المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قتال الخوارج والملحدين - شرح السنة للبغوي - جـ ١٠

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ

- ‌بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ

- ‌بَابُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحِنْثِ

- ‌بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌بَابُ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّذْرِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ تَرَكَ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْهُ

- ‌بَابُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيةٍ وَلا فِي مَا لَا يَمْلِكُ

- ‌بَابُنَذْرِاللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌21 - كِتَابُ الإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌وُجُوبِ طَاعَةِ الْوَالِي

- ‌بَابُ الطَّاعةِ فِي الْمَعْرُوفِ

- ‌بَابُ الصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَمِيرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الإِمَامِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌بَابُالرَّاعِيمَسْئُولٌعَنْ رَعِيَّتِهِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَدَلَ مِنَ الرُّعَاةِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ

- ‌بَابُ مَا عَلَى الوُلاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ وَوَعِيدِ مَنْ غَشَّ الرَّعِيَّةَ

- ‌بَابُ وَعِيدِ الْغَدْرِ

- ‌بَابُ الْوَزِيرِ الصَّالِحِ

- ‌بَابُ صَاحِبِ الشُّرَطِ لِلأَمِيرِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ تَوْليَةِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَالاستِخْلافِ

- ‌بَابُ رِزْقِ الوُلاةِ وَالقُضَاةِ

- ‌بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ

- ‌بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ

- ‌بَابُ البَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ

- ‌بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

- ‌بَابُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً

- ‌بَابُ إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ

- ‌بَابُ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ السُّؤَالِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ

- ‌بَابُ تَغْلِيظِ اليَمينِ

- ‌22 - كِتَابُ الْقِصَاصِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ

- ‌بَابُ القِصَاصِ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ

- ‌بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ

- ‌بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ

- ‌بَابُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بالْعَبْدِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الجَمَاعَةِ بالواحِدِ

- ‌بَابُ الدِّيَةِ

- ‌بَابُ دِيةِ الأَعضَاءِ

- ‌بَابُ دِيَةِ أَهلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌بَابُ القِسَامَةِ

- ‌23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ

- ‌بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ

- ‌بَابُ مَنْ قَصَدَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ حَرِيمَهُ فَدَفَعَهُ

- ‌بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتَ إِنْسَانٍ فَرَمَاهُ فَأَصَابَ عَيْنَهُ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

- ‌بَابُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ بالسِّلاحِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ

- ‌بَابُ إِذَا مَرَّ وَمَعَهُ سِهَامٌ يُمْسِكُ بِنِصَالِهَا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ يُعَذِّبُ النَّاسَ

- ‌24 - كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌بَابُ رَجْمِ الذمِّيِّ إِذا زَنَى وَإِحصَانِهِ

- ‌بَابُالإِقْرَارِبِالزِّنَا

- ‌بَابُ الْمَوْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ

- ‌بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌بَابُ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٌ

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ

- ‌بَابُمَالَاقَطْعَ فِيهِ

- ‌بَابُ السَّارِقِ يَسْرِقُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ الشَّرِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌25 - كِتَابُ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْجِهادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌بَابُ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَالْغَازِي يَمُوتُ

- ‌بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ

- ‌بَابُ لَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

- ‌بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا

- ‌بَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ

- ‌بَابُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

- ‌بَابُ السَّيْفِ وَحِلْيَتِهِ

- ‌بَاب الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ

- ‌بَابُ التُّرْسِ

- ‌بَابُ الرَّايَاتِ وَالأَلْوِيَةِ

الفصل: ‌باب قتال الخوارج والملحدين

‌23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ

‌بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ

2552 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ:«وَيْلَكَ، فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ لَهُ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثمَّ يُنْظَرُ إِلَى نضيه، وَهُوَ قِدْحُهُ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ، فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ، وَالدَّمَ،

ص: 224

آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينَ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ».

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ، فَأُتِيَ بِهِ حتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ

ص: 225

قَوْلُهُ: «لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ» أَيْ: لَا يُقْبَلُ وَلا يُرْفَعُ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

وَقَوْلُهُ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ» أَيْ: يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ، أَيْ مِنَ طَاعَةِ الأَئِمَّةِ، وَالدِّينُ: الطَّاعَةُ، وَهَذَا نَعْتُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ لَا يَدِينُونَ لِلأَئِمَّةِ، وَيَسْتَعْرِضُونَ النَّاسَ بِالسَّيْفِ، «كَمَا يَمْرُقُ» أَيْ: كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَالرَّمِيَّةُ: الصَّيْدُ الَّذِي نَقْصُدُهُ، فَتَرْمِيهِ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: هِيَ الطَّرِيدَةُ الَّتِي يَرْمِيهَا الصَّائِدُ، وَهِيَ كَلُّ دَابَّةٍ مَرْمِيَّةٍ.

وَالرِّصَافُ: عَقَبٌ يُلْوَى عَلَى مَوْضِعِ الْفُوقِ، وَعَلَى مَدْخَلِ النَّصْلِ مِنَ السَّهْمِ، وَوَاحِدُ الرِّصَافِ رَصْفَةٌ، يُقَالُ: رَصَفْتُ السَّهْمَ أَرْصُفُهُ، وَسَهْمٌ مَرْصُوفٍ، وَالنَّضِيُّ: الْقِدْحُ قَبْلَ أَنْ يُنْحَتَ، وَالنَّضِيُّ: مَا بَيْنَ النَّصْلِ وَالرِّيشِ مِنَ الْقِدْحِ.

وَالْقُذَذُ: الرِّيشُ يُرَاشُ بِهِ السَّهْمُ، وَهِيَ جَمْعُ قُذَّةٍ، وَكُلُّ رِيشَةٍ مِنْهَا قُذَّةٌ، يُقَالُ: هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْقُذَّةِ بِالْقَذَّةِ، لأَنَّهُنَّ يُحْذَيْنَ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ: «قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ» يَعْنِي مَرَّ مَرًّا سَرِيعًا فِي الرَّمِيَّةِ لَمْ يَعْلَقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ.

يَقُولُ: فَكَذَلِكَ دُخُولُ هَؤُلاءِ فِي الإِسْلامِ، ثُمَّ خُرُوجُهُمْ مِنْهُ لَمْ يَتَمَسَّكُوا فِيهِ بِشَيْءٍ.

وَقَوْلُهُ: «تَدَرْدَرُ» أَيْ: تَتَحَرَّكُ، فَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ، وَمِنْهُ دُرْدورُ الْمَاءِ، وَمِثْلُهُ: تَذَبْذَبَ، وَتَقَلْقَلَ، وَتَدَلْدَلَ.

2553 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،

ص: 226

أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَسَأَلاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ، سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا، قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أَوْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ، إِلَى نَصلِهِ، إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ هَل عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى

2554 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رسُولِ

ص: 227

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَاللَّهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ علَيْهِ، وَمَا حَدَّثْتُكُمْ بَيْنِي وَبَيْنكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" يَكُونُ فِي آخِرَ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، أَوْ قَالَ: حَنَاجِرَهُمْ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَ لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ:«سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الأَسْنَانِ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ

ص: 228

وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ:«سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْداثُ الأَسْنَانِ»

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ مَنَعَ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ قَتْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ: «فَأَيْنَ لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُم» ، وَيُرْوَى:«لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» ؟ قِيلَ: إِنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُمْ إِذَا كَثُرُوا، وَامْتَنَعُوا بِالسِّلاحِ، وَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَوْجُودَةً حِينَ مَنَعَ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَأَوَّلُ مَا نَجَمَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قَتَلَ كَثِيرًا مِنْهُمْ.

2555 -

حدَّثنا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ التَّمِيمِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي نَصْرٍ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأَطْرَابُلْسِيُّ، نَا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سَمعْتُ أَبَا سَعيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «

ص: 229

تكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلاهُمْ بِالْحَقِّ»

2556 -

أَخْبَرَنَا

أَبُو

سَعْدٍ

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقطيعيّ، بِبَغْدَادَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، نَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبِ الْجُهَنِيُّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذينَ كَانُوا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صَلاتُكُمْ إِلَى صَلاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لنكلوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى رَأسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ بِيضٌ،

ص: 230

أَفَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلاءِ، يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؟ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.

قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَلْتُ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلا حَتَّى مَرَرْنَا عَلى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَتَزَحَّفُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِم، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ.

فالْتَمَسُوا، فَلَم يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَليٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: أَخِّرُوهُمْ.

فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأَرْضِ، فَكَبَّرَ عَليٌّ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنينَ أَللَّه الَّذي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ!! لَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟

ص: 231

قَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ، حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

قَوْلُهُ: «فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِم» مَعْنَاهُ: رَمَوْا بِهَا عَلَى بُعْدٍ، يُقَالُ لِلإِنْسَانِ إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَرَمَى بِهِ عَلَى بُعْدٍ: قَدْ وَحَّشَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: «شَجَرَهُمُ النَّاسَ بِرِمَاحِهِمْ» أَيْ: دَافَعُوهُمْ بِالرِّمَاح وَكَفُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، يُقَالُ: شَجَرْتُ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا: إِذَا كَفَفْتَهَا بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ شَبَّكُوهُمْ بِالرِّمَاحِ، فَقَتَلُوهُمْ، مِنَ الاشْتِجَارِ، وَهُوَ الاخْتِلاطُ، وَالاشْتِبَاكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: شَجَرَ بَيْنَهُمْ كَلامٌ، أَيِ: اخْتَلَطَ، وَيُرْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْمُخْدَجِ فِيهِمْ «رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ» ، وَيُرْوَى «مُثْدَنُ الْيَدُ» وَمَعْنَاهُ: صَغِيرُ الْيَدِ مُجْتَمِعَةً بِمَنْزِلَةِ ثَنْدُوَةِ الثَّدْيِ، وَأَصْلُهُ مُثَنَّدٌ، فَقُدِّمَتِ الدَّالُ عَلَى النُّونِ كَمَا قَالُوا: جَبَذَ وَجَذَبَ، وَالثَّنْدُوَةُ مَفْتُوحَةُ الثَّاءِ بِلا هَمْزٍ، فَإِذَا ضَمَمْتَ الثَّاءِ قُلْتَ: ثُنْدُوَءةً، مَهْمُوزَةً.

