السادس: الحكم إنْ ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة

- ‌(الفصل الثالث: في أحكامه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة

- ‌(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق

- ‌(الثالثة: الوجوب إنْ تناول كلَّ واحد كالصلوات الخمس

- ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

- ‌(الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌(السادسة: الوجوب إذا نُسخَ بقي الجواز خلافًا للغزالي

- ‌(السابعة: الواجب لا يجوز تركه. قال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب. قلنا: لا بل به يحصل)

- ‌(الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه. وهو الحاكم، والمحكوم عليه، وبه

- ‌(فرعان على التَّنَزُّل:

- ‌ الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا

- ‌ حكم الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌ امتناعَ تكليفِ الغافلِ

- ‌(الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف؛ لزوال القدرة)

- ‌(الرابعة: التكليف يتوجه حال المباشرة. وقالت المعتزلة: بل(2)قبلها)

- ‌(الفصل الثالث: في المحكوم به.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: التكليف بالمحال جائز

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية(2)، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

- ‌خاتمة

- ‌(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا(1)به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل

الفصل: ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

قال: ‌

‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.

وفيه مسائل:

‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

كما أنَّا مأمورون بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم).

قال أصحابنا: المعدوم يجوز أن يُحْكم عليه، لا بمعنى أنَّ حال كونه معدومًا يكون مأمورًا، فإنه معلوم الفساد بالضرورة، بل بمعنى: أنه يجوز أن يكون الأمر موجودًا في الحال، ثم إن الشخص الذي يُوجد بعد ذلك يصير مأمورًا بذلك.

وأما سائر الفِرَق فقد أنكروه وعظَّموا النكير على شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه حتى انتهى الأمر إلى

(1)

انكفاف طائفة من الأصحاب عن هذا المذهب، منهم أبو العباس القلانسي

(2)

مِنْ قدماء الأصحاب.

وقال: كلام الله في الأزل لا يتصف بكونه أمرًا ونهيًا ووعدًا ووعيدًا، وإنما تثبت

(3)

هذه الصفات فيما لا يزال عند وجود المخاطبين، كما

(1)

سقطت من (ت).

(2)

لم أقف على ترجمته، والمذكور في كتب التراجم أبو العز القلانسي، وهو مقرئ، فالله أعلم هل في كلام الشارح تصحيف؟ انظر: ترجمة أبي العز في: الطبقات الكبرى 6/ 97، سير 19/ 496، الإعلام 6/ 101. وقد راجعت طبقات الشافعية للإسنوي، وابن قاضي شهبة، وابن الصلاح، وابن هداية الله، فلم أَعْثُرْ على ذكر لأبي العباس القلانسيّ، وكذا في البداية والنهاية، فالله أعلم.

(3)

في (ص): "ثبتت".

ص: 395

يتصف الباري بكونه خالقًا رازقًا فيما لا يَزالُ

(1)

(2)

، وجَعَل ذلك مِنْ صفات الأفعال

(3)

. وهذا ضعيف؛ لأنه إثباتٌ لكلامٍ خارجٍ عن كونه أمرًا ونهيًا ووعدًا ووعيدًا إلى استتمام أقسام الكلام، وذلك مستحيل قطعًا

(4)

، فلئن جاز ذلك فما المانع من المصير إلى أن الصفة الأزلية ليست كلامًا أزلًا ثم يستَجِدُّ كونها كلامًا فيما لا يزال

(5)

.

(1)

يعني: وإنما تثبت صفات الخلق والرزق عند وجود الخلق والرزق.

(2)

انظر: البرهان 1/ 270.

(3)

الصفات الفعلية عند الأشاعرة: هي التي يتوقف ظهورها على وجود الخلق. والحدُّ بين صفات الذات وصفات الفعل: أن ما يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الذات، فإنك لو نفيت الحياة للزم الموت، ولو نفيت القدرة للزم العجز، وكذا العلم مع الجهل، ولو نفيت الإرادة للزم منه الجبر والاضطرار، ولو نفيت عنه سبحانه الكلام للزم الخرس والسكوت، فثبت أنها من صفات الذات. وأن ما لا يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الفعل، فلو نفيت الإحياء أو الإماتة أو الخلق أو الرزق لم يلزم منه نقيضه. وصفات الأفعال حادثة عند الأشاعرة؛ لأنها عبارة عن تعلقات القدرة، وتعلقاتها حادثة. انظر: شرح الجوهرة ص 120، 121، في شرح البيت الثلاثين.

(4)

يعني: ما قاله أبو العباس القلانسي - رحمه الله تعالى - ضعيف؛ لأنه تكلم عن كلام الله تعالى في الأزل، وهو كلامه النفسي كما هو عند الأشاعرة، فهذا الكلام لا يوصف بكونه أمرًا ونهيًا ووعدًا ووعيدًا، إلى غير ذلك من أقسام الكلام اللفظي. فَوَصْفُ الكلام النفسي بأوصاف الكلام اللفظي مستحيل قطعًا.

(5)

يعني: فلئن جاز أن لا يُسَمَّى الله آمرًا إلا بوجود المأمور، ولا خالقًا إلا بوجود المخلوق، فما المانع مِنْ أَنْ نُجري هذا الأمر في الكلام النفسي، ونقول: إن كلامه النفسي ليس كلامًا إلا إذا وُجِد المخاطَب بذلك الكلام. وهذا التضعيف نقله السبكي عن إمام الحرمين في البرهان 1/ 271.

ص: 396

وذهب بعض الفقهاء كما حكاه القاضي في "مختصر التقريب" إلى أن الأمر قبل وجود المأمور أمْرُ إنذار وإعلام وليس بأمر إيجاب

(1)

.

وهو ضعيف؛ لأن ما فروا منه في الإيجاب يلزمهم في الإعلام؛ فإنه

(2)

كما يُستبعد إلزام المعدوم

(3)

يُستبعد إعلامه.

واحتج أصحابنا: بأن الواحد منا يصير مأمورًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أن ذلك الأمرَ ما كان موجودًا إلا حال عدمنا.

قال: (قيل الرسول عليه السلام أخبر بأنَّ مَنْ سيُولد

(4)

فالله سيأمره. قلنا: أمر الله في الأزل معناه: أن فلانًا إذا وُجِد فهو مأمور بكذا. قيل: الأمر في الأزل ولا سامعَ ولا مأمورَ عبثٌ، بخلاف أمر الرسول عليه السلام. قلنا: مبني على القبح العقليّ، ومع هذا فلا سَفَه أنْ يكون في النفس طلبُ التعلُّم من ابنٍ سَيُولد).

اعترض الخصوم على الدليل المتقدم: بأنه لا يصح قياس أمر الله تعالى على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مبلِّغ لأمر الله تعالى، فيكون مُخْبِرًا عن الله بأن فلانًا إذا وُجد وانخرط في سلك مَنْ يفهم الخطاب فالله يأمره بكذا، وإذا كان كذلك لم يكن أمرًا للمعدوم بشيء.

(1)

انظر: التلخيص 1/ 450.

(2)

في (ت): "لأنه".

(3)

في (ت)، و (ص)، و (ك):"المأمور". وهو خطأ، إلا إذا تأولناه بالمأمور قبل وجوده، لكن فيه لبس. والثبت هو الصواب، والموافق لما في التلخيص 1/ 451.

(4)

في (ت): "ولد".

ص: 397

وأجاب المصنف: بأنا أيضًا نقول: أمْرُ الله في الأزل معناه: أنه أخبر بأنَّ مَنْ سيوجد ويستعِدُّ لتعلُّق الأمر به - يصير مأمورًا بأمري، كما قلتم في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت: (إذا كان أمْر الله بمعنى الإخبار فلا يكون أمرًا حقيقيًا. قلت)

(1)

: كذا ذهب إليه بعض الأشاعرة. وضعَّفه الإمام بوجهين:

أحدهما: أنه إنْ كان مُخْبِرًا لنفسه فهو سَفَه، أو لغيره فمحال؛ إذ ليس ثَمَّ غيره، ولهذا ذهب مَنْ صار إلى أنَّ كلام الله في الأزل

(2)

لم يكن أمرًا ولا نهيًا، ثم صار فيما لا يزال كذلك.

