الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ
بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْيَمِينَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ لِلْحَلِفِ: يَمِينٌ بِاسْمِ يَمِينِ الْيَدِ، وَكانُوا يَبْسُطُونَ أَيْمَانَهُمْ إِذَا تَحَالَفُوا.
وَيَقُولُونَ فِي اليَمِينِ: وَايْمُنُ اللَّهِ، وَيَحْذِفُ بَعْضُهُمُ النُّونَ، فَيَقُولُ: وَايْمُ اللَّهِ.
2431 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَهُوَ يَسيرُ فِي رَكْبٍ، وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،
عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهَ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ.
وَرَوَاهُ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ عُمَرُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلا آثِرًا.
وَقَوْلُهُ: «ذَاكِرًا» ، لَمْ يُرِدْ بِهِ الذِّكْرَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ، بَلْ أَرَادَ بِهِ مُحَدِّثًا عَنْ نَفْسِي، مُتَكَلِّمًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا آثِرًا» يُرِيدُ: مُخْبِرًا بِهِ، مِنْ قَوْلِكَ: أَثَرْتُ الْحَدِيث آثُرُهُ: إِذَا رَوَيْتَهُ، يَقُولُ: مَا حَلَفْتُ ذَاكِرًا عَنْ نَفْسِي، وَلا مُخْبِرًا عَنْ غَيْرِي.
قَالَ رحمه الله: الْيَمِينُ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاللَّهِ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَالْيَمِينُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَالَّذِي أَعْبُدُهُ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» .
وَالْيَمِينُ بِأَسْمَائِهِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْخَالِقِ، وَالْبَارِئِ، وَالرَّزَّاقِ، وَالرَّبِّ، وَالسَّمِيعِ، وَالْبَصِيرِ، وَبَاسِطِ الرِّزْقِ، وَفَالِقِ الإِصْبَاحِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» .
فَهَذَا كُلُّهُ يَمِينٌ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ.
وَحُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلاثَةٌ: الْبَاءُ، وَالتَّاءُ، وَالْوَاوُ، كَقَوْلِهِ: بِاللَّهِ،
وَتَاللَّهِ، وَوَاللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا هَا اللَّهِ إِذًا.
وَالْيَمِينُ بِصِفَاتِ الذَّاتِ، كَقَوْلِهِ: وَعَظَمَةِ اللَّهِ، وَجَلالِ اللَّهِ، وَعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ، وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ، وَعِلْمِ اللَّهِ، وَكَلامِ اللَّهِ، فَهَذَا كُلُّهُ يَمِينٌ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ إِذَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:«وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ» ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِ الذَّاتِ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إِلا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: شَهِدْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَوْ عَزَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ، فَلا يَكُونَ يَمِينًا إِلا أَنْ يُرِيدَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ، أَوْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَحْلِفُ بِاللَّهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالأَوَّلِ إِخْبَارًا عَنْ يَمِينٍ فِي الْمَاضِي، أَوْ أَرَادَ بِالثَّانِي وَعْدَ يَمِينٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِمَا يَمِينًا فِي الْوَقْتِ، فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَفِيهِ قَوْلانِ.
وَلَوْ قَالَ: شَهِدْتُ أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ عَزَمْتُ، أَوْ أَعْزِمُ، أَوْ أَقْسَمْتُ، أَوْ أُقْسِمُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَاهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: كُلُّهَا يَمِينٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَنْهَوْنَنَا، وَنَحْنُ غِلْمَانٌ أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ.
وَلَوْ قَالَ: وَخَلْقِ اللَّهِ، وَرِزْقِ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَهُوَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ، وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أَلا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ
أَنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ».
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، فَقَالَ:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشَّمْس: 1]، {وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2}} [الْفجْر: 1 - 2]؟ قِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: وَرَبِّ السَّمَاءِ، وَرَبِّ الشَّمْسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ عز وجل:{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40]، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23].
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الإِسْلامِ، وَقَالَ بَعْدَ مَا بَيَّنَ لَهُ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ.
فَقَالَ عليه السلام: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» .
قِيلَ: تِلْكَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَلَى لِسَانِهِ عَلَى عَادَةِ الْكَلامِ الْجَارِي عَلَى الأَلْسُنِ، لَا عَلَى قَصْدِ الْقَسَمِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطَابِهَا تُؤَكِّدُ بِهَا كَلامَهَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيرِ، وَالتَّعْظِيمِ لَهُ، كَالْحَالِفِ بِاللَّهِ يَقْصِدُ بِذِكْرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فِي يَمِينِهِ التَّعْظِيمَ، وَالتَّوْقِيرَ،
يَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ فِيهِ ذِكْرَ أَبِي الأَعْرَابِيِّ، وَلا يُحْلَفُ بِأَبِي الْغَيْرِ تَعْظِيمًا، وَتَوْقِيرًا.
وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، مَعْنَاهُ: وَرَبِّ أَبِيهِ.
كَمَا سَبَقَ فِي تَأْوِيلِ الآيَةِ.
وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُضْمِرُونَ ذَلِكَ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ التَّعْظِيمِ لآبَائِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلا، يَقُولُ: لَا وَالْكَعْبَةِ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ، أَوْ أَشْرَكَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«الرِّياءُ شِرْكٌ» .