المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القضاء بالشاهد واليمين - شرح السنة للبغوي - جـ ١٠

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ

- ‌بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ

- ‌بَابُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحِنْثِ

- ‌بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌بَابُ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّذْرِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ تَرَكَ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْهُ

- ‌بَابُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيةٍ وَلا فِي مَا لَا يَمْلِكُ

- ‌بَابُنَذْرِاللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌21 - كِتَابُ الإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌وُجُوبِ طَاعَةِ الْوَالِي

- ‌بَابُ الطَّاعةِ فِي الْمَعْرُوفِ

- ‌بَابُ الصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَمِيرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الإِمَامِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌بَابُالرَّاعِيمَسْئُولٌعَنْ رَعِيَّتِهِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَدَلَ مِنَ الرُّعَاةِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ

- ‌بَابُ مَا عَلَى الوُلاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ وَوَعِيدِ مَنْ غَشَّ الرَّعِيَّةَ

- ‌بَابُ وَعِيدِ الْغَدْرِ

- ‌بَابُ الْوَزِيرِ الصَّالِحِ

- ‌بَابُ صَاحِبِ الشُّرَطِ لِلأَمِيرِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ تَوْليَةِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَالاستِخْلافِ

- ‌بَابُ رِزْقِ الوُلاةِ وَالقُضَاةِ

- ‌بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ

- ‌بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ

- ‌بَابُ البَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ

- ‌بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

- ‌بَابُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً

- ‌بَابُ إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ

- ‌بَابُ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ السُّؤَالِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ

- ‌بَابُ تَغْلِيظِ اليَمينِ

- ‌22 - كِتَابُ الْقِصَاصِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ

- ‌بَابُ القِصَاصِ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ

- ‌بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ

- ‌بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ

- ‌بَابُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بالْعَبْدِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الجَمَاعَةِ بالواحِدِ

- ‌بَابُ الدِّيَةِ

- ‌بَابُ دِيةِ الأَعضَاءِ

- ‌بَابُ دِيَةِ أَهلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌بَابُ القِسَامَةِ

- ‌23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ

- ‌بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ

- ‌بَابُ مَنْ قَصَدَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ حَرِيمَهُ فَدَفَعَهُ

- ‌بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتَ إِنْسَانٍ فَرَمَاهُ فَأَصَابَ عَيْنَهُ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

- ‌بَابُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ بالسِّلاحِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ

- ‌بَابُ إِذَا مَرَّ وَمَعَهُ سِهَامٌ يُمْسِكُ بِنِصَالِهَا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ يُعَذِّبُ النَّاسَ

- ‌24 - كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌بَابُ رَجْمِ الذمِّيِّ إِذا زَنَى وَإِحصَانِهِ

- ‌بَابُالإِقْرَارِبِالزِّنَا

- ‌بَابُ الْمَوْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ

- ‌بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌بَابُ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٌ

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ

- ‌بَابُمَالَاقَطْعَ فِيهِ

- ‌بَابُ السَّارِقِ يَسْرِقُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ الشَّرِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌25 - كِتَابُ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْجِهادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌بَابُ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَالْغَازِي يَمُوتُ

- ‌بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ

- ‌بَابُ لَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

- ‌بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا

- ‌بَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ

- ‌بَابُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

- ‌بَابُ السَّيْفِ وَحِلْيَتِهِ

- ‌بَاب الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ

- ‌بَابُ التُّرْسِ

- ‌بَابُ الرَّايَاتِ وَالأَلْوِيَةِ

الفصل: ‌باب القضاء بالشاهد واليمين

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمرَان: 77] الآيَةَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُحَلَّفُ فِي الْخُصُومَاتِ، كَمَا يُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلانٍ عَلَى فُلانٍ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَلا يَقْدَحُ فِيهَا جَهْلُ الأَوَّلَيْنِ، كَمَا أَخْبَرَ بِلالٌ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ الكَعْبَةَ، فَصَلَّى» ، وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُصَلِّ.

فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ بِلالٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيَّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ.

وَقَالَ طَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

2502 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 102

الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُوَلَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» .

قَالَ عَمْرٌو: وَفِي الأَمْوَالِ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ

2503 -

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: نَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» .

رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، وَيُرْوَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ

ص: 103

بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، جَوَّزُوا الْقَضَاءَ لِلْمُدَّعِي بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ فِي الأَمْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِ الْكُوفَةِ: «أَنِ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا يَجُوزُ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

فَأَما إِذَا أَقَامَ المدَّعي بَيِّنَةً عَادِلَةً، فَلا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي مَعَهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا، كَانَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا اسْتَرَابَ الْحَاكِمُ أَوْجَبَ ذَلِكَ.

قَالَ الإِمَامُ رحمه الله: وَالشَّهَادَاتُ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ، فَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ الْعُدُولِ، لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وَالْعُقُوبَاتُ بِأَجْمَعِهَا لَا تَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَمَّا غَيْرُ الْعُقُوبَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ الْمَالَ، وَهُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا، فَلا يَثْبُتُ أَيْضًا إِلا بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَذَلِكَ مِثْلُ النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَالْوِكَالَةِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ غَالِبًا، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْوِلادَةِ، وَالرَّضَاعِ، وَالثّيَابةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْحَيْضِ، وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالإِجَازَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْقَرْضِ، وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَنَحْوِهَا فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الانْفِرَادِ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ

ص: 104

وَتَعَالَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [الْبَقَرَة: 282]، أَيْ: تَنْسَى الشَّهَادَةَ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَاضِي هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجل شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ» ، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيَّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ إِذْ كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهَا فِي نِكَاحِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا جَازَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا إِلا الْمَعْرِفَةُ الظَّاهِرَةُ، فَعِلْمُهُ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ فِي وِلايَتِهِ، أَوْ قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلُ الْحِجَازِ.

وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلا بِشَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، لأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظَّنَّ، فَقَالَ:«إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ» .

ص: 105