الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بالرَّجُلِ الْفَاجِرِ ".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: شَهِدْنَا حُنَيْنًا.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ:«قَتَلَ رَجُلٌ نَفْسَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم»
بَابُ القِصَاصِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [الْبَقَرَة: 178] قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ القِصَاصُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [الْبَقَرَة: 178]، أَيْ: تُرِكَ لَهُ، وَصُفِحَ عَنْهُ، فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، وَيَتْرُكَ الْقِصَاصُ.
وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [الْبَقَرَة: 178]، أَيْ: مَنْ جُعِلَ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ، يَعْنِي: الْقَاتِلَ دِيَةٌ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [الْبَقَرَة: 178]، يَعْني: يَتَّبعُ الطَّالِبُ بِالْمَعْرُوفِ، فَلا يَطْلُبُ أَكْثَرَ مِمَّا أُوجِبَ لَهُ مِنَ الدِّيةِ، وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ، وَقِيلَ:{مِنْ أَخِيهِ} [الْبَقَرَة: 178] يَعْنِي بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ، كَمَا قَالَ عز وجل:{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ} [الزخرف: 60]، أَيْ: بَدَلَكُمْ.
{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 178] مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الْبَقَرَة: 178] قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ.
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [الْبَقَرَة: 179]، أَرَادَ أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ يُقَصُّ مِنْهُ، كَفَّ عَنِ الْقَتْلِ، فَفِيهِ حَيَاتُهُ وَحَيَاةُ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
حَيَاةُ مَنْفَعَةٍ، يُقَالُ: لَيْسَ بِفُلانٍ حَيَاةٌ، أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُ خَيْرٌ وَلا شَرٌّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبي شُرَيْحٍ الْكَعْبيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ ".
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيارَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ بَيْنَ الْقِصَاصِ، أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَلا يُعْتَبَرُ رِضَا الْقَاتِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الاخْتِلافَ فِيهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَلَى حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ.
2527 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْجَشْمِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَوْفٍ، نَا حَمْزَةُ أَبُو عُمَرَ الْعَائِدِيُّ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ، حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جِيءَ بِرَجُلٍ قَاتِلٍ فِي عُنُقِهِ النّسعة، قَالَ: فَدَعَا وَلِيَّ الْمَقْتُولِ،
فَقَالَ: «تَعْفُو؟» ، قَالَ: لَا، قَالَ:«فَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟» ، قَالَ: لَا، قَالَ:«أَفَتَقْتُلُ؟» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«اذْهَبْ بِهِ» ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ:«أَتَعْفُو؟» ، قَالَ: لَا، قَالَ:«أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ» ، قَالَ: لَا، قَالَ:«أَفَتَقْتُلُ؟» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«اذْهَبْ بِهِ» ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ:«أَمَا إِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ» ، قَالَ: فَعَفا عَنْهُ، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَجُرُّ النِّسْعَةَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ أَمْ لَا؟ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ إِلا أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ حَالَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَتَشَفَّعَ إِلَى وَلِيِّ الدَّمِ فِي الْعَفْوِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا رأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «رُفِعَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» .
وَفِيهِ إِبَاحَةُ الاسْتِيثَاقِ وَالرِّبَاطِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِذَا خِيفَ انْفِلاتُهُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عُفِيَ عَنْهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَلا يُعَزَّزُ، حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يُضْرَبُ بَعْدَ الْعَفْوِ مِائَةً، وَيُحْبَسُ سَنَةً.
وَقَوْلُهُ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِهِ» ، يَقُولُ: يَبُوءُ، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِيمَا قَارَفَ مِنَ الذُّنُوبِ سِوَى الْقَتْلِ، وَلَوْ قُتِلَ رُبَّمَا كَانَ الْقَتْلُ كَفَّارَةً لَهُ، وَ «إِثْمُ صَاحِبِهِ» ، أَيْ: يَتَحَمَّلُ إِثْمَهُ فِي قَتْلِ صَاحِبِهِ، فَأَضَافَ الإِثْمَ إِلَى صَاحِبِهِ، لِكَوْنِ قَتْلِهِ سَبَبًا لإِثِمْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشُّعَرَاء: 27] أَضَافَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ،
وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ.
وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلِ: «خُذْهُ» فَخَرَجَ بِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا إِنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ» .
قِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَ مِثْلَهُ فِي حُكْمِ الْبَوَاءِ، أَيْ: صَارَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لَا فَضْلَ لِلْمُقْتَصِّ إِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ رَدْعَهُ عَنْ قَتْلِهِ، لأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ، فَلَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ، كَانَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدُفِعَ الْقَاتِلُ إِلَى وَلِيِّهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا إِنْ كَانَ صَادِقًا، فَقَتَلْتَهُ، دَخَلْتَ النَّارَ» ، فَخَلاهُ الرَّجُلُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ قَتْلٌ، هُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ فِيهِ، لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ، كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ.
وَالْقَتْلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ: عَمْدٌ مَحْضٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ كُفْئِهِ، بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، فَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ مُغلَّظةً فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً.
وَالثَّانِي: شِبْهُ الْعَمْدِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَمُوتَ مِثْلُهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الضَّرْبِ غَالِبًا، بِأَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا خَفِيفٍ، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ ضَرَبَةً أَوْ