الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: اللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْكَلامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَعَقْدُ الْيَمِينِ: أَنْ يُثْبِتَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ كَاذِبًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، فَهُوَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الإِثْمِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ هُوَ فِيهَا غَيْرُ صَادِقٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ، قَالُوا: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ.
هُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [الْبَقَرَة: 224] الآيَةَ.
قَالَ الأَزْهَرِيُّ: {عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [الْبَقَرَة: 224] أَيْ: مَانِعًا لَكُمْ عَنِ الْبِرِّ،
وَالاعْتِرَاضُ: الْمَنْعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ عَنْ أَمْرٍ تُرِيدُهُ، فَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْكَ، وَتَعَرَّضَ لَكَ، وَالأَصْلُ فِيهِ: الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ يَعْتَرِضُ فِيهِ بِنَاءٌ أَوْ شَيْءٌ يَمْنَعُ السَّابِلَةَ مِنْ سُلُوكِهِ، وَقِيلَ: الْعُرْضَةُ: الاعْتِرَاضُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يَقُولُ: لَا تَعْتَرِضُوا بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَلا تَبَرُّوا وَلا تَتَّقُوا.
2435 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ،
عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَرَوَاهُ يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ:«فأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ»
قَالَ الإِمَامُ: الْيَمِينُ فِي الْجُمْلَةِ مَكْرُوهَةٌ إِلا فِيمَا لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [الْبَقَرَة: 224].
أَيْ: مَانِعًا لَكُمْ عَنِ الْبِرِّ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ، فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ بِأَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ، وَيُكَفِّرَ، وَإِلا فَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى، لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [الْمَائِدَة: 89]، أَيِ: احْفَظُوهَا بَعْدَ مَا حَلَفْتُمْ مِنَ الْحِنْثِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَحْلِفُوا.
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا حَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
2436 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ:«وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ» .
ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأُتِيَ بِشَائِلٍ
فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاثِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَا يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلفَ لَا يَحْملُنَا، فَحَمَلَنَا.
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فأَتَينَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ:«مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
وَالشَّائِلُ: وَاحِدُ الشُّوَلِ، وَهِيَ الإِبِلُ، وَقِيلَ: الشَّائِلُ مِنَ النُّوقِ الَّتِي قَلَّ لَبَنُهَا.
وَفِي قَوْلِهِ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ» ، أَضَافَ النِّعْمَةِ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ:«لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَتَيْتُ الَّذي هُوَ خَيْرٌ» وَجْهٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ يَمِينَهُ، وَالنَّاسِي
كَالْمُضْطَرِّ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، كَمَا قَالَ عليه السلام فِي الصَّائِمِ:«مَنْ نَسِيَ فَأَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ» .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا رَزَقَ وَأَغْنَمَ هَذِهِ الإِبِلَ، لَمْ يَسعنِي أَنْ أَمْنَعَكُمُوهَا، فَكَأَنَّهُ حَمَلَكُمْ، إِذْ لَيْسَ لِي مَالٌ أَحْمِلُ عَلَيْهِ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ.
2437 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لأَنْ يلج أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثم لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَوْلُهُ: «يَلِجَّ» : مِنَ اللَّجَاجِ، يَقُولُ: إِقَامَتُهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَتَرْكُ التَّحَلُّلِ بِالْكَفَّارَةِ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ التَّحَلُّلِ، فَكَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالتَّحَلُّلِ إِذَا رَأَى التَّحَلُّلَ خَيْرًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَلِجُّ، فَلا يُكَفِّرُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهَا.