الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَالٍ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ: «تَدُونَ قَتْلانَا وَلا نَدِي قَتْلاكُمْ» ، فَقَالَ عُمَرُ:«لَا نَأْخُذُ لِقَتْلانَا دِيَةً» ، فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِمُ الضَّمَانَ، وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: «فَلا نَأْخُذُ لِقَتْلانَا دِيَةً» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ عَلَى خِلافِ رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ أَبُو بَكْرٍ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ غَيْرَ أَنَّهُ رَأَى الإِعْرَاضَ عَنْهُ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الإِسْلامِ.
قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ عَنِ الْعَبْدِ يأْبِقُ، فَيَلْحَقُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ؟ قَالَ: لَا تُزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، وَسَأَلْتُ حَمَّادًا، فَقَالَ: تُزَوَّجُ امْرَأَتُهُ.
بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ
2562 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ، نَا أَبُو حُذَيْفَةَ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُمُ الْحُرُقَاتُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ،
فَقَالَ: «قَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّما فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا، قَالَ:«فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟!» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ.
وَأَبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ
وَيُرْوَى عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ مِرَارًا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ، وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ قَتْلِهِ.
قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا فِي الثَّنَوِيِّ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ إِذَا أَتَى بِكَلَمَةِ التَّوْحِيدِ، يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ، ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى سَائِرِ شَرَائِطِ الإِسْلامِ، فَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ التَّوْحِيدَ، لَكِنَّهُ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ، فَلا يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ بِمُجَرَّدِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى يَقُولَ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَإِذَا قَالَهُ، كَانَ مُسْلِمًا إِلا أَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ مَبْعُوثٌ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَحِينَئِذٍ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلامِهِ
بِمُجَرَّدِ الإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ حَتَّى يُقِرَّ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْتَحَنَ بِالإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الإِسْلامَ.
وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يَعُودُ إِلَى الإِسْلامِ عَنِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ إِسْلامَ الزِّنْدِيقِ وَالْبَاطِنِيَّةِ لَا يُقْبَلُ وَيُقْتَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ الأَصْلِيُّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُقْبَلُ إِسْلامُهُ، فَأَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِيُّ إِذَا أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ، يُقْبَلُ إِسْلامُهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ دَلِيلُ الْعَامَّةِ عَلَى قَبُولِ إِسْلامِ الْكُلِّ.
وَفِي قَوْلِهِ: «هَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَنَّ السَّرَائِرَ مَوْكُولَةٌ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَلْزَمَ أُسَامَةَ الدِّيَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَصْلَ دِمَاءِ الْكُفَّارِ الإِبَاحَةُ، وَكَانَ عِنْدَ أُسَامَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مُسْتَعِيذًا مِنَ الْقَتْلِ، لَا مُصَدِّقًا بِهِ، فَقَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ، وَالْخَطَأُ عَنِ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ، أَوْ تَأَوَّلَ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غَافِر: 85]، وَكَمَا أَخْبَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ:{لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يُونُس: 90]، فَقِيلَ لَهُ:{ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يُونُس: 91] وَلَمْ يُقْبَلْ إِيمَانُهُ.
قَالَ رحمه الله: وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ سَهْمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَى صَفِّ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّفِ مُسْلِمًا، فَأَصَابَ مُسْلِمًا، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، فَلا قَوَدَ عَلَى الرَّامِي، وَلا دِيَةَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى رَجُلا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِزِيِّ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَقَتَلَهُ، فَبَانَ مُسْلِمًا، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النِّسَاء: 92] وَلَمْ يَذْكُرِ الدِّيَةَ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِي الصَّفِّ مُسْلِمًا، وَلَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ، فَعَيَّنَ شَخْصًا، فَرَمَى إِلَيْهِ، فَبَانَ مُسْلِمًا، أَوْ عَلِمَ مَكَانَ الْمُسْلِمِ، فَرَمَى إِلَى غَيْرِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إِلَيْهِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمَ، فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَلا قَوَدَ.
وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَقَالَ:«أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ: «لَا تَتَراءَى نَارَاهُمَا» .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يُكْمِلْ لَهُمُ الدِّيَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِإِسْلامِهِمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ، فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ، وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ، فَتُسْقَطُ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ مِنَ الدِّيَةِ.
قَالَ الإِمَامُ: الْمُسْلِمُ مَضْمُونُ الدَّمِ إِنْ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُ دَمِهِ بِالْمُقَامِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ أَصْلا، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ الضَّمَانِ أَصْلا، أَلا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَرَفَهُ مُسْلِمًا مُقِيمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلا تُجْعَلُ إِقَامَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُشَارَكَةً لِقَاتِلِهِ فِي قَتْلِهِ، فَيَحْتَمِلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ بِقَتْلِهِمْ، لأَنَّ مُجَرَّدَ الاعْتِصَامِ بِالسُّجُودِ لَا يَكُونُ إِسْلامًا، فَإِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالانْقِيَادِ، فَلا يَحْرُمُ بِهِ قَتْلُ الْكَافِرِ، فَهَؤُلاءِ لَمْ يَحْرُمْ قَتْلُهُمْ بِمُجَرَّدِ سُجُودِهِمْ، إِنَّمَا سَبِيلُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّهِمُ التَّثَبُّتُ وَالتَّوَقُّفُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، ثُمَّ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقَدْ قَتَلُوا مُسْلِمًا مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ لَمْ يَعْرِفُوا إِسْلامَهُ، فَلا دِيَةَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ
بِنِصْفِ الدِّيَةِ اسْتِطَابَةً لأَنْفُسِ أَهْلِيهِمْ، أَوْ زَجْرًا لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ تَرْكِ التَّثَبُّتِ عِنْدَ وُقُوعِ الشُّبْهَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَسِيرَ الْمُسْلِمَ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ إِذَا وَجَدَ إِمْكَانَ الْخَلاصِ وَالانْفِلاتِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُمْ إِنْ خَلَّوْهُ لَا يَخْرُجُ، فَحَلَفَ، فَخَلَّوْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَيَمِينُهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ حَلَفَ اسْتِطَابَةً لِنُفُوسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَلِّفُوهُ، فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ يَعُودُ إِلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ، وَلا يَدَعُهُ الإِمَامُ أَنْ يَعُودَ، وَلَوِ امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إِلا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ، فَضَمِنَ، لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ، وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُسْلِمِ دُخُولَ دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُقَامِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مُقَامِ السَّفَرِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تَتَراءَى نَارَاهُمَا» يَعْنِي: لَا يُسَاكِنُ الْمُسْلِمُ الْكُفَّارَ فِي بِلادِهِمْ بِحَيْثُ لَوْ أَوْقَدُوا نَارًا تَرَى كُلُّ طَائِفَةٍ نَارَ الأُخْرَى، فَجَعَلَ الرُّؤْيَةَ لِلنَّارِ، وَلا رُؤْيَةَ لَهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنْ تَدْنُوَا هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، كَمَا يُقَالُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلانٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَوِي حُكْمَاهُمَا، يَقُولُ: كَيْفَ يُسَاكِنُهُمْ فِي بِلادِهْم وَحُكْمُ دِينِهِمَا مُخْتَلِفٌ؟ وَقِيلَ: أَرَادَ نَارَ الْحَرْبِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 64]، يَقُولُ: كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَنَارُ حَرْبِهِمَا مُخْتَلِفٌ، هَذَا يَدْعُو إِلَى الرَّحْمَنِ، وَيُحَارِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدْعُو إِلَى الشَّيْطَانِ، وَيُحارِبُ عَلَيْهِ.
وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