الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقَالُ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، لأَنَّ نَفَسَهُ إِنَّمَا يَخْرُجُ بِتَنَفُّسِهِ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ، غَلَبَ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى الآخَرِ، وَالْقَعْصُ: أَنْ يُضْرَبَ، فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْرَحَ، وَالْمَآبُ: الْمَرْجِعُ، مَعْنَاهُ: اسْتَوْجَبَ حُسْنَ الْمَآبِ.
بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التَّوْبَة: 41]، قِيلَ: مَعْنَاهُ: مُوسِرِينَ وَمُعْسِرِينَ.
وَقِيلَ: خَفَّتْ عَلَيْكُمُ الْحَرَكَةُ أَوْ ثَقُلَتْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ نِشَاطًا وَغَيْرَ نِشَاطٍ.
يَعْنِي جَمْعَ نَشِيطٍ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التَّوْبَة: 39]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النِّسَاء: 71]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ، وَوَاحِدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ.
2636 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ، وَهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ، وَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النِّسَاء: 100]، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ وَالانْتِقَالِ إِلَى حَضْرَتِهِ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَيَتَظَاهَرُوا إِنْ حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، وَلِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ أَمْرَ دِينَهُمْ، وَقَطَعَ اللَّهُ الْوِلايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [
الْأَنْفَال: 72]، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ، عَادَ أَمْرُ الْهِجْرَةِ مِنْهَا إِلَى النَّدْبِ وَالاسْتِحْبَابِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَهُمَا هِجْرَتَانِ، فَالْمُنْقَطِعَةُ هِيَ الْفَرْضُ، وَالْبَاقِيَةُ هِيَ النَّدْبُ.
قَالَ الإِمَامُ: الأَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَرَادَ بِهِ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ» أَرَادَ بِهَا هِجْرَةَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ تِلْكَ الدَّارَ، وَيَخْرُجَ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» .
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ، وَسَكَنَ مَعَهُ، فَإِنَّهُ مِثْلُهُ» .
وَقَوْلُهُ: «إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» فِيهِ إِيجَابُ النَّفِيرِ، وَالْخُرُوجُ إِلَى الْغَزْوِ إِذَا وَقَعَتِ الدَّعْوَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى فَرْضِ الْعَيْنِ، وَإِلى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَفَرْضَ الْعَيْنِ: أَنْ يَدْخُلَ الْعَدُوُّ دَارَ قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنيِنَ، أَوْ يَنْزِلُ بِبَابِ بَلَدِهِمْ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْخُرُوجُ إِلَى غَزْوِهِمْ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا، دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَعَنْ جِيرَانِهِمْ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ تَقَعِ الْكِفَايَةُ بِمَا نَزَلَ بِهِمْ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ، وَإِنْ وَقَعَتِ الْكِفَايَةُ بِالنَّازِلِينَ بِهِمْ، فَلا فَرْضَ عَلَى الأَبْعَدِينَ إِلا عَلَى طَرِيقِ الاخْتِيَارِ وَالاسْتِحْبَابِ، وَلا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَسْمِ الْعَبِيدُ، وَالْفُقَرَاءُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ قَارِّينَ فِي بِلادِهِمْ، وَلا يَقْصِدُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا بَلَدًا مِنْ بِلادِهِمْ، فَعَلَى الإِمَامِ أَنْ لَا يُخَلِّيَ سَنَةً مِنْ غَزْوَةٍ يَغْزُوهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسَرَايَاهُ حَتَّى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلا، وَالاخْتِيَارُ لِلْمُطِيقِ لِلْجِهَادِ مَعَ