واعترض عليه القرافي بأنا نقول: "إنه مخبِر لنفسه، والقائل يُسند

(3)

في فكره طول ليله ونهاره، ولا معنى لذلك

(4)

إلا الإخبارات، وأجمع العقلاء مع ذلك على حسنه، فلا يكون في حق الله تعالى قبيحًا، بل الله تعالى عالم بجميع معلوماته، ويخبر عن كل معلوم بخصائص صفاته، وأحواله، ولا استحالة في ذلك. ولم يزل الله تعالى في الأزل يُخبر عن صفات كماله، ونعوت جلال نفسِه بكلامه النفسي أزلًا وأبدًا، ولا يَسْمع ذلك إلا اللهُ

(1)

سقطت من (ت).

(2)

عبارة الرازي في المحصول 1/ ق 2/ 433: "ولصعوبة هذا المأخذ ذهب عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب التميمي من أصحابنا: إلى أن كلام الله تعالى في الأزل. . .".

(3)

في (ت)، و (ص)، و (ك):"والعاقل يستند". وهو تصحيف، والمثبت من نفائس الأصول 4/ 1616. والمعنى: أن القائل المتكلم في نفسه يُسند القول ويعوزه وينسبه في نفسه.

(4)

أي: الإسناد. وهذا مما تصرف فيه الشارح، وإلا فعبارة القرافي:"ولا معنى للإسنادات إلا الإخبارات". نفائس الأصول 4/ 1616.

ص: 398

تعالى بسمعه القديم، وإلى هذا الإخبار أشار عليه السلام بقوله:"لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"

(1)

، فالله تعالى يثني على نفسه دائمًا أزلًا وأبدًا، ولا معنى للثناء إلا الإخبار". قال:"وهذا واجبٌ حقٌّ لا يُنكره إلا مَن لم يُرَيَّض بالعلوم العقلية الكلامية"

(2)

.

والثاني: من اعتراضَي الإمام: أنه لو

(3)

كان بمعنى الإخبار ثَمَّ

(4)

لقَبِل الصدقَ والكذب، ولكان يلزم أن لا يجوز العفو؛ لأن الخُلف في خبر الله محال

(5)

. وهو ضعيف؛ لأنا نقول: الأمر عبارة عن الإخبار بنزول العقاب إذا لم يحصل عفو. ذكره الأصفهاني في شرح المحصول.

ثم اعترض الخصم على الجواب: بأن الأمرَ بالمعنى الذي ذكرتموه أيضًا محال في حق الله تعالى دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تعالى إذا أخبر في الأزل يكون قد أخبر ولا سامعَ ولا مأمورَ ومَنْهِيَّ، وصار كمن خلا بنفسه يُحَدِّثها، وذلك عبث، بخلاف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فإن بين يديه مَنْ يسمع

(1)

أخرجه أحمد في المسند 1/ 96. وأبو داود في سننه 2/ 134، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم 1497. والنسائي 3/ 248، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب الدعاء في الوتر، رقم 1747. والترمذي 5/ 524، كتاب الدعوات، باب في دعاء الوتر، رقم 3566. وابن ماجه 1/ 373، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم 1179.

(2)

انظر: نفائس الأصول 4/ 1616 - 1617، مع تصرف من الشارح واختصار.

(3)

في (ت): "إن".

(4)

سقطت من (ص).

(5)

انظر هذين الاعتراضين في المحصول 1/ ق 2/ 432 - 433.

ص: 399

ويمتثل ويُبَلِّغ.

وأجاب: بأن تقبيح هذا مبني على مسألة التحسين والتقبيح، وهي منهدمة الأركان.

ولقائل أن يقول: إنْ ثبت قُبْح هذا فهو صفة نقص ولا خلاف، كما سلف في أن التحسين والتقبيح على معنى صفات الكمال والنقص عقلي، وما تقدم من كلام القرافي يصلح جوابًا هنا.

