الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البعثة؛ لتجويزه التكليف بالمحال).
هذا الفرع في
حكم الأشياء قبل ورود الشرع
، وقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا حكم فيها؛ لأن الحكم عندهم عبارةٌ عن الخطاب على ما تقدم تفسيره، فحيث لا خطاب (لا حكم)
(1)
.
وأما المعتزلة فقسموا الأفعال إلى اضطرارية واختيارية:
الأولى: الاضطرارية:
وهي التي تقع بغير اختيار المكلف، ولا قدرة له على تركها، كالتنفس في الهواء. قال الإمام:"وذلك مما لا بد من القطع بأنه غير ممنوع إلا إذا جَوَّزنا تكليف ما لا يطاق"
(2)
.
والثانية
(3)
: الاختيارية:
وهي الواقعة بإرادة المكلف مع قدرته على تركها. ومثَّل لها بأكل الفاكهة، وبهذا يُعْرف أن القدر الذي لا يعيش المكلف بدونه من الأكل والشرب وغيرهما من قسم الاضطراري، ومنهم مَنْ جعل ما يحصل به الاغتذاء من قسم الاختياري المتنازَع فيه، وتبعهم المصنف كما ستراه في كلامه إن شاء الله، ولعل مرادهم بالاغتذاء ما يقع فوق الضرورة.
(1)
سقطت من (ك).
(2)
المحصول 1/ ق 1/ 209.
(3)
في (ص): "الثانية".
إذا عرفت ذلك فقد قسموا الاختيارية: إلى ما يَقْضِي فيها العقل بحسن أو قبح، واتبعوا فيها حكم العقل وتقسيمَه إياها إلى الأحكام الخمسة، وإلى ما لا يقضي العقل فيها بواحدٍ منهما، وهذه صورة مسألة الكتاب
(1)
.
فقوله: "الاختيارية" احتراز عن الاضطرارية، وَفَاتَه أن يقول: التي لا يقضي العقل فيها بحسن ولا قبح.
فنقول: ذهبت
(2)
معتزلة البصرة
(3)
، وبعض الفقهاء من الشافعية
(4)
والحنفية
(5)
، إلى أنها على الإباحة قبل ورود الشرع
(6)
.
وذهب معتزلة بغداد
(7)
، وبعض الإمامية
(8)
، والشيخ أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية
(9)
، إلى أنها محرمة
(10)
.
(1)
أي: مسألة الكتاب التي فيها الخلاف: هي الأفعال الاختيارية التي لا يقضي العقل فيها بواحدٍ من الحسن أو القبح.
(2)
في (ت) و (غ)، و (ك):"ذهب".
(3)
انظر: المعتمد 2/ 315، المحصو ل 1 / ق 1/ 209.
(4)
حكاه ابن السمعاني في القواطع عن القاضي أبي حامد المروروذيّ، وأبي إسحاق المروزي، وابن سريج وانظر: البحر المحيط 1/ 203.
(5)
ذهب إليه أكثر الحنفية. انظر: تيسير التحرير 2/ 168، فواتح الرحموت 1/ 49.
(6)
وبه قال أبو الفرج من المالكية. انظر: إحكام الفصول ص 681، البحر المحيط 1/ 203.
(7)
انظر: المعتمد 2/ 315.
(8)
وبعض الحنفية. انظر: تيسير التحرير 2/ 168.
(9)
انظر: المحصول 1/ ق 1/ 209 - 210، البحر 1/ 204.
(10)
وبه قال القاضي أبو بكر الأبهريّ المالكيّ، والقاضي أبو يعلى الحنبليّ، وقال: =
وقد سلف اعتذار القاضي والأستاذ عمن قضى في هذه المسألة بإباحة أو حظر من الفقهاء.
وتوقف الشيخ أبو الحسن الأشعري
(1)
وأبو بكر الصيرفي
(2)
في ذلك
(3)
.
والخلاف في هذه المسألة جارٍ في خطاب التكليف وخطاب الوضع على حدٍ سواء.
وفَسَّر الإمام توقف الشيخ: بعدم الحكم، أىِ: بانتفاء الأحكام.
= قد أومأ إليه أحمد رحمه الله، وذهب إليه أيضًا ابن حامد والحلواني من الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص 681، العدة 4/ 1238، المسودة ص 474، شرح الكوكب 1/ 327.
