الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [الْمَائِدَة: 45].
2529 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، نَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَوْا إِلا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» .
فَرَضِيَ الْقَوْمُ، فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا
قَوْلُهُ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ سبحانه وتعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [الْمَائِدَة: 45] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [الْمَائِدَة: 45] وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ شَرَائِعَ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لازِمَةٌ لَنَا مَا لَمْ يُرِدِ النَّسْخُ فِي شَرْعِنَا، وَقِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْل: 126] إِلَى قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [الْمَائِدَة: 45]، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَؤُهُ مَرْفُوعًا عَلَى طَرِيقِ الابْتِدَاءِ.
وَقِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ، مَعْنَاهُ: فَرْضُ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ طَرَفٍ لَهُ مَفْصِلٌ مَعْلُومٌ، قَطَعَهُ مِنْ مَفْصِلِهِ مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتَصُّ مِنْهُ كَالأُصْبُعِ يَقْطَعُهَا، أَوِ الْيَدِ يَقْطَعُهَا مِنَ الْكُوعِ، أَوْ مِنَ الْمِرْفَقِ، أَوِ الرِّجْلِ يَقْطَعُهَا مِنَ الْمَفْصِلِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ، أَوْ قَطَعَ لِسَانَهُ، أَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ، أَوْ جَبَّ ذَكَرَهُ، أَوْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَو شَجَّهُ مُوضِحَةً
فِي رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَوْ جَرَحَ رَأْسَهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ جَرَحَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ هَشَمَ الْعَظْمَ، فَلا قَوَدَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْكُوعِ، وَيَأْخُذَ حُكُومَةً مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ.
لَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ، وَالْخَمْشَةِ، إِنَّمَا فِيهَا التَّعْذِيرُ تَأْدِيبًا، وَالْحُكُومَةُ إِنْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا: الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُقَادُ مِنَ اللَّطْمَةِ، وَالضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ أَقَادَ مِنْ لَطْمَةٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ، وَأَقَادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلاثَةٍ أَسْوَاطٍ، وَحَمَلَ هَذَا مَنْ لَمْ يُوجِبْ بِهِ الْقَوَدَ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ.
وَاقْتَصَّ
شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ، وَخَمُوشٍ، وَأَقَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْمُنَقِّلَةِ، وَأَقَادَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ، وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْقَوَدَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حضير، " بَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ يُضْحِكُهُمْ وَكَانَ فِيهِ مُزَاحٌ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ، فَقَالَ: أَصْبِرْنِي.
فَقَالَ: اصْطَبِرْ.
فَقَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا، وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ.
فَرَفَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَمِيصِهِ،
فَاحْتَضَنَهُ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ".
قَوْلُهُ: «أَصْبِرْنِي» ، أَيْ: أَقِدْنِي، وَاصْطَبِرْ: أَيِ: اسْتَقِدْ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ قَسْمًا أَقْبَلَ رَجُلٌ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ، فَجُرِحَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَعَالَ فَاسْتَقِدْ» .
فَقَالَ: بَلْ عَفَوْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ فَعَلَ، فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أُقِصَّهُ مِنْهُ» .
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَوْ أَنَّ رَجُلا أَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتَهُ أَتُقِصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَلا أُقِصُّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ» .