الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ
2530 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح،، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: " لَا وَالَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بِكَافِرٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ
2531 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، أَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عبادٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» .
2532 -
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنا أَبُو مُحَمَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، أَنا أَبُو سُلَيْمَانَ الْقَزَّازُ، نَا هَانِئُ بْنُ يَحْيَى، نَا قَزْعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقِيَ دَرَجَ الْبَيْتِ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، هِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ، لَا يُخْتَلَى
خَلاهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ لُقَتَطُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا وَمَوْتَانَا.
قَوْلُهُ: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» ، فَمَعْنَى الْيَدِ: النُّصْرَةُ، وَالْمَعُونَةُ بِالْمُحَارَبَةِ مَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَالْمُعَاوَنَةُ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَإِذَا اسْتُنْفِرُوا، فَعَلَيْهِمُ النَّفِيرُ، وَلا يَسَعُهُمُ التَّخَلَّفُ، وَالتَّخَاذُلُ.
قَوْلُهُ: «تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ، يُرِيدُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقِصَاصِ، يُقَادُ الشَّرِيفُ مِنْهُمْ بِالْوَضِيعِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ، وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ شَرِيفًا، أَوْ عَالِمًا، وَالْقَاتِلُ وَضِيعًا جَاهِلا، لَا يُقْتَلُ بِهِ غَيْرُ قَاتِلِهِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا
لَا يَرْضَوْنَ فِي دَمِ الشَّرِيفِ بِالاسْتِقَادَةِ مِنْ قَاتِلِهِ الْوَضِيعِ حَتَّى يَقْتُلُوا عِدَّةً مِنْ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ.
وَقَوْلُهُ: «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» ، مَعْنَاهُ: أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا، حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، أَوِ امْرَأَةً، أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلا تُخْفَرُ ذِمَّتُهُ.
وَقَوْلُهُ: «وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» ، مَعْنَاهُ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ عَنْ بِلادِ الْكُفْرِ، إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدَ الأَمَانِ، لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ دَارًا مِنَ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:«يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِم عَلَى قَاعِدِهِمْ» ، فَالْمُشِدُّ: الْقَوِيُّ، وَالْمُضْعِفُ: مَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ ضِعَافًا، وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ الْمُضْعِفُ: أَمِيرِ الرُّفْقَةِ يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ يَسِيرُونَ بِسَيْرِ الضَّعِيفِ لَا يَتَقَدَّمُونَهُ، فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى بِمَضْيَعَةٍ.
وَالْمُتَسَرِّي: الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ، مَعْنَاهُ: أَنْ يَخْرُجَ الْجَيْشُ، فَيُنِيخُوا بِقُرْبِ دَارِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَنْفَصِلُ مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ، فَيَغْنَمُوا، يَرُدُّونَ مَا غَنِمُوهُ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ هُمْ ردء لَهُمْ، لَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ، بَل يَكُونُونَ جَمِيعًا شُرَكَاءَ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:«وَيَرُدُّ عَلَيْهمْ أَقْصَاهُمْ» ، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِبَلَدَةِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ، فَلا شِرْكَةَ لَهُ فِيهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا لَهُ عَهْدٌ مُؤَبَّدٌ، أَوْ مُسْتَأْمِنًا وَعَهْدَهُ إِلَى مُدَّةٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ:«لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، أَيْ: بِكَافِرِ حَرْبِيٍّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ «وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ، وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِذِي الْعَهْدِ، إِنَّمَا لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ، وَقَالُوا: تَقْدِيرُ الْكَلامُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ» .
ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: قَوْلُهُ: «لَا يُقْتَلُ مُؤمنٌ
بِكَافِرٍ» كَلامٌ تَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَلا وَجْهَ لِضَمِّهِ إِلَى مَا بَعْدِهِ، وَإِبْطَالِ حُكْمِ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ صَحِيفَةِ عَلِيٍّ:«لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ ذِي الْعَهْدِ، فَهُوَ عَامٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْكُفَّارِ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ مُؤْمِنٌ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ، فَكَانَ الذِّمِّيُّ، وَالْمستأمن، وَالْحَرْبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ، أَرَادَ بِهِ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً، مَا دَامَ فِي الْعَهْدِ، وَفِي ذِكْرِ الْمُعَاهِدِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً فَائِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَا أَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الْكَافِرَ، أَوْجَبَ ذَلِكَ تَوْهِينَ حُرْمَةِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ مَنْ وُقُوعِ شُبْهَةٍ لِبَعْضِ السَّامِعِينَ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ، وَإِقْدَامِ الْمُسْرِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَتْلِهِمْ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ فِي حَظْرِ دِمَائِهِمْ دَفْعًا لِلشُّبْهَةِ، وَقَطْعًا لِتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، فَمُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضمرِي، وَكَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَتْرُوكٌ، لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْمَقْتُولَ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولا، فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا، وَلا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْمُسْتَأْمَنِ بِالاتِّفَاقِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ:«لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، فَصَارَ الأَوَّلُ بِهِ مَنْسُوخًا.