(1)
هو الإمام علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق الأشعريّ، أبو الحسن العلامة، والبحر الفهَّامة. ولد بالبصرة سنة 260 هـ، وقيل: 270 هـ. قال الإمام أبو بكر الصَّيْرفيّ: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعريّ، فحجزهم في أقماع السِّمْسِم". من مصنفاته: الفصول في الردِّ على الملحدين، الردُّ على المجسِّمة، الإبانة عن أصول الديانة، وغيرها كثير. توفي سنة 324، وقيل غير ذلك. انظر: تاريخ بغداد 11/ 346، وفيات 3/ 284، سير 15/ 85، الطبقات الكبرى 3/ 347.
(2)
هو محمد بن عبد الله، أبو بكر الصَّيْرَفِيّ، الإمام الجليل الأصوليّ. كان يقال: إنه أعلم خلق الله تعالى بالأصول بعد الشافعيّ. من تصانيفه: شرح الرسالة، كتاب في الإجماع، كتاب في الشروط. توفي سنة 330 هـ. انظر: الطبقات الكبرى 3/ 186، تاريخ بغداد 5/ 449.
(3)
وبه قال كثير من الشافعية، وبعض الحنفية، وأكثر المالكية، وعامة أهل الحديث، وحكاه ابن حزم عن جميع أهل الظاهر، وقال:"وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره" انظر: التبصرة ص 532، البحر المحيط 1/ 205، إحكام الفصول ص 681، تيسير التحرير 2/ 168، الإحكام لابن حزم 1/ 52.
وهذا ما قال النووي في أوائل باب الربا في
(1)
"شرح المهذب": إنه الصحيح عند أصحابنا
(2)
. أعني: انتفاء الأحكام. قال صاحب الكتاب: والأَوْلى أن نُفَسِّر التوقف بعدم العلم، أي: بأن لها حكمًا قبل ورود الشرع، ولكنا لا نعلم ما هو. وعلَّل ذلك: بأن الحكم قديم عند الشيخ، فتفسير التوقف بعدم الحكم يلزم منه أن يكون الحكم حادثًا، وهو خلاف مذهبه.
ثم استشعر المصنف سؤالًا فأجاب عنه، وتقريره: أنَّ الحكم وإنْ كان قديمًا عند
(3)
الشيخ لكن تعلقه حادث؛ لأنه متوقف على بعثة الرسل، والمراد بأنه لا حكم قبل ورود الشرع: أنه لا تعلق، فلا يكون تفسير التوقف بعدم الحكم مخالفًا لمذهب الشيخ
(4)
.
وتقرير جوابه: أن التعلق عند الشيخ لا يتوقف على البعثة؛ لتجويزه التكليف بالمحال، فيجوز أن يتعلق الحكم بأفعال المكلفين قبل ورود الشرع مع عدم شعورهم بذلك.
ولقائل أن يقول: هذا حينئذ تكليف الغافل، لا تكليفٌ بالمحال، (والشيخ إنما يجوز الثاني، ثم إن الشيخ لا يقول بوقوع التكليف
(1)
في (ت): "من".
(2)
انظر: المجموع 9/ 395.
(3)
سقطت من (غ).
(4)
لأن عدم الحكم - كما بيَّن - معناه عدم التعلق، فلا ينافي قولُنا بعدم الحكم - مذهبَ الشيخ في قِدَم الحكم.
بالمحال)
(1)
، بل الحق تفسير التوقف بعدم الحكم، وبه صَرَّح القاضي في "مختصر التقريب" فقال: صار أهل الحق إلى أنه لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع، وعبَّروا عن نفي الأحكام بالوقف
(2)
، ولم يريدوا بذلك الوقف الذي يكون حكمًا في بعض مسائل الشرع، وإنما عَنَوْا به انتفاء الأحكام
(3)
. انتهى. وهو مُصَرِّح ببطلان ما ذهب إليه المصنف من التفسير، وكذا قال إمام الحرمين في "البرهان": "لا حكم على العقلاء (قبل الشرع)
(4)
"
(5)
. وليس مراده إلا الوقف لعدم الحكم. وقال الغزالي: "إنْ أراد أصحاب الوقف أن الحكم موقوف على ورود السمع، ولا حكم في الحال - فصحيح. وإنْ أرادوا عدم العلم فهو خطأ"
(6)
.
فإن قلت: الوقف: هو الإمساك عن الحكم بشيءٍ، فلا يناسبُ تفسيرَه بالجزم بأن لا حكم.
قلت: معنى الوقف يرجع إلى أنَّ فعل المكلف قبل البعثة لا يوصف بإباحة ولا حرمة؛ لعدم التعلق به. فالتوقف إنما هو في وصْف الفعل، لا في وجود الحكم وعدمه، لكن لما كان السببُ في هذا الوقف القطعَ بعدم الحكم بمعنى عدم التعلق - فَسَّرنا التوقف بعدم الحكم تجوزا.
(1)
سقطت من (ت).
(2)
في (ص): "بالتوقف". والمثبت هو الموافق لما في "التلخيص".
(3)
انظر: التلخيص 3/ 473.
(4)
في (غ)، و (ك):"قبل ورود الشرع".
(5)
البرهان 1/ 99.
(6)
المستصفى 1/ 209، مع اختصار وتصرف من الشارح.
فإن قلت: هذا لا يجامع اختياركم أن التعلق قديم.
قلت: المراد بالتعلق هنا هو التعلق الذي يظهر أثره في المحكوم عليه، وهو منتف قبل البعثة؛ فلذلك اخترنا انتفاء الحكم قبل البعثة، وفسرنا توقف الشيخ به
(1)
.
فإن قلت: هل الحكم بنفي الحكم قبل البعثة عقلي أم
(2)
شرعي؟ قلت: هو عقلي لا شرعي.
بقي (مما ننبه)
(3)
عليه هنا: أن ما نقله المصنف عن الإمام ليس بجيد، فإنه حكى في "المحصول" قول الوقف، ثم قال:"هذا الوقف تارة يُفسَّر: بأنه لا حكم، وهذا لا يكون وقفًا بل قطعًا بعدم الحكم. وتارةً: بأنا لا ندري هل هنا حكم أم لا؟ وإنْ كان هناك حكم فلا ندري أنه إباحة أو حظر"
(4)
. انتهى. فليس فيه اختيار ما نقله المصنف عنه
(5)
.
فإن قلت: ما عذر المصنف في ذلك؟
قلت: الظاهر أنه اتبع
(6)
صاحب "الحاصل"، حيث
(1)
أي: بانتفاء الحكم.
(2)
في (ص): "أو".
(3)
في (ت): "ما يُنَبَّه".
(4)
المحصول 1/ ق 1/ 210.
(5)
لأن المصنف نقل عن الإمام أنه يفسِّر الوقف بعدم الحكم، مع أنَّ الإمام ذكر معنيين للوقف ولم يختر أحدهما.
(6)
في (ص): "تبع".
قال فيه: "التوقفُ مرةً يفسَّر: بأنا لا ندري الحكم. ومرةً بعدم الحكم، وهو الحق"
(1)
وظَنَّ أن صاحب "الحاصل" اتبع الإمام على عادته، فنسب اختيار هذا القول إلى الإمام، ويحتمل أن المصنف وقف للإمام على اختيار ذلك في كلامٍ له غير هذا الموضع، أو أنه أراد بالإمام إمام الحرمين فإنه اختار ذلك في "البرهان" حيث قال: "لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع
(2)
"
(3)
وهما احتمالان بعيدان
(4)
.
قال: (احتج الأولون: بأنه انتفاعٌ خالٍ عن أمارة المفسدة ومضرة المالك فيباح، كالاستظلال بجدار الغير، والاقتباس من ناره. وأيضًا المواكيل
(5)
اللذيذة خُلقت لغرضنا؛ لامتناع العبث، واستغنائه تعالى. وليس للإضرار اتفاقًا فهو للنفع: وهو إما التلذذ، أو الاغتذاء، أو الاجتناب مع الميل، أو الاستدلال ولا يحصل إلا بالتناول. وأجيب عن الأول: بمنع الأصل، وعِلّية الأوصاف، والدورانُ ضعيف. وعن الثاني: بأن فعله
(6)
لا يُعَلَّل بالغرض، وإنْ سُلِّم فالحصر ممنوع).
(1)
الحاصل 1/ 267.
(2)
في (غ)، و (ك):"الشرائع".
(3)
انظر: البرهان 1/ 99.
(4)
يعني: فالظاهر أن المصنف اتبع صاحب "الحاصل"، وظن أن ذلك هو رأي الإمام.
(5)
في هامش (ص): "المآكل". وهو الموافق لما في نهاية السول 1/ 290، وفي السراج الوهاج 1/ 200: المآكل. وفي لسان العرب 11/ 20: "وآكل الرجلَ وواكله: أكل معه، الأخيرة على البدل وهي قليلة، وهو أكيل من المُؤَاكلة، والهمز في آكله أكثر وأجود".
(6)
في (غ): "أفعاله".
