المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي: - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(قال المصنف رحمه الله

- ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

- ‌البحث الثالث: في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها، وما بينها من النسب

- ‌الوجه الثاني من الكلام على التعريف: الباء في قوله: (بالأحكام)

- ‌الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام

- ‌الوجه الرابع قوله: "الشرعية

- ‌الوجه الخامس قوله: "العملية

- ‌الوجه السادس: قوله: "المكتسب من أدلتها

- ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

- ‌مقدمة

- ‌(الباب الأول: في الحكم. وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في تعريفه

- ‌(الفصل الثاني: في تقسيمه

- ‌الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنَع النقيض فوجوب

- ‌(الثاني: ما نُهِي عنه شرعًا فقبيح، وإلا فحسن، كالواجب، والمندوب، والمباح، وفِعْلِ غير المكلف)

- ‌(الثالث: قيل: الحكم إما سبب، وإما مسبب

- ‌(الرابع: الصحة: استتباع الغاية

- ‌(الخامس: العبادة إنْ وقعت في وقتها المعيَّن

- ‌(السادس: الحكم إنْ ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة

- ‌(الفصل الثالث: في أحكامه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة

- ‌(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق

- ‌(الثالثة: الوجوب إنْ تناول كلَّ واحد كالصلوات الخمس

- ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

- ‌(الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌(السادسة: الوجوب إذا نُسخَ بقي الجواز خلافًا للغزالي

- ‌(السابعة: الواجب لا يجوز تركه. قال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب. قلنا: لا بل به يحصل)

- ‌(الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه. وهو الحاكم، والمحكوم عليه، وبه

- ‌(فرعان على التَّنَزُّل:

- ‌ الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا

- ‌ حكم الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌ امتناعَ تكليفِ الغافلِ

- ‌(الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف؛ لزوال القدرة)

- ‌(الرابعة: التكليف يتوجه حال المباشرة. وقالت المعتزلة: بل(2)قبلها)

- ‌(الفصل الثالث: في المحكوم به.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: التكليف بالمحال جائز

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية(2)، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

- ‌خاتمة

- ‌(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا(1)به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل

الفصل: ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

وهو المصطلح عليه.

ولا شك أنَّ كلًا من الأدلة التفصيلية، والعلمِ بها غيرُ داخلٍ فيه؛ لأنَّ ذلك من وظيفة الفقيه والخلافي، فلم يوضع أصول الفقه في الاصطلاح لكل ما يَحْتاج إليه الفقيه

(1)

، بل لبعض ما يحتاج إليه

(2)

، كدأب أهل العُرْف في تخصيص الأسماء العرفية ببعض مدلولاتها في اللغة.

والأدلة التفصيلية مثل: قوله

(3)

: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}

(4)

، ودلالته على وجوب الصلاة، ونحو ذلك.

ثم بعد إخراج الأدلةِ التفصيلية وعِلْمِها من الوضع

(5)

، تبقى الإجماليةُ وعِلْمُها.

والمراد بالإجمالية: كليات الأدلة، فإنَّ قوله:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}

(6)

، و {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}

(7)

، ونَهْيُه صلى الله عليه وسلم عن قَتْل النساء والصبيان

(8)

، وإطلاقُ الرقبة في موضع، وتقييدُها بالإيمان في موضع،

(1)

في (ك): "الفقه".

(2)

سقطت من (ص).

(3)

سقطت من (ص).

(4)

سورة الأنعام: 72.

(5)

أي: من الوضع الاصطلاحي لأصول الفقه، وهو المعنى اللقبي له.

(6)

سورة الإسراء: 32.

(7)

سورة التوبة: 5. ولكن الآية بالفاء {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}.

(8)

أخرجه البخاري: 3/ 1098، في الجهاد، باب قَتل الصبيان في الحرب، رقم: 2851، وباب قتل النساء في الحرب، رقم:2852. ومسلم: 3/ 1364، في =

ص: 53

وصلاتُه صلى الله عليه وسلم في الكعبة

(1)

، وإجمالُ الصلاة في الآية المذكورة، وبيانُ جبريلَ لها، ونسخُ التوجه إلى بيت المقدس، والإجماعُ على أنَّ بنت الابن لها السدس (مع البنت)

(2)

عند عدم العاصب

(3)

، وخبر ابن مسعود في ذلك

(4)

، وقياس الأُرْز على البُّر، ومُرْسل سعيد بن

= الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، رقم: 1744، ومالك في الموطأ: 2/ 447، في الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، حديث رقم: 9، كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه مالك أيضًا عن ابنٍ لكعب بن مالك رضي الله عنهما: 2/ 447، حديث رقم:8.

(1)

أخرجه البخاري: 1/ 155، في كتاب القبلة، باب قول الله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، رقم الحديث: 388، وأخرجه في عدة مواضع، انظر الأرقام: 456، 482 - 484، 1114، 1521، 2826، 4038، 4139. وأخرجه مسلم: 2/ 966، في كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها، رقم الحديث:1329.

(2)

في (ص): "مع الثلث". وهو خطأ ظاهر.

(3)

وهو أخوها الشقيق. انظر: الرحبية بشرح المارديني وتعليق د. مصطفى البغا: 68، 86.

(4)

خبر ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه البخاري في صحيحه: 6/ 2477، في الفرائض، باب ميراث ابنة ابن مع ابنة، رقم:6355. والحاكم في المستدرك: 4/ 334، وقال صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. والبيهقي في الكبرى: 6/ 229، 230، في الفرائض، باب فرض الابنة، وباب فرض ابنة الابن مع ابنة الصلب ليس معهما ذكر. ونص الخبر كما في البخاري والبيهقي: "هُزَيْل بن شُرَحْبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنةٍ وابنةِ ابن وأختٍ. فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فَسَيُتابِعُني. فسئل ابن مسعود، وأُخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضَلَلْتُ إذًا وما أنا من المهتدي، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن =

ص: 54

المسيَّب

(1)

في النهي عن بيع اللحم بالحيوان

(2)

، وقول عثمان

= السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم".

(1)

هو سعيد بن المسيَّب بن حَزْن، أبو محمد المخزوميُّ القرشي، أحد أعلام الدنيا، وسيد التابعين. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 13. قال مكحول:"سعيد بن المسيَّب عالم العلماء". وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي رحمه الله عام 94 هـ. انظر، طبقات ابن سعد: 5/ 119، حلية: 2/ 161، سير: 4/ 217، شذرات: 1/ 102.

(2)

أخرجه مالك في الموطأ: 2/ 655، في كتاب البيوع، باب بيع الحيوان باللحم، حديث رقم: 64، عن سعيد بن المسيَّب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم. ورواه الشافعي عن مالك كما في الأم: 3/ 81، ومستدرك الحاكم: 2/ 35، كتاب البيوع، والسنن الكبرى: 5/ 296، كتاب البيوع، باب بيع اللحم بالحيوان. ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك أيضًا في المراسيل: 166 - 167، حديث رقم:178. قال ابن عبد البر في التمهيد: 4/ 322: "لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيَّب هذا، ولا خلاف عن مالك في إرساله، إلا ما حدثنا خلف بن قاسم - ثم ذكر السند إلى - يزيد بن مروان أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان. وهذا حديث إسناده موضوع لا يصح عن مالك، ولا أصل له في حديثه". ووصله الدارقطني كذلك في سننه: 3/ 70 - 71، وقال:"تفرَّد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإسناد ولم يتابع عليه، وصوابه في الموطأ عن ابن المسيَّب مرسلًا". قال ابن حبان في المجروحين: 3/ 105 عن يزيد هذا: "كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. سمعت محمد بن محمود قال: سمعت الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: يزيد بن مروان كذاب". وانظر لسان الميزان: 6/ 293. وأخرج الحاكم في المستدرك: 2/ 35، =

ص: 55

في بيع البراءة

(1)

، والمصلحة المرسلة في التترس

(2)

، والأخذ بالأخف في دية

= ومن طريقه البيهقي في الكبرى: 5/ 296، عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات، ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة". ووافقه الذهبي على تصحيحه. وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عَدَّة موصولًا، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يُضم إلى مرسل سعيد بن المسيَّب، والقاسم بن أبي بزة، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص: 3/ 10 عن مرسل سعيد بن المسيَّب رحمه الله: "وله شاهد من حديث ابن عمر رواه البزار، وفيه ثابت بن زهير وهو ضعيف. وأخرجه من رواية أبي أمية ابن يعلى عن نافع أيضًا، وأبو أمية ضعيف. وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختُلف في صحة سماعه منه، أخرجه الحاكم والبيهقي وابن خزيمة". وانظر، تكملة المجموع للسبكي: 11/ 195.

(1)

بيع البراءة هو أن يشترط البائعُ على المشتري التزام كلّ عيب يجده في المبيع على العموم، وقول عثمان رضي الله عنه أخرجه مالك رحمه الله في الموطأ: 2/ 613، والبيهقي من طريقه في الكبرى: 5/ 328. وانظر: شرح الزرقاني على الموطأ: 3/ 255، بداية المجتهد: 2/ 184، الحاوي: 6/ 329.

(2)

المصالح المرسلة: هي المصالح التي لا يُعلم هل اعتبرها الشارع أو ألغاها. انظر نهاية السول: 4/ 98. ومسألة التترس: هي ما إذا صال علينا كفار تترسوا بأسارى المسلمين، وقطعنا بأننا لو امتنعنا عن الترس لصدمونا واستولوا على ديارنا وقتلوا المسلمين كافة حتى الترس، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلمًا من غير ذنب صَدَر منه. فإن قتل الترس والحالة هذه مصلحة مرسلة؛ لكونه لم يُعهد في الشرع جواز قتل مسلم بلا ذنب، ولم يقم أيضًا دليل على عدم جواز قتله عند اشتماله على مصلحة عامة المسلمين، لكنها مصلحة ضرورية قطعية كلية؛ فلذلك يصح اعتبارها، أي: يجوز أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى أن يقول: هذا الأسير مقتول بكل حال، فحِفْظ =

ص: 56

اليهودي

(1)

(2)

، والاستحسان في التحليف على المصحف

(3)

، ونحو ذلك، كُلُّها أدلةٌ مُعَيَّنة، وجزئياتٌ مُشَخَّصَةٌ، والعلم بها ليس من أصول الفقه في شيء، وإنما هو

(4)

وظيفة الفقيه

(5)

. ولهذه الأدلة وأمثالِها كلياتٌ، وهي مُطْلق الأمر والنهي والعموم والتخصيص

(6)

، والإطلاق والتقييد، والفِعْل، والإجمال والتبيين، والنسخ، والإجماع، وخبر الواحد، والقياس،

= كلّ المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع من حفظ مسلمٍ واحد. انظر، نهاية السول: 4/ 390 - 391.

(1)

في (ت): "اليهود".

(2)

أي: أن الشافعي رحمه الله أخذ بالأخف في دية اليهودي؛ لأن بعض العلماء أوجب فيه الدية كاملة، وبعضهم أوجب نصف الدية، وبعضهم أوجب الثلث فأخذ الشافعي بذلك، والأخذ في ذلك أن الشافعي رحمه الله أوجب ما أجمعوا عليه، وبحث عن مدارك الأدلة فلم يصح عنده دليل على إيجاب الزيادة، فرجع إلى استصحاب الحال في البراءة الأصلية التي يدل عليها العقل، فهو تمسك بالاستصحاب ودليل العقل. وهذا الذي قال به الشافعي في الأخذ بثلث الدية هو قضاء عمر وعثمان رضي الله عنهما. انظر، المستصفى: 1/ 216 - 217، نهاية المحتاج: 7/ 303، بداية المجتهد: 2/ 414، سبل السلام: 3/ 251.

(3)

قال الشافعي رضي الله عنه: "رأيت بعض الحكام يحلّف على المصحف، وذلك حسن". وقد بين الشافعية أن هذا الاستحسان له دليل وهو فعل ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما؛ ولأن الشرع ورد باعتبار ما فيه إرهاب وزجر عن اليمين الفاجرة، والتحليف بالمصحف تعظيم، فكأنه من باب القياس تغليظًا باليمين كما غلّظت بالزمان والمكان الشريفين. انظر، البحر المحيط: 8/ 106، المحلي على الجمع: 2/ 354.

(4)

الضمير يعود على العلم بها، أي: وإنما العلم بها وظيفة الفقيه. وفي (ص) كُتِب فوق الضمير (هو)، (هي). والظاهر أنَّه من الناسخ.

(5)

في (ص)، و (ك):"الفقه".

(6)

في (ص): "والخصوص".

ص: 57

والمرسل، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والأخذ بالأخَفّ، والاستحسان عند مَنْ يقول به.

وهذه الكليات داخلة في الجزئيات، فإنَّ الكلي الطبيعي

(1)

موجود في الخارج وفي الذهن في ضِمْن مُشَخَّصاته

(2)

.

ففي الأدلة اعتباران:

أحدهما: من حيث كونُها مُعَيَّنة، وهذه وظيفة الفقيه، وهي المُوصِلة القريبة إلى الفقه، والفقيه قد يعرفها بأدلتها إذا كان أصوليًا، وقد يَعْرفها بالتقليد ويتسلمها من الأصولي

(3)

، ثم يرتب الأحكامَ عليها، فمعرفتها حاصلةٌ عنده.

