الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ رَوَى قُتَيْبَةُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَشَفَ سِتْرًا، فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدًّا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ، فاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، مَا عَيَّرْتُ عَلَيْهِ، وَإنْ مَرَّ الرَّجُلُ عَلى بَابٍ لَا سَتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ، فَلا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلى أَهْلِ الْبَيْتِ» .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ.
بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [الْمَائِدَة: 33] الآيَةَ.
قَوْلُهُ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [الْمَائِدَة: 33] يُقَالُ: نَفَيْتُ فُلانًا: إِذَا طَرَدْتَهُ نَفْيًا، وَنَفَيْتُ الدَّرَاهِمَ نَفَايَةً: إِذَا رَدَدْتَهَا، وَالنُّفَايَةُ، بِضَمِّ النُّونِ: الْمَنْفِيُّ الْقَلِيلُ.
2569 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُرَيْنَةَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا» فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا ارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَبَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأُخِذُوا، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا حُمَيْدٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ:«فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طُرُقِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالُوا:«فَتَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا» .
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالُوا: فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ:«اشرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أنسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ.
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، وَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا.
قَالَ أَبُو قِلابَةَ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعَدْ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَوْلُهُ: «اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ» مَعْنَاهُ: عَافُوا الْمُقَامَ بِهَا، فَأَصَابَهُمُ الْجَوَى فِي بُطُونِهِمْ.
يُقَالُ: اجْتَوَيْتُ الْمَكَانَ: إِذَا كَرِهْتَ الإِقَامَةَ بِهِ لِضَرَرٍ يَلْحَقُكَ بِهِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: اجْتَوَيْتُ الْبِلادَ، إِذَا كَرِهْتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةٌ لَكَ فِي بَدَنِكَ، وَيُقَالُ: اسْتَوْبَلْتُهَا: إِذَا لَمْ تُوَافِقُكَ فِي بَدَنِكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُحِبًّا لَهَا.
وَقَوْلُهُ: «سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» أَيْ: فَقَأَهَا، وَمَنْ رَوَى: سَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، أَيْ: كَحَّلَهُمْ بِمَسَامِيرَ مُحَمَّاةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ:«ثُمَّ أَمَر بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا» .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ أَلْبَانِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، لأَنَّهُمْ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ، وَيُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى طَهَارَتِهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَا أَكَلْتَ لَحْمَهُ، فَلا بَأْسَ بِبَوْلِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَسُفْيَانَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى نَجَاسَتِهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ شُرْبَهُ لِضَرُورَةِ الْعِلَّةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَالأَوَّلُ أَوْلاهُمَا، لأَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَرَخَّصَ فِي التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَمَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ:«إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ» .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلَ شِفَاءَكُم فِيمَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَيَبْتَغُونَ لَذَّتِهَا، فَلَمَّا حَرُمَتْ شَقَّ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا، فَغَلَّظَ الأَمْرَ فِيهَا بِإِيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَى مُتَنَاوِلِهَا، وَتَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِهَا لِئَلا يَسْتَبِيحُوهَا بِعِلَّةِ التَّسَاقُمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُونٌ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْهَا، فَلَمْ يَجُزْ إِلْحَاقَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ.
وَسُئِلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ شُرْبِ أَلْبَانِ الأُتُنِ، وَمَرَارَةِ السَّبْعِ، وَأَبْوَالِ الإِبِلِ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوُونَ بِهَا.
قَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلْتُ
الْحَكَمَ، وَحَمَّادًا عَنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ، وَعَنِ الْخَمْرِ يُدَاوَى بِهِ الدَّبَرُ، فَكَرِهَا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الصَّنِيعِ بِالْعُرْنِيِّينِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِهِمْ، أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ، وَنَهَاهُ عَنِ الْمُثْلَةِ، فَلَمْ يَعُدْ.
وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
وَرُوِينَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ.
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ اقْتَصَّ مِنْهُمْ عَلَى مِثَالِ أَفْعَالِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسْقَوْا لأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِلْقَتْلِ، وَفِي سَقْيِهِمُ اسْتِبْقَاؤُهُمْ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ يُقْتَلُ، وَقَتْلُهُ حَتْمٌ لَا يُقْبَلُ الْعَفْوُ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إِذَا كَانَ أَخَذَ قَدْرَ نِصَابِ السَّرَقَةِ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَإِنْ لَمْ يَقتُلْ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ، لَكِنَّهُ هَيَّبَ وَكَثَّرَ الْجَيْشَ، نُفِيَ وَعُزِّرَ، وَالأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [الْمَائِدَة: 33] وَظَاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ.
2570 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابنِ عبَّاسٍ «فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلُوا، وَأَخَذُوا الْمَالَ، قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا، قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وَإذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالا، نُفُوا مِنَ الأَرْضِ» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ قَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَإِذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ الصَّلْبَ، اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَقِيلَ: يُصْلَبْ حَيًّا، ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى
يَمُوتَ مَصْلُوبًا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَيًّا، ثُمَّ يُنْزَلُ، فَيُقْتَلُ.
فَإِنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ فَيُتْرَكُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يُنْزَلُ، فَيُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يُخْشَى فَسَادُهُ قَبْلَ الثَّلاثِ، وَيَتَأَذَّى بِهِ الأَحْيَاءُ، فَيُنْزَلُ قَبْلَهُ.
وَقِيلَ: يُتْرَكُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ، إِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ النَّاسُ، فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُصْلَبُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي أَمْرِ الْمُحَارَبِينَ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ، وَالنَّفْيِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيمَنْ نَزَلَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الْمَائِدَة: 33]، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الرَّهْطِ الْعُرْنِيِّينَ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الإِسْلامِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عز وجل:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [الْمَائِدَة: 34] وَالإِسْلامُ يَحْقِنُ الدَّمَ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهَا.
وَإِذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَسْقُطُ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا يَخْتَصُّ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ، يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَالْوَلِيُّ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ، سَقَطَ عَنْهُ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَقِيلَ فِي سُقُوطِ