المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية - الإبهاج في شرح المنهاج - ط دبي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌(قال المصنف رحمه الله

- ‌البحث الثاني: في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي:

- ‌البحث الثالث: في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها، وما بينها من النسب

- ‌الوجه الثاني من الكلام على التعريف: الباء في قوله: (بالأحكام)

- ‌الوجه الثالث: قوله: "بالأحكام

- ‌الوجه الرابع قوله: "الشرعية

- ‌الوجه الخامس قوله: "العملية

- ‌الوجه السادس: قوله: "المكتسب من أدلتها

- ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

- ‌مقدمة

- ‌(الباب الأول: في الحكم. وفيه فصول:

- ‌الفصل الأول: في تعريفه

- ‌(الفصل الثاني: في تقسيمه

- ‌الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود ومنَع النقيض فوجوب

- ‌(الثاني: ما نُهِي عنه شرعًا فقبيح، وإلا فحسن، كالواجب، والمندوب، والمباح، وفِعْلِ غير المكلف)

- ‌(الثالث: قيل: الحكم إما سبب، وإما مسبب

- ‌(الرابع: الصحة: استتباع الغاية

- ‌(الخامس: العبادة إنْ وقعت في وقتها المعيَّن

- ‌(السادس: الحكم إنْ ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة

- ‌(الفصل الثالث: في أحكامه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: الوجوب قد يتعلق بمعَيَّن، وقد يتعلق بمُبْهم من أمور معينة، كخصال الكفارة، ونَصْب أحد المُسْتَعِدِّينَ للإمامة

- ‌(الثانية: الوجوب إنْ تَعَلَّق بوقت: فإما أنْ يُساويَ الفعلَ كصوم رمضان وهو المضيَّق

- ‌(الثالثة: الوجوب إنْ تناول كلَّ واحد كالصلوات الخمس

- ‌(الرابعة: وجوب الشيء مطلقًا يُوجِب وجوبَ(6)ما لا يتم إلا به وكان مقدورا)

- ‌(الخامسة: وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌(السادسة: الوجوب إذا نُسخَ بقي الجواز خلافًا للغزالي

- ‌(السابعة: الواجب لا يجوز تركه. قال الكعبي: فعل المباح ترك الحرام وهو واجب. قلنا: لا بل به يحصل)

- ‌(الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه. وهو الحاكم، والمحكوم عليه، وبه

- ‌(فرعان على التَّنَزُّل:

- ‌ الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا

- ‌ حكم الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌(الفصل الثاني: في المحكوم عليه.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: يجوز الحكم على المعدوم:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌ امتناعَ تكليفِ الغافلِ

- ‌(الثالثة: الإكراه الملجئ يمنع التكليف؛ لزوال القدرة)

- ‌(الرابعة: التكليف يتوجه حال المباشرة. وقالت المعتزلة: بل(2)قبلها)

- ‌(الفصل الثالث: في المحكوم به.وفيه مسائل:

- ‌الأولى: التكليف بالمحال جائز

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌(الثانية: الكافر مُكلَّف بالفروع خلافًا للحنفية(2)، وفرَّق قوم بين الأمر والنهي)

- ‌خاتمة

- ‌(الثالثة: امتثال الأمر يُوجب الإجزاء؛ لأنه إن بقي متعلقًا(1)به فيكون أمرًا بتحصيل الحاصل

الفصل: ‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

فإنَّ معظم علوم الصحابة بشرائع الأحكام كان كذلك.

وهذا الذي قاله التبريزي هو المختار، وأن ذلك يُسَمَّى فقهًا، ولذلك يُذْكر في كتب الفقه، وإنما لا يطلق على العالم به وحده اسم "فقيه" لما فيه من المبالغة، وفقيه اسم فاعل من فَقُه بضم القاف إذا صار الفقه له سجية. وهو وصف له في نفسه لا يتعدى إلى غيره. والفِقْه هو مطلق الفهم، وهو صفة يتعدى إلى المفهوم

(1)

.

والضمير في "أدلتها" للأحكام، ولو قال: عن أدلته - لصح أيضًا على ما في النسخ المشهورة من جعل المكتسب صفة للعلم.