والاعتبار الثاني: مِنْ حيث كونُها كلية، أعني: يَعْرِف ذلك الكليَّ المندرجَ فيها، وإن لم يعرف شيئًا من أعيانها، وهذه وظيفة الأصولي، فمعلوم الأصولي: الكليُّ، ولا معرفة له بالجزئي من حيث كونُه أصوليًا، ومعلومُ الفقيه: الجزئيُّ، ولا معرفة له من حيث كونُه فقيهًا بالكلي، إلا

(1)

الكلي الطبيعي: هو الماهية المُنْتَزَعة من الأفراد الخارجية، التي تَعْرِض لها الكليةُ في الذهن أي: إمكان الصدق على كثيرين، كمفهوم الحيوان، ومفهوم الإنسان، ومفهوم المُثَلّث، ومفهوم الشجرة، ومفهوم الكتاب، وغيرها، المنتزعة من أفرادها الخارجية، التي يَعْرِض لكل منها في الذهن أنها تصدق على أفراد كثيرة. انظر، المنهج القويم في المنطق الحديث والقديم:89.

(2)

أي أفراده. انظر، هذه المسألة في المنهج القويم:86.

(3)

في (ك): "الأصول".

ص: 58

لكونه مندرجًا في الجزئي المعلوم، وأما من حيث كونه كليًا فلا.

فالأدلة الإجمالية: هى الكلية، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تُعلَم مِنْ حيث الجملة لا من حيث التفصيل، وهي مُوصلةٌ بالذات إلى حكمٍ إجمالي، مثل: كونُ (كلّ مأمورٍ به)

(1)

واجبًا، وكل منهيٍّ عنه حرامًا، ونحو ذلك.

وهذا لا يسمى فِقْهًا في الاصطلاح، ولا يُوصل إلى الفقه التفصيلي

(2)

وهو معرفة سنية الوتر أو وجوبه، والنهي ببطلان

(3)

بيع الغائب أو صحتِه مثلا إلا بواسطة.

فقَيْد الإجمالِ مأخوذٌ في الأدلةِ والمعرفةِ معًا أيضًا

(4)

.

وليست مأخوذة في الفقه؛ ولذلك لا يلزم من النظر في الأصول حصولُ الفقه، والحكمُ الكليُّ متوقفٌ على الأصول توقفًا ذاتيًا.

والحكم التفصيليُّ وهو الفقه موقوفٌ عليه أيضًا وعلى غيره، لكنه

(5)

قد يكون بالتقليد للأصولي، كما أشرنا إليه.

وبهذا يظهر أنّ الاجتهاد في الفقه على الإطلاق شَرْطُه الأصول،

(1)

في (ص)، و (ك):"كل ما يؤمر به".

(2)

في (ص)، و (ك):"بالتفصيلي". وهو خطأ.

(3)

في (ص): "عن بطلان". وهو خطأ.

(4)

أي: قول الماتن في تعريف أصول الفقه: "معرفة دلائل الفقه إجمالًا". فإجمالًا قيدٌ للمعرفة والأدلة، لا للفقه، يعني: المعرفةُ في "الأصول" إجماليةٌ لا تفصيليةٌ، والأدلة في "الأصول" إجماليةٌ لا تفصيلية.

(5)

في (ص): "كلية". وهو تحريف.

ص: 59

ومَعْرِفَتُها بالاجتهاد، وأما

(1)

بدون ذلك فيكون مُقَلّدًا وإن اجتهد في تفريع المسائل.

ثم هذه الأدلة الكلية لها حقائق في أنفسها (من حيث دلالتُها، وتَعَلُّقُ العلمِ بها، فهل وضع أصول الفقه لتلك الحقائق في أنفسها)

(2)

، أو للعلم بها؟ .

كلام المصنف يقتضي الثاني.

وكلام الإمام وغيره يقتضي الأول

(3)

.

ولكل منهما وجه، فإن الفقه كما يَتَوقَّف على الأدلة يتوقف على العلم بها، وقد يُرَجَّح ما فعله المصنف بأن العلم بالأدلة يُوصِل إلى المدلول، والأدلة لا توصل إلى المدلول، إلا بواسطة العلم بها؛ لأنَّ الفقه علم، لكل أهل العُرْف يسمون المعلوم أصولًا، وكذلك يسمون المعلوم فقهًا، فتقول: هذا كتاب أصول، وكتاب فقه، والأولى جَعْل الأصول للأدلة، والفِقْه للعلم، لأنّه أقرب إلى الاستعمال اللغوي

(4)

.

ثم الأدلة لها اعتباران:

(1)

في (ت): "أما".

(2)

سقطت من (ت).

(3)

انظر، المحصول: 1/ ق 1/ 94، البحر المحيط: 1/ 40.

(4)

أي: تفسير الأصول بالأدلة أقرب إلى الاستعمال اللغوي من تفسيره بالعلم؛ إذ معناه اللغوي: ما يتفرع عنه غيره، وهذا أقرب إلى الدليل منه إلى العلم، والفقه في اللغة الفهم، فنجعله في الاصطلاح للعلم. وانظر، البحر المحيط: 1/ 41.

ص: 60

أحدهما: حقيقتها في نفسها.

والثاني: من حيث دلالتُها على الفقه.

والمأخوذ في حد أصول الفقه إنما هو هذا الثاني، وهو مستفاد من الإضافة في قولنا أدلة الفقه؛ لما قدمناه أنّ الإضافة تُفيد اختصاصَ المضاف بالمضاف إليه في معنى لفظة المضاف، فالشَّرْط في الأصولي معرفةُ أدلة الفقه من حيث دلالتُها على الفقه خاصة، وقد يكون لها عوارض أخرى لا يجب معرفتُه بها.

ثم معرفةُ الأدلة من حيث كونُها أدلة - لا بد معه في الاستدلال من شروط، وهي كيفية الاستدلال، ومعظمها يُذكر في باب التعارض والتراجيح، فَجُعِلَت جزءًا آخر من أصول الفقه؛ لتوقف الفقه عليها.

وليس كل أحد يتمكن من الاستدلال، ولا يحصل له الفقه بمجرد علم تلك الأدلة، وكيفية الاستدلال؛ لأنها أدلة ظنية ليس بينها وبين مدلولاتها ربطٌ عقلي، فلا بد من اجتهاد يحصل به ظَنُّ الحكم.

فالفقه موقوف على الاجتهاد، والاجتهاد له شروطٌ يُحْتَاج إلى بيانها، فَجُعِلَت جزءًا ثالثًا من أصول الفقه؛ لتوقف الفقه عليها.

وهذا مجموع ما يذكر في أصول الفقه: الأدلة، وكيفيةُ الاستدلال، وكيفيةُ حال المُسْتَدِل.

ص: 61

والإمام ومَنْ وافقه

(1)

يجعلون أصول الفقه عبارة عن الثلاثة.

والمصنف وطائفة يجعلونه عبارة عن معرفة الثلاثة

(2)

، فالمعارف الثلاثة عندهم هي أصول الفقه، وقد تقدم البحث في ذلك.

فقول المصنف: "وكيفية الاستفادة" معطوف على دلائل الفقه، أي: ومعرفة كيفية الاستفادة، وكذا قوله:"وحال المستفيد" أي: ومعرفة حال المستفيد، والمراد بالمستفيد: المجتهد؛ لأنّه الذي يستفيد الأحكام من أدلتها، ويقع في بعض النسخ: حال المُسْتَدِل وحال المستفيد. وهي غلط، كان في بعض النسخ: حال المستدل، وفي بعضها: حال المستفيد، فجمع بعض النُّسَّاخ بينهما، واقتضى هذا الغلط أن يُحْمل المستدل على المجتهد، والمستفيد على المقلّد؛ لأنّه يستفيد من المجتهد، لكن الفقه ليس موقوفًا على التقليد بوجه أصلًا، فلا يجوز أن يكون جزءًا من أصول الفقه، بخلاف الاجتهاد، فإن الفقه موقوف عليه، نعم إذا عُرِف المجتهد عُرف أن مَنْ سواه مقلّد، وهذا جاء بالعَرَض لا بالقصد، أعني: معرفة المقلّد.

نعم بعض الناس (قد يُسَمُّون)

(3)

علمَ المقلّد فقهًا، فمِنْ هذا الوجه يحسن إدراجه في أصول الفقه؛ لتوقف فِقْهِه عليه.

(1)

كصاحب التحصيل: 1/ 168، والحاصل: 1/ 230، والآمدي في الإحكام: 1/ 8، وصفي الدين الهندي في نهاية الوصول: 1/ 24.

(2)

انظر في هذا، شرح اللمع: 6، البرهان: 1/ 85، بيان المختصر: 1/ 14، البحر المحيط: 1/ 40.

(3)

في (ص)، و (ك):"قد سَمَّى".

ص: 62

وفيه فائدةٌ لا تُذْكر إلا فيه، وهي حُكْمُه إذا اختلف عليه المجتهدون، ونحو ذلك.

وقول المصنف: "دلائل"، لو قال أدلة لكان

(1)

أحسن؛ لأنَّ فعيلًا لا يُجْمع على فَعَائْل إلا شاذًا

(2)

.

وقوله: "إجمالًا" مصدرٌ في موضع الحال، أو تمييزٌ إما مِنْ (معرفة، وإما من)

(3)

دلائل، كلٌّ منهما يَصِحُّ أن يُراد به على ما بينَّا، ويزداد على جَعْله من معرفة وجهٌ آخر، وهو أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، تقديره: عرفانًا إجمالًا، وإعرابه تمييزٌ أقوى؛ لأنّه يُبَيِّن جهةَ الإضافة، كقولك: هذا أخوك رضاعةً أو نسبًا.

وهذا القيد أعني: قَوله: "إجمالًا" لإخراج

(4)

العلم بالأدلة على التفصيل، فليس من أصول الفقه، ولا هو الفقه أيضًا

(5)

، كما وقع في

(1)

في (ص)، و (ك):"كان".

(2)

في تاج العروس: 14/ 242، 243، مادة (دلل):"الدليل: ما يُستدل به. وأيضًا الدَّالُّ. وقيل: هو المرشِد، وما به الإرشاد. الجمع: أدلَّة، وأدِلاء. . . . والدلائل جمع دَليلة، أو دَلالَة" وانظر: لسان العرب: 11/ 248 - 249. قال ابن مالك رحمه الله في شرح الكافية الشافية: 4/ 1866: "وأما (فعائل) جمع (فَعِيل) من هذا القبيل - فلم يأت في اسم جنسٍ فيما أعلم، لكنه بمقتضى القياس لعَلَم مؤنَّث كـ (سَعَائد) جمع (سَعِيد) عَلَم امرأة". وانظر، نهاية السول: 1/ 19.

(3)

سقطت من (ص).

(4)

في (ت)، و (ص)، و (ك):"لا يخرج". وهو خطأ من النساخ، والصواب ما أثبته.

(5)

سقطت من (ص).

ص: 63

عبارة بعض شارحي هذا الكتاب

(1)

؛ لأنَّ الفقه عنه

(2)

، بل هو يذكر في الفقه، ومن وظيفة الفقيه، وأصول الفقه: الأدلة الإجمالية وعِلْمُها.

وهل أصول الفقه بحسب الاصطلاح يصدق على القليل من ذلك والكثير، أو لا يصدق إلا على المجموع؟ .

اختيار

(3)

الإمام الثاني

(4)

، فلم يَجْعل أصول الفقه يُطلق على بعضه، وهذا إنما يظهر إذا أُخِذ مضافًا ومضافًا إليه، أما إذا أُخِذ اسمًا على هذا العِلْم فينبغي أن يصدق على القليل منه والكثير، كسائر العلوم، ولهذا إذا رأيت مسألةً واحدةً منه تقول: هذه أصول فقه. والاعتذار عن الجمع في لفظة: الأصول، بأمرين:

(1)

وهو الجارَبردي.

انظر، السراج الوهاج في شرح المنهاج: 1/ 74 - 75، بتحقيق د. أكرم أوزيقان.

(2)

كذا في (ت)، و (ص)، و (ك):"غيره". وكلاهما صحيح؛ إذ الفقه مستفاد عن العلم بالأدلة التفصيلية، والعلم بالأدلة التفصيلية غير الفقه؛ إذ الدليل غير المدلول، ومعرفة الدليل غير المدلول أيضًا، فالفقه ثمرة معرفة الدليل التفصيلي، وسيأتي تعريف الفقه بأنه: العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من أدلتها التفصيلية. فالفقه علم بالأحكام لا بالأدلة التفصيلية.

(3)

في (ك): "اختار".

(4)

أي: الإمام الرازي يجعل أصول الفقه من باب الكل، الذي لا يَصْدق إلا على الجميع، وغيرُه يجعله من باب الكلي، الذي يصدق على كل فرد.

انظر، المحصول: 1/ ق 1/ 94، البحر المحيط: 1/ 39، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي: 1/ 24.

ص: 64

أحدهما: أنَّه

(1)

بعد التسمية به

(2)

لا يجب المحافظة على معنى الجمع.

والثاني: أنَّه جمع مضافٌ إلى معرفةٍ فَيَعُم، والعموم صادق على كل فرد.

وكلام المصنف محْتَمِل لما قاله الإمام، ولما قلناه بالطريق المذكور.

وعدول المصنف عن علم إلى معرفة

(3)

، نُقَدِّم عليه مقدِّمة: وهي أنّ المعرفة تتعلق بالذوات، وهي التصور، والعلم يتعلق بالنِّسب وهو التصديق

(4)

، فإذا أراد أنّ علم الأصول

(5)

تصورٌ محضٌ فليس كذلك؛ لأنَّ العلم بكون الأمر للوجوب، والنهي للتحريم - من أصول الفقه، وهو تصديق، فالإتيان بلفظ العلم في هذا المقام أحسن، لأنه أعم من المعرفة، ولهذا يُقَسَّم

(6)

العلم إلى: التصور، والتصديق. ويقول النحاة في العلم إذا لم يكن عرفانًا.

(1)

في (ص): "أن".

(2)

سقطت من (ص).

(3)

أي: عدول المصنف في تعريفه لأصول الفقه عن التعريف بـ: علم دلائل الفقه. . . الخ، إلى: معرفة دلائل الفقه. . . الخ.

(4)

أي: أنَّ المعرفة تتعلق بالذوات والمفردات، فمعرفتها تصور، وأما العِلْم فإنه يتعلق بالنسب بين الموضوع والمحمول، وهذا تصديق. انظر، تعريف التصور والتصديق في آداب البحث والمناظرة للشنقيطي: 8، وحاشية البيجوري على متن السلم:28.

(5)

في (ت): "الأصولي".

(6)

في (ص): "ينقسم".

ص: 65

ثم سواء

(1)

قلنا: عِلْمٌ أو مَعْرفةٌ أو أدلةٌ أو طُرُقٌ، كما قال الإمام - فيرد على جميع ذلك سؤال قوي، وهو أنّ الطريق: ما يُفْضي النظر الصحيح فيه إلى علم المدلول أو ظنِّه

(2)

، والدليل: ما يفضي النظر الصحيح فيه إلى المدلول

(3)

، وعلم الدليل أو الطريق كذلك. والمدلول ها هنا هو الفقه؛ لقوله: أدلة الفقه أو طرق الفقه

(4)

.

وقد قدمنا أن الفقه بحسب الاصطلاح لا يصدق إلى على معرفة الأحكام التفصيلية، فيلزم من هذا أن يكون أصول الفقه معرفة

(1)

سقطت من (ص).

(2)

انظر هذا التعريف في، التحصيل: 1/ 168، وقال الجرجاني في التعريفات: 1/ 122: الطريق: هو ما يمكن التوصلُ بصحيح النظر فيه إلى المطلوب.

(3)

انظر، البحر المحيط: 1/ 50، شرح اللمع للشيرازي: 1/ 155. قال الزركشي في البحر: 1/ 51: وخَصَّ المتكلمون اسم الدليل ما دل بالمقطوع به من السمعي والعقلي، وأما الذي لا يفيد إلا الظن فيسمونه أمارة، وحكاه في "التلخيص" عن معظم المحققين. وزعم الآمدي أنه اصطلاح الأصوليين أيضًا، وليس كذلك، بل المصنفون في أصول الفقه يطلقون الدليل على الأعم من ذلك، وصرح به جماعة من أصحابنا. اهـ. وانظر، الأحكام: 1/ 11، العضد على ابن الحاجب: 1/ 39، شرح الكوكب المنير: 1/ 53، وظاهر صنيع الشارح رحمه الله تعالى أنَّه يفرق بين الطريق والدليل، فيجعل الطريق أعم، والدليل أخص؛ لأنَّ الأول شامل لما يفيد القطع والظن، والثاني خاص بما يفيد القطع كما هو مذهب المتكلمين، وإلا فأيُّ فرق بين التعريفين، إن لم يُقَل بهذا، وهو بهذا التفريق يكون مخالفًا لما عليه جماهير الأصوليين.

(4)

في هذا نظر، لأن المدلول هنا هو أدلة الفقه الإجمالية لا الفقه، ولا أدلته التفصيلية، كما سبق الإشارة إليه.

ص: 66

أدلة الأحكام التفصيلية، وأنَّ مَنْ عرفها عرف الفقه

(1)

ضرورة، بما قررناه

(2)

من أنَّ النظر في الدليل يوجب العلم بالمدلول، فيلزم أن يكون الأصول فقهًا، وأن يكون كل أصولي فقيهًا، وهذا ظاهر البطلان، ولا يُنْجِي عن هذا

(3)

قيدُ الإجمال في المعرفة، أو في الأدلة

(4)

؛ لأن الإجمالي إن كان دليلًا للتفصيلي - لزم مِنْ حصولِه

(5)

حصولُه، وإن لم يكن دليلًا للتفصيلي - فسدت إضافته إلى الفقه؛ لأن الفقه تفصيلي.

ودليل الفقه مجموع أمرين:

أحدهما: الإجمالية.

والثاني: التفصيلية.

والأول مندرج في الثاني، فكلُّ مَنْ علم الثاني علم الأول تقليدًا أو اجتهادًا، ولا يحصل الفقه إلا بعلمهما، والأصول بالأول

(6)

فقط.

وقد سَلِم من هذا السؤال ابنُ الحاجب حيث قال: إن حَدَّه لقبًا: العلمُ بالقواعد التي يُتَوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية. ومع ذلك يرد عليه أنَّ مِنَ القواعد النحوية وغيرها ما هو

(1)

سقطت من (ص).

(2)

في (ت): "ضرورةَ ما قررنا". وفي (ك): "ضرورةً مما قررناه".

(3)

أي: عن هذا البطلان.

(4)

في (ص)، و (ك):"الدلالة".

(5)

في (ص): "تحصيله". والضمير يعود على الدليل التفصيلي.

(6)

في (ص)، و (ك):"في الأول".

ص: 67

كذلك، ولم تدخل في أصول الفقه، فالحد غير مانع، وغير جامع أيضًا؛ لأنه أخرج الأدلة عن الأصول جملة.

فإن قلت: هل مِن اعتذار عن المصنِّف والإمام وغيرهما في السؤال الذي قدمتُه؟ .

قلتُ: نعم، وهو أنَّ الأدلة التفصيلية التي يحصل عنها الفقه لها جهتان:

إحداهما: أعيانها.

والثانية: كلياتها.

وكل دليلٍ هكذا، فليست الأدلة منقسمةً على ما هو إجمالي غير تفصيلي، وتفصيلي غير إجمالي، بل كلها شيء واحد له جهتان، فالأصولي يعلمه من إحدى الجهتين، والفقيه يعلمه من الأخرى، ويصدق على ذي الجهتين أنَّه معلوم مِنْ وجه.

فالمراد بالأدلة التفصيلية التي هي موصلة إلى الفقه، والأصولي يعرفها من جهة الإجمال، فلها اعتباران، والنظر في الدليل إنما يفيد العلمَ بالمدلول إذا نُظِر فيه على سبيل التفصيل، والأصولي لم ينظر فيه كذلك

(1)

، لا جرم لم يحصل له الفقه؛ لانتفاء شرط نظره، لا لانتفاء كون المنظور فيه دليلًا في نفسه.

وهذا جوابٌ حسن (يصح به كلامُهم ويندفع السؤال، وبه يترجَّح أن يُجعل قيد الإجمال للمعرفة لا للأدلة)

(2)

، وإنْ كان جعله للأدلة صحيحًا

(1)

في (ت): "كدال".

(2)

في (ص): "يصح للأدلة". وهذا سقط وتحريف.

ص: 68

أيضًا، باعتبار أنَّ للأدلة نسبتين (كما قدمناه)

(1)

، فهي باعتبار إحدى النسبتين غَيْرُها باعتبار الأخرى، هذا كُلُّه في تعريف المعنى اللقبي، إذا قطعنا النظر عن أجزاء اللفظ، وكذلك إذا لاحظناها مع التخصيص الذي أشرنا إليه فيما سبق، فإن التعريف يحصل مما ذكره أيضًا. وليس من شرط الحد أن يكون بأجزاء محمولة كما ظنه بعضهم

(2)

، بل بأجزاء داخلة في الحقيقة، وأجزاء المحدود هنا

(3)

، وهي المعارف الثلاث كذلك، والمعرفة جنس للأصول

(4)

، (وما أضيفت)

(5)

إليه من الأدلة والكيفيتين فصولٌ، تقديره: معرفةٌ متعلّقةٌ بالأدلة والكيفيتين، فالمتعلقة فصل، وإنما جعلناه فصلًا؛ لأن التعلق داخلٌ في ذات العلم، فإن جَعَلْتَه خارجًا كان خاصة، وكان التعريف رسمًا تامًا

(6)

(7)

.

(1)

في (ص)، و (ك):"كما قدمنا".

(2)

الأجزاء المحمولة: هي الأوصاف العَرَضية التي تُحْمل في ضمن الوصف الذاتي، فالإنسان: حيوان ناطق. هذا هو التعريف الحقيقي؛ لأنها أجزاء داخلة في حقيقة الإنسان. وهناك أجزاء محمولة للإنسان وليست داخلة في حقيقته، مثل كون الإنسان: طويلًا، قصيرًا، أحمرَ، أسودَ، يمشي، ضاحكًا.

(3)

سقطت من (ت).

(4)

في (ص)، و (ك):"الأصول".

(5)

في (ص)، و (ك):"وما أضيف". والضمير هنا يعود على الجنس.

(6)

الرسم التام: هو التعريف بالجنس القريب والخاصة. انظر: حاشية البيجوري على متن السلم: 43.

(7)

انظر، تعريف الأصول بمعناه اللقبي في: المحصول: 1/ ق 1/ 94، شرح الكوكب: 1/ 44، نهاية الوصول في دراية الأصول: 1/ 24، نهاية السول: 1/ 5، اللمع: =

ص: 69