الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِنَاء مَدِينَة وَجدّة
لما قتل زيري بن عَطِيَّة يدو بن يعلى صفا لَهُ أَمر الْمغرب وَلم يبْق لَهُ بِهِ مُنَازع وهابته الْمُلُوك وَبَقِي الْأَمر مُسْتَقِيمًا بَينه وَبَين الْمَنْصُور فِي الظَّاهِر فَسَمت همته إِلَى بِنَاء مَدِينَة تكون خَاصَّة بِهِ ويقومه وأرباب دولته فَبنى مَدِينَة وَجدّة وشيد أسوارها وَأحكم قصبتها وَركب أَبْوَابهَا وسكنها بأَهْله وحشمه وَنقل إِلَيْهَا أَمْوَاله وذخائره وَجعلهَا قَاعِدَة ملكه لكَونهَا وَاسِطَة الْبِلَاد وثغرا للعمالتين الْمغرب الْأَقْصَى والأوسط وَكَانَ اختطاطه إِيَّاهَا فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَلم يزل زيري بن عَطِيَّة فِي علو سُلْطَان وارتفاع شَأْن إِلَى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ثمَّ حدث مَا نذكرهُ
حُدُوث النفرة بَين زيري بن عَطِيَّة والمنصور بن أبي عَامر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك
ثمَّ فسد مَا بَين الْمَنْصُور وَبَين زيري بن عَطِيَّة واتصل بالمنصور أَن زيري ينتقصه ويعرض فِي شَأْنه وحجره على الْمُؤَيد وَيتَكَلَّم فِيهِ بالقبيح فَقطع الْمَنْصُور عَنهُ رزق الوزارة الَّذِي كَانَ يجريه عَلَيْهِ فِي كل سنة ومحى اسْمه من ديوانه ونادى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فعزم زيري على خلَافَة فَقطع ذكره من الْخطْبَة وَاقْتصر على ذكر هِشَام الْمُؤَيد وطرد عماله من الْمغرب وألجأهم إِلَى سبتة فأنفذ إِلَيْهِ الْمَنْصُور بن أبي عَامر مَوْلَاهُ وَاضحا الْفَتى فِي جَيش عَظِيم وأمده بِالْحُمَاةِ من سَائِر الطَّبَقَات وأزاح عللهم وأفاض عَلَيْهِم الْأَمْوَال للنفقات
وأنواع السِّلَاح والكسى فَعبر وَاضح الْبَحْر وَاسْتقر بِمَدِينَة طنجة فانضم إِلَيْهِ بعض قبائل البربر من غمارة وصنهاجة وَغَيرهم وَبَايَعُوهُ على قتال زيري بن عَطِيَّة وَمن مَعَه من قبائل زناتة فَأَفَاضَ عَلَيْهِم الْخلْع وَالْأَمْوَال
ثمَّ أمد الْمَنْصُور بِمن كَانَ مَعَه بالأندلس من مُلُوك البربر النازعين عَن زيري بن عَطِيَّة إِلَيْهِ فتكاملت جيوشه وَخرج بهم وَاضح من طنجة يؤم فاسا فاتصل خَبره بزيري بن عَطِيَّة فَخرج إِلَيْهِ من فاس فِي عَسَاكِر زناتة فَالتقى الْجَمْعَانِ بوادي زادات فَكَانَت بَينهمَا حروب بعد الْعَهْد بِمِثْلِهَا مُدَّة من ثَلَاثَة أشهر إِلَى أَن انهزم وَاضح وَقتل أَكثر جَيْشه وفر وَاضح إِلَى طنجة فَدَخلَهَا مُنْهَزِمًا وَكتب إِلَى الْمَنْصُور يطْلب مِنْهُ المدد
وَقَالَ ابْن خلدون إِن وَاضحا حِين برز من طنجة وزحف إِلَيْهِ زيري بن عَطِيَّة تواقفا ثَلَاثَة أشهر ثمَّ تنَاول وَاضح آصيلا ونكور فضبطهما واتصلت الوقائع بَينه وَبَين زيري ثمَّ بَيت وَاضح معسكر زيري بنواحي آصيلا وهم غَارونَ فأوقع بهم
وَخرج الْمَنْصُور من قرطبة فوصل إِلَى الجزيرة الخضراء ثمَّ أجَاز ابْنه عبد الْملك المظفر بِجَمِيعِ عَسْكَر الأندلس وقوادها حَتَّى بَقِي الْمَنْصُور وَحده وَأمره بِحَرب زيري بن عَطِيَّة فَركب المظفر الْبَحْر من الجزيرة الخضراء إِلَى سبتة
واتصل خبر المظفر بزيري بن عَطِيَّة فخافه وَأخذ فِي الