المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اجتهاد الحاكم - شرح السنة للبغوي - جـ ١٠

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌20 - كِتَابُ الأَيْمَانِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفةٍ مِنْ صِفَاتِهِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌بَابُ لَغْوِ الْيَمِينِ

- ‌بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يَتَحَلَّلُ ويُكَفِّرُ

- ‌بَابُ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحِنْثِ

- ‌بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌بَابُ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّذْرِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ قُرْبَةً وَغَيْرَ قُرْبَةٍ تَرَكَ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ

- ‌بَابُ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْهُ

- ‌بَابُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيةٍ وَلا فِي مَا لَا يَمْلِكُ

- ‌بَابُنَذْرِاللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ

- ‌21 - كِتَابُ الإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌وُجُوبِ طَاعَةِ الْوَالِي

- ‌بَابُ الطَّاعةِ فِي الْمَعْرُوفِ

- ‌بَابُ الصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَمِيرِ وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ مَنْ يَخْرُجُ عَلَى الإِمَامِ وَالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ

- ‌بَابُالرَّاعِيمَسْئُولٌعَنْ رَعِيَّتِهِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ عَدَلَ مِنَ الرُّعَاةِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ

- ‌بَابُ مَا عَلَى الوُلاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ وَوَعِيدِ مَنْ غَشَّ الرَّعِيَّةَ

- ‌بَابُ وَعِيدِ الْغَدْرِ

- ‌بَابُ الْوَزِيرِ الصَّالِحِ

- ‌بَابُ صَاحِبِ الشُّرَطِ لِلأَمِيرِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ تَوْليَةِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ عَقْدِ الْبَيْعَةِ وَالاستِخْلافِ

- ‌بَابُ رِزْقِ الوُلاةِ وَالقُضَاةِ

- ‌بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ

- ‌بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الْقَضَاءِ

- ‌بَابُ الْقَاضِي لَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ

- ‌بَابُ البَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنكَرَ

- ‌بَابُ القَضَاءِ بالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ

- ‌بَابُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً

- ‌بَابُ إِذَا تَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى جَمَاعَةٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَنْفَذُ إِلا ظَاهِرًا

- ‌بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ

- ‌بَابُ شَرَائِطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابُ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ السُّؤَالِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ

- ‌بَابُ تَغْلِيظِ اليَمينِ

- ‌22 - كِتَابُ الْقِصَاصِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ

- ‌بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ

- ‌بَابُ القِصَاصِ

- ‌بَابُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ

- ‌بَابُ الْقِصَاصِ فِي الأَطْرَافِ

- ‌بَابُ لَا يُقْتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ

- ‌بَابُ الْحُرِّ يُقْتَلُ بالْعَبْدِ

- ‌بَابُ قَتْلِ الجَمَاعَةِ بالواحِدِ

- ‌بَابُ الدِّيَةِ

- ‌بَابُ دِيةِ الأَعضَاءِ

- ‌بَابُ دِيَةِ أَهلِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ دِيَةِ الجَنِينِ

- ‌بَابُ القِسَامَةِ

- ‌23 - كِتابُ قِتالِ أهْلِ الْبَغْيِ

- ‌بَابُ قِتالِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ

- ‌بَابُ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ

- ‌بَابُ مَنْ قَصَدَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ حَرِيمَهُ فَدَفَعَهُ

- ‌بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتَ إِنْسَانٍ فَرَمَاهُ فَأَصَابَ عَيْنَهُ

- ‌بَابُ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ

- ‌بَابُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ بالسِّلاحِ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ

- ‌بَابُ إِذَا مَرَّ وَمَعَهُ سِهَامٌ يُمْسِكُ بِنِصَالِهَا

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ يُعَذِّبُ النَّاسَ

- ‌24 - كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌بَابُ رَجْمِ الذمِّيِّ إِذا زَنَى وَإِحصَانِهِ

- ‌بَابُالإِقْرَارِبِالزِّنَا

- ‌بَابُ الْمَوْلَى يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ

- ‌بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌بَابُ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٌ

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ

- ‌بَابُمَالَاقَطْعَ فِيهِ

- ‌بَابُ السَّارِقِ يَسْرِقُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى

- ‌بَابُ قَطْعِ يَدِ الشَّرِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ الشَّارِبِ

- ‌بَابُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌25 - كِتَابُ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْجِهادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

- ‌بَابُ النِّيَّةِ فِي الْجِهَادِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَالْغَازِي يَمُوتُ

- ‌بَابُ فَرْضِ الْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ

- ‌بَابُ لَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ

- ‌بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ

- ‌بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخَيْلِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا

- ‌بَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ

- ‌بَابُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

- ‌بَابُ السَّيْفِ وَحِلْيَتِهِ

- ‌بَاب الدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ

- ‌بَابُ التُّرْسِ

- ‌بَابُ الرَّايَاتِ وَالأَلْوِيَةِ

الفصل: ‌باب اجتهاد الحاكم

قَالَ الإِمَامُ: هَذَا إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ، فَأَمَّا إِذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَلا يَنْقُضْهُ، وَيَقْضِي بَعْدَهُ فِيهَا بِمَا تَغَيَّرَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌بَابُ اجْتِهَادِ الحَاكِمِ

2509 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح، وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ، فَاجْتَهَدَ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ، فَاجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» .

قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ

ص: 115

حَيْوَة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَرَأَ:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الْأَنْبِيَاء: 78] إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الْأَنْبِيَاء: 79]، قَالَ: فحَمِدَ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ، وَلَوْلا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ، وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ.

