المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا) - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(قال المصنف رحمه الله

- ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

- ‌البحث الثالث: في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها، وما بينها من النسب

- ‌الوجه الثاني من الكلام على التعريف: الباء في قوله: (بالأحكام)

- ‌الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام

- ‌الوجه الرابع قوله: "الشرعية

- ‌الوجه الخامس قوله: "العملية

- ‌الوجه السادس: قوله: "المكتسب من أدلتها

- ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

- ‌مقدمة

- ‌(الباب الأول: في الحكم. وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في تعريفه

- ‌(الفصل الثاني: في تقسيمه

- ‌الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنَع النقيض فوجوب

- ‌(الثاني: ما نُهِي عنه شرعًا فقبيح، وإلا فحسن، كالواجب، والمندوب، والمباح، وفِعْلِ غير المكلف)

- ‌(الثالث: قيل: الحكم إما سبب، وإما مسبب

- ‌(الرابع: الصحة: استتباع الغاية

- ‌(الخامس: العبادة إنْ وقعت في وقتها المعيَّن

- ‌(السادس: الحكم إنْ ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة

- ‌(الفصل الثالث: في أحكامه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة

- ‌(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق

- ‌(الثالثة: الوجوب إنْ تناول كلَّ واحد كالصلوات الخمس

- ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

- ‌(الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌(السادسة: الوجوب إذا نُسخَ بقي الجواز خلافًا للغزالي

- ‌(السابعة: الواجب لا يجوز تركه. قال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب. قلنا: لا بل به يحصل)

- ‌(الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه. وهو الحاكم، والمحكوم عليه، وبه

- ‌(فرعان على التَّنَزُّل:

- ‌ الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا

- ‌ حكم الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌ امتناعَ تكليفِ الغافلِ

- ‌(الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف؛ لزوال القدرة)

- ‌(الرابعة: التكليف يتوجه حال المباشرة. وقالت المعتزلة: بل(2)قبلها)

- ‌(الفصل الثالث: في المحكوم به.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: التكليف بالمحال جائز

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية(2)، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

- ‌خاتمة

- ‌(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا(1)به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل

الفصل: ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

فالذي أجمع عليه النحاة أنَّ لفظ: "كل" إذا أضيف إلى نكرة وجب مراعاة المضاف إليه

(1)

.

وإن كان الثاني فالحق أنَّ معنى طائفة لا يكون للواحد؛ لأنها مأخوذة من معنى الطواف والإحاطة، وذلك لا يكون بالواحد

(2)

، ولو سُلِّم صدقُها على الواحد - فلا اختصاص فيه، بل يصدق على الجمع كما يصدق على الواحد

(3)

، فلا وجه للتذكير إلا إذا أريد الواحد، وليس هو المراد هنا؛ فكان التأنيث في هذا المكان أولى

(4)

(5)

.

‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ

(6)

ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

.

= على لفظ: كل، أو على معنى طائفة؛ لأنَّها تطلق على الواحد وهو مذَكَّر.

(1)

تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا وجمعًا، فـ (كل) هنا مؤنثة؛ لإضافتها إلى مؤنث وهي: طائفة.

(2)

قال في المصباح 2/ 28: "والطائفة من الناس: الجماعة، وأقلها ثلاثة، وربما أطلقت على الواحد والاثنين". وانظر: لسان العرب 9/ 226، مادة (طوف).

(3)

يعني: فلا يختص معنى الطائفة بواحد بل يصح أنْ يطلق عليه وعلى الجمع.

(4)

لأنَّ المراد هنا الجماعة. فقول الشارح: "بل يصدق على الجمع"، يريد به الجماعة. وقال: فكان التأنيث أولى، ولم يقل: واجب؛ لأنّ لفظ: "الجمع" فيه اعتباران: اعتبار المذكر، وهو الجمع، واعتبار المؤنث، وهو الجماعة.

(5)

انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 2/ 310، التحصيل 1/ 306، الحاصل 1/ 454، نهاية السول 1/ 185، السراج الوهاج 1/ 157، بيان المختصر 1/ 342، تيسير التحرير 2/ 213، فواتح الرحموت 1/ 62، شرح الكوكب 1/ 373.

(6)

سقطت من (ت)، و (ص).

ص: 282

قوله: "مطلقًا" احتراز من الوجوب المقيَّد بشرط، كالزكاة وجوبُها متوقف على النصاب، ولا يجب تحصيله، والجمعة وجوبها متوقف على الجماعةِ والإقامةِ (في بلد)

(1)

، ولا يجب تحصيلهما، وهذا متفق عليه

(2)

.

وقوله: "وكان مقدورا" احترازٌ

(3)

من قدرة العبد على الفعل وداعيته

(4)

المخلوقتَيْن

(5)

لله تعالى، لا تتم الواجبات المطلقة عليه كالصلاة

(6)

(7)

وغيرها إلا بهما، ولا يجب

(1)

سقطت من (ص).

(2)

إجماعًا. انظر: البحر المحيط 1/ 296، شرح الكوكب 1/ 358، الإحكام للآمدي 1/ 157، تقسيمات الواجب وأحكامه ص 252.

(3)

في (ك): "احترازًا".

(4)

أي: داعية العبد على الفعل: وهو العزم المصمَّم عليه. نهاية السول 1/ 203.

(5)

في (ت): "المخلوقَيَيْن". وفي (ص): "المخلوقَيْن".

(6)

سقطت من (ص).

(7)

معنى قوله: "الواجبات المطلقة عليه كالصلاة": أن الصلاة لها شروط لا تصح إلا بها، وتحصيل هذه الشروط واجب على كل مكلف؛ ولذلك كانت الصلاة من الواجبات المطلقة؛ لأن شروطها ليست تقييدًا لوجوبها، بل تقييدًا لصحتها، فالصلاة واجبة على كل أحد مطلقًا، بخلاف الزكاة، فإن شرط وجوبها حصول النصاب، فمن لم يملكه لا تجب عليه الزكاة. فالواجب المطلق: هو ما لم يقيَّد إيجابُه بما يتوقف وجوده عليه. فالصلاة مثلًا واجبة، ولا يتوقف وجوبها على المكلف بوجود الوضوء، بل هي واجبة عليه توضأ أم لم يتوضأ. والواجب المقيَّد: ما كان وجوبه موقوفًا على حصول المقدِّمة المقدورة. كالحج لا يجب إلا مع الاستطاعة، ولا يجب تحصيل الاستطاعة، وكالزكاة لا تجب إلا مع النصاب، ولا يجب تحصيله. انظر: حاشية المطيعي على =

ص: 283

تحصيلهما

(1)

، ولا يتوقف الوجوب عليهما

(2)

.

وجملة ما يتوقف عليه الفعل إما أنْ يكون من فعل الله سبحانه أو فعل العبد، وكلُّ منهما إما أن يتوقف عليه الوجوب أوْ لا.

فالذي من فعل الله، ويتوقف عليه الوجوب: كالعقل، وسلامة الأعضاء التي بها الفعل

(3)

.

= نهاية السول 1/ 197، حاشية الشريف الجرجاني على شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 245.

(1)

أي: لا يجب تحصيل قدرة العبد وداعيته المخلوقتين، لأنهما غيرُ مقدورين. والمراد بالداعية هي الإرادة والعزم المُصَمَّم، والفرق بينها وبين القدرة أنَّ الإرادة لا تستلزم القدرة، والقدرة لا تستلزم الإرادة، لأن الإرادة تتعلق بالقلب، والقدرة تتعلق بالجوارح.

(2)

قال الإسنوي رحمه الله تعالى: "الشرط الثاني: أن يكون ما يتوقف عليه الواجب مقدورًا للمكلف، فإن لم يكن مقدورًا له لم يجب عليه تحصيله، كإرادة الله تعالى لوقوعه؛ لأنَّ فعل العبد لا يقع إلا بها، وكذلك أيضا الداعية على الفعل وهو العزم المصمَّم عليه. وبيانه أنَّ الفعل يتوقف وقوعه على سبب يسمى بالداعية، وإلا لكان وقوعه في وقت دون وقت ترجيحًا من غير مرجِّح، وتلك الداعية مخلوقة لله تعالى لا قدرة للعبد عليها، ولا يصح أنْ يقال احتُرز به عن غير ذلك من المعجوز عنه، كسلامة الأعضاء ونَصْبِ السُّلَّم ونحوهما، فإن العاجز عنه لا يكون مكلَفًا بالأصل بلا نزاع لفقدان شرطه، بخلاف الداعية ونحوها فإنَّ عدم القدرة عليها لا يمنع التكليف، وإلا لم يتحقق له تكليفٌ البتة، فكل شرطٌ للوجوب الناجز لا بد أنْ يكون مقدورًا للمكلف إلا ما قلنا. قال الأصفهاني: وضابط المقدور أن يكون ممكنًا للبشر" نهاية السول 1/ 202 - 205، مع اختصار، وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 161، نفائس الأصول 3/ 1472.

(3)

فالعمل وسلامة الأعضاء هي القدرة التي يتوقف الوجوب عليها.

ص: 284

والذي لا يتوقف عليه الوجوب: خلق

(1)

قدرة العبد وداعيته

(2)

.

والذي مِنْ فعل العبد، ويتوقف عليه الوجوب

(3)

كما سبق، والذي لا يتوقف عليه الوجوب: إما أن يكون مقدورًا أوْ لا، فغير المقدور لا يتحقق معه وجوب الفعل، إلا على القول بتكليف ما لا يطاق، وحينئذ

(4)

يصح وجوبُ غير المقدور مما يتوقف عليه الواجب، فلا يصح اشتراط كونه مقدورًا؛ فلذلك لم أرَ له

(5)

مثالًا يصح اجتماع الوجوب معه إلا القدرة والداعية

(6)

. ورأيتُ جماعة خبطوا في ذلك.

وقولنا: ما لا يتم الشيء إلا به، يشمل بالوضع ثلاثة أشياء: الجزء، والسبب، والشرط.

لكن الجزء ليس مرادًا هنا؛ لأنَّ الأمر بالكل أمرٌ به تضمنًا، ولا تردد في ذلك.

(1)

في (ص): "كخلق".

(2)

فالذي لا يتوقف عليه الوجوب هو خلق القدرة والداعية، وهذه القدرة المخلوقة لله تعالى والداعية لا يتوقف الوجوب عليهما، كمن يحتج بالقَدَر على ترك الأوامر وفعل النواهي، فاحتجاجه باطل.

(3)

كتحصيل نصاب الزكاة، وحضور الجماعة في الجمعة، فهو غير واجب على العبد اتفاقا.

(4)

أي: حين القول بتكليف ما لا يطاق.

(5)

لم ترد في (ت)، (ص).

(6)

يعني: لم ير الشارح مثالًا يصلح للتكليف بغير المقدور مما يتوقف عليه الواجب، سوى التكليف بالقدرة والداعية، وهما غير مقدورين للعبد؛ لأنهما مخلوقتان لله تعالى.

ص: 285

وإنما المراد السبب والشرط، وأن الأمر بالشيء هل يستلزم الأمرَ بسببه أو شرطه أوْ لا

(1)

؟ .

ولذلك يُعَبِّر بعضُهم عنه

(2)

بالمقدِّمة، والمقدِّمة خارجة عن الشيء مُتَقَدِّمة

(3)

عليه، بخلاف الجزء فإنه داخل فيه

(4)

.

(1)

قال في البحر المحيط 1/ 296: "ما يتوقف عليه الواجب إما أن يكون توقفه عليه في وجوبه، أو في إيقاعه بعد تحقق وجوبه، فأما ما يتوقف عليه إيجاب الواجب - فلا يجب بالإجماع؛ لأنَّ الأمر حينئذ مقيَّد لا مطلق، وسواء كان سببًا، أو شرطًا، أو انتفاء مانع. فالسبب: كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة، فلا يجب تحصيله على المكلف؛ لتجب عليه الزكاة. والشرط: كالإقامة هي شرط لوجوب أداء الصوم، فلا يجب تحصيلها إذا عَرَض مُقْتَضى السفر؛ ليجب عليه فعل الصوم. والمانع: كالدين فلا يجب نفيه؛ لتجب الزكاة. وأما ما يتوقف عليه إيقاعُ الواجب ودخولُه في الوجود بعد تحقق الوجوب، فإن كان جزءًا فلا خلاف في وجوبه؛ لأنَّ الأمر بالماهية المركبة أمرٌ بكل واحد من أجزائها ضمنًا.