‌الوجه السابع: قوله: "التفصيلية

": جعله الجمهور احترازًا عن اعتقاد المقلد؛ فإنه (اعتقاد لحكم)

(2)

شرعي عملي مكتسب من دليل إجمالي: وهو أنَّ هذا أفتاني به المفتي

(3)

، (وكل ما أفتاني به

(1)

لأنَّ الفقه مصدر فَقِهَ، وهو فعل متعد، نقول: فَقِهَ الشيءَ. بخلاف "فقيه"، فهو صفة وسجية غير متعدية. قال الأزهري: وأما فَقُه، بضم القاف، فإنما يُستعمل في النعوت، يقال: رجل فقيه، وقد فَقُه يَفْقُه فَقَاهةً، إذا صار فقيهًا، وساد الفقهاء. لسان العرب 13/ 522. قال الشيخ أحمد الحملاوي في شذا العرف ص 78: وقد تُحَوَّل صيغة "فاعل" للدلالة على الكثرة والمبالغة في الحدث، إلى أوزان خمسة مشهورة، تسمى صيغ المبالغة - ثم ذكر منها -. . . وفعيل: كسميع". ففقيه: اسم فاعل على صيغة المبالغة للدلالة على الكثرة والمبالغة.

(2)

في (ص): "اعتياد وحكم": وهو خطأ. وفي (ك)، و (غ):"اعتقاد وحكم". وهو خطأ كذلك.

(3)

وهذه مقدمة صغرى.

ص: 99

المفتي)

(1)

، فهو حكم الله في حقي

(2)

.

وهو دليل عام لا يختص بمسألة بعينها

(3)

، ومقدمته الأولى حسية، والثانية إجماعية، ولذلك

(4)

قال الإمام هنا: إنَّ هذا القيد يُخْرج ما للمقلِّد من العلوم

(5)

.

فجعل الحاصل عند المقلِّد علمًا، وأدرجه في جنس حد الفقه، وأخرجه بهذا الفصل، لكنه بعد ذلك جَعَله قسيم العلم؛ فإنه لغير مُوجِب، والعلم لموجِب

(6)

.

وإذا لم يكن اعتقاد المقلد علمًا لم يدخل في الجنس، وهو

(1)

سقطت من (ت).

(2)

وهذه مقدمة كبرى. والنتيجة: أنَّ هذا الحكم هو حكم الله في حقي.

(3)

أي: كل مقلِّد يقول هذا الدليل، وفي كل مسألة.

(4)

في (ت): "فلذلك".

(5)

انظر: المحصول ل 1/ ق 1/ 93.

(6)

أي: والعلم في الأصل ما يكون لموجب. فأصبح علم المقلد قسيمًا للعلم، لا قسمًا منه.

قال الطوفي في شرحه لمختصره 1/ 157: والذي فُهِم من كلام فخر الدين في أثناء تقسيمٍ ذَكَره: أن العلم: هو الحكم الجازم المطابق لموجب. ثم شرح الطوفي التعريف، وقال عن القيد الأخير: وقوله: "لموجب" أي: لَمدْرَك استند الحكم إليه مِنْ عقل، أو حس، أو ما تركب منهما. وهو احتراز عن اعتقاد المقلد المطابق، فإنه حكم جازم مطابق، وليس بعلم، لأنَّه ليس لموجب. اهـ.

انظر: تعريف العلم في: المحصول 1/ ق 1/ 99، شرح الطوفي على المختصر 1/ 153، البحر المحيط 1/ 75، التعريفات للجرجاني ص 135.

ص: 100

قوله

(1)

: "العلم"، فلا يحتاج إلى إخراجه بالفصل، إلا أن يريد بالعلم: الاعتقاد الجازم المطابق

(2)

. أعم مِنْ أن يكون لموجب أوْ لا.

وهنا تم الحد.

والنسخة التي فيها: "المكتسبة" بالهاء لا يتم الحد هنا، لأنَّ المسائل التي يعلمها المقلِّد هي مُسْتَدَل عليها في نفس الأمر بأدلة تفصيلية مكتسبةٍ لغيره، فلا يخرج إلا بأن تقول: إذا حَصَلت أو حَصَل علمها بالاستدلال

(3)

.

(قيل: الفقه من باب الظنون).

هذا سؤال على قوله: العلم

(4)

، فاقتضى أنَّه لا شيء من الفقه بظني، ونحن نبين أَنَّه كله ظني؛ لأنَّه موقوف على الظني

(5)

، والموقوف على الظني ظني

(6)

.

(1)

أي: قوله في تعريف الفقه.

(2)

وهو الذي ذكره الجرجاني في التعريفات ص 135.

(3)

انظر: تعريف الفقه في الاصطلاح في: المحصول 1/ ق 1/ 92، التحصيل 1/ 167، الإحكام 1/ 7، شرح تنقيح الفصول ص 17، اللمع ص 6، بيان المختصر 1/ 18، البحر المحيط 1/ 34، جمع الجوامع مع شرح المحلي 1/ 42، نهاية السول 1/ 22، شرح الكوكب المنير 1/ 41، فواتح الرحموت 1/ 10.

(4)

يعني: هذا سؤال اعتراض على قول الماتن في تعريف الفقه: العلم بالأحكام. . . الخ، والعلم لا يكون ظنًا، فكيف يُعَرِّف به الفقه وهو ظني!

(5)

هذه مقدمة صغرى.

(6)

هذه مقدمة كبرى. فالنتيجة: الفقه ظني.

ص: 101

أما كون الموقوف على الظني ظنيًا

(1)

؛ فلأن الظني يحتمل العدم، وعلى تقدير عدمه يُعْدَم الموقوف عليه، فلزم كونه

(2)

ظنيًا غير مقطوع به.

وأما كون الفقه موقوفًا على الظني

(3)

؛ فلأنه موقوف على أدلته، وأدلته: نص، أو إجماع، أو قياس.

فالقياس كله ظني، والإجماع اختلف فيه.

وعلى تسليم أنَّه قطعي، فوصوله إلينا بالظن، على أنَّه في غاية الندور

(4)

.

والنص قسمان:

آحاد: لا يفيد إلا الظن.

ومتواتر: وهو مقطوع المتن مظنون الدلالة، وإن اقترن به قرائن حتى أفاد العلم الْتَحَق بالمعلوم من الدين ضرورة، وأنتم قلتم: إنه لا يكون فقهًا، ومقتضى ذلك أن يكون كل الفقه مظنونًا، ولا شيء منه بمعلوم

(5)

على عكس ما اقتضاه الحد

(6)

.

(1)

هذا استدلال للمقدمة الكبرى.

(2)

أي: كون الموقوف عليه.

(3)

هذا استدلال للمقدمة الصغرى.

(4)

أي: حصول الإجماع في غاية الندور.

(5)

أي: قطعي.

(6)

فالفقه ظني على عكس ما اقتضاه الحد من كونه علما.

ص: 102

وفي بعض النسخ: (قيل: من باب الظنون)، أي الفقه، وحَذَفه

(1)

لدلالة الكلام عليه.

(قلنا: المجتهد إذا ظَنَّ الحكم وجب عليه الفتوى والعمل به، للدليل القاطع على وجوب (اتباع الظن)

(2)

، فالحكم مقطوع والظن في طريقه).

مضمون هذا الجواب أنَّ الفقه كله قطعي لا ظني وهذه المقالة نُسِبت

(3)

إلى أكثر الأصوليين، وحاصل كلامهم ومداره ما قاله المصنف.

وتقريره بالمثال أن نقول في الوتر مثلا: الوتر يصلى على الراحلة

(4)

،

(1)

أي: حذف لفظ "الفقه" في هذه النسخة.

(2)

في (ت): "اتباع العمل بالظن". وما أثبته هو الموجود في نهاية السول 1/ 40، السراج الوهاج 1/ 84، شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 42.

(3)

في (ص): "تنسب".

(4)

أخرجه البخاري 1/ 339، في الوتر، باب الوتر على الدابة، رقم الحديث 954، وباب الوتر في السفر، رقم الحديث 955، وفي تقصير الصلاة، باب صلاة التطوع على الدواب 1/ 371، رقم الحديث 1044، وباب الإيماء على الدابَّة، رقم الحديث 1045، وباب ينزل للمكتوبة رقم 1047. ومسلم 1/ 487، في صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، رقم الحديث 700.

وفي الباب أيضًا حديث جابر بن عبد الله، وعامر بن ربيعة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، وكلها في الصحيح.

ص: 103

(وكل ما يصلى على الراحلة)

(1)

فهو سنة، فالوتر سنة

(2)

.

والمقدمة الأولى ثابتة بخبر الواحد، والثانية بالاستقراء، وهما لا يفيدان إلا الظن، فالنتيجة ظنية، لتوقفها على الظن. وهذا الظن هو

(3)

الذي أراده المصنف بقوله: "والظن في طريقه".

وأكثر الناس إذا وصلوا إلى هذه النتيجة وقفوا عندها واعتقدوا أنها الفقه، وهو الظاهر من اصطلاح الفقهاء، وعليه بنى السائل سؤاله.

والأصوليون لم يقفوا عند ذلك؛ لأنَّ الظن لا يجوز اعتماده حتى يدل عليه دليل، فنظروا

(4)

وراء ذلك، وقالوا: لما حصلت هذه النتيجة: وهي اعتقاد كون الوتر سنة ظنًا - ركَّبْنا قياسًا آخر من مقدمتين هكذا: الوتر مظنون سنيته، وكل ما هو مظنون سنيته فهو سنة في حق مَنْ ظنه.

والمقدمة الأولى قطعية، لأنها وُجْدانية

(5)

، فإنَّ الظَّانَّ يجد من نفسه الظَّنَّ كما يجد الجوع والشَّبَع.

(1)

سقطت من (ص)، و (ك).

(2)

هذه هي النتيجة.

(3)

سقطت من (ص).

(4)

في (ت): "فينظروا".

(5)

الوجدانيات: هي الأمور المدركة بالحواس الباطنة. كقولنا: إن لنا جوعًا، وغضبًا، وخوفًا، ونحوها. ويقابلها الحسيات: وهي الأمور المدركة بالحواس الظاهرة. كقولنا: الشمس مشرقة، والنار محرقة. وكلٌّ من الوجدانيات والحسيات - عند المناطقة - هما من قسم المُشَاهَدات: وهي ما يحكم فيه بالحس، سواء كان من الحواس الظاهرة أو الباطنة. انظر: التعريفات للجرجاني ص 191، 223، شرح القطبي على الشمسية ص 353.

ص: 104

والمقدمة الثانية: قطعية؛ لقيام الإجماع على أن حكم الله تعالى في حق كل مجتهدٍ ما أدَّاه إليه اجتهادُه، وفي حق مَنْ قلّده، حتى لو اعتقد خلافَ الإجماع لدليلٍ - كان حكمَ الله في حقِّه إلى أن يطلع على مخالفته الإجماع

(1)

، وهذا الإجماع

(2)

نقله الشافعي في "الرسالة"، والغزالي في "المستصفى".

وإذا تقررت المقدمتان - كانت النتيجة: الوتر سنة في حَقِّ مَنْ ظنه، وهي قطعية؛ لأنها تابعة لمقدمتين قطعيتين، ولا يضرها وقوعُ الظن في مقدمتي القياس الأول ونتيجته

(3)

، وهي طريق القياس الثاني؛ لأنَّ الظن إنما يضر إذا كان في مُقَدِّما الدليل، وهنا مُقَدِّمتا القياس قطعيتان، والمظنون خارج عنهما

(4)

، ووجود الظن (الذي هو مقدمة

(1)

سقطت من (ص).

(2)

وهو الإجماع على وجوب العمل بما ظنه المجتهد، وأنَّ هذا هو حكم الله تعالى في حقه، وحَقِّ مَنْ قلده. انظر: المستصفى 4/ 128، شرح تنقيح الفصول ص 18، السراج الوهاج 1/ 85.

(3)

وهي قوله: الوتر يصلى على الراحلة، وكلما يصلى على الراحلة فهو سنة. فالوتر سنة.

(4)

أي: عن المقدمتين، فليس داخلًا فيهما؛ لأنَّ تقدير المقدمتين: نقطع بأن الوتر مظنون سنيته، ونقطع بأن كل ما هو مظنون سنيته فهو سنة في حق من ظنه. فالمقدمتان لا تعلق لهما بالظن ودليله ودلالته، وإنما تعلقهما بوجود الظن، وأنه متى وجد وجب المصير إليه.

فائدة: تَنَبَّه إلى معنى المقدمة الأولى، وأن معناها: أقطع بأن السنية مظنونة. وهذا متفق عليه، وهو غير: أقطع بأن الوتر سنة. وهذا مختلف فيه.

ص: 105

القياس)

(1)

الثاني ليس مظنونا

(2)

.

وهذا التقرير على حُسْنه إنما يفيدنا القطع بوجوب العمل

(3)

؛ فلذلك اختار جماعة أنَّ الفقه هو العلم أو الظن

(4)

، والإنصاف أنهما مقامان: اعتقاد كون الحكم عند الله كذا لا يمكن دعوى القطع فيه، واعتقاد وجوب العمل بما ظَنَّه من ذلك - دعوى القطع فيه ممكنة.

والفقهاء نظروا للأول، والأصوليون نظروا للثاني، ولا مشاحة

(5)

في الاصطلاح، ولم يتوارد اختلافهما على شيء واحد.

على أني أقول: قولهم: حكم الله في حق كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده، معناه: أنه يجب عليه اتباعه، ودعواهم الإجماع بهذا التفسير صحيح، وبغير هذا التفسير ممنوع، فإنا إذا قلنا: المصيب واحد

(1)

في (ص): "الذي هو خارج مقدمة القياس". بزيادة كلمة (خارج). وهو خطأ.

(2)

قوله: "ليس مظنونا" خبر لقوله: "ووجود الظن". والمعنى - كما سبق بيانه - أن القطع في وجود الظن، لا في دلالته، فالظانّ يقطع بوجود الظن فيه، كما يقطع بشبعه وجوعه.

(3)

هذا اعتراض على تفسير "العلم" الوارد في حد الفقه، بأن المراد به: العلم بوجوب العمل بمظنون المجتهد؛ لأنَّ الفقه يشمل العلم بوجوب العمل، ويشمل العلم بدلالة النص على الحكم، فهذا التقرير يفيد القطع من جهة العمل، ولا يفيد القطع من جهة الدلالة، والفقه شامل للجهتين.

(4)

أي: بعض الفقه علم، كالمعلوم من الدين بالضرورة ونحوه من القطعيات، وبعضه ظن، وهو الأكثر الغالب.

(5)

في (ك): "ولا مشاححة".

ص: 106

والمخطئ معفو عنه، لا يستمر هذا الإطلاق (في حقه)

(1)

(2)

، وإن كان بعضهم قال: إنه يتعين التكليف، ولكن يجب حمله على أنّه يأثم بترك ما ظنه واجبًا، وبفعل ما ظنه حرامًا؛ لجرأته على ربه بحسب اعتقاده.

وأما أنَّ ذلك يصير في حقه كالواجب والحرام في نفس الأمر (فلا، كمن ظَنَّ زوجته أجنبية فَوَطِئها يأثم، ولكن ليس إثمه يساوي إثم الزاني)

(3)

.

وقول المصنف: "للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن" يشير به إلى الإجماع الذي جعلناه دليل المقدمة الثانية من القياس الثاني، ومَنْع بعضِ الناس قطعية هذا الدليل ليس بجيد

(4)

؛ لأنَّه لا بد لنا من دليل قاطع على اتباع الظن دفعًا للتسلسل، أو إثبات الظن بنفسه

(5)

، فلا بد من قاطع: إما

(1)

سقطت من (ص).

(2)

المعنى: أننا إذا قلنا بأن المصيب واحد، والمخطئ معفو عنه، لا يصح أن نطلق على المجتهد المخطئ بأن حكم الله تعالى في حقه ما أداه إليه اجتهاده؛ لأننا والحالة هذه نجعل حكم الله تعالى واحدًا، وهو الذي أصابه المصيب، فلو قلنا بأن حكم الله تعالى في حق المخطئ ما أداه إليه اجتهاده - لأصبح حكم الله تعالى حكمين لا حكمًا واحدا، وهو على خلاف هذا القول.

(3)

تحرفت العبارة في (ص) كالتالي: "فلا يمكن، وإذا ظن زوجه أجنبية فوطئها يأثم، ولكن ايمى (هكذا كتبت بدون تنقيط) إثمه يساوي إثم الزاني". اهـ.

(4)

في (ص): "ليس يحيل (بدون تنقيط) ". وهو تحريف.

(5)

يعني: دفعًا للتسلسل، أو دفعًا لإثبات الظن بنفسه. فإن لم نَقُلْ بقطعية هذا الدليل - وقعنا في أحد هذين الأمرين الباطلين. والتسلسل: هو ترتيب أمور غير متناهية. انظر: التعريفات للجرجاني ص 49.

ص: 107

إجماعٌ وحده، وإما مع قرائن تحتف به تفيد القطع.

وهذا المعنى والتقرير يحصل في كل

(1)

مسألة من مسائل الفقه، سواء كان دليلها نصًا، أم قياسًا، أم غيرهما مما يفيد الظن.

وقوله: "مقطوعٌ" أي: مقطوع به، ولكنه حَذَف الجار وتَوَسَّع بتعدية الفعل إلى الضمير

(2)

(3)

.

(ودليله المتفق عليه بين الأئمة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس).

قوله: "المتفق عليه" إشارةٌ إلى أنَّ ثَمَّ أدلةً مختلفًا فيها وسنذكرها.

وقوله: "بين الأئمة"، أي: المُعْتَبَرين، وإلا فقد أنكر بعض الناس القياس، وبعضهم الإجماع، ولعله لا يُسمِّي (مَنْ أنكر)

(4)

ذلك إمامًا، وهو

(1)

سقطت من (ص).