وَيُرْوَى «مُؤدَنٌ» وَ «مَوْدُونُ الْيَدِ» وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ وَدَنْتُ الشَّيْءَ، وَأَدَنْتُهُ: إِذَا نَقَصْتُهُ وَصَغَّرْتُهُ.

2557 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ

ص: 232

الْحَافِظُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلى تَنْزِيلِهِ» ، قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا هَوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ» ، قَالَ: وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدِ احْتَجَّ بِمِثْلِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى الْخَوَارِجَ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنيِنَ.

وَقَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: إِنَّ الْخَوَارِجَ اخْتَلَفُوا فِي الإِسْلامِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى السَّيْفِ

ص: 233

2558 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ» ، قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ» ، أوْ قَالَ:«التَّسْبِيدُ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

التَّسْبِيدُ: هُوَ الحَلْقُ وَاسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ، وَيُقَالُ: هُوَ تَرْكُ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ.

رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسَ قدِمَ مَكَّةَ مُسَبِّدًا رَأْسَهُ، وَأَرَادَ تَرْكَ التَّدَهُّنِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ.

2559 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ عَلِيِّ الْخَزَّازُ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُقْرِئُ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ،

ص: 234

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللَّهِ قَاتِلُ الْقَاسِطِينَ، وَالنَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي»

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا بَغَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَتْ عَلَى إِمَامِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَنَصَّبَتْ إِمَامًا، وَامْتَنَعَتْ عَنْ طَاعَةِ إِمَامِ الْعَدْلِ، يَبْعَثُ الإِمَام إِلَيْهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ: مَا تَنْقِمُونَ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً، أَزَالَهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةٍ، يَقُولُ لَهُمْ: عُودُوا إِلَى طَاعَتِي لِتَكُونَ كَلِمَتُكُمْ، وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً، فَإِنِ امْتَنَعُوا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ، وَإِنِ امْتَنَعُوا عَنِ الْمُنَاظَرَةِ، أَوْ نَاظَرُوا وَظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَأَصَرُّوا عَلَى بَغْيِهِمْ، يُقَاتِلُهُمُ الإِمَامُ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى طَاعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].

وَسُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا» ، قِيلَ: مُنَافِقُونَ هُمْ؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا» ، قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: «إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا، فَقَاتَلْنَاهُمْ» .

قَالَ الإِمَامُ: وَمَا أَتْلَفَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى فِي الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَلا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الأَكْثَرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

ص: 235

فِي الْجَدِيدِ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلا مَالٍ، فَأَشْبَهُ هَذَا أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ، وَمَا تَلِفَ مِنَ الأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ، وَأُتْلِفَ فِيهَا أَمْوَالٌ، ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَنْ سَكَنَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ، فَمَا عَلِمْتُ اقْتُصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلا أُغْرِمَ مَالا أَتْلَفَهُ.

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: مَا أَتْلَفَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ عَلَى الْعَادِلَةِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، ضَمِنُوهُ، فَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ، مَالا كَانَ أَوْ نَفْسًا بِالاتِّفَاقِ.

وَمَنْ وَلَّى مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ ظَهْرَهُ فِي الْحَرْبِ هَارِبًا، لَا يُتْبَعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْخَنَ وَاحِدٌ، أَوْ أُسِرَ، فَلا يُقْتَلُ، نَادَى مُنَادِي عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: أَلا لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، يُرِيدُ: لَا يُجْهَزُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُقْتَلُ، وَأُتِيَ عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:«لَا أَقْتُلُكَ صَبْرًا، إِنِّي أَخَافُ رَبَّ الْعَالَمِينَ» ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ.

قَالَ حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَوْلا أَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ كَيْفَ يُقَاتِلُهُمْ.

وَإِذَا اسْتَوْلَى أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ، فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ أَهْلِهَا لَا يُثْنَى عَلَيْهِمْ، وَيَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عُدُولِهِمْ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي حَقِّهِمْ بِاجْتِمَاعِ ثَلاثِ شَرَائِطَ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ مُحْتَمَلٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرائِطِ،

ص: 236