قَالَ الإِمَامُ: الاجْتِهَادُ هُوَ رَدُّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَادِثَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى الْحُكْمِ فِيهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَحْكُمُ بِالسُّنَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَجْتَهِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:«كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ:«فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» .

ص: 116

قَوْلُهُ: «أجْتَهِدُ رَأْيِي» لَمْ يُرِدْ بِهِ الرَّأْيَ الَّذِي يَسْنَحُ لَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، أَوْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، بَلْ أَرَادَ بِهِ رَدَّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِذَا اجتَهَدَ فأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَإِ، بَلْ يُؤْجَرُ فِي اجْتِهَادِهِ طَلَبَ الْحَقِّ، لأَنَّ اجْتِهَادَهُ عِبَادَةٌ، وَالإِثْمُ فِي الْخَطَإِ عَنْهُ مَوْضُوعٌ إِذَا لَمْ يَأْلُ جُهْدَهُ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جَامِعًا لآلَةِ الاجْتِهَادِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلا لِلاجْتِهَادِ، فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ لَا يُعْذَرُ بِالْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ، بَلْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ الْوِزْرِ، رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ

ص: 117

فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فَجَارَ فِي الحُكمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ ".

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، إِذْ لَوْ كَانَ كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّقْسِيمِ مَعْنًى، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ إِذَا اجْتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فِي حَادِثَةٍ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا، أَنَّ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، لأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْحَادِثَةِ إِلا الاجْتِهَادَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالاجْتِهَادِ لإِصَابَةِ الْحَقِّ، فَإِنْ أَصَابَهُ أُجِرَ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ عُذِرَ، كَمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، كُلِّفَ أَنْ يَجْتَهِدَ لِيُصِيبَ جِهَتَهَا، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا يَقِينًا عُذِرَ.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ وَأَفْقَهَ حَتَّى يَجْتَهِدَ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَوَادِثِ، وَالْبَحْثِ عَنِ الدَّلائِلِ، ثُمَّ يَحْكُمُ بِمَا لاحَ لَهُ بِالدَّلِيلِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى لِرَسُولِهِ:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمرَان: 159]، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:«مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشاوَرَةً لأصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .

ص: 118

قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ كَانَ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ لَغَنِيًّا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَالْمُشَاوَرَةُ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ، لِقَوْلِهِ عز وجل:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمرَان: 159]، فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَشَاوَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمَقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأَمَتَهُ وَعَزَمَ، قَالُوا: أَقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ:«لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأمَتَهُ، فَيَضَعَهَا حتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ» .

وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ، أَوِ السُّنَّةُ، لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 119

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ مَجْلِسُ عُمَرَ مُغْتَصًّا مِنَ الْقُرَّاءِ، شَبَابًا كَانُوا أَوْ كُهُولا، فَرُبَّمَا اسْتَشَارَهُمْ، فَيَقُولُ:«لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُشِيرَ بِرَأْيِهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ عَلَى قِدَمِ السِّنِّ، وَلا عَلَى حَدَاثَتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» .

وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً، كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِمًا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صَلِيبًا، عَالِمًا، سَئُولا عَنِ الْعِلْمِ ".

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْقَضَاءَ، وَلا يَجُوزُ لِلإِمَامِ تَوْلِيَتُهُ.

وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ جَمَعَ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعِلْمِ: عِلْمَ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَعِلْمَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقَاوِيلَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ، وَعِلْمَ اللُّغَةِ، وَعِلْمَ الْقِيَاسِ، وَهُوَ طَرِيقُ اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ عَنِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْهُ صَرِيحًا فِي نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ.

ص: 120

فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ عِلْمِ الْكِتَابِ النَّاسِخَ، وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُجْمَلَ، وَالْمُفَسَّرَ، وَالْخَاصَّ، وَالْعَامَ، وَالْمُحْكَمَ، وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْكَرَاهِيَةَ، وَالتَّحْرِيمَ، وَالإِبَاحَةَ، وَالنَّدْبَ.

وَيَعْرِفَ مِنَ السُّنَّةِ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيَعْرِفَ مِنْهَا الصَّحِيحَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمُسْنَدَ، وَالْمُرْسَلَ، وَيَعْرِفَ تَرْتِيبَ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ، وَتَرْتِيبَ الْكِتَابِ عَلَى السُّنَّةِ حَتَّى إِذَا وَجَدَ حَدِيثًا لَا يُوَافِقُ ظَاهِرُهُ الْكِتَابَ يَهْتَدِي إِلَى وَجْهِ مَحْمَلِهِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ بَيَانُ الْكِتَابِ، وَلا تُخَالِفُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ مَا وَرَدَ مِنْهَا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنَ الْقَصَصِ وَالأَخْبَارِ وَالْمَوَاعِظِ.

وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ مَا أَتَى فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي أُمُورِ الأَحْكَامِ دُونَ الإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ فِيهَا بِحَيْثُ يَقِفُ عَلَى مَرَامِزِ كَلامِ الْعَرَبِ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنَ اخْتِلافِ الْمَحَالِ، وَالأَحْوَالِ، لأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا يَقِفُ عَلَى مُرَادِ الشَّرْعِ.

وَيَعْرِفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الأَحْكَامِ، وَمُعْظَمَ فَتَاوَى فُقَهَاءِ الأُمَّةِ حَتَّى يَقَعَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لأَقْوَالِهِمْ، فَيَكُونُ فِيهِ خَرْقُ الإِجْمَاعِ، وَإِذَا عَرَفَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ مُعْظَمَهُ، فَهُوَ مُجْتَهِدٌ، وَلا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ نَوْعًا مِنْ هَذِهِ

ص: 121