(2)

يعني: نائب الفاعل هو الجار والمجرور "به"، لكن لما حُذِف الجار وهو حرف الباء استتر الضمير المتصل به وهو الهاء، وتعدى اسم المفعول إليه، فأصبح الضمير نائبًا للفاعل، والتقدير: فالحكم مقطوع هو. وقد أطلق الفعل في قوله: "وتوسع بتعدية الفعل" وأراد به اسم المفعول "مقطوع"؛ لأنّه يعمل عمل فعله.

(3)

انظر ما سبق في: نهاية السول 1/ 40، شرح الأصفهاني على المنهاج 1/ 41، السراج الوهاج 1/ 83، المحصول 1/ ق 1/ 92، نهاية الوصول في دراية الأصول 1/ 18، نفائس الأصول في شرح المحصول 1/ 139، شرح مختصر الروضة 1/ 142، بيان المختصر 1/ 23، تيسير التحرير 1/ 12.

(4)

سقطت من (ت).

ص: 108

حقٌّ؛ لأنَّ الإمام مَنْ يُقتدى به وهؤلاء لا يقتدى بهم، فلذلك أطلق الأئمة

(1)

.

ووقع في بعض النسخ: "الأمة"، والأول أصح لبعد التجوز في الثاني.

(ولا بد للأصولي من تصور الأحكام الشرعية ليتمكن من إثباتها ونفيها).

لا بد معناه: لا فراق

(2)

؛ ولذلك قال ابن عبد السلام: إنه إذا حَلَف لا بد أنْ يفعل كذا، ولم يفعله على الفور - حنث.

والمختار (أنها لا تفيد الفور للعُرْف)

(3)

.

والأصولي: نسبة إلى الجمع؛ لأنّه (سُمّي به)

(4)

كالأنصاري والأنباري

(5)

، ولو لم يسم به لم تجز النسبة إلا إلى المفرد فيقال: أصلي

(6)

.

(1)

يعني: ولم يقل: الأئمة المعتبرين؛ لأنّ هذا الوصف مفهوم من لفظ "الأئمة".

(2)

قال في اللسان 3/ 81: ولا بُدَّ منه، أي: لا مَحالة، وليس لهذا الأمر بُدٌّ، أي: لا محالة. أبو عمرو: البُدُّ الفراق، تقول: لا بُدَّ اليوم من قضاء حاجتي، أي: لا فراق منه. اهـ. وانظر: القاموس المحيط 1/ 276، والمصباح المنير 1/ 43، مادة (بدد).

(3)

في (ص): "أنها لا تفيد الفور المعروف". وفي (غ): "أنَّه لا يفيد الفور المعروف". وفي (ك): "أنَّه لا يفيد المعرف". وكله تحريف.

(4)

في (ص): "مسمى به".

(5)

في (غ): "والأبياري". وفي (ك) العبارة غير واضحة، وفي (ص): الابارى (بدون تنقيط).

(6)

أي: لولا أنّ التسمية أُطلقت بالنسبة إلى الجمع: أصول - لكانت القاعدة أنّ تُلحق الياء بالمفرد، فيقال: أصلي.

ص: 109

والحكم على الشيء بالإثبات أو النفي مسبوق بتصور، والأصولي يريد أنْ يُثبت الوجوب مثلًا للأمر، والتحريم للنهي، أو ينفيهما، وكذلك بقية الأحكام؛ فلذلك لا بد أن يتصورها أوَّلًا وقَصْدُه بهذا وَجْهُ الحاجة إلى تقديم

(1)

هذه المقدمة.

(لا جرم رتبناه على مقدمة وسبعة كتب).

الذي يسبق إلى الذهن مِنْ "لا جرم" في هذا الموضع أنَّ معناها: لأجل ذلك، أي: لأجل ما سبق رتبناه (على كذا)

(2)

.

وقد جاءت "لا جرم" في القرآن في خمسة مواضع مَتْلُوَّةٍ بأنَّ واسمها ولم يجيء بعدها فعل.

والذي ذكره المفسرون واللغويون في معناها أقوال:

أحدها: أنَّ "لا" نافيةٌ، و"جَرَم" فِعْلٌ معناه: حَقَّ، (وأنَّ وما في حَيِّزه فاعلُه)

(3)

. وهذا مذهب الخليل وسيبويه والأخفش

(4)

.

(1)

في (ص)، و (ك):"تقدم".

(2)

في (ص): "على كتب". وهو تحريف.

