الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الإِمَامُ: قَوْلُهُ «اجْتَهد فَأَخْطَأَ، فَهُوَ فِي النَّارِ» أَرَادَ بِهِ: إِذَا كَانَ اجْتِهَادُهُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ فَفَرْضُهُ الاجْتِهَادُ فِيمَا يَعِنُّ لَهُ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَالْخَطَأُ فِيهِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: مَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، مَا رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحقِّ، فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ ".
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَنْ لَا يَقْضِي إِلا أَمِيرٌ، فَإِنَّهُ أَهْيَبُ لِلظَّالِمِ، وَلِشَاهِدِ الزُّورِ» .
وَقَالَ عُمَرُ لابْنِ مَسْعُودٍ: " أَمَا بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقْضِي وَلَسْتَ بِأَمِيرٍ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَوَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا ".
بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ
2499 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا عَقْلُهُ، وَلا خُلُقُهُ، وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ، فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ، أَوْ خُلُقُهُ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ حَتَّى تَذْهَبَ، وَأَيُّ حَالٍ صَارَ إِلَيْهَا فِيهَا سُكُونُ الطَّبِيعَةِ، وَاجْتِمَاعُ الْعَقْلِ، حَكَمَ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مَرَضٌ، أَوْ حُزْنٌ، أَوْ فَرَحٌ، أَوْ جُوعٌ، أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ مَلالَةٌ، تَرَكَ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «إِيَّاكَ وَالضَّجَرَ، وَالْقَلَقَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَكَ الْخَصْمَانِ،
فَرَأَيْتَ أَحَدَهُمَا يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ، فَأَوْجِعْ رَأْسَهُ».
وَرُوِيَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ:«إِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ، فَإنَّهُ أَحْرَى أَنَّ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ» ، وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى غَائِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَنَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ لأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، وَمَنْ جَوَّزَ قَالَ: هَذَا فِي الْخَصْمَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ اللَّذين يُمْكِنُ سَمَاعُ كَلامِهِمَا، لَا يَقْضِي لأَحَدِهِمَا حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعَ خَصْمِهِ حُجَّةٌ يَدْفَعُ بِهَا حُجَّةَ الْمَحْكُومِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا، فَلا يَتْرُكُ اسْتِمَاعَ كَلامِ الْحَاضِرِ حَتَّى لَا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إِلَى إِبْطَالِ الْحُقُوقِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتُبَ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا حَضَرَ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَعْمِلا مَعْنَى الْخَبَرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَازُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالطِّفْلِ، لِتَعَذُّرِ اسْتِمَاعِ كَلامِهِمَا، كَذَلِكَ الْغَائِبُ.