الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَرْبَتَيْنِ، فَمَاتَ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةً إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَإِنْ كَانَ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا، أَوْ مَرِيضًا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا، لَوْ كَانَ قَوِيًّا، وَلَكِنَّ الضَّارِبَ وَالَى عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ حَتَّى مَاتَ، يَجِبُ الْقَوَدُ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: الْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ أَنْ لَا يَقْصِدَ ضَرْبَهُ، إِنَّمَا قَصَدَ غَيْرَهُ، فَأَصَابَهُ، أَوْ حَفْرَ بِئْرَ عُدْوَانٍ، فَتَرَدَّى فِيهَا إِنْسَانٌ، أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا رَجُلٌ وَمَاتَ، فَلا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلاثِ سِنِينَ.
بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ
2528 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الزُّرَقِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ، فأَخَذَهَا يَهُودِيٌّ، فَرَضَخَ رَأْسَهَا، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ
فأُدْرِكَتْ وَبِهَا رَمَقٌ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلانٌ؟» ، قَالَتْ: بِرَأْسِهَا: لَا، قَالَ:«فُلانٌ؟ حتَّى سَمَّى الْيَهُودِيَّ» ، فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا: نَعَمْ، فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ، فأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرُضِخَ رأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ، كِلاهُمَا عَنْ همَّامٍ
قَوْلُهُ: «عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدِ: يَعْنِي: حُلِيَّ فِضَّةٍ.
قَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتْ أَوْضَاحًا لِبَيَاضِ لَوْنِهَا، وَالْوُضُحُ: الْبَيَاضُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، كَمَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلا مَا حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمَا قَالا: لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ الْمُثَقَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُوجِبْ بَعْضُهُمُ الْقِصَاصَ، إِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَلَوْ أَوْجَرَهُ سُمًّا قَاتِلا يَجِبُ الْقَوَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ.
وَلَوْ جَعَلَ السُّمَّ فِي طَعَامٍ، فَأَطْعَمَهُ الْغَيرَ، فَأَكَلَهُ جَاهِلا بِالْحَالِ، فَمَاتَ، أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْقَوَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، أَمَا إِذَا وَضَعَ الطَّعَامَ الْمَسْمُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ: كُلْ، فَأَكَلَهُ، فَمَاتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَتْلِ، فَيُقْتَصُّ مِنَ الْقَاتِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بِحَجَرٍ، أَوْ رُمِيَ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، أَوْ تَحْرِيقٌ، أَوْ تَغْرِيقٌ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ إِلا بِالسَّيْفِ، هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهَذَا إِذَا قَتَلَهُ بِطَرِيقٍ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ، وَالتَّحْرِيقِ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي فِعْلِهِ بِالْكُفَّارِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ فِي الْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ إِجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَهَدْمُ الْبِنَاءِ، وَالرَّمْيُ مِنَ الشَّوَاهِقِ، وَنَحْوُهَا، فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ رَجُلا بِإِيجَارِ الْخَمْرِ، أَوِ ارْتَكَبَ مِنْهُ فَاحِشَةً، فَكَانَ فِيهَا هَلاكُهُ، أَوْ بِالسِّحْرِ فَلا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، بَلْ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، لأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرِدْ بِإِبَاحَتِهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَسَائِرُ الأَفْعَالِ تَحْرِيمُهَا مِنْ أَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَالتَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا فَعَلَ، جُوزِيَ بِمِثْلِهِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [الْبَقَرَة: 194].