ثم أجاب المصنف ثانيًا: بأن أمر الله تعالى هو الطلب القائم بذاته على رأي أهل الحق، ولا سَفَه في قيام طلب الفعل بذاته ممن سيوجد، كما أنه لا سفه في أن يقوم بذات الأب طلبُ تَعَلُّمِ العلم من الولد الذي سيوجد؛ ولو قُدِّر بقاء ذلك الطلب حتى يوجد الولد - صار مطالَبًا بذلك المطلب ومأمورًا، فكذلك المعنى القائم بذات الله تعالى الذي هو: اقتضاء الطاعة من العباد - قديمٌ، تَعَلَّق بعِبادٍ على تقدير وجودهم، فإذا وُجدوا صاروا مأمورين بذلك الاقتضاء.

وهذا الجواب صحيح، إلا أن قياس الغائب على الشاهد لا يصح

(1)

،

(1)

قياس الغائب على الشاهد نوع من القياس العقلي، وذهب إلى صحته أكثر المتكلمين. وضعَّفه الإمام وغيره؛ بأنه لا يفيد اليقين والمطلوب في المسائل التي استدلوا به فيها اليقين، مع أن في تعبيرهم عن الباري تعالى بالغائب إساءة أدب. وقال بعدم صحته الحنفية أيضًا. والقائلون به قالوا: لا بد من جامع عقلي، والجامع أربعة: العلة، والحد، والشرط، والدليل. فالجمع بالعلة وهو أقوى الوجوه كقولهم: العالِمية في الشاهد - يعني: المخلوقات - معلَّلةٌ بالعلم، فكذلك في الغائب سبحانه وتعالى. وأما الجمع بالحد فكقولهم: حَدُّ العالِم شاهدًا: مَن له العِلْم، فكذلك في الغائب. وأما الجمع =

ص: 400

فإنا لا نسلم أنه يقوم بذات الأب (طلبٌ للتعلم)

(1)

من ابن سيولد، وإن كان الغزالي في طائفة قالوا: إنَّ ذلك ثبت للذاهبين إلى كلام النفس، بل نقول

(2)

: إنما يقوم بذاته أنه لو وُجد لَطَلَب منه

(3)

.

فإن قلت: إنما كان

(4)

ذلك لأن الشاهد غالبًا لا يستيقن (وجود ولدٍ لَهُ إذ لا علم له بالغيب، بخلاف مَنْ يعلم أن فلانًا

= بالدليل فكقولهم: التخصيص والإتقان يدلان على الإرادة والعِلْم شاهدًا، فكذلك في الغائب. وأما الجمع بالشرط فكقولهم: شرط العلم والإرادة في الشاهد وجودُ الحياة، فكذلك في الغائب. تنبيه مهم: قال المطيعي رحمه الله في حاشيته على الإسنوي 4/ 43: "العالمية: وهي الكون عالمًا - لها علةُ اشتقاقٍ عقلًا وهي العلم، فلا يتصف بالعالِمية إلا مَنْ قام به العِلْم، كالعالم لا يُوصف به إلا من قام به العلم، وهذا المقدار هو الذي يثبت بالقياس، وأما ما عدا ذلك وهو اتحاد حقيقة العلم في الغائب مع حقيقة العلم في الشاهد، مع مخالفة حقيقة الغائب للشاهد - فلا يثبت بالقياس. فمعنى ذلك: أننا اتفقنا مع المعتزلة أنه تعالى يُوصف بالعالمية، ولا يصح أن يُوصف بها إلا مَنْ قام به علة الاتصاف وهي العلم، فيثبت أن لله صفةً هي العلم، لكن مع القطع أن صفة العلم لله تعالى لا تماثل صفة العلم فينا في الكُنْه والحقيقة، سبحانه ليس كمثله شيء". انظر المسألة في: المحصول 2/ ق 2/ 449، نهاية الوصول 7/ 3235، نهاية السول 4/ 42 - 44، شرح تنقيح الفصول ص 412، شرح المحلي مع حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 207 - 208، شرح المحلي مع حاشية العطار 2/ 249، تيسير التحرير 3/ 285 - 286.

(1)

في (ك)، و (غ):"طلب التعلم".

(2)

في (ص): "يقول".

(3)

الفرق بين هذا القول والذي قبله: أن الذي قبله جعل الطلب حاصلًا قبل وجود الابن، وهذا القول لا يُثبت الطلبَ إلا بعد وجوده.

(4)

في (غ): "يكون".

ص: 401

يُوجد)

(1)

في الوقت الفلاني لا محالة بتقديري وإرادتي، ونحن نفرض شخصًا أخبره صادق: بأنه يولد لك غلام

(2)

، ولا بِدْع أن يقوم في نفسه والحالة هذه ما ذكرناه

(3)

. قلت: ولو فرضتَ ذلك لم نسلِّم صحة قيام ذلك في نفسه، وكيف يَطْلب ولا مطلوبًا منه!

فإن قلت: فما الفارق والحالة هذه بين الغائب والشاهد، حيث اخترتم

(4)

صحة قيام ذلك بذات الله دون

(5)

الشاهد؟

قلت: الله تعالى ليس كلامه إلا النفسي ولا يمكن أن يكون قيامه بذاته حادثًا، وإلا يلزم أن يكون محلًا للحوادث، تعالى الله عن ذلك؛ فلذلك لزم من هاتين المقدمتين أعني: امتناع كون كلامه غير نفسي

(6)

، وامتناع كونه محلًا للحوادث

(7)

- أن يكون الأمر قائمًا بالذات في القدم

(8)

، وتعلقه بالمأمور حادث على حسب استعداده.

وأما الشاهد

(9)

الذي لا يستحيل على ذاته

(10)

قيام الحوادث بها،

(1)

سقطت من (ت).

(2)

في (ص): "عالم".

(3)

وهو طلب التعلم.

(4)

في (ص): "أجزتم".

(5)

في (ص): "بخلاف".

(6)

هذه المقدمة الأولى.

(7)

هذه المقدمة الثانية.

(8)

هذه النتيجة.

(9)

أي: الإنسان.

(10)

سقطت من (ك).

ص: 402

وأمْرُه يصدق طَوْرًا باللسان وطورًا بالجَنان - فلا ضرورة بنا إلى أن

(1)

نقدِّر قيام المطلب بذاته مِنْ معدوم، وما لنا لا نؤخِّره إلى حين يُوجد ذلك المعدوم، فَوَضح السِّر في كون أمر الله تعالى من الأزل، وثبوت الفارق بين الغائب والشاهد، وأنه لا يصح قياس أحدهما على الآخر. وما ذكره الخصوم من الحُسْن والقبح والهذيان والسفه والانتظام والاتساق

(2)

في أمرٍ ولا مأمورَ وغيرِها كلُّها من نعوت المُحْدَثات، والقديم يتقدس عنه، ويُحَقِّق هذا أن مَنْ أحبَّ أن يُحيط علمًا بقَطْر البحار وأوراق الأشجار - عُدَّ سفيهًا واستُقْبح منه ما أتى به، بخلاف الرب سبحانه وتعالى. فالمعدوم الذي وُجد أنه متوقف على أمره، وقد قَدَّر وجودَه في وقتٍ معلومٍ لا يتخلَّف عنه، على صفةٍ معلومةٍ لا انفكاكَ لها دون أمره - نازلٌ عنده مَنْزِلة الموجود، فهو يأمره وينهاه ولا قبح في

(3)

هذا في جانب الباري سبحانه وتعالى، وهذا واضح لمن تدبره، ومَنْ أراد الزيادة فالكتب الكلامية التي وضعها أصحابنا بين أظهرنا.

وإمام الحرمين قال: إن هذا الموضع مما يستخيرُ اللهَ فيه، ووعدَ بإملاء مجموعٍ عليه

(4)

، وقال: قولُ القائل إنه مأمور على تقدير الوجود تلبيس

(5)

،

(1)

سقطت من (ص).

(2)

الاتساق: الانتظام. لسان العرب 10/ 381، مادة (وسق).

(3)

سقطت من (ص)، و (ت).

(4)

انظر: البرهان 1/ 275.

(5)

في (ت): "يلتبس". وفي (ص): "تَلَبُّس". والمثبت هو الموافق لما في البرهان. وفي اللسان 6/ 204 مادة (لبس): "اللَّبْس واللَّبَس: اختلاط الأمر. . . والتلبيس =

ص: 403