الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَيْهِ مَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَيُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
بَابُ
الإِقْرَارِ
بِالزِّنَا
2584 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الأَسْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: إنِّي قَدْ زَنَيْتُ.
قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«انْطَلِقُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» .
، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ، أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ لَحْيُ جَمَلٍ، فَضَرَبَهُ بِهِ فَصَرَعَهُ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
2585 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَد بْن عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، وهوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ.
فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَبِكَ جُنُونٌ؟» ، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: «أُحْصِنْتَ؟» ، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا، وَقَالَ: فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، فَرَّ، فَأُدْرِكَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، " فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: خَيْرًا.
وَصَلَّى عَلَيْهِ "
قَوْلُهُ: «فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ» ، أَيْ: قَصَدَ الْجِهَةَ الَّتِي إِلَيْهَا وَجَّهُهُ، وَنَحَا نَحْوَهَا، مِنْ قَوْلِكَ: نَحَوْتُ الشَّيْءَ أَنْحُوهُ.
قَوْلُهُ: «أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ» ، أَيْ: بَلَغَتْ مِنْهُ الْجَهْدَ حَتَّى قَلِقَ، وَقِيلَ: مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ بِذَلَقِهَا، وَذَلَقُ كُلِّ شَيْءٍ: حَدُّهُ.
قَالَ الإِمَامُ: يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّكْرَارَ فِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَا حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَيَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَجِيئِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَعِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّكْرَارَ، قَالَ: إِنَّمَا رَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِشُبْهَةٍ دَاخَلَتْهُ فِي أَمْرِهِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ فَقَالَ:«أَبهِ جُنُونٌ؟» ، فَأُخْبِرَ أَنَّ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ:«أَشَرِبَ خَمْرًا؟» ، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ:«أَزَنَيْتَ؟» ، قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
فَرَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، لَا أَنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ شَرْطٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْمَرْأَةَ الْغَامِدِيَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَهُ وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا.
فَثَبَتَ أَنَّ التَّرْدِيدَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَزُلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَاعِزٍ إِلا فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ.
وَفِي قَوْلِهِ عليه السلام بَعْدَ مَا هَرَبَ: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: مَا زَنَيْتُ، أَوْ كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ، سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ، وَإِذَا رَجَعَ فِي خِلالِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ إِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِقْرَارِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالُوا: وَلَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لَصَارَ مَقْتُولا خَطَأً، وَلَوَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ.
قَالَ الإِمَامُ: إِنَّمَا لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ، لأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَكُنْ رَجَعَ صَرِيحًا، لَكِنَّهُ هَرَبَ، وَبِالْهَرَبِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» أَيْ: لِنَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ، وَنَسْتَثْبِتَ الْمَعْنَى الَّذِي هَرَبَ مِنْ أَجْلِهِ، أَنَّهُ هَرَبَ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَمْ فِرَارًا مِنْ أَلَمِ الْحِجَارَةِ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:«هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
2586 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوَ نَظَرْتَ؟» ، قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «أَنِكْتَهَا» لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَيَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ مَا يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ الْحَدُّ، فَيَقُولُ لِلزَّانِي: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ، أَوْ فَاخَذْتَ.
وَلِلسَّارِقِ: لَعَلَّكَ أَخَذْتَ عَنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوِ اخْتَلَسْتَهُ، أَوْ خُنْتَ.
وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِي بِسَارِقٍ، فَقَالَ:«لَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ» .
وَأُتِيَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَارِقٍ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قُلْ: لَا.
فَقَالَ: لَا.
فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، مَالا، أَوْ عُقُوبَةً، فَلا يَجُوزُ فِيهِ التَّلْقِينُ.
2587 -
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا الْحُسَيْنُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَوْصِلِيِّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَثْيَمِ الأَنْبَارِيُّ، نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ، نَا أَبِي، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي.
قَالَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ» .
قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ
جَاءَ، فَقَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي.
فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ، واستَغْفِرِ اللَّهَ، وَتُبْ إِلَيْهِ» .
قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي.
فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذلِكَ، حَتَّى كَانَتِ الرَّابِعَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مِمَّ أُطَهِّرُكَ؟» قَالَ: مِنَ الزِّنَا.
قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ:«أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَثَيِّبٌ أَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فَرِيقَيْنِ، تَقُولُ فِيهِ فِرْقةٌ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ عَلَى أَسْوَإِ عَمَلِهِ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ.
وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ.
قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ:«اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ» .
قَالَ: فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهَا» .
قَالَ: ثمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ
مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي.
فَقَالَ: «وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِري اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ» .
فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ.
قَالَ: «وَمَا ذَاك؟» قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا.
قَالَ: «أَثَيِّبٌ أَنْتِ؟» قالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: «إِذَنْ لَا نَرْجُمُكِ حتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ» .
قَالَ: وَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ حتَّى وَضَعَتْ، فأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ؟ قَالَ: «إِذًا لَمْ نَرْجُمْهَا وَنَدَعْ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ» .
فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ، فَقَالَ: إنِّي أُرْضِعُهُ يَا نَبيَّ اللَّه.
فَرَجَمَهَا.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ غَيْلانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ:«حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، ثمَّ أُمِرَ بِهِ فَرُجِمَ» .
وَقَالَ فِي الْغَامِدِيَّةِ: قَالَ: «فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» .
فَلَمَّا وَلَدَتْ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَ: اذْهَبِي، فَأَرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطُمِيهِ ".
فَلَمَّا فَطَمَتْهُ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ، فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَهْلا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةٍ لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ
الْمَكْسُ: مَا يَأْخُذُهُ الْمَاكِسُ، وَالْمَاكِسُ: الْعَشَّارُ، وَأَصْلُ الْمَكْسِ: الْخِيَانَةُ.
قَالَ الإِمَامُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْحَامِلِ عُقُوبَةٌ لَا تُقَامُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَضَعِ الْحَمْلَ، لأَنَّ فِي مُعَاقَبَتِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إِهْلاكَ الْبَرِيءِ بِسَبَبِ الْمُجْرِمِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ سبحانه وتعالى، أَوْ لِلْعِبَادِ، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَمْلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ تُرْضِعُ الْوَلَدَ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تَفْطِمَ الْوَلَدَ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ تُرْضِعُهُ، فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ بُرَيْدَةَ فِي أَمْرِ الْغَامِدِيَّةِ أَنَّهَا هَلْ رُجِمَتْ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ، أَوْ رُجِمَتْ بَعْدَ الْفِطَامِ؟ فَرَوَى بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ أَنَّهَا رُجِمَتْ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّهَا رُجِمَتْ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ، وَهُوَ الأَصَحُّ، وَكَذَلِكَ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ اعْتَرَفَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالزِّنَا، وَقَالَتْ: أَنَا حُبْلَى.
فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «