الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ مَعَ رِزْقِ الْقَاضِي شَيْئًا لِقَرَاطِيسِهِ.
قَالَ مَسْرُوقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنَّه كَانَ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ رِزْقًا وَعِمَالَةً.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الرِّشْوَةِ وَالْهَديَّةِ لِلقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [الْبَقَرَة: 188]، أَيْ: لَا تُعْطُوهَا الْحُكَّامَ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ ليُغَيِّرُوا الْحُكْمَ لَكُمْ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَدْلَى بِحُجَّتِهِ، أَيْ: أَرْسَلَهَا، وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى} [الْأَعْرَاف: 169] أَيْ: يَرْتَشُونَ فِي الأَحْكَامِ.
2494 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَعُنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُرَاجَعَةً سُنَنَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنَ أَبِي ذِئْبٍ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ خَالُهُ
قَالَ الإِمَامُ: الرِّشْوَةُ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ، فَيُعْطِي الرَّاشِي لِيَنَالَ بَاطِلا، أَوْ لِيَمْنَعَ حَقًّا يَلْزَمُهُ، وَيَأْخُذُ الآخِذُ عَلَى أَدَاءِ حَقٍّ يَلْزَمُهُ، فَلا يُؤَدِّيهِ إِلا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُ، أَوْ عَلَى بَاطِلٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ، وَلا يَتْرُكُهُ إِلا بِهَا، فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى الْمُعْطِي لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا، فَلا بَأْسَ.
يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ أُخِذَ، فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
قَالَ الإِمَامُ: وَكَذَلِكَ الآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِعَانَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَلا بَأْسَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطُونَ عَلَى الْخَرَصِ.
وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي، فَرُدِدْتُ،
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» .
وَفِي الْحَدِيثِ: «هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ» ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ» ، فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا لأَحَدٍ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«هَدَايَا الأُمَرَاءِ غُلُولٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّة وَلِلأُمَرَاءِ بَعْدَهُ رِشْوَة.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّهُ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا أَهْدَى إِلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ، فَهُوَ لَهُ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ.
2495 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شَرِيكُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ» قَالُوا: وَمَا القُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنَ النَّاسِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
الْقُسَامَةُ مَضْمُومَةُ الْقَافِ: اسْمُ لِمَا يَأْخُذُهُ الْقَسَّامُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِسْمَةِ.
كَالنُّشَارَةِ: اسْمٌ لِمَا يُنْشَرُ، وَالْعُجَالَةُ: اسْمٌ لِمَا يُعَجَّلُ لِلضَّيْفِ مِنَ الطَّعَامِ.
وَالْفِئَامُ: الْجَمَاعَاتُ.
وَلَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمُ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ، إِذَا أَخَذَهَا بِإِذْنِ أَرْبَابِ الأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ، فَكَانَ عَرِّيفًا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ سُهْمَانَهُمْ، أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ مَا يأْخُذُهُ السَّمَاسِرَةُ رَسْمًا مَرْسُومًا لَا أَجْرًا مَعْلُومًا، فَأَمَّا إِذَا سَمَّى لَهُ أَرْبَابُ الأَمْوَالِ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمْ مَالا، فَحَلالٌ أَخْذُهُ، وَكَذَلِكَ الإِمَامُ إِذَا
جَعَلَ لِلْقَسَّامِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ بَعَثَ رَجُلا لِعَمَلٍ، فَسَمَّى لَهُ رِزْقًا، فَهُوَ حَلالٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
2496 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنِ اجْمَعْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ وَثِيَابَكَ، ثُمَّ أْتِنِي» قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ:«يَا عَمْرُو إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لأبْعَثَكَ فِي وَجْهٍ يُسَلِّمُكَ اللَّهُ، وَيُغْنِمُكَ، وأَزْعَبُ لَكَ زَعْبَةً مِنَ الْمَالِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ، وَمَا كَانَتْ إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ: فَقَالَ: «نعما بِالْمَالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» .
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَوْلُهُ «أَزْعَبُ لَكَ زَعْبَةً مِنَ الْمَالِ» ، أَيْ: أُعْطِيكَ دُفْعَةً مِنَ الْمَالِ، وَالزَّعْبُ: هُوَ الدَّفْعُ، يُقَالُ: جَاءَنَا سَيْلٌ يَزْعَبُ زَعْبًا، أَيْ: يَتَدَافَعُ