الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيرهم فاغتنم زيري تِلْكَ الفرصة من صنهاجة فزحف إِلَيْهِم وأوغل فِي بِلَادهمْ وَهزمَ جيوشهم وَدخل مَدِينَة تاهرت وَجُمْلَة من بِلَاد الزاب وَملك مَعَ ذَلِك تلمسان وشلف والمسيلة وَأقَام بهَا الدعْوَة للمؤيد وحاصر مَدِينَة آشير قَاعِدَة بِلَاد صنهاجة وَكتب إِلَى الْمَنْصُور بن أبي عَامر بذلك يسترضيه وَيشْتَرط على نَفسه الرَّهْن والاستقامة إِن أُعِيد إِلَى ولَايَته وبينما هُوَ محاصر لآشير يباكرها ويراوحها بِالْقِتَالِ انْقَضتْ عَلَيْهِ جراحاته الَّتِي كَانَ جرحه الْأسود فَمَاتَ مِنْهَا سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة
الْخَبَر عَن دولة الْمعز بن زيري بن عَطِيَّة المغراوي
لما هلك زيري بن عَطِيَّة اجْتمع آل خزر وكافة مغراوة من بعده على ابْنه الْمعز بن زيري فَبَايعُوهُ وَضبط أَمرهم وأقصر عَن محاربة صنهاجة وَصَالح الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَقَامَ بدعوته وَرجع إِلَى طَاعَته وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي الْمَنْصُور وَولي ابْنه بعده عبد الْملك المظفر فيايعه الْمعز أَيْضا ودعا لَهُ على منابره فعزل المظفر وَاضحا الْفَتى عَن فاس وَسَائِر بِلَاد الْمغرب وَصَرفه إِلَى الأندلس وَكتب إِلَى الْمعز بن زيري بعهده على فاس وَسَائِر أَعمال الْمغرب حواضره وبواديه وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وَشرط لَهُ الْمعز أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ فِي كل سنة مَالا مَعْلُوما وخيلا ودرقا يُوصل ذَلِك إِلَى قرطبة وَأَعْطَاهُ مَعَ ذَلِك وَلَده معنصر بن الْمعز رهنا وَكَانَت نُسْخَة كتاب الْعَهْد
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله
من الْحَاجِب المظفر سيف الدولة دولة الإِمَام الْخَلِيفَة هِشَام الْمُؤَيد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ عبد الْملك بن الْمَنْصُور بن أبي عَامر إِلَى كَافَّة أهل مدينتي فاس وكافة أهل الْمغرب سلمهم الله أما بعد أصلح الله
شَأْنكُمْ وَسلم أَنفسكُم وأديانكم فَالْحَمْد لله علام الغيوب وغفار الذُّنُوب ومقلب الْقُلُوب ذِي الْبَطْش الشَّديد المبدئ المعيد الفعال لما يُرِيد لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه بل لَهُ الْملك وَالْأَمر وَبِيَدِهِ الْخَيْر وَالشَّر إِيَّاه نعْبد وإياه نستعين وَإِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين وعَلى آله الطيبين وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالسَّلَام عَلَيْكُم أَجْمَعِينَ وَإِن الْمعز بن زيري بن عَطِيَّة أكْرمه الله تَابع رسله لدينا وَكتبه متنصلا من هَنَات دَفعته إِلَيْهَا ضرورات ومستغفرا من سيئات حطتها من تَوْبَته حَسَنَات وَالتَّوْبَة ممحاة الذَّنب وَالِاسْتِغْفَار منقذ من العتب وَإِذا أذن الله بِشَيْء يسره وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَلكم فِيهِ خَيره وَقد وعد من نَفسه استشعار الطَّاعَة وَلُزُوم الجادة واعتقاد الاسْتقَامَة وَحسن المعونة وخفة الْمُؤْنَة فوليناه مَا قبلكُمْ وعهدنا إِلَيْهِ أَن يعْمل بِالْعَدْلِ فِيكُم وَأَن يرفع أَعمال الْجور عَنْكُم وَأَن يعمر سبلكم وَأَن يقبل من محسنكم ويتجاوز عَن مسيئكم إِلَّا فِي حُدُود الله تبارك وتعالى وأشهدنا الله عَلَيْهِ بذلك وَكفى بِاللَّه شَهِيدا وَقد وجهنا الْوَزير أَبَا عَليّ بن حذيم أكْرمه الله وَهُوَ من ثقاتنا ووجوه رجالنا ليَأْخُذ بِشَأْنِهِ ويؤكد الْعَهْد فِيهِ عَلَيْهِ بذلك وأمرناه بإشراككم فِيهِ وَنحن بأمركم معتنون ولأحوالكم مطلعون وَأَن يقْضِي على الْأَعْلَى للأدنى وَلَا يرضى فِيكُم بِشَيْء من الْأَدْنَى فثقوا بذلك واسكنوا إِلَيْهِ وليمض القَاضِي أَبُو عبد الله أَحْكَامه مشدودا ظَهره بِنَا معقودا سُلْطَانه بسلطاننا وَلَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم فَذَلِك ظننا بِهِ إِذْ وليناه وأملنا فِيهِ إِذا قلدناه وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ولتبلغوا منا سَلاما طيبا جزيلا وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
وَلما وصل إِلَى الْمعز بن زيري الْعَهْد بولايته على الْمغرب مَا عدا كورة سجلماسة فَإِنَّهَا كَانَت لبني خزرون بن فلفل ضم نشره وثاب إِلَيْهِ نشاطه وَبث عماله فِي جَمِيع كور الْمغرب وجبا خراجها لم تزل ولَايَته متسقة وَطَاعَة رعاياه منتظمة إل إِلَى افترق أَمر الْجَمَاعَة بالأندلس واختل رسم الْخلَافَة بهَا فاضطرب أَمر الْمغرب على الْمعز وَأقَام على ذَلِك إِلَى أَن هلك سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة كَذَا عِنْد ابْن خلدون
وَفِي القرطاس لم تزل بِلَاد الْمغرب أَيَّام الْمعز فِي غَايَة الْهُدْنَة والعافية والرخاء والأمن إِلَى أَن توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَالله أعلم
وَأما ابْنه معنصر فَإِنَّهُ أَقَامَ بقرطبة إِلَى أَن قَامَت الْفِتْنَة بالأندلس وانقرضت الدولة العامرية فَانْصَرف معنصر إِلَى أَبِيه وعشيرته بفاس
وَحكي فِي القرطاس أَنه لما كَانَت سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة وَتُوفِّي عبد الْملك المظفر وَولي بعده أَخُوهُ عبد الرَّحْمَن بن الْمَنْصُور بن أبي عَامر بعث إِلَيْهِ الْمعز بن زيري بهدية نفيسة فِيهَا خَمْسُونَ فرسا وَكَانَ وَلَده معنصر مرتهنا عِنْده بقرطبة كَمَا قُلْنَا فأحضر الْحَاجِب عبد الرَّحْمَن معنصر بن الْمعز حِين وصلت إِلَيْهِ هَدِيَّة أَبِيه فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الرُّسُل الَّذين قدمُوا عَلَيْهِ بالهدية وَبعث بِهِ إِلَى أَبِيه مكرما فَجمع الْمعز كل فرس كَانَ عِنْده وَبعث بِهِ إِلَى قرطبة وَكَانَ مبلغ عدد الْخَيل تِسْعمائَة فرس وَلم تصل من الْمغرب إِلَى الأندلس هَدِيَّة أعظم مِنْهَا