(3)

في (ت): "وأن واسمها وخبرها". والظاهر أنَّه من تصرف الناسخ؛ لأنَّه شطب على الأصل في الصفحة، وكتب هذه الجملة، ولم يكتب بجانبها (صح) كما هي العادة، والمراد بما في حَيِّزه: أي حيزُ حرفِ "أنَّ" وهما اسمها وخبرها.

وفي (ك): "وأن ما في حيزه فاعله". بإسقاط الواو قبل "ما". وفي (ص): "وأن ما في خبره فاعله". وكلاهما خطأ.

(4)

انظر كتاب سيبويه 3/ 138، إعراب القرآن الكريم وبيانه لمحي الدين الدرويش 4/ 327.

ص: 110

فقوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ}

(1)

معناه: رَدٌّ على الكفرة، وتحقيق لخسرانهم.

والثاني: أنَّ "لا" زائدة، و"جَرَم" معناه: كَسَب، أي: كسب لهم عملُهم الندامة.

(فأنَّ وما في حَيِّزها)

(2)

على هذا القول في موضع نصب، وعلى الأول في موضع رفع

(3)

.

والثالث: أنَّ "لا جرم" كلمتان رُكِّبَتَا وصار معناهما حَقًّا

(4)

، وكثيرًا

(5)

ما يقتصر المفسرون على ذلك.

الرابع: أنَّ "لا جرم" معناها: لا بُدَّ، و"أنَّ" الواقعة بعدها في موضع نصب بإسقاط حرف الجر

(6)

.

(1)

الآية في سورة هود {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} رقم: 22.

(2)

كذا في (غ): "فأن ما في حيزها". بإسقاط الواو، وفي (ت):"فأن وما في خبرها"، وفي (ص):"فأن ما في خبرها". والكل خطأ، والصواب هو ما في (غ) وهو المُثْبَت فى أعلى الصفحة، وقد سبق بيان أنَّ المراد. مما في حيزها اسمها وخبرها.

(3)

يعني: على القول الثاني أنَّ وما في حيزها مفعول كَسَب، وعلى القول الأول فاعل حَقَّ. انظر: إعراب القرآن الكريم وبيانه 4/ 328.

(4)

يعني: أنّ هذا التركيب من قبيل التركيب المزجي، فـ "لا" النافية، و"جرم" الفعل الماضي، تَرَكَّب منهما مزجيًا كلمةٌ واحدة جديدة، وهي: لا جرم، بمعنى: حقا.

(5)

في (ت): "وكثير".

(6)

فتقدير الآية على هذا القول: لا جرم بأنهم في الآخرة هم الأخسرون. لا: نافية للجنس. جَرَم: اسمها. وجملة "أنَّ" مع اسمها وخبرها في تأويل مصدر خبر "لا" في محل نصب بإسقاط الجار الذي هو الباء. انظر: إعراب القرآن الكريم 4/ 328.

ص: 111

قال الفراء: "لا جَرَم كلمة كانت في الأصل بمعنى: لا بد ولا محالة، فكثر استعمالُها حتى صارت بمنزلة حَقًّا، تقول: لا جرم لآتينك"

(1)

.

قال الواحدي

(2)

: "وُضِع مَوْضع القسم في قولهم: لا جرم لأفعلن، كما قالوا: حَقًّا لأفعلن"

(3)

.

وأنتَ إذا تأملتَ هذه الأقوال لم ينطبق شيءٌ منها على معنى التعليل الذي قَصَده المصنف

(4)

، والذي يظهر أنَّ التعليلَ مستفادٌ من ترتيب الحكم على الوصف.

وتصحيح كلام المصنف

(5)

بأنْ يُقَدَّر: فلا جرم أنا رتبناه، فإضمار الفاء لإفادة التعليل، وتقدير أنَّ واسمِها لِتُوَافق مواقعَها من القرآن

(6)

.

(1)

انظر معاني القرآن للفراء 2/ 8.

(2)

هو علي بن أحمد بن محمد بن عليّ الواحديّ النَّيْسابوريّ، أبو الحسن الشافعيّ. الإمام الكبير، من أولاد التجار، وأصله من ساوه، كان واحدَ عصره في التفسير، وإمامَ علماء التأويل. صَنَّف التصانيف الثلاثة في التفسير:"البسيط" و"الوسيط"، و"الوجيز". وصنف أيضًا "أسباب النزول"، "التحبير في شرح الأسماء الحسنى". توفي بنيسابور سنة 468 هـ. انظر: سير 18/ 339، الطبقات الكبرى 5/ 240.

(3)

معنى كلام الواحدي: وضع قولهم: "لا جرم لأفعلن" موضع القسم، مثل قولهم:"حَقًّا لأفعلن"، وضع موضع القسم.

(4)

في قوله: "لا جرم رتبناه على مقدمة وسبعة كتب". فلا جرم تعليلٌ لما سبق.

(5)

هذا فيه إشارة إلى الخلل في كلام الماتن.

(6)

فأضاف الشارح الفاء لإفادة التعليل، وأضاف أنَّ واسمها وهو الضمير المتصل بها؛ لأنَّ أصل:"أنَّا" أننا؛ لتوافق مواقعها في القرآن، فإنَّ لا جرم يكون بعدها أنَّ =

ص: 112

أو يُنَزَّل الفعل منزلةَ المصدر ويُستغنى عن إضمار أنَّ، والتقدير: فحقًا ترتيبنا

(1)

والمقدمة: بكسر الدال وفتحها وهو أشهر، فالكسر لأنها تُقَدِّم الناظرَ فيها إلى ما بعدها، والفتح لأنَّ الناظر يُقَدِّمها بين يديه إلى مقصوده.

هذا في مُقَدِّمة الكتاب، ومُقَدِّمة الدليل.

أما مُقَدِّمة الجيش فلم يحك الجوهري

(2)

فيها إلا كسر الدال؛ لأنها تُقَدِّم الجيش

(3)

.

= المصدرية واسمُها وخبرُها، وخبر أنَّ المصدرية موجود في كلام الماتن، وهو قوله:"رتبناه".

(1)

التوجيه الثاني: أن يُنَزَّل الفعل الماضي "جَرَم" - ومعناه حَقَّ - منزلة المصدر، فيكون بمعنى: حقًا، وفي هذا التقدير يُستغنى عن إضمار أنَّ واسمها وخبرها، ويكون:"ترتيبنا" فاعلًا للمصدر: "فحقًا".

(2)

هو أبو نصر إسماعيل بن حمَّاد التركيُّ الأُتراري، وأُترار: هي مدينة فاراب. إمام اللغة، ومصنف كتاب "الصِّحاح"، وأحد منْ يُضرب به المثل في ضبط اللغة، وحُسْنِ الخطّ. قال الذهبيّ:"وفي الصِّحاح أوهامٌ قد عُمل عليها حَوَاشٍ". مات مترديًا مِنْ سَطْح داره بنيسابور سنة 393 هـ. انظر: سير 17/ 80، لسان الميزان 1/ 400.

(3)

انظر: الصحاح 5/ 2008. وفي اللسان 12/ 468: وقيل إنه يجوز مقدَّمة بفتح الدال ...... وفي كتاب معاوية إلى ملك الروم: لأكونن مقدِّمته إليك. أي: الجماعة التي تتقدم الجيش. مِنْ قَدَّم بمعنى تَقَدَّم، وقد استعير لكل شيء، فقيل: مقدِّمة الكتاب، ومقدِّمة الكلام، بكسر الدال، قال (أي: الأزهرى): وقد تُفْتَح. وفي القاموس 4/ 162: ومُقَدِّمة الجيش، وعن ثَعْلَبٍ فَتْحُ داله: متقدموه. وكذا قادِمَتُه وقُدَاماهُ. وانظر: تعريف المقدمة في التعريفات للجرجاني ص 201.

ص: 113

ووجه تقديم المقدمة في أول الكتاب كونه (لا بد للأصولي)

(1)

من تصور الأحكام

(2)

.

والكتب السبعة: منها الأربعة التي قدمها: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، لكلٍّ منها كتاب.

والخامس: الأدلة المختلف فيها.

وهذه الخمسة هي الأدلة التي تضمنتها المعرفة الأولى مِنْ أصول الفقه.

والسادس: في التعادل والتراجيح المقصود بالمعرفة الثانية.

والسابع: في الاجتهاد المقصود بالمعرفة الثالثة.

وهذا جملة أصول الفقه.

(أما المقدمة: ففي الأحكام، ومتعلقاتها، وفيها بابان: )

لما كانت مُتَعَلِّقات الأحكام يُحتاج إليها ذَكَرها معها، وإن لم يُبَيِّن فيما سبق إلا وجه الحاجة إلى تصور الأحكام.

(1)

في (ص): "لا بد لكل أصولي".

(2)

لأنَّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلابد أولًا من تصور الأحكام، ثم الحكم عليها بالإثبات أو النفي، ونحوهما.

ص: 114