وإنما الخلاف إذا كان خارجًا كالشرط والسبب، كما إذا تقرر أنّ الطهارة شرط، ثم ورد الأمر بالصلاة، فهل يدل الأمر بها على اشتراط الطهارة؟ هذا موضوع النزاع" مع تصرف يسير. قال الشيخ المطيعي رحمه الله تعالى:"ومحل الخلاف إنما هو في مقدمة الواجب المطلق التي يتوقف عليها وجوده لا وجوبه". حاشية المطيعي على نهاية السول 1/ 198. وقول الشيخ المطيعي: "التي يتوقف عليها وجوده لا وجوبه" - تفسيرٌ لا تقييد؛ إذ سبق بيان أنَّ الواجب المطلق: هو الذي لم يقيَّد إيجابه بما يتوقف وجوده عليه. فلو قال: ومحل الخلاف إنما هو في مقدمة الواجب المطلق - لكفى، ولكنه رحمه الله أراد بذلك الإيضاح والبيان.

(2)

سقطت من (ص).

(3)

في (ص)، (ك):"مُقَدَّمة".

(4)

سقط من (ت).

ص: 286

والمختار وجوبُ السبب والشرط كما ذكره

(1)

المصنف

(2)

. والجزء إذا لم يكن مقدورًا سقط وجوبه (إذا لم نقل)

(3)

بتكليف ما لا يطاق، ومن ضرورة ذلك عدم وجوب الكل حينئذ، لكن يبقى

(4)

وجوب ما سواه من الأجزاء

(5)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"

(6)

(1)

في (ص)، (ك):"ذكر".

(2)

هذا هو رأي أكثر العلماء، كما في جمع الجوامع مع شرح المحلي 1/ 193، وتيسير التحرير 2/ 215، وشرح الكوكب 1/ 359، وشرح العضد على ابن الحاجب 1/ 245، البحر المحيط 1/ 297، الإحكام للآمدي 1/ 158.

(3)

في (ت): "إذا لم يُقَل".

(4)

في (ص): "بقي".

(5)

لأنّ وجوب الكل من ضرورته وجوب جميع الأجزاء، فإذا سَقَط الوجوب عن جزء سَقَط وجوبُ الكل؛ لأنّه لا يكون كلًا إلا بجميع الأجزاء، وبقي وجوب باقي الأجزاء.

وانظر: شرح الكوكب 1/ 361.

(6)

أخرجه البخاري 6/ 2658، في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 6858. ومسلم 2/ 975، في كتاب الحج، باب فرض الحج مرةً في العمر، حديث رقم 1337، وفي كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف 4/ 1830، حديث رقم 1337. والنسائي 5/ 110، في كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج، رقم 2619. وابن ماجه 1/ 3، في المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم 2.

ص: 287

وهذا

(1)

آخر ما كتبه الشيخ الإمام

(2)

العلامة المجتهد

(3)

شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين بقية المجتهدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي رحمه الله ورحم أموات المسلمين وتَمَّمَه

(4)

ولدُه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب (فَسَح الله في مدته)

(5)

، ونفع به آمين

(6)

.

(1)

في (ك): "هذا".

(2)

في (ك): "الإمام العالم".

(3)

في (ك): "المجتهد المطلق".

(4)

في (ك): "وتلاه".

(5)

في (ك): "كان الله له".

(6)

إلى هنا انتهى كلام الشيخ تقي الدين حسب المخطوطة (ص) ل 1/ 87، و (ك)، وفي المخطوطة (ت) ل 1/ 35 زيادة صفحة ونصف على ما في المخطوطة (ص) بالنسبة لكلام الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى. وعلى هذا فما أذكره من كلامه هنا إلى آخره ساقط من (ص)، و (ك). ويغلب على الظن أن ناسخ (ت) التبس عليه كلام التاج بكلام والده فانفرد بهذه الزيادة.

في (ت): قال: (قيل: يُوجَب السبب دون الشرط، وقيل: لا فيهما.

لنا: أنّ التكليف بالمشروط دون الشرط محال.

قيل: يختص بوقت وجود الشرط. قلنا: خلاف الظاهر.

قيل: إيجاب المقدِّمة كذلك. قلنا: لا، فإن اللفظ لم يدفعه).

القول بإيجاب السبب دون الشرط قول الواقفية، والقول بعدم إيجابهما قول بعض الأصوليين، ورُدَّ عليهما بما ذكره من الدليل. وقوله:"التكليف بالمشروط حال عدم الشرط". وهذا هو المراد، كما أنَّه ظاهر الكلام من غير إضمار، والأول مصادرة على المطلوب، ويحتاج إلى إضمار. وإذا عرفت المراد فنقول: التكليف بالمشروط إما أنْ يختص بحال عدم الشرط أو بحال وجود الشرط، أو لا يختص، =

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بل يعم الحالتين. ولسنا نعني أنّ متعلَّق التكليف المشروط المجرد عن الشرط، أو المقترن به أو الأعم منهما، وإنما نعني أنَّ في حال عدم الشرط هل يوجد التكليف أو لا تكليف إلا عند وجود الشرط، والتكليف يكون بالأعم من الحالتين. والأول تكليف بالمحال، فمن منع التكليف بالمحال منعه، ومَنْ جَوَّزه أجازه، ولكنه لم يقع في الشريعة، وأيضًا ليس مُفَرَّعًا عليه، فإن الأصحاب يقررون تكليف ما لا يطاق في موضعه، ثم يأتون في مسائل لا يُفَرِّعون على ذلك ويحيلون ما لَزِم عنه. وقول المصنف: التكليف بالمشروط دون الشرط محال - فيه نظر؛ لأنا نفرق بين التكليف بالمحال، والتكليف المحال، فالأول: هو تكليف العاقل الذي يفهم الخطاب بما لا يطيقه، وهو محل الخلاف في تكليف ما لا يطاق؛ لأنَّ المخاطَب به يَعْلم أنَّه مكلف بذلك. والثاني قيل: تكليف الميت والجماد ومن لا عقل له من الأحياء، فهذا تكليفٌ محالٌ اتفق كل أهل الحق على أنَّه لا يصح، نَقل هذا الاتفاق القاضي أبو بكر، فكان الأحسن للمصنف أنْ يقول: تكليفٌ بمحال، وعذره في ذلك أنَّه إذا فَرَّع على منع تكليف ما لا يطاق - فالتكليف به محال عند المانعين منه، فيصح كلامه. وأما الثاني وهو اختصاص التكليف بحال وجود الشرط، فسنذكره، انتهى.

قال: قيل: يُوجَب السبب. . . الخ.

لَمَّا ذَكَر المختارَ أردفه بالخلاف ودليله. والقول بإيجاب السبب دون الشرط قول الواقفية، والقول بعدم إيجابهما قول بعض الأصوليين، ولما اشتركا في عدم إيجاب الشرط ردّ عليهما بالدليل المذكور.

وقوله: التكليف بالمشروط دون الشرط. هذه العبارة تحتمل ثلاثة معان: أحدها: التكليف بالمشروط دون التكليف بالشرط، وتقرر استحالته بأنه إذا لم يجب الشرط جاز تركه، فيقدَّر هذا الجائز واقعًا فيصير كالمعنى الثاني وسنقرر الاستحالة فيه، ولكن هذا المعنى ليس مراده؛ لأنَّه محل النزاع، فلو أراده لكان مصادرة على المطلوب، ويُحوج إلى إضمار؛ ولأن قوله بعد ذلك: قيل يَختص بوجود الشرط يُرشد إلى خلافه؛ ولأن الإمام صرح بالمقصود، فقال حال عدم المقدِّمة: المعنى الثاني: أنْ يكون التكليف حال عدم الشرط، وهذا هو المقصود، وهو على قسمين أيضًا: أحدهما: وهو الثاني من المعاني أنْ يكلف وقت عدم الشرط بإيقاع المشروط =

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حينئذ، ولا شك أنّ هذا تكليف بما لا يطاق، والاستحالة جاءت من تضاد متعلّق التكليف ووقته لا من خصوصه ولا من خصوص وقته. وقريب من هذه العبارة أنْ يقول: يختص التكليف وقت عدم الشرط، والثاني من القسمين، وهو الثالث من المعاني أنَّ تكليف وقت عدم الشرط بإيقاع المشروط مطلقا، ومقتضى ذلك ألا يختص التكليف بوقت، بل يوجد حال وجود الشرط وعدمه، والمكلف به في القسمين المشروط من حيث هو، لا بقيد الشرط، ولا بقيد عدمه، والقيد بقيد عدمه مستحيل في نفسه، وبقيد وجوده يلزم منه طلب المشروط كما هو المدعى، أعني إذا كان المطلوب المشروط مع الشرط ووقت طلبه غير مقيد.

إذا عرفت هذا فمقصود المصنف المعنى الثاني القسم الأول منه، كما بينا ولا شك. وهذا آخر [ما] انتهى إليه الشيخ تقي الدين تغمده الله برحمته، وقد ابتدأ ولده قاضي القضاة تاج الدين في إكماله من أول هذه المسألة، وهو قول البيضاوي:"الرابعة: وجوب الشيء"، فكَمَّله وجاء على أحسن أسلوب، والله سبحانه وتعالى أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 290

بسم الله الرحمن الرحيم

(وبه نستعين، رب يسر)

(1)

. قال (سيدنا ومولانا)

(2)

الشيخ الإمام العالم العلامة، (الأوحد البارع، الحافظ شيخ الإسلام، مفتي الأنام، قدوة الأئمة، حبر الأمة، ناصر السنّة، قامع البدعة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، فريد دهره، ووحيد عصره)

(3)

، قاضي القضاة، تاج الدين عبد الوهاب

(4)

(ابن سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، أوحد العلماء العاملين، آخر المجتهدين)

(5)

، تقي الدين (أبي الحسن السبكي)

(6)

الشافعي (متع الله بحياته المسلمين، وأيده وأمده بعونه، وأدام النفع به آمين)

(7)

. {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}

(8)

(9)

.

(1)

في (ت): "اللهم يسر يا كريم". ولم ترد في (ذلك): "رب يسر"، وفي (غ):"اللهم صلّ على محمد وآله".

(2)

لم ترد في (ت).

(3)

لم ترد في (ت).

(4)

"عبد الوهاب" لم ترد في (ت).

(5)

في (ت): ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة.

(6)

في (ت): "علي بن عبد الكافي السبكي".

(7)

في (ت): "كان الله لهما كافيًا ومؤيدًا وحفيًا وحاميًا".

(8)

سورة النمل، الآية:(19).

(9)

لم ترد الآية في (ص).

ص: 291

(الحمد لله الذي)

(1)

جعل لنا من هذا الدين القَيّم

(2)

شرعة ومنهاجًا، وأطلع لنا في

(3)

سماء العلم

(4)

الشريف من الكتاب والسنّة سراجًا وهاجًا، وقَدَّرَ للفقيه أن يكون على الإجماع محتالًا، وإلى القياس محتاجًا، نحمده على نِعَمِهِ التي خَصَّتنا

(5)

بعمومها، ورجَّحتنا على مَنْ سوانا بأدلة مَفْهومِها، واستوعَبتَ لَنا ما وُجدَ منها عند سَبْرها وتقسيمها.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ظاهرةً غيرَ مُؤَوَّلة، دائمةً نستصحب منها أحكامًا غير مُبدَّلة، ناميةَ الثواب

(6)

يوم المعاد، فلا يُحتاج إلى بيان أحكامها المجملة.

ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي نُسخَ شرعُ مَنْ قَبْله بشرعه المؤيَّد، وأمَر ونهَى فأوجب وندب وحَرَّمَ وأباح وأطلق وقَيَّد، واجتهد في إبلاغ ما أُمر به فذبَّ

(7)

العقل عن فعل

(8)

ما قَرَّره وشَيَّد

(9)

،

(1)

في (ص): "الحمد لله رب العالمين، الحمد الذي".

(2)

أي: المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا مَيْل عن الحق، ومنه قوله تعالى:{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} ، أي: مستقيمة تُبَيْن الحقَّ من الباطل على استواء وبرهان. انظر: لسان العرب 12/ 502، مادة (قَوَم).

(3)

في (ت): "من".

(4)

في (ت): "المعالم".

(5)

في (ت): "خصصتنا".

(6)

في (ت): "للثواب".

(7)

أي: دفع ومنع. القاموس المحيط 1/ 67.

(8)

في (ك)، (غ):"نقل".

(9)

أي: لم يجعل الأفعال حسنة أو قبيحة بالعقل كما قالت المعتزلة، بل بالشرع كما =

ص: 292

صلى الله عليه

(1)

وعلى آله وأصحابه الذين فهموا خطابَ وضْعِه، وقاموا بشرائط دينه، وعَلِموا أدلة شَرْعِه واتبعوه. فما منهم إلا مَنْ قال بمُوجِب أصله وفَرْعِه، صلاةً تَصِل أخبارُها إليهم بكرة وعشيا، وتَفِد أجناسها المتنوعة بفصولها المتمَيَّزة عليهم فتسلك صراطًا سويا، وتَخْلصُ

(2)

فتُخَلِّص قائِلَها من الأهوال يوم يموت ويوم يُبعث حيًا، دائمةً ما افتقر فَرْعٌ إلى الرجوع إلى أصله، واحتاج المجادِل إلى تجويد نَصِّه، كما يحتاج المجالد إلى تجريد نَصْلِه، باقيةً لا ينعكسَ طَرْدُها ولا يشتبه محكمُها بتُرَّهات الملحد وزُخْرُفِ قولِه

(3)

.

ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان، المقتفين آثارهم الحسان، وخَصَّ بمزيد الرضوان العلماءَ الحامين حِمَى الشريعة أن

= قال أهل السنة والجماعة.

(1)

في (ص): "عليه وسلم". ولعلها زيادة من الناسخ؛ لأنه قال بعد قال بعد ذلك: صلاة تصل أخبارها. . . إلخ، ولم يقل صلاة وسلامًا.

(2)

من باب قعد. المصباح 1/ 190، مادة (خلص).

(3)

قد راعى تاج الدين رحمه الله تعالى في مقدمته براعة الاستهلال: وهي أنْ يأتي الناظم أو الناثر في ابتداء كلامه بما يدل على مقصوده منه بالإشارة لا بالتصريح. انظر: جواهر البلاغة ص 420.

فقد أتى الشارح في مقدمته بكثير من الألفاظ والمصطلحات الأصولية، وفي ذكرها إشارة إلى مقصوده من كلامه، وهو أنه سيشرع في مباحث أصول الفقه. مثل: الإجماع، القياس، خصتنا بعمومها، رجَّحتنا على مَنْ سوانا بأدلة مفهومها، سَبْرها وتقسيمها، ظاهرة غير مؤولة، نستحصب، أحكامها المجملة، نُسخَ شرع مَنْ قبله بشرعه. . . إلخ.

ص: 293

يُضام

(1)

أو يضاع، الوارثين بالدرجة الرفيعة هَدْي النبوة الذي لا يُرام

(2)

ولا يُراع

(3)

، الوافدين على حِياطته

(4)

بالهمة الشريفة حتى لا يَنْفَكَّ

(5)

أو يُشَادَّ

(6)

ويُشَاع

(7)

(8)

، لا سيما الإمام المطَّلِبِيُّ مُسْتخرج علم أصول الفقه محمد بن إدريس الشافعي الذي ساد المجتهدين بما أصَّل وأنشا، وسار نبأ مَجْده والبرق وراءه يَتَحرَّق عَجَلةً وهو أمامَه على مَهْلِ يتمشَّى، وساق إلى سواء السبيل بعلومه التي غَشَّاها مِنْ تقوى الله ما غَشَّى، وقَدَّس أرواح أصحابه الذين زَيَّنوا سماءَ العلوم من أنفسهم بزينة الكواكب،

(1)

أي: يُنْقص منه، مِنْ ضامه حقَّه ضَيْمًا نَقَصَه إياه. لسان العرب 12/ 359، مادة (ضيم).

(2)

أي: لا يقدر العدو أن يطلب فيه نقصًا أو عيبًا، مِنْ رام الشيء يرومه رومًا ومرامًا: طَلَبه. لسان العرب 12/ 258، مادة (روم).

(3)

أي: لا يُفزع؛ لأنه لا يُغلب. لسان العرب 8/ 136، مادة (روع).

(4)

أي: حِفْظه، وتكون "على" تعليليَّة، مِنْ قولهم: حاطَه يَحُوطه حوْطًا وحِيطَةً وحِياطَةً: حَفِظه وتعهده. لسان العرب 7/ 279، مادة (حوط).

(5)

في (غ): "يفك".

(6)

أي: يُتَشدد فيه ويُتنَطَّع. انظر: لسان العرب 3/ 233، مادة (شدد).

(7)

أي: يَتَفَرَّق. وفي لسان اللسان 8/ 192، مادة (شَيَعَ):"وفي التهذيب في ترجمة شيع: شاع الشيءُ يشيع وشَعَّ يشِعُّ شَعًّا وشَعَاعًا كلاهما إذا تفرق"، وفيه أيضًا:"وشاعت القطرة من اللبن في الماء وتشيَّعت: تفرقت". وفي المصباح 1/ 353: "وشاع اللبن في الماء: إذا تفرق وامتزج به".

(8)

قوله: حتى ينفك. . . إلخ - معناه: حتى لا يتفكك وينهار، إشارة إلى التفلت والتساهل في أحكامه، أو لا يُتشدد فيه ويُتعمق ويُتكلف فيتفرق أهله وأتباعه.

ص: 294

وهاموا باتِّباع مَذْهبه المذَهَّب، وللناس فيما يَعْشقون مذاهب، وذادوا عن بيان ما أجمله وإيضاح ما أشكله والعلومُ عطايا من الله ومواهب، رضًا يتكفل بنجاة كلٍّ منهم ونجاحه، ويمر برَوْض الإيمان فيتعطر بأنفاسه رِيًّا ورياحِهِ، ويَفْخَر عِطْف الجوزاء

(1)

إذا كان دُرّةً في وِشَاحِهِ

(2)

.

أما بعد: فإنَّ العلوم وإن كانت تتعالى شَرَفًا، وتَطَّلِعُ في أفق الفخار من كواكبها شُرَفًا

(3)

، فلا مِرْية في أن الفقه نتيجة مقدِّماتها، وغاية نهاياتها، وواسِطَةُ عِقْدها، ورابطةُ حَلِّها وعَقْدِها. به يُعرف (الحرام من الحلال)

(4)

، وتستبين مصابيح الهدى مِنْ ظلام الضلال، وهيهات أن يَتَوصَّل طالبٌ وإِنْ جَدَّ المسير إليه، أو يتحصَّلَ بعد الإعياء والنَّصَب

(1)

أي: مَنْكِبُها. وفي اللسان 9/ 250: "قال الأزهري: مَنْكِب الرجل عِطْفه، وإبطه عِطْفه. والعُطُوف: الآباط، وعِطْفا الرجل والدَّابة: جانباه عن يمين وشمال، وشِقَّاه من لدن رأسه إلى وَرِكِه، والجمع أعطاف وعِطَاف وعُطُوف. وعِطْفا كلِّ شيءٍ: جانباه".

(2)

الوِشَاح: شيء يُنسج من أديم عريضًا ويُرصَّع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقَيْها. يقال: وِشَاحٌ وإشاحٌ ووُشَاحٌ، والجمع الوُشُحُ والأوشِحةُ، ووشَّحتها تَوْشيحًا فتوشَّحَتْ هي، أي: لَبِستَه. وربما قالوا: توشَّح الرجل بثوبه وبسيفه. الصحاح 1/ 451، مادة (وشح). وفي المصباح 2/ 337:"وتوشح بثوبه: وهو أن يُدخله تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على منكبه الأيسر، كما يفعله المحرم، قاله الأزهري"، وانظر: لسان العرب 2/ 632.

(3)

جمع شُرْفة، على وزن غُرْفة وغُرَف: وهي ما يوضع على أعالي القصور والمدن. انظر لسان العرب 9/ 171، المصباح المنير 1/ 332، مادة (شرف).

(4)

في (ك): "الحلال من الحرام".

ص: 295

عليه، إلا بعد العِلم بأصول الفقه، والمعرفة والنهاية فيه، فإنّه صِفَتُه وكيف يفارق الموصوف الصِّفَة! .

وقد نظرنا فَلم نر مختصرًا أعذب لفظًا، وأسهل حفظًا، وأجدر بالاعتناء وأجمع لمجامع

(1)

الثناء - من كتاب "منهاج الوصول إلى علم

(2)

الأصول" للشيخ الإمام العالم

(3)

العلامة قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي، بَيَّض الله وجهه يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه وروَّض تربتَه بغَمَام الغُفْران

(4)

حتى يأتي يوم القيامة وما ثُلِم جانبُه ولا فُضّ فوه، فإنه موضوع على أحسن مِنْهاج، محمول على الأعين وليس له منها مِنْ هَاج، بعبارة أعذبَ من ماء السحاب، وألعبَ مِنَ ابنة الكَرْم

(5)

بعقول أولي الألباب، آل فضلُ البلاغة إليه، وآلى

(6)

فَصْلُ الخطاب

(7)

(أن لا يَتَمَثَّلَ)

(8)

إلا بين يديه.

(1)

في (ك): "بمجامع".

(2)

سقطت من (ص)، و (ت).

(3)

لم ترد في (ت).

(4)

قوله: "روَّض تربته" أي: جعل قبره روضة من رياض الجنة. وقوله: "بغمام الغفران"، الباء للمصاحبة، أي: جعل قبره روضة بغمام الغفران، أي سحاب الغفران. انظر: المصباح 2/ 108، فليس المراد بالروضة الأشجار والأزهار، وإنما أن تكون روضة بسحاب الغفران.

(5)

الكَرْم: هو العنب، وابنته هي الخمر؛ لأنها تتولد منه. انظر المصباح 2/ 192

(6)

أي: حَلَف. المصباح 1/ 25، مادة (آلى).

(7)

أي: الخطاب الذي يَفْصل بين الحق والباطل، ويُمَيِّز بين الحكم وضده. انظر: لسان العرب 1/ 361، مادة (خطب).

(8)

في (ك)، و (غ):"لا يتمثل".

ص: 296

وقد رأيت شُرَّاحه على كثرتهم مالوا إلى الإيجاز، وقالوا وكأنما ضاق بهم الفضاء الواسع فَعُدَّ مقالُهم في الإلغاز

(1)

، قَنَع كلٌّ منهم (بحاجة في نفسه)

(2)

مِن اسم

(3)

التصنيف قضاها، و (جمع نفسه على ما شتت به شمل الكتاب من تقارير إذا أنصف من نفسه لا يرضاها)

(4)

، فشروحهم تحتاج إلى مَنْ يشرحها، وكلماتهم تريد بسطة في العلم والجسم تُوضِّحها.

وقد كان والدي أطال الله عمره

(5)

شرع في وضع شرح عليه أبهى وأبهج من الوشي المرقوم

(6)

، وأسرى

(7)

وأسرع إلى الهداية مِنْ

(1)

سقطت من (ك).

(2)

في (ت): "بحاجة نفسه".

(3)

في (ت): "رسم".

(4)

في (ت): "وجمع نفسه لا برضاها". وهذا سقط.

(5)

في (ص): "وقد كان الشيخ الإمام والدي رحمه الله". وهذا الذي وقع في (ص) في هذا الموطن وغيره من تصرف النساخ، والذي وَرَد في (ت) - في مواطن كثيرة حينما يذْكر والده - كلُّه يشير إلى أنَّ والده كان حيًا حينما شرع في تكميل شرح والده، بل قد صرَّح في "طبقاته الكبرى" بذلك 2/ 168. وقد نصَّ التاج في آخر شرحه بأنه انتهى منه في 752 هـ، ووالده رحمه الله تعالى توفي عام 756 هـ.

(6)

الوَشْي: نوع من الثياب المُوَشَّية (أي: المطَرَّزة بالألوان)، تسمية بالمصدر، ووَشَيْتُ الثوبَ وَشْيًا، من باب وَعَد: رَقَمْتُه ونَقَشْتُه. والوَشْيُ في اللون: خَلْطُ لونٍ بلون، وكذلك في الكلام. انظر: المصباح 2/ 337، اللسان 15/ 392، مادة (وشي). وفي الصحاح 6/ 2524:"يقال: وشيْتُ الثوب أشِيه وَشْيًا وشِيةً، ووَشَّيْتُه تَوشِيةً شُدِّد للكثرة، فهو مَوْشِيٌّ ومُوَشَّى والوَشْيُ من الثياب معروف، والجمع وِشاءٌ". والمرقوم: المخطَّط، مِنْ رَقَم الثوب يَرْقُمُه رقْمًا ورقَّمَهُ: خَطَّطه. لسان العرب 12/ 249.

(7)

في المصباح 1/ 294، مادة (سرى): "سَرَيْتُ الليل، وسَرَيْت به، سَرْيا، والاسم =

ص: 297

طوالع النجوم، عديل

(1)

شُهُبٍ لائحة، ورَسِيل سُحُبٍ سابحة

(2)

(3)

، وسماء عِلمٍ يَهْتدي بكوكبه، وعلاءُ قَدْر أخَذ بِلِمَّة

(4)

الفخر

(5)

ولم يزاحمه بمنكبه، لا تنقشع عارضته

(6)

، ولا يُتوقّع مُعارضتُه، خضعت رقاب

= السِّراية: إذا قَطَعْتُه بالسَير. أسريت بالألف: لغة حجازية. . . قال أبو زيد: ويكون السَّرَى أول الليل وأوسطه وآخره، وقد استعملت العرب سَرَى في المعاني، تشبيهًا لها بالأجسام، مجازًا واتساعًا، قال الله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} والمعنى: إذا يمضي، وقال البغوى: إذا سار وذهب". وانظر: لسان العرب 14/ 381. فقول الشارح: وأسرى، أي: وأمضى.

