المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قضاء القاضي لا ينفذ إلا ظاهرا - شرح السنة للبغوي - جـ ١٠

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ

- ‌بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ

- ‌بَابُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحِنْثِ

- ‌بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌بَابُ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّذْرِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ تَرَكَ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْهُ

- ‌بَابُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيةٍ وَلا فِي مَا لَا يَمْلِكُ

- ‌بَابُنَذْرِاللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌21 - كِتَابُ الإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌وُجُوبِ طَاعَةِ الْوَالِي

- ‌بَابُ الطَّاعةِ فِي الْمَعْرُوفِ

- ‌بَابُ الصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَمِيرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الإِمَامِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌بَابُالرَّاعِيمَسْئُولٌعَنْ رَعِيَّتِهِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَدَلَ مِنَ الرُّعَاةِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ

- ‌بَابُ مَا عَلَى الوُلاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ وَوَعِيدِ مَنْ غَشَّ الرَّعِيَّةَ

- ‌بَابُ وَعِيدِ الْغَدْرِ

- ‌بَابُ الْوَزِيرِ الصَّالِحِ

- ‌بَابُ صَاحِبِ الشُّرَطِ لِلأَمِيرِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ تَوْليَةِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَالاستِخْلافِ

- ‌بَابُ رِزْقِ الوُلاةِ وَالقُضَاةِ

- ‌بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ

- ‌بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ

- ‌بَابُ البَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ

- ‌بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

- ‌بَابُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً

- ‌بَابُ إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ

- ‌بَابُ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ السُّؤَالِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ

- ‌بَابُ تَغْلِيظِ اليَمينِ

- ‌22 - كِتَابُ الْقِصَاصِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ

- ‌بَابُ القِصَاصِ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ

- ‌بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ

- ‌بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ

- ‌بَابُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بالْعَبْدِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الجَمَاعَةِ بالواحِدِ

- ‌بَابُ الدِّيَةِ

- ‌بَابُ دِيةِ الأَعضَاءِ

- ‌بَابُ دِيَةِ أَهلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌بَابُ القِسَامَةِ

- ‌23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ

- ‌بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ

- ‌بَابُ مَنْ قَصَدَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ حَرِيمَهُ فَدَفَعَهُ

- ‌بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتَ إِنْسَانٍ فَرَمَاهُ فَأَصَابَ عَيْنَهُ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

- ‌بَابُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ بالسِّلاحِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ

- ‌بَابُ إِذَا مَرَّ وَمَعَهُ سِهَامٌ يُمْسِكُ بِنِصَالِهَا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ يُعَذِّبُ النَّاسَ

- ‌24 - كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌بَابُ رَجْمِ الذمِّيِّ إِذا زَنَى وَإِحصَانِهِ

- ‌بَابُالإِقْرَارِبِالزِّنَا

- ‌بَابُ الْمَوْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ

- ‌بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌بَابُ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٌ

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ

- ‌بَابُمَالَاقَطْعَ فِيهِ

- ‌بَابُ السَّارِقِ يَسْرِقُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ الشَّرِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌25 - كِتَابُ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْجِهادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌بَابُ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَالْغَازِي يَمُوتُ

- ‌بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ

- ‌بَابُ لَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

- ‌بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا

- ‌بَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ

- ‌بَابُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

- ‌بَابُ السَّيْفِ وَحِلْيَتِهِ

- ‌بَاب الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ

- ‌بَابُ التُّرْسِ

- ‌بَابُ الرَّايَاتِ وَالأَلْوِيَةِ

الفصل: ‌باب قضاء القاضي لا ينفذ إلا ظاهرا

قَوْلُهُ: فَأَسْهِمْ بَيْنَهُمَا، أَيْ: أَقْرِعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].

‌بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا

2506 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِنَّمَا أَنَّا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ،

ص: 110

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ

قَوْلُهُ: «أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ» أَيْ: أَفْطَنُ لَهَا، وَاللَّحَنُ مَفْتُوحَةُ الْحَاءِ: الْفِطْنَةُ، يُقَالُ لَحِنْتُ لِلشَّيْءِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَلْحَنُ لَهُ لَحْنًا، وَرَجُلٌ لَحِنٌ، أَيْ: فَطِنٌ.

وَاللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: الْخَطَأُ، يُقَالُ: لَحَنَ الرَّجُلُ فِي كَلامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ يَلْحَنُ لَحْنًا، وَاللَّحْنُ: النَّحْوُ وَاللُّغَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه:«تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ» .

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ عُمَرَ: تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ، أَيِ: الْخَطَأُ فِي الْكَلامِ.

وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [مُحَمَّد: 30] أَيْ: فِي قَصْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَيُقَالُ: لَحَنَ فُلانٌ: إِذَا أَخَذَ فِي نَاحِيَةٍ عَنِ الصَّوَابِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْفُذُ إِلا ظَاهِرًا، وَأَنَّهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلا يُحَرِّمُ حَلالا، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ، وَالْمَحْكُومُ لَهُ عَالِمٌ بِحَقِيقَةِ الْحَالَ، فَلا يَحِلُّ لَهُ فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفسُوخِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ زُورًا أَنَّ

ص: 111

فُلانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّاهِدِينَ أَنْ يَنْكِحَهَا.

وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ قَضَاءَهُ فِي الدِّمَاءِ وَالأَمْلاكِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا، أَمَّا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِثْلِ أَنْ قَضَى حَنِيفِيٌّ بِشُفْعَةِ الْجَارِ لِرَجُلٍ لَا يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهَا، أَوْ قَضَى لِرَجُلٍ يَعْتَقِدُ وُقُوعَ الطَّلاقِ بِتَعْلِيقِ سَبْقِ النِّكَاحِ أَنَّهُ حَلالٌ لَهُ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ جَدٍّ وَأَخٍ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ لِلْجَدِّ عَلَى مَذْهَبِ الصِّدِّيقِ، وَالْمَحْكُومُ لَهُ يَرَى رَأْيَ زَيْدٍ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالْمَالِ دُونَ الأَخِ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ خَالٍ لَا يَرَى تَوْرِيثَ ذَوِي الأَرْحَامِ، فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالْمَالِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوَرِّثُهُ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لأَنَّهُ أَمْرٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْخَطَإِ فِيهِ يَقِينًا فِي الدُّنْيَا، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِالاجْتِهَادِ نَافِذٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ بِمُصِيبٍ، إِنَّمَا الإِصَابَةُ مَعَ وَاحِدٍ، وَإِثْمُ الْخَطَإِ عَنِ الآخَرِ مَوْضُوعٌ، لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي مَسْمُوعَةٌ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

2507 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ،

ص: 112

عَنْ أَبِي أُمَامَةُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» .

قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

2508 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ، فَقَالَ:«مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» ، فَقَالَ الرَّجُلانِ كلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي، فَقَالَ:«وَلَكِنِ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ»

ص: 113

قَوْلُهُ: «فَتَوَخَّيَا» ، أَيِ: اقْصُدَا الْحَقَّ فِيمَا تَصْنَعَانِهِ مِنَ الْقِسْمَةِ، «ثُمَّ اسْتَهِمَا» ، أَيِ: اقْتَرِعَا، وَقِيلَ: أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَصِحُّ إِلا فِي الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ، ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَةَ، لأَنَّ التَّوَخِّيَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَالْقُرْعَةُ نَوْعٌ مِنَ الْبَيِّنَةِ، فَهِيَ أَقْوَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ يَقِينِ بَرَاءَةٍ وَطِيبَةِ نَفْسٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ وَالتَّحْلِيلَ، وَالْقِسْمَةُ لَا تَكُونُ إِلا فِي الأَعْيَانِ، وَالتَّحْلِيلُ لَا يَصِحُّ إِلا فِيمَا يَقَعُ فِي الذِّمَمِ دُونَ الأَعْيَانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ مَعْنَى التَّحْلِيلِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاجٍ وَغَلَّةٍ حَصَلَ لأَحَدِهِمَا مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْقِسْمَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ بِخِلافِهِ، بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِخِلافِهِ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى خِلافِ مَا تَوَهَّمَهُ، فَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ» .

وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «لَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ، ثُمَّ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، فَهُدِيتَ لِرُشْدِهِ أَنْ تَنْقُضَهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يَنْقُضُهُ شَيْءٌ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ» .

ص: 114