احتج الأولون وهم القائلون بالإباحة بوجهين:
أحدهما: أنها انتفاع خال عن أمارة المفسدة، فإن الكلام مفروض في فعلٍ لا يظهر له مفسدةٌ، وخالٍ عن مضرة المالك، لأن المالك هو الله المنزه عن المَضَارّ، المبرأ عن المنافع، فتكون مباحةً قياسًا على الاستظلال بجدار الغير، والاستضاءة بناره بغير إذنه، فإنه أبيح لخُلِّوه عن أمارات المفسدة ومضرة المالك، فلما وجدنا الإباحة دائرةً مع هذه الأوصاف وجودًا وعدمًا، والدوران يدل على عليَّةِ المَدَار للدائر - دَلَّ على عِلِّيتها لإباحة الأفعال، وهي موجودة في صورة النزاع؛ فيلزم الإباحة فيها.
وتمثيل المصنف بالاقتباس فيه نظر؛ لأن الاقتباس أَخْذُ جزءٍ من النار وهو لا يجوز بغير الإذن، فالأولى التمثيل بالاستضاءة كما ذكرناه
(1)
. وقد ذكر الرافعي جواز الاستظلال بجدار الغير، والاستضاءة بناره، والاستناد وإسناد المتاع
(2)
- في أثناء كلامه في القسم الثاني في الجدار المشترك من كتاب الصلح
(3)
. وذكر القَفَّال المسألة في "الفتاوي" في واقعةٍ جرت له مع السلطان محمود، وأنه يجوز السعي في أرض الغير إذا لم يخش أن تُتخذ بذلك طريقًا، ولا لَزِم منه ضرر، قال: وكذلك النظر في مرآة الغير، والإيقاد
(4)
من ناره، والاستظلال بجداره، والالتقاط
(1)
في (ص): "ذكرنا".
(2)
في (غ): "الأمتاع".
(3)
انظر: فتح العزيز شرح الوجيز 10/ 317، 318، وهو مطبوع مع "المجموع".
(4)
في (ت): "والإينار".
من حبوب الزرع المتناثر. وذكر القفال في "الفتاوي" أيضًا أنه يجوز إسناد خشبةٍ إلى جدار الغير.
الوجه الثاني: أن المواكيل اللذيذة إنْ خُلقت لا لغَرَض كان عبثًا محالًا، وإن خُلقت لغرضٍ فلا جائز أن يعود إلى الباري؛ لتنزهه عن الأغراض، فتعيَّن أن يكون لغرضنا، وليس هو الإضرار باتفاق العقلاء، فهو حينئذ النفع. وذلك النفع إما أن يكون دنيويًا، كالتلذذ والاغتذاء
(1)
. أو أخرويًا يتعلق بالعمل، كالاجتناب؛ لِكَوْن تناولها مفسدة
(2)
- مع الميل فيستحق الثواب باجتنابها. أو أخرويًا يتعلق بالعلم، كالاستدلال بها على وجود الصانع، وكمال قدرته. وكل ذلك لا يحصل إلا بالتناول: أما توقف الالتذاذ والاغتذاء على التناول فواضح. وأما توقف الاجتناب عليه، فلأن المكلف إنما يستحق الثواب بتجنبها إذا دعت نفسه إليها، وإنما يكون ذلك بعد التناول. كذا قيل. والحق أن تارك المعاصي امتثالًا لأمر الله تعالى مع عدم مَيَلانه إليها يثاب
(3)
على تركها، بل هو عند قوم أعلى درجة من الذي فعلها ثم انزجر عنها.
وأما توقف الاستدلال فلأنه إنما يكون بعد معرفتها. هذا تقرير الوجهين.
قال في الكتاب وأجيب عن الأول: بأنا لا نسلم ثبوت الحِكَم في
(1)
أي: ما يؤكل للتغذية والتقوية.
(2)
سقطت من (غ).
(3)
في (غ)، و (ك):"مثاب".
المقيس عليه، فإن الاستظلال بجدار الغير، والاقتباسَ من ناره، من جملة الأفعال الاختيارية الداخلة تحت صور النزاع، ولئن سلمنا ثبوتَ الحكم في الأصل فلا نسلم أنه معلَّل بهذه الأوصاف، واستدلالكم على ذلك بالدوران لا يفيدكم؛ لأن الدوران وإن كان حجة فالظن الحاصل منه ضعيف لا يُستدل بمثله على هذه المسألة
(1)
.
واعلم أن هذا لا يخالِف قولَه في القياس بحجية الدوران، لأن القائل بحجيته معترِف بأنه جارٍ في مجاري الظنون الضعيفة التي يُستدل بها على الفروع الفقهية الجزئية دون المسائل الأصولية. وأما مَنْ قال بأنه مفيد للقطع فلا مبالاة بمُعْتَقدِه الفاسد.
وأجيب عن الثاني: بأن الدليل المذكور مبني على تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض، وقد بَيَّنَّا فيما سلف أنه لا يجوز تعليلها.
ولقائل أن يقول: إذا كان الكلام في هذا الفرع مفرَّعًا على القول بقاعدة التحسين والتقبيح - وجب المشي فيه على قاعدة القوم، وهم يعلِّلون أفعال الله تعالى، ويزعمون أنها تابعة للمصالح.
ثم قال المصنف: ولئن سلمنا جوازَ تعليلها فلا نسلِّم انحصار الغرض فيما ذكرتم، وجاز أن يكون الغرض في خَلْقِها هو التنزه بمشاهدتها أو غيرُ ذلك.
قال: (وقال الآخرون: تصرفٌ بغير إذن المالك فيحرم كما في
(1)
لأن العلة التي جُعِلت مدارًا للدوران مُتَنَازَعٌ فيها، فهي ضعيفة لا تفيد إلا ظنًا ضعيفًا، والمسائل الأصولية تحتاج إلى القطع.
الشاهد، وَرُدَّ: بأن الشاهد يتضرر به
(1)
دون الغائب).
احتج القائلون: بأنها مُحَرَّمة بأن الأفعال الاختيارية تصرفٌ في
(2)
مِلْك الغير بغير إذنه
(3)
؛ فيحرم، قياسًا على التصرف في مِلْك الشاهد - الذي هو الإنسان - بغير إذنه، والجامع بَيِّنٌ.
ورُدَّ هذا بالفرق: وهو أن حرمة التصرف في مِلْك الشاهد بغير إذنه إنما كانت؛ لتضرره بذلك، وهذا بخلاف الغائب - وهو الله - لتنزهه عن الأضرار.
وقد عَلِمَ الواقفُ على هذا برَدِّ المصنفِ على الفريقين: أنه يختار الوقف.
واعلم أنه لا خلاف في الحقيقة بين الواقفية والقائلين بالإباحة كما قال إمام الحرمين، قال: "فإنهم لم يَعْنُوا بالإباحة ورودَ خبرٍ عنها، وإنما أرادوا استواء الأمر في الفعل والترك، والأمرُ على ما ذكروه. نعم لو قالوا: حَقٌّ على المالك
(4)
أن يبيح
(5)
- فهذا ينعكس الآن عليهم بالتحكم في تفاصيل النفع والضرر على مَنْ لا ينتفع ولا يَستضر"
(6)
.
(1)
سقطت من (غ).
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (ت)، و (ص):"إذن".
(4)
وهو المولى سبحانه وتعالى.
(5)
وهو مقتضى قول المعتزلة بالتحسين والتقبيح العقليين.
(6)
البرهان 1/ 100.
قال: (تنبيه: عدم الحرمة لا يوجب الإباحة؛ لأن عدم المنع أعم من الإذن).
هذا إشارة إلى جوابٍ عن سؤال مقدَّر ذَكَره الفريقان على الواقفية بمعنى: لا حكم. ولك أن تقول: المصنف غنيٌّ عن ذِكْر هذا؛ إذ هو لا يفسر التوقف بمعنى عدم الحكم، بل بمعنى عدم العلم.
وتقرير السؤال: أن الأفعال إنْ كانت ممنوعًا منها فهي محرمة، وإلا فهي مباحة.
(والجواب: أنا لا نسلِّم أنها إذا لم تكن ممنوعًا منها تكون مباحة)
(1)
؛ لأن المباح هو ما أُعلم فاعلُه أو دُلَّ على أنه لا حرج في فعله ولا تركه، ولا يلزم من عدمِ المنع (الإذنُ؛ لأن عَدم المنع)
(2)
أعمُّ من الإذن، والعام لا يستلزم الخاص
(3)
(4)
).
(1)
سقطت من (ت).
(2)
سقطت من (غ).
(3)
فوجود العام لا يدل على وجود الخاص، مثل: الحيوان إذا وُجِد لا يلزم منه وجود الإنسان.
(4)
انظر ما سبق في: المحصول 1/ ق 1/ 209، الحاصل 1/ 265، نهاية السول 1/ 275، السراج الوهاج 1/ 196، المعتمد 2/ 315، العدة 4/ 1238، شرح الكوكب 1/ 322، تيسير التحرير 2/ 167، فواتح الرحموت 1/ 48، إحكام الفصول ص 681.
الفصل الثاني: المحكوم عليه