(1)

العديل: المثيل والمساوي. وفي اللسان 11/ 432: "وعَدَل الشيءَ يَعْدِله عَدْلًا وعَادَلَه: وَازَنه. وعادَلْت بين الشيئين، وعَدَلت فلانًا بفلان إذا سَوَّيت بينهما. وتعديل الشيء تقويمه. . . والعَدْل والعِدْل والعَدِيل سواء، أي: النظير والمثيل. . . والعديل: الذي يعادلك في الوزن والقدر".

(2)

في (ك)، و (غ):"سائحة".

(3)

في اللسان 11/ 284، مادة (رسل):"والرسيل: الموافق لك في النضال ونحوه"، فالمعنى في كلام المؤلف: أنه يوَافِق عطاءَ السحب في كثرته ووفرته وغزارته، فالسحب بعطاء الماء الذي به حياة الأبدان، وهذا الشرح الذي شَرحه والده بعطاء العلم الذي به حياة القلوب والأرواح والوجدان.

(4)

في المصباح المنير 2/ 222، مادة (لمم):"اللِّمة، بالكسر: الشعر يَلِمُّ بالمنكب، أي: يَقْرُب، والجمع لمام ولِمَمَ، مثل: قِطَّة وقطِاط وقِطَط". وفي الصحاح 5/ 2032: "واللِّمة بالكسر: الشعر يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي جُمَّةٌ". وانظر: لسان العرب 12/ 551.

(5)

في (غ)، و (ك):"الفجر".

(6)

في اللسان 7/ 181، مادة (عرض):"والعارضة: قوة الكلام وتنقيحه والرأي الجيّد"، والمعنى: أنّ قوة كلامه وبيانه، وبديع فوائده وفوائده، ونفيس درره =

ص: 298

المعاني لكلامه، وخشعت الأصوات وقَد رأته جاوز الجوزاء وما رَضِيها دارَ مُقامه، لكنه أحسن الله إليه ما غاص في بحره إلى القرار، ولا أوصل هلاله إلى ليلة البدار، بل أضرب عنه صفحًا بعد لأيٍ

(1)

قريب، وتركه طَرْحًا وهو الدُّرُّ اليتيم بين إخوانه كالغريب.

وقد حدثتني النفس بالتذييل على هذه القطعة وأحاديث النفس كثيرة، وأمرتني الأمَّارة بالتكميل عليها

(2)

ولكني استصغرتها عن هذه الكبيرة، وقلت للقلم: أين تذهب، وللفكر: أين تحول

(3)

أطنب

(4)

لسانك أم أسهب، ووقفت وقفة العاجز والنفس تأبى إلا المبادرة بما به أشارت، وجَرَت على شأوها

(5)

منادية: ائت مما أمرتُك بما استطعت. وتوارى اللسانُ وما توارَتْ، فلما تعارض المانع والمقتضي، وعَلمتُ أن الحال إذ حاولت مجهودها قام لها العُذر الواضح، فيما استقبلتْه، ومُضِيٌّ أىُّ مضيٍّ

(6)

، أعملت الفكرة في الدُّجنة والوجه والليل كلاهما كالح،

= وجواهره لا ينقشع ولا ينتهي بل لا يزال يتتابع تترى، ويُطرب القاري طُرَّى.

(1)

اللأيُ: يقال: لأى يَلأَى لأيًا والْتأى يَلْتَئِي إذا أبطأ. لسان العرب 15/ 237، الصحاح 6/ 2478، مادة (لأي).

(2)

سقطت من (ت).

(3)

في (ص)، و (ت):"أن تجول". وزيادة "أن" غير صحيحة.

(4)

أي: بالغ واجتهد. وفي اللسان 1/ 562، مادة (طنب):"وأطنب في الكلام: بالغ فيه، والإطناب: المبالغة في مدحٍ أو ذمٍ والإكثارُ فيه. والمُطْنِب: المَّدَّاح لكل أحد. . . وأطنب في عَدْوِه إذا مضى فيه باجتهاد ومبالغة".

(5)

في (ص): و (ت): "تيارها".

(6)

أي: مضت وأكملتْ على أية حال رغم الموانع.

ص: 299

وشرعتُ فيه وقلتُ: لعل الغرض يتم ببركته وبقصده

(1)

الصالح، وجرّدت همةً ما ردَّ ذائلُها

(2)

إلا وقد سئم من النشاط، ولا أُغْمد مُهَنّدها إلا وقد ترك ألف طريح على البساط، ولا عاد نَصْلُها

(3)

إلا وقد قضى المأمول، ولا فَترتْ عزائمها إلا وقد حصلتْ على نهاية السُّول، وأعْملنا هذه الهمة في مُدْلَهمَّ الدَّيْجور

(4)

، وصرَّفنا قلمها بشهادة النجوم وفلكُها يدور، فلم تَنْشب ليالي أسبلتْ جلبابها، وأرخت نقابَها معدودةً ساعاتُها، ممدودة بالألطاف الخفية أوقاتُها، إلى أن انهزمت تلك الليالي، ودارت الدائرة عليها، وجاء من النسيم العليل بشيرُ الصبح متقدمًّا بين يديها، فوافى الصباح بكل معنى مُبْتكر، وجَلا عرائسَ بدائِعِه فشنَّف السمْعَ

(5)

وشرّف البصر، وجاء كتابًا ساطعًا نورُ شمسه وشمسُ

(1)

في (ت)، و (ك):"ومقصده".

(2)

ذائلها: ذَنَبَها الطويل. وفي الصحاح 4/ 1702، مادة (ذيل):"وفَرَس ذائلٌ، أي: طويل الذَّنَب، والأنثى ذائلة. وكذلك فَرَسٌ ذَيَّال: طويل الذَّنَب. فإن كان قصيرًا وذَنَبه طويلًا قالوا: ذيَّال الذَّنب، فيذكرون الذّنب". وفي اللسان 11/ 260: "وقال ابن قتيبة: ذائلٌ: طويل الذَّيل، وذيَّال: طويل الذيل".

(3)

النصل: السهم العريض الطويل. لسان العرب 11/ 662، مادة (نصل).

(4)

الدَّيْجور: الظلمة، والجمع دياجير. انظر: لسان العرب 4/ 78، مادة (دجر).

(5)

أي: زينه وجمَّله. وفي اللسان 9/ 183، مادة (شنف):"الشَّنْف: الذي يُلبس في أعلى الأذن، بفتح الشين، ولا تقل: شُنْفٌ، والذي في أسفلها القُرط، وقيل: الشَّنْفُ والقُرْطُ سواء. . . والجمع أشْناف وشُنُوف. . . وشنَّفْتُ المرأةَ تَشنيفًا فتشنَّفَتْ: هي مثل قرَّطْتُها فتقرَّطَتْ هي".

ص: 300

السماء في غروب، طالعًا في أفق الفخار على أحسن أسلوب، حائزًا لما يُراد منه في كل طريقة، جائزًا حَقًّا

(1)

على مقالات

(2)

المتقدمين والمتأخرين، وحسبك بمنْ مجازُه حقيقة، فأسأل الله تعالى أن يعم النفعَ به، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، موجبًا للفوز لديه، وقد وصل (والدي الشيخ الإمام)

(3)

جزاه الله الخير

(4)

إلى مسألة مقدّمة الواجب، ونحن نتلوه والله الموفق و

(5)

المعين بخفيّ ألطافه، والمحقق لرجاء العبد

(6)

بإسعاده وإسعافه.

قال المصنف رحمه الله: (الرابعة: وجوبُ الشيء مطلقًا يوجب وجوبَ ما لا يتِمّ إلا به وكان مقدورًا).

قال والدي (أطال الله بقاه)

(7)

: قوله: "مطلقًا" احتراز

(8)

من الوجوب المقيَّد بشرط كالزكاة

(9)

وجوبُها متوقّف على النصاب ولا

(1)

سقطت من (ك).

(2)

في (ك): "مثالات".

(3)

في (غ): "والدي". وفي (ك): "الشيخ الإمام".

(4)

في (غ): "خيرًا".

(5)

سقطت الواو من (ص)، و (ت).

(6)

في (ت)، و (غ)، و (ك):"المرء".

(7)

في (ص): "تغمده الله برحمته". وهذا من تصرف النساخ كما سبق بيانه.

(8)

في (ك): "احترازًا".

(9)

في (ص): "كشرط الزكاة". وهو خطأ، وفي (ت):"بشرط كالزكاة، إلى آخره". يعني: إلى آخر كلام والد المؤلف، فلم يذكر في هذه النسخة كلام =

ص: 301

يجب تحصيلُه، والجمعة وجوبها متوقّف على الجماعة والإقامة في بلد، ولا يجب تحصيلهما، وهذا متفق عليه.

وقوله: "وكان مقدورًا" احتراز من قدرة العبد على الفعل وداعيته المخلوقَتَين لله تعالى، لا تتم الواجبات المطلقةُ عليه كالصلاة وغيرها إلا بهما، ولا يجب تحصيلهما، ولا يتوقف الوجوب عليهما.

وجملة ما يتوقف عليه الفعل إما أن يكون من فعل الله تعالى، أو فعل العبد، وكلٌّ منهما إما أن يتوقف عليه الوجوب أوْ لا، فالذي من فعل الله تعالى ويتوقف عليه الوجوب: كالعقل وسلامة الأعضاء التي بها الفعل، والذي لا يتوقف عليه الوجوب: خَلْق قدرة العبد وداعيته.

والذي منْ فعل العبد ويتوقف عليه الوجوب كما سبق، والذي لا يتوقف عليه الوجوب إما أن يكون مقدورًا أوْ لا، فغير المقدور لا يتحقق معه وجوب الفعل إلا على القول بتكليف ما لا يطاق، وحينئذ يصح وجوب غير المقدور مما يتوقف عليه الواجب، فلا يصح اشتراطُ كونه مقدورًا، فلذلك لم أرَ له مثالًا يصح اجتماع الوجوب معه إلا القدرةَ والداعية، ورأيتُ جماعة خبطوا في ذلك.

وقولنا: ما لا يتم الواجب إلا به - يشمل بالوضع ثلاثة أشياء: الجزء، والسبب، والشرط. لكن الجزء ليس مرادًا هنا؛ لأن الأمر بالكل أمرٌ به تضمنًا ولا تردد في ذلك، وإنما المراد السببُ والشرط، وأن الأمر بالشيء

= الوالد، وكأن هذا - والله أعلم - اختصار من الناسخ، وإلا فهو مذكور في (ص)، و (غ)، و (ك).

ص: 302

هل يستلزم الأمرَ بسببه أو شرطه أوْ لا؟ ولذلك عبَّر بعضهم عنه بالمقدّمة، والمقدّمة خارجة عن الشيء متقدّمة عليه، بخلاف الجزء فإنه داخل فيه.

والمختار وجوب السبب والشرط كما ذكره المصنف، والجزء إذا لم يكن مقدورًا سَقَط وجوبه إذا لم نقل بتكليف ما لا يطاق، ومن ضرورة ذلك عدمُ وجوب الكل حينئذ، لكن يبقى وجوبُ ما سواه من الأجزاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

قلت: هذا ما وقف عنده والدي

(1)

أطال الله عمره، ومِنْ هنا أبتدئ وبالله التوفيق.

فأقول: لا مزيد على حُسْن ما ذَكَره، وأما قوله

(2)

: إذًا لم يجب الكل لعدم القدرة على الجزء يبقى

(3)

وجوب ما سواه من الأجزاء - فصحيح

(4)

، ومستنده الحديث الذي أورده وهو القاعدة التي يذكرها الفقهاء: الميسور لا يسقط بالمعسور، وسنلتفت إن شاء الله في ذيل المسألة إليها.

(5)

(6)

(1)

في (غ)، و (ك):"الشيخ الإمام". وفي (ص): "والدي الشيخ الإمام".

(2)

أي: قول والده.

(3)

قوله: "يبقى"، جواب الشرط "إذا".

(4)

قوله: "فصحيح"، خبر قوله:"قوله".

(5)

سقطت من (ت).

(6)

انظر: ص 326.

ص: 303

قال: (وقيل: يُوجب السببَ دون الشرط. وقيل: لا فيهما).

عرفتَ المذهب المختار، وقال قوم: يُوجب السبب، ولا يُوجب الشرط، سواء كان شرطًا شرعيًا: كالوضوء للصلاة، أو عقليًا: كترك ضد الواجب، أو عاديًا: كغسل جزء من الرأس لغَسْل الوجه.

وقيل: لا يوجبه مطلقًا. هذه المذاهب التي حكاها المصنف.

وفي المسألة مذهب رابع ارتضاه إمام الحرمين، واختاره ابن الحاجب أنَّ وجوب الشيء مطلقًا يوجب الشرط الشرعي دون العقلي والعادي

(1)

(2)

.

قال: (لنا التكليف بالمشروط دون الشرط محال. قيل: يختص بوقت وجود الشرط. قلنا: خلاف الظاهر. قيل إيجاب المقدمة أيضًا كذلك. قلنا: لا، فإن اللفظ لم يدفعه).

لما اشترك المذهبان اللذان حكاهما آنفًا في عدم إيجاب الشرط - ردّ عليهما بالدليل المذكور

(3)

.

(1)

في (ص): "أو العادي".

(2)

انظر: جمع الجوامع مع شرح المحلي 1/ 193، تيسير التحرير 2/ 215، بيان المختصر 1/ 369، البرهان 1/ 257، نهاية السول 1/ 197، السراج الوهاج 1/ 163، شرح الكوكب 1/ 359.

(3)

قال الإسنوي عن دليل المصنف هذا: "هذا دليل لما اختاره المصنف من وجوب السبب والشرط، وإنما استدل على الشرط؛ لأنه يلزم من وجوبه وجوب السبب بطريق الأولى". نهاية السول 1/ 205.

ص: 304

وقوله: "التكليف

(1)

بالمشروط دون الشرط" هذه العبارة تحتمل ثلاثة معان

(2)

:

أحدها: التكليف بالمشروط دون التكليف بالشرط، ونُقَرَّر استحالة: بأنه إذا لم يجب الشرطُ جاز تركه، فنقدِّر هذا الجائز واقعًا، فيصير كالمعنى الثاني، وسنقرر إن شاء الله استحالته

(3)

.

ولكن هذا المعنى ليس مراده؛ لأنه محل النزاع، فلو أراده لكان مصادرًا على المطلوب، ولأنه يُحْوج إلى إضمار؛ ولأن قوله بعد ذلك: "قيل: (يختص بوقت وجود)

(4)

الشرط" يُرشد إلى خلافه؛ ولأن الإمام صَرّح بالمقصود فقال: حال عدم المقدِّمة

(5)

.

المعنى الثاني: أن يكون التكليف حال عدم الشرط - وهذا هو المقصود - وهو على قسمين أيضًا:

أحدهما وهو الثاني من المعاني: يُكَلَّف وقتَ عدم الشرط بإيقاع

(1)

سقطت من (غ).

(2)

في (ت): ل 1/ 37: "ثلاثة معان، إلى آخره مذكور في كلام والده معادًا هنا، فحذفتُه لكونه مذكورًا إلى قوله: قلت". وقد نصَّ على بقية الكلام في (ص) ل 1/ 96 - 98.

(3)

في (ك)، و (غ):"الاستحالة فيه".

(4)

في (ت)، و (ك)، و (ص):"يختص بوجود".

(5)

عبارته في المحصول 1/ ق 2/ 318: "وإنما قلنا: إنَّ إيجاب الفعل على كل حالّ يقتضي إيجاب مقدِّمته؛ لأنه لو لم يقتض ذلك لكان مكلّفًا حال عدم المقدمة، وذلك تكليف ما لا يطاق".

ص: 305

المشروط حينئذ

(1)

. ولا شك أن هذا تكليف بما لا يطاق، والاستحالة جاءت من تضاد متعلِّق التكليف ووقته، لا مِنْ خصوصه ولا مِنْ خصوص وقته

(2)

. وقريب من هذه العبارة

(3)

: أن يختص التكليف بوقت عدم الشرط.

والثاني من القسمين وهو الثالث من المعاني: أن يُكَلَّف وقت عدم الشرط بإيقاع المشروط مطلقًا

(4)

. ومقتضى ذلك أن لا يختص التكليف بوقت، بل يوجد حال وجود الشرط وعدمه، والمكلَّف به في القسمين: المشروط من حيث هو لا بقيد الشرط ولا بقيد عدمه. والتقييد بقيد عدمه مستحيل في نفسه، وبقيد وجوده يلزم منه طلب الشرط كما هو المدعى

(5)

، أعني: إذا كان المطلوبُ المشروطَ ووقتُ طلبه غيرُ مُقيَّد

(6)

.

(1)

كأن يكلَّف بالصلاة في حالة عدم الطهارة.

(2)

أي: الاستحالة جاءت من تضاد متعلَّق التكليف: وهو فعل الصلاة، ووقت التكليف: وهو حال عدم الطهارة، فالتضاد ناشئ من الأمر بالصلاة وقت عدم الطهارة، لا أن الأمر بالصلاة متناقض مع وقت الصلاة من حيث هو وقت، بل كون الأمر بالصلاة مقارنًا لوقت عدم الطهارة.

(3)

وهي قوله: يكلف وقت عدم الشرط بإيقاع المشروط حينئذ.

(4)

فالمكلف به - على هذا المعنى - إيقاع الصلاة مطلقًا، أي: سواء كانت صحيحة أو فاسدة، أما على المعنى الذي قبله فالمكلَّف به هو أداء الصلاة صحيحة في وقت عدم شرطها، وهذا تكليف بما لا يطاق.

(5)

التقييد بقيد عدم الشرط كأن يُطلب منه الصلاة بقيد عدم الطهارة، فهذا مستحيل، ويسميه المناطقة: بشرط لا شيء. وأما التقييد بوجود الشرط فهو المدَّعى، كأن يُؤمر بالصلاة حال الطهارة، وهو الذي يسميه المناطقة: بشرط شيء.

(6)

قوله: أعنى. . . إلخ متعلَّق بقوله؛ ومقتضى ذلك أن لا يختص التكليف بوقت. =

ص: 306

إذا عرفتَ ذلك فنقول: لو لم يُوجب إيجابُ الشيء مطلقًا ما يتوقف عليه ذلك الشيءُ - لكنا قد كُلِّفنا بالمشروط من غير التكليف بالشرط، وهو تكليف بمحال

(1)

؛ لأنه إذا كان المشروط مكلَّفًا به دون الشرط لم يجب الإتيان بالشرط، وإذا جاز ترك الشرط لَزِم منه جواز ترك المشروط؛ لأن انتفاء الشرط مستلزم لانتفاء المشروط؛ فيلزم كونُ المشروط جائزَ الترك واجبَ الفعل، وهو تكليف بما يلزم منه المحال، فتعيَّن أن يكون التكليف بالمشروط مُوجبًا للتكليف بالشرط.

(وإذا ثبت)

(2)

ذلك في الشرط ففي السبب بطريق أولى

(3)

، فإنَّ مَنْ قال بوجوب الشرط قال بوجوب السبب من غير عكس. هذا تقرير الدليل.

وقول المصنف: "التكليف بالمشروط دون الشرط محال" فيه نظرٌ؛ لأنا نفرق بين التكليف بالمحال، والتكليف المحال.

فالأول: هو تكليف العاقل الذي يَفْهم الخطاب بما لا يُطيقه، وهو محل الخلاف في تكليف ما لا يطاق؛ لأن المخاطَب به يعلم أنه مكلَّف

= فالمطلوب المشروط من حيث هو لا بقيد الشرط، لا بقيد عدم الشرط، فالمشروط مطلوب لا بشرط شيء.

(1)

في (غ): "محال". وهو خطأ.

(2)

في (ص)، و (ت):"وإن أثبت".

(3)

ولذلك اقتصر المصنف في دليله على الشرط، ولم يذكر السبب؛ لأنه يَثْب بدليل الشرط، كما سبق بيانه عن الإسنوي.

ص: 307

بذلك.

والثاني: مثل تكليف الميت والجماد ومَنْ لا يعقل

(1)

من الأحياء، فهذا تكليفُ محالٍ، واتفق أهل الحق قاطبة على أنه لا يصح، نقلَ هذا الاتفاق القاضي أبو بكر رحمه الله؛ فكان الأحسن للمصنف أن يقول: تكليفٌ بمحالٍ كما قررناه، وعذره في ذلك أنه فرَّع على منع

(2)

تكليف ما لا يطاق، فإنَّ الأصحاب وإنْ أقروا بتكليف ما لا يطاق في موضعه - لا يُفَرِّعون عليه، ويُحيلون

(3)

ما لَزِم عنه؛ لكونه غير واقع في الشريعة، فحينئذ التكليف به محال عند المانعين منه، فيصح كلامه

(4)

.

قوله: " (قيل: يختص بوقت وجود الشرط)

(5)

" اعترض الخصم على الدليل المذكور بأنه: لِمَ لا يجوز أن يختص التكليف بالمشروط بحال وجود الشرط، ولا امتناع في ذلك؛ فإن غايته أن يقيَّد الأمر ببعض

(1)

في (ك)، و (غ):"عقل".

(2)

سقطت من (ص)، و (ت).

(3)

في (ك) بياض مكان "ويحيلون".

(4)

المعنى في قوله: وعذره. . . إلخ، أنَّ المصنف رحمه الله تعالى فرَّع وبنى دليله على كون التكليف بما لا يطاق محال عند المانعين منه، فهو وإن كان من حيث حقيقته تكليف بمحال، لكنه لما كان ممنوعًا منه عند مَنْ يقول به - كان محالًا، والأصحاب (وهم الشافعية) وإن كانوا يقولون بتكليف ما لا يطاق، لكنهم يجوزنه فقط ويمنعون وقوعه في الشريعة، فلا يلزم على القول بجوازه لوازم. فالشارح يتأول قول الماتن:"محال" حتى يكون صحيحًا، بأنه: محالٌّ جوازه عند المانعين منه.

(5)

في (ك)، و (غ):"قيل: يختص".

ص: 308

الأحوال لمقتضٍ قام وهو الفرار من تكليف المحال.

وأجاب المصنف: بأن اللفظ مطلق لا اختصاص له بوقت وجود الشرط فحينئذ يكون تقييده بوقت وجود الشرط خلاف الظاهر

(1)

.

واعترض الخصم أيضًا بأنَّ إيجابكم المقَدِّمة أيضًا خلاف الظاهر؛ لأنَّ ظاهر الأمر لا يدل عليه، فإذا جاز مخالفة الظاهر من هذا الوجه فلم لا يجوز من الوجه الذي ذكرناه! .

وأجاب المصنف: بأن مخالفة الظاهر عبارة عن إثبات ما ينفيه اللفظ، أو نفي ما يثبته اللفظ ظاهرًا، وأما إثبات ما لم يتعرض اللفظ له بنفي ولا إثبات فليس مخالفة للظاهر، وحينئذ لا يكون إيجاب المقدمة مخالفةً للظاهر؛ إذ لم يدل اللفظ عليه بنفي ولا إثبات، بخلاف تخصيص الأمر بوقت وجود الشرط، فإن اللفظ يقتضي الوجوب مطلقًا، فتقييده بوقت وجود الشرط دون ما سواه مخالفة للظاهر.

فإن قلت: كيف يكون حَمْلُ المطلق - الصادق بصورة - على أحد صُوَرِه خلافَ الظاهر، وليس فيه إثبات ما ينفيه اللفظ، ولا نفيُ ما يثبته

(2)

.

(1)

قال المطيعي رحمه الله تعالى: "أقول: وهو خلاف الإجماع أيضًا، لإجماع العلماء على التكليف بالصلاة في حال الحدث، وأنه لا يختص التكليف بها بحال الطهارة". سلم الوصول شرح نهاية السول 1/ 210.

(2)

إلى هنا محذوف من (ت)، مذكور في (ص)، و (ك)، و (غ)، كما سبق الإشارة إليه في ص. . .

ص: 309

قلت: لما اقتضى الإطلاق التمكنَ من كل صوَرِه - صار تقييده بصورة منافرًا لكونه مطلقًا

(1)

(2)

.

قال: (تنبيه: مقدمةُ الواجب إما أن يتوقف عليها وجودُه شرعًا كالوضوء للصلاة، أو عقلًا كالمشي للحج. أو العلمُ به

(3)

، كالإتيان بالخمس إذا ترك واحدة ونسي، وسَتْرِ شيءٍ من الركبة لستر الفخذ).

عبَّر الإمام عن هذا "بالفرع"، ووَجهُه: أنه مندرج

(4)

تحت أصل كلي. ووجه التعبير عنه "بالتنبيه" أن الكلام السابق نَبَّه عليه على سبيل الإجمال

(5)

.

وحاصله أن مقدمة الواجب تنقسم إلى أمرين:

(1)

المعنى: أن في الحمل على صورة واحدةٍ نفيَ ما يثبته اللفظ؛ لأن اللفظ يُثبت الإطلاق التمكنَ من كل صورة، والحمل على صورة واحدة ينفي ذلك الإطلاق الذي يثبته اللفظ.

(2)

انظر: المحصول 1/ ق 2/ 318، التحصيل 1/ 308، الحاصل 1/ 456، الإحكام 1/ 158 بيان المختصر 1/ 370، نهاية السول 1/ 205، السراج الوهاج 1/ 163، شرح مختصر الروضة 2/ 353، تيسير التحرير 2/ 216، فواتح الرحموت 1/ 95.

(3)

سقطت من (ت).

(4)

في (ت): "مدرج".

(5)

في التعريفات للجرجاني ص 95: "التنبيه في اللغة: هو الدلالة عما غفل عنه المخاطب. وفي الاصطلاح: ما يُفهم مِنْ مجمل بأدنى تأملٍ إعلامًا بما في ضمير المتكلم للمخاطَب. وقيل: التنبيه: قاعدة تُعرف بها الأبحاث الآتيةُ مُجملة".

ص: 310

أحدهما: أن يتوقف عليه وجود الواجب، وهو نوعان:

أحدهما: أن يتوقف عليه شرعًا: كالوضوء مع الصلاة.

والثاني: أن يتوقف عليه عقلًا: كالسير إلى الحج. وعبارة المصنف: "المشي" وقد يُنَاقش فيها، والأمر سهل

(1)

.

القسم الثاني: أن يتوقف عليها العِلم بوجود الواجب لا نفس وجود الواجب، فذلك إما لالتباس الواجب بغيره، كالإتيان بالصلوات الخمس إذا تَرَكَ واحدةً ونَسِي عينَها، فإن العلم بأنه أتى بالصلاة المنسية لا يحصل إلا بالإتيان بالخمس، وإما أن يكون لتقارب ما بين الواجب وغيره بحيث لا يظهر حدٌّ مُفَرِّق

(2)

بينهما، وذلك كستَر شيءٍ من الركبة لستر الفخذ؛ فإنَّ الفخذ والركبة متقاربان، فالعلم بستر جميع الفخذ الذي هو واجب إنما يحصل بستر شيء من الركبة للتقارب المذكور. هذا ما ذكره، وهو مبني على أن الفخذ نفسه عورة، وذلك في المرأة بلا خلاف، وفي الرجل على الصحيح، وعلى أن الركبة نفسها ليست بعورة، وهو الصحيح أيضًا

(3)

.

فإن قلت: القول بإيجاب الخمس على مَن نسي إحداها

(4)

وجهِل

(1)

لأن عبارة السير أعم من المشي، فالمقصود السير إلى البيت بأي وسيلة، لا خصوص المشي. والأمر سهل كما ذَكَر.

(2)

في (غ)، و (ك):"يفرق".

(3)

انظر: المجموع 3/ 168، بداية المجتهد 1/ 114.

(4)

في (ص)، و (ت):"أحدها".

ص: 311

عينَها عند من يُوجب المقدمة واضح

(1)

، وأما مَنْ لا يوجبها فماذا يفعل؟ وما فائدة الخلاف؟ .

قلت: قد لا ينظر الفقيه إلى الخلاف الأصولي في كثير من الفروع، ولا يجعل لها به تعلقًا البتة. وقد يقال بظهور فائدة الخلاف في أنه هل يصلي الخمس بتيمم واحد أو بخمس تيممات

(2)

، لكن الصحيح إيجاب تيمم واحد

(3)

. وقضيةُ القول بوجوب المقدِّمة إيجابُ خمس تيممات.

فإن قلتَ: ما وجه القصور في الإيجاب على تيمم واحد، والخمسُ فرائضٌ ولا يُصَلَّى بتيمم واحد أكثر من فريضة واحدة

(4)

.

قلت: الأربعة من حيث إنها لم تُرَد لنفسها منحطةٌ عن مراتب

(1)

يعني: الواجب هو الصلاة المتروكة، لكنها لما لم تكن معروفة - أصبح الإتيان بها مرتبًا على الإتيان بالجميع، فأصبح الإتيان بالجميع مقدِّمة لتلك الصلاة المتروكة.

(2)

أي: قد تظهر فائدة الخلاف في هذه المسألة فيما إذا فَقَد الماء هذا الذي ترك الفرض ونسيه، فمن قال بوجوب جميع الصلوات عليه بناء على القاعدة الأصولية إيجاب المقدمة - فإنه يُلزمه أن يتيمم لكل صلاة؛ لأن الشافعية لا يُجيزون فرضين بتيمم واحد، ومَنْ قال بأنَّ الواجب هي الصلاة المتروكة فقط - فإن المصلى لجميع الصلوات الخمس يصليها بتيمم واحد؛ لأن الواجب عليه فرضٌ واحد، والباقي ليس بفرض، فلا يلزمه إلا تيمم واحد، وهو يصلي الجميع - عندهم - لعدم علمه فرضه، لكن الواجب واحد لا غير.

(3)

انظر: المجموع 2/ 296.

(4)

سقطت من (ت)، و (غ)، و (ك).

ص: 312

الفرائض؛ ولذلك قيل

(1)

: صلاة ركعتين تطوعًا أفضل من إحدى الصلوات الأربع التي هي

(2)

غير واجبة في نفس الأمر، وعُدَّ ذلك موضعًا يَفْضُلُ الندبُ فيه الواجبَ، ونحن لنا في هذا نظر ليس هذا موضعه

(3)

.

قال

(4)

: (فروع: الأول لو اشْتَبَهَت المنكوحةُ بالأجنبية حَرُمَتا على معنى أنه يجب الكف عنهما).

لو اشتبهت عليه منكوحته

(5)

بالأجنبية حرمتا؛ لوجوب الكف عنهما: أما الأجنبية فواضح، وأما المنكوحة فلاشتباهها بالأجنبية. فالكف عنهما هو طريق حصول العلم بالكف عن الأجنبية. وإنما قال

(6)

: "على معنى أنه يجب الكف عنهما"؛ لأن الحرام عليه في نفس الأمر هي الأجنبية فقط، فمعنى تحريمِها

(7)

عليه: وجوبُ الكف عنهما، فَنَبَّه عليه.

واعلم أن هذا الفرع

(8)

في الحرمة لما لا يتم الواجب إلا به - شبيهٌ في

(1)

القائل هو العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى. انظر: الأشباه والنظائر للشارح رحمه الله تعالى 1/ 187.

(2)

سقطت من (ك).

(3)

انظر: المحصول 1/ ق 2/ 322، التحصيل 1/ 309، الحاصل 1/ 458، نهاية السول 1/ 211، السراج الوهاج 1/ 167، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 104، شرح تنقيح الفصول ص 161.

(4)

سقطت من (ت).

(5)

في (غ): "المنكوحة".

(6)

أي: المصنف في المتن.

(7)

في (ك)، و (غ):"تحريمها". وهو خطأ.

(8)

في (ص): "النوع".

ص: 313

الوجوب للإتيان بالصلوات

(1)

الخمس إذا ترك واحدةً ونَسِي عينها.

قال: (الثاني: إذا قال: إحداكما طالق - حرمتا؛ تغليبًا للحرمة، والله تعالى يعلم

(2)

أنه سيعيِّن إحداهما، لكن ما لم

(3)

يُعيِّن لم تتعين).

إذا قال: إحداكما طالق ولم يَنْو إحداهما على التعيين - حرمت الزوجتان عليه إلى حين التعيين؛ لأن كل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المطلقة فتحرم، أو غير المطلقة فلا تحرم، وإذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّبَ الحرام. والفرق بين هذا والذي قبله: أنَّ إحدى المرأتين في الصورة الأولى ليست محرمةً بطريق الأصالة، بل للاشتباه، بخلاف الفرع الثاني، فإنهما في ذلك سواء. وأيضًا فالزوج غير (قادر على)

(4)

إزالة التحريم في الأول دون الثاني.

وهذا الذي جزم به المصنف حكاه الإمام مذهبًا لبعضهم، وقال: "يَحْتمل أن يُقال (بحلِّ وطئهما)

(5)

؛ لأن الطلاق شيء معيَّن فلا يحصل إلا في محلٍّ معين، فقَبْل التعيين لا يكون الطلاق نازلًا في واحدة منهن، ويكون الموجود قبل التعيين ليس هو الطلاق، بل أمرٌ له

(1)

سقطت من (ص).

(2)

في (ت): "أعلم".

(3)

في نهاية السول 1/ 212، والسراج الوهاج 1/ 170:"لكن لما لم".

(4)

سقطت من (ك).

(5)

في (ص): "يحل وطئهما". وفي (ت): "يحل وطئها". وهو خطأ. وما أثبتُّ من "المحصول".

ص: 314

صلاحية التأثير في الطلاق عند اتصال البيان به، لا أنه طلاق، وإذا لم يُوجد الطلاق قبل التعيين وكان الحلُّ موجودًا - وجب

(1)

القول ببقائه فَيَحلُّ وطؤهما معًا"

(2)

. هذا كلامه.

ونقل ابن الرِّفعة عن كتاب الوزير ابن هبيرة

(3)

الذي حكى فيه ما أجمع

(4)

عليه الأئمة الأربعة وما اختلفوا فيه: أن ابن أبي هريرة

(5)

من أصحابنا قال: إذا طلَّق واحدة من نسائه لا بعينها، أو

(1)

سقطت من (ت).

(2)

انظر: المحصول 1/ ق 2/ 328.

(3)

هو: الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هُبيرة بن سعيد الشيبانيُّ الدُّوريُّ العراقيُّ الحنبليُّ، صاحب التصانيف. ولد بقرية بني أوقر من الدور أحد أعمال العراق في سنة 499 هـ. كان ديِّنًا خيِّرًا، معبِّدًا، عاقلًا وقورًا متواضعًا، بارًا بالعلماء، مكبًّا مع أعباء الوزارة على العلم وتدوينه، كبير الشأن، حَسَنَةُ الزمان، من مصنفاته:"الإفصاح عن معاني الصِّحاح" فيه عدة مجلدات، وهو شرح صحيحي البخاريّ ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" شرح الحديث وتكلم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب وجعلوه بمفرده مجلّدة، وسموه بكتاب "الإفصاح" وهو قطعة منه. وله كتاب "العبادات" على مذهب أحمد، وأرجوزة في المقصور والممدود، وغيرها. مات شهيدًا مسمومًا سنة 560 هـ. انظر سير 20/ 426، الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 251، شذرات 4/ 191.

(4)

في (ص): "اجتمع".

(5)

هو: أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة البغداديُّ القاضي الشافعيُّ، أحد =

ص: 315

بعينها، ثم أُنسيها - طلاقًا رجعيًا: أنه لا يُحال بينه وبين وطئهن، وله وطءُ أيَّتِهن شاء، وإذا وطِئ واحدةً انصرف الطلاق إلى صاحبتها

(1)

.

وهذا ما يعضد ما حاوله الإمام، وهو ضعيف؛ لأنا نقول: محل الطلاق القَدْر المُشْترك بينهما: وهو إحداهما لا بعينها، وهو متعيِّن بالنوع وإن لم يكن

(2)

متعيَّنا بالشخص، واستدعاء الطلاق من حيث كونُه وصفًا معيّنًا

(3)

- مَحَلًا مُعَيَّنًا

(4)

(5)

يكفي فيه التعيين بالنوع.

سلَّمنا أنه (يستدعي معيَّنًا)

(6)

بالشخص، ولكن نقول: هو عند الله متعيَّن بالشخص، ونحن في الخارج لا نَعْلمه حتى يُعيَّنه العبد، فالطلاق نازل

(7)

لوجوده مِنْ قادر على التصرف في محل قابل فينفذ، ولا نفوذ له إلا بوقوعه في الخارج مُنَجَّزًا؛ لأنه كذلك أوقعه

(8)

، فلو لم يقع كما

= عظماء الأصحاب ورُفَعائهم. صنَّف شرحًا لمختصر المزنيّ. توفي رحمه الله سنة 345 هـ. انظر: سير 15/ 430، وفيات 2/ 75، الطبقات الكبرى 3/ 256.

(1)

انظر: الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة 2/ 156، وعزى ابن هبيرة أيضًا هذا المذهب لأبي حنيفة رضي الله عنه.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

في (ص): "متعينًا".

(4)

سقطت من (غ).

(5)

لفظ: "محلًا" مفعول به لاستدعاء. و"معيّنًا": صفة لمحل.

(6)

في (ص): "يقتضي تَعَيُّنًا"

(7)

سقطت من (ك).

(8)

لأن المطلِّق قال: إحدى المرأتين طالق. فهذا طلاق منجَّز غير معلَّق، لكنه لم يعيِّن إحدى المرأتين.

ص: 316

أوقعه لما نَفَذ التصرف

(1)

، ولكنا لا نحكم ببطلان الزوجية إلا مِنْ حين عِلْمنا بذلك الشخص الذي كان مُبهمًا علينا، ولا ينعطف على ما مضى لجهلنا في الماضي بالحال.

قوله: "والله تعالى (يعلم أنه سيعيِّن)

(2)

" جوابٌ عن سؤال مقدر، ويمكن أن يُقَرَّر على وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى يعلم المرأة التي سيعيِّنها الزوج بعينها، فتكون هي المطلَّقة في علم الله تعالى، وإنما هو مُشْتَبِه علينا.

وهذا سؤال أورده الإمام على نفسه في قوله بالإباحة، فإن الاشتباه يقتضي التحريم، وهو خلاف ما مال إليه.

وجوابه: أن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يَعْلم غيرَ المعيَّن معيَّنًا؛ لأن ذلك جهل، وهو محال في حق الله تعالى، بل عِلْمه في الحال بأنه سيعيِّن في المستقبل

(3)

.

وهذا التقرير ماش على ما في "المحصول"، إلا أنه يلزم منه أن يكون المصنف أورد سؤالًا على دعوى لم يدّعها، ولم يّذكرها البتة، وهي القول بالإباحة

(4)

.

(1)

المعنى: لولا أن الطلاق وقع منجزًا - كما أوقعه الزوج - لما نفذ تصرف الزوج بعد ذلك في تعيين الطلاق؛ لأن مجرد التعيين أو الجماع لا يوقع الطلاق بذاته. لكن الطلاق وقع قبل ذلك منجزًا، ثم تعيَّن بتعيين الزوج أو بجماعة.

(2)

لم ترد في (ت)، و (ك)، وفي (غ):"والله يعلم".

(3)

انظر هذا السؤال والجواب في المحصول 1/ ق 2/ 329.

(4)

المعنى - والله تعالى أعلم -: أن هذا السؤال أورده الإمام على نفسه، بناء على =

ص: 317

والثاني: أن يُقال: لا فارق بين هذا الفرع والفرع الذي قبله إلا أن إحدى المرأتين في ذلك وهي الأجنبية محرمة في نفس الأمر، وكل واحدة منهما هنا على حدِّ سواء، ونحن لا نسلِّم أن كل واحدة منهما مُحتَملة للحل والحرمة حتى يحصل ما ذكرت، بل الله تعالى يعلم المحرمة فهي معيَّنة في علمه تعالى، فلا فرق

(1)

؛ لتعين المحرَّمة في نفس الأمر.

(وجوابه: أن المتعيِّن في نفس الأمر)

(2)

كونها يقع عليها الطلاق، لا كونها مطلقة الآن لما عرفته

(3)

. وهذا التقرير لا مُعْتَرَض فيه على

= قوله بإباحة المرأتين قبل التعيين؛ لعلة عدم التعيين؛ لأن الطلاق لا يقع عنده إلا معيّنًا كما سبق ذكره.

فيُعترض عليه بهذا السؤال: وهو أنّ عدم التعيين بالنسبة لنا للاشتباه، وأما بالنسبة لله تعالى فالمطلقة معيّنة؛ لأنه يعلم ما سيعيِّنه الزوج، فوقع الطلاق معينًا في علم الله تعالى، فلا يصح القول بإباحة المرأتين بمقتضى مذهبه. فأجاب الإمام: بأن الله تعالى لا يعلم غير المعيِّن معيَّنًا؛ وإلا لكان علمه جهلًا، وهو محال، وإنما يعلم بأن غير المعين سيتعين في المستقبل، فأصبح الطلاق في الحال - قبل تعيين الزوج - غير معيَّن في علم الله تعالى، فلزم من ذلك القول بالإباحة، على ما زعمه وادعاه الإمام. وهذا السؤال لا يصح أن يُورده المصنف على نفسه؛ لأنه لا يقول بالإباحة قبل التعيين، بل يقول بالتحريم، فلا علاقة لكلامه بهذا السؤال.

(1)

أي: فلا فرق بين مسألة اشتباه المنكوحة بالأجنبية، ومسألة طلاق إحدى الزوجتين؛ لأن المحرمة في مسألة الطلاق إحدى الزوجتين معينة في علم الله تعالى، كما أن الأجنبية معينة في علم الله تعالى.

(2)

سقطت من (ت).

(3)

في (ت)، و (ك)، و (غ):"عرفت".

ص: 318

المصنف، إلا أنه مع التعسف مخالف لما في "المحصول"

(1)

.

قال: (الثالث: الزائد على ما ينطلق عليه الاسم في المسح غيرُ واجب وإلا لم يجز تركه).

وجه تفريع هذا على مقدمة الواجب: أنه لما كان الواجب لا ينفك غالبًا عن حصول زيادة فيه - كانت هذه الزيادة مُقدَّمة للعلم بحصول الواجب.

وقد أورد على المصنف: أنه إذا كان هذا الزائد عنده مقدمةً للواجب

(2)

فيلزم أن يَحْكم عليه بالوجوب، كستر شيء من الركبة.

وأجيب عنه: بأنَّ مراده بالمقدّمة هناك غيرُ القِسم الذي يكون التوقف

(3)

فيه من حيث العادة.

وإذا عرفتَ هذا فنقول: الواجب إما أن يَتَقَدَّر بقَدر، كغَسْل الرجلين واليدين، ولا كلام فيه. أوْ لا، كمسح الرأس، وكإخراج البعير عن

(1)

معنى الجواب: بأن المتعيّن في نفس الأمر كون المرأة يقع عليها الطلاق، أي: تصلح لأن يقع عليها الطلاق، لا أنها مطلقة الآن قبل التعيين، لما سبق بيانه بأنّ علم الله تعالى بغير المعيَّن لا بكون حال عدم تعيينه معيّنًا، بل يَعْلمه غيرَ معيَّن حالًا، ويعلم أنه سيعين مستقبلًا، فافترقت المسألتان. وهذا التقرير للسؤال والجواب مع كونه لا مُعترض فيه على المصنف، إلا أنه مع التعسف والتكلف لتصحيحه على وفق كلام المصنف مخالفٌ لما عليه:"المحصول" من تقرير السؤال والجواب عنه.

(2)

في (ص): "الواجب".

(3)

في (ص): "التوقيف". وهو خطأ.

ص: 319

الشاة الواجبة في الزكاة، وكذبح المتمتع بَدَنَة بدل الشاة، وحَلْقه جميعَ الرأس، وتطويل أركان الصلاة زيادة على ما يجوز الاقتصار عليه، والبَدَنة المضَحَّى بها بدلًا عن الشاة المنذورة - فنقول

(1)

: اختلفوا في القدر الزائد على الذي يُعاقب على تركه، وهو في أمثلتنا (ما تعدى)

(2)

أقلَّ ما ينطلق عليه الاسم من

(3)

المسح، وقدر قيمة الشاة من

(4)

البعير (والبَدَنة)

(5)

، وفوق الشعرات الثلاث

(6)

في الحلق، وفوق قدر الواجب

(7)

في الطمأنينة، هل يُوصف بالوجوب؟ .

فذهب الإمام وأتباعه ومنهم المصنف إلى أنه لا يُوصف بذلك؛ لأن الواجب لا يجوز تركه، وهذه الزيادة جائزة الترك.

وقال آخرون: يُوصف بالوجوب؛ لأنه إذا زاد على القدر الذي يسقط به الفرض لا يتميَّز جزءٌ عن جزءٍ لسقوط الفرض به؛ لصلاحية كلِّ جزء لذلك، فتخصيص بعض الأجزاء بوصف

(8)

الوجوب ترجيحٌ مِنْ غير مرجح.

(1)

قوله: "فنقول"، متعلق بقوله:"أوْ لا"، والتقدير: أوْ لا يتقدر بقدر فنقول.

(2)

في (ص): "ما يعد". وهو خطأ.

(3)

في (ت)، و (غ)، و (ك):"في".

(4)

في (ت)، و (غ):"في".

(5)

سقطت من (ت)، و (غ).

(6)

سقطت من (ت)، و (غ).

(7)

في (ص)، و (ك)، و (غ):"الوجوب".

(8)

في (ص): "الواجب".

ص: 320

فإن قلت: ما محل الخلاف في مسح الرأس، هل هو ما إذا وقع الجميع دَفْعة واحدة، حتى إذا وقع مرتبًا يكون الزائد نفلًا جزمًا، أم هو جارٍ في الصورتين؟ .

قلتُ: للأصحاب في ذلك وجهان

(1)

:

فإن قلتَ: ما فائدة الخلاف في هذه الصور؟ .

قلتُ: في مواضع:

منها: في الثواب، فإنَّ ثواب الفريضة أكثرُ من ثواب النافلة بسبعين درجة، (كما حكى النووي)

(2)

عن إمام الحرمين

(3)

.

(1)

قال النووي في المجموع 1/ 403: "إذا مَسَح جميع الرأس فوجهان مشهوران لأصحابنا في كتب الفقه وأصول الفقه، أصحهما: أنَّ الفرض منه ما يقع عليه الاسم، والباقي سنة".

والوجه الثاني: أن الجميع يقع فرضًا، فعلى هذا يكون حكمه حكم خصال كفارة اليمين، فأيّ خصلة فعلها حُكِم بأنها الواجب. ثم قال جماعة من أصحابنا: الوجهان فيمن مسح دَفْعة واحدة، أما من مسح متعاقبًا - كما هو الغالب - فما سوى الأول سنة قطعًا، والأكثرون أطلقوا الوجهين ولم يفرقوا".

(2)

في (ت): "كما حكاه النواوي". وفي (غ): "كما حكاه النووي". وفي (ك): "كما حكاه الإمام النووي".

(3)

يعني: مَنْ يقول بوجوب الجميع يكون الثواب عنده أكثر من الثواب عند مَنْ يقول بأن الزائد يقع نَفلًا؛ لأن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، كما حكاه الإمام النووي عن إمام الحرمين رحمهما الله تعالى. انظر: الأشباه والنظائر للشارح 1/ 185. =

ص: 321

ومنها: إذا عجّل البعير عن شاة واقتضى الحالُ الرجوعَ، فهل يرجع بجميعه أم بسُبْعه؟ وفيه وجهان في "شرح المهذب"

(1)

.

ومنها: لو أخرج بعيرًا عن عَشْر من الإبل أو خمسة عشر أو عشرين

(2)

،

= قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تلخيص الحبير 3/ 118: "نقل النوويُّ في "زيادات الروضة" عن إمام الحرمين عن بعض العلماء: أن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة، قال النووي: واستأنسوا فيه بحديث. انتهى. والحديث المذكور ذكره الإمام في "نهايته" وهو حديث سلمان مرفوعًا: في شهر رمضان مَنْ تقرب فيه بخصلة مِنْ خصال الخير كان كمَنْ أدَّى فريضة فيما سواه، ومَنْ أدَّى فريضة فيه كان كمن أدَّى سبعين فريضة في غيره. انتهى. وهو حديث ضعيف أخرجه ابن خزيمة وعلّق القول بصحته. واعتُرض على استدلال الإمام به، والظاهر أن ذلك من خصائص رمضان؛ ولهذا قال النووي: استأنسوا. والله أعلم".

(1)

يعني: لو عَجَّل البعير عن شاة زكاة واجبة في أربعين شاة مثلًا، واقتضى الحال الرجوع في البعير؛ لهلاك النصاب، أو لاستغناء الفقير، فهل يسترجع البعيرَ كلَّه أم بعضه؟ إن قلنا: بأن البعير كلَّه وقع فرضًا استرجع البعير كلَّه، وإن قلنا: بأنَّ بعضه وقع فرضًا وهو سُبْعه، فإنه لا يسترجع إلا السبع فقط وهو الواجب، أما الباقي الذي وقع تطوعًا فلا رجوع فيه؛ لأن التطوع لا رجوع فيه. انظر المجموع 1/ 403، 5/ 397.

(2)

قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع 5/ 398: "نصاب الإبل خمسٌ بإجماع الأمة، نقل الإجماع فيه خلائق، فلا يجب فيما دون خمس شيءٌ بالإجماع، وأجمعوا أيضًا على أن الواجب في أربع وعشرين فما دونها الغنم، كما ثبت في الحديث، فيجب في خمس من الإبل شاة، ثم لا يزيد الواجب لزيادة الإبل حتى تبلغ عشرًا، وفي عشر شاتان، ثم لا زيادة حتى تبلغ خمس عشرة، ففيها ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض".

ص: 322

هل يُجزيه

(1)

؟ فيه

(2)

وجهان مبنيان على هذا الخلاف:

إن قلنا بوقوعه كلّه فرضًا فيما إذا أخرجه عن الخَمْس، فلا يكفي بعير واحد، بل لا بد في العشرة من بعيرين، أو بعير وشاة، وهكذا.

وإن قلنا: الفرض قَدْر خُمْسِه فيجزئ، ويكون متبرعًا في العشرة

(3)

بثلاثة أخماس

(4)

، على أنَّ إمام الحرمين وغيره أنكروا هذا البناء، وليس

(1)

انظر: المجموع 5/ 395.

(2)

في (غ)، (ك):"وفيه".

(3)

في (ت): "العشر".

(4)

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "وإذا أخرج البعير عن خمس من الإبل، فهل يقع كله فرضًا، أم خُمْسُه فقط؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب:

أصحهما: باتفاق الأصحاب: الجميع يقع فرضًا؛ لأنه مخيَّر بين البعير والشاة، فأيهما أخرج وقع واجبًا، كمَنْ لبس الخف يتخير بين المسح والغسل، وأيُّهما فعل وقع واجبًا.

قال أصحابنا: ولأنه لو كان الواجب الخُمْس فقط لجاز إخراجُ خُمْسِ بعيرٍ، وقد اتفق الأصحاب على أنه لا يُجزئ.

والثاني: أن خُمْس البعير يقع فرضًا، وباقيه تطوعًا؛ لأن البعير يُجزئ عن خمس وعشرين، فَدَّل على أن كل خُمْسٍ منه على خَمْسةِ أبعرة.

قال أصحابنا: وهذان الوجهان كالوجهين في المتمتع إذا وجب عليه شاةٌ فنحر بدنه، أو نذر شاةً فنحر بدنة، وفيمن مسح كل رأسه، أو طوَّل الركوع والسجود زيادة على المجزئ، فهل يقع الجميع فرضًا أم سُبْع البدنة، وأقلُّ جزء من الرأس والركوع والسجود؟ فيه وجهان:

قال أصحابنا: لكن الأصح في البدنة والمسح أن الفرض هو البعض، وفي البعير في =

ص: 323

هذا محلَّ القول فيه.

واعلم أنه يُضاهِي قاعدةَ: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب - صورٌ في الفقه:

منها: مُؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبضُ على البائع، كمؤنة إحضار المبيع الغائب

(1)

ومؤنة وزن الثمن على

= الزكاة كلِّه، والفرق أن الاقتصار على سُبْع بدنه وبعض الرأس يجزئ، ولا يجزئ هنا خُمْس بعير بالاتفاق؛ ولهذا قال إمام الحرمين: من يقول: البعض هو الفرض - يقول: هو بشرط التبرع بالباقي.

قال صاحب التهذيب وغيرُه: الوجهان (أي: وقوع الإبل كلِّها فرضًا أو بعضِها) مبنيان على أن الشاة الواجبة في الإبل أصلٌ بنفسها، أم بدل عن الإبل، فيه وجهان:

فإن قلنا: أصلٌ، فالبعير كلُّه فرض كالشاة، وإلا (أي: وإن لم تكن الشاة أصلًا) فالخُمُس.

وتظهر فائدة الخلاف فيما لو عَجَّل بعيرًا عن خَمْسٍ من الإبل، ثم ثبت له الرجوعُ لهلاك النصاب، أو لاستغناء الفقير، أو غير ذلك من أسباب الرجوع.

فإن قلنا: الجميع - رجع في جميعه، وإلا ففي الخُمُس فقط؛ لأن التطوع لا رجوع فيه". المجموع: 5/ 396 - 397، وانظر أيضًا: المجموعه: 1/ 403.

(1)

أي: أن البائع عليه الإقباض، أي: تسليم المبيع للمشتري، فإذا كان المبيع مثلًا حبوبًا كثيرة تحتاج إلى كَيْل كيّال - فمؤنة الكيل وأجرته على البائع؛ لأنه يلزمه الإقباض، والقبض لا يتحقق إلا بكيل كيال، فأجرة الكيال على البائع من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومثل هذا إحضار المبيع الغائب فهو على البائع؛ لأنه يلزمه الإقباض، ولا يتم القبض إلا بإحضار الغائب.

ص: 324

المشتري

(1)

، وفي أجرة نقد الثمن وجهان

(2)

(3)

.

ومنها: إذا خَفِي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن - غسله كلَّه

(4)

.

ومنها: إذا اكترى دابةً للركوب فأطلق الاكتراء أن على المُكْري الإكاف

(5)

والبَرْدعةَ

(6)

(7)

والحزامَ وما ناسب ذلك؛ لأنه لا يتمكن من الركوب دونها.

(1)

أي: أن المشتري واجب عليه تسليم الثمن، وهذا لا يتحقق إلا بوزن الثمن (كالذهب والفضة مثلًا)، فمؤنة الوزن وأجرته على المشتري.

(2)

أي: أجرة مَنْ يميَّز الثمن هل هو جيد أم زائف؟ فهذا فيه وجهان: البعض يرى الأجرة على البائع، وآخرون على المشتري.

في اللسان 3/ 425: "والنَّقْد والتَّنْقاد: تمييز الدراهم وإخراجُ الزَّيف منها. . . ونَقَدْتُ الدراهم وانتقَدتُها: إذا أخرجت منها الزَّيف". وفي المصباح 2/ 291: "ونقدتُ الدراهم نقدًا، من باب قتل، والفاعل ناقد، والجمع نُقَّاد، مثل: كافر وكفار، وانتقدت: كذلك، إذا نظرتَهَا لتعرف جَيَّدها وزيفَها". مادة (نقد).

(3)

انظر: المجموع 9/ 279.

(4)

انظر: المجموع 3/ 143.

(5)

الإكاف والأكاف من المراكب: شِبْه الرِّحال والأقتاب. لسان العرب 9/ 8، مادة (أكف).

(6)

في (ص): "البرذعة".

(7)

البَردعة: الحِلْس الذي يُلقى تحت الرَّحْل. قال شِمْر: هي بالذال والدال. والجمع الراذع، وخَصَّ بعضهم به الحمار. لسان العرب 8/ 8، مادة (بردع، برذع).

ص: 325

وهي صور عديدة مِنْ أراد الإحاطة بها فعليه بكتابنا "الأشباه والنظائر" أتمه الله تعالى

(1)

.

وقد كنا في أول المسألة وَعَدنا بالالتفات إلى قاعدة: "الميسور لا يسقط بالمعسور" والصور تحتها كثيرة، ونحن نُحيل طالبها بعد ذكر القليل منها على كتابنا المذكور:

فمنها: لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلةٍ بظهره تمنعه الانحناء - لزمه القيام، خلافًا لأبي حنيفة

(2)

.

ومنها: لو لم يقدر على الانتصاب بأن

(3)

تقوس ظهرُه لكِبَر أو زَمانة فصار

(4)

في حد الراكعين - فقد قال الغزالي تَبَعًا لإمامه: إنه يقعد

(5)

. وقال غيرهما: لا يجوز له القعود، فإن الوقوف راكعًا أقرب إلى القيام من القعود، فلا ينزل عن الدرجة القُرْبى إلى البُعْدى

(6)

.

ومنها: لو وجد الجنبُ من الماء ما لا يكفيه لغُسْله، أو المُحْدِث ما لا يكفيه لوضوئه - فأصح القولين أنه يجب استعماله ثم يتيمم؛ لأن القدرة على البعض لا تسقط بالعجز عن الباقي

(7)

.

(1)

انظر المسائل السالفة في الأشباه والنظائر للشارح رحمه الله تعالى 2/ 88 - 89.

(2)

انظر: الهداية 1/ 83، باب صلاة المريض، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 159.

(3)

في (ت): "بل".

(4)

في (غ)، و (ك):"وصار".

(5)

انظر: الوسيط 2/ 602، تحقيق: علي محي الدين.

(6)

انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 160.

(7)

انظر: المجموع 2/ 268، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 159.

ص: 326

ومنها: لو اطلع على عيب المبيع ولم تتيسر

(1)

له المبادرة بالرد ولا الإشهاد - ففي وجوب التلفظ بالفسخ وجهان جاريان هنا، وفي الشُفْعة

(2)

(3)

.

ومنها: لو لم يَفْضُل معه في الفِطرْة عما لا يجب عليه إلا بعضُ صاع - لزمه إخراجُه على الأصح

(4)

.

ومنها: إذا اشترى الشِّقْص

(5)

بثمن مؤجل، فهل يأخذه الشفيع

(1)

في (ص): "يتيسر".

(2)

الشفعة بإسكان الفاء، وحُكي ضمها، وهى لغةً من الشَّفع ضد الوتر، فكأنَّ الشفيع يجعل نفسه شَفْعًا بضم نصيب شريكه إليه. وشرعًا: حَقُّ تملك قهرىّ يَثْبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما مَلَك بِعوض. انظر: نهاية المحتاج 5/ 192، الروض المربع بحاشية ابن قاسم 5/ 426، القاموس الفقهي ص 199، لسعدي أبو جيب، القاموس المحيط 3/ 45، المصباح المنير 1/ 340، التعريفات للجرجاني ص 112.

(3)

يعني: أن المشتري الذي اطلع على عيب في المبيع ولم تتيسر له المبادرة بالرد ولا الإشهاد على ذلك، فإذا أراد أن يرد المبيع بعد ذلك، هل نُوجب عليه حالَ الاطلاع على العيب التلفظَ بالفسخ أم لا؟ فيه وجهان. قال السيوطي:"لا يلزمه التلفظُ بالفسخ في الأصح". الأشباه والنظائر ص 160. وكذا في الشفعة إذا أراد أن يطلب شُفْعَةً ولم يتمكن من الوصول إلى المشتري والبائع ولا الإشهاد على ذلك، هل يجب عليه حالًا التلفظُ بالشفعة ليحتفظ بحق الشفعة في المستقبل، أم لا يجب عليه؟ .

(4)

انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 159.

(5)

في اللسان 7/ 48، مادة (شقص): "الشِّقْص والشَّقيص: الطائفة من الشيء، =

ص: 327

مؤجلًا كما اشتراه المشتري؟ وأصحّ الأقوال أن الشفيع بالخيار بين أن يعجِّل ويأخذ الشِّقْص في الحال، وبين الصبر إلى حيلولة الأجل

(1)

. وعلى هذا فهل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه

(2)

وجهان

(3)

.

= والقطعة من الأرض، تقول: أعطاه شِقْصا من ماله. . . والجمع أشْقاص وشِقَاص. قال الشافعي في باب الشُّفعة: فإن اشترى شِقْصًا من ذلك. أراد بالشقص نصيبًا معلومًا غير مَفْروز. . . قال شِمْر: قال خالد: النصيب والشِّرك والشِّقص واحد. قال شِمْر: والشقيص مثله: وهو في العين المشتركة من كل شيء. قال الأزهري: وإذا فُرز جاز أن يُسمَّى شِقصًا، ومنه تشقيص الجَزَرة: وهو تَعْضِيَتُها وتفصيل أعضائها، وتعديل سهامها بين الشركاء. والشاة التي تكون للذبح تسمى جَزَرة، وأما الإبل فالجَزُور" مع حذف يسير. وانظر: المصباح المنير 1/ 342، القاموس الفقهي ص 199.

(1)

صورة المسألة: إنه اشترى المشتري شِقْص رجل من بيت مثلًا بثمن مؤجل، فإذا أراد الشفيع (وهو مَنْ له حق الشفعة) أن يشتري هذا الشقص - فهل يصح) أن يشتريه مؤجلًا كالمشتري (يعني: أن يصبر الشفيع مدةَ انقضاء الأجل، فإذا حلَّ الأجل طالب بالشفعة واشترى الشقص)، أم يلزمه أن يشترى حالًا؟ أصح الأقوال أن الشفيع بالخيار بين أن يُعجِّل ويأخذ الشِّقص في الحال، وبين أن يَصْبر إلى حليولة الأجل.

انظر: روضة الطالبين 4/ 171، نهاية المحتاج 5/ 204، كفاية الأخيار 1/ 184.

(2)

سقطت من (ص).

(3)

يعني: هناك خلاف في وجوب التنبيه، وصحح النووي رحمه الله تعالى في الروضة 4/ 172 وجوب تنبيه المشتري. لكن قال الرملي في نهاية المحتاج 5/ 204: ولا يلزمه إعلام المشتري بالطلب حيث خيَّرناه على ما في الشرحين، وما وقع في "الروضة" من اللزوم نُسب لسبق القلم. اهـ. ومثله قال ابن حجر في التحفة 6/ 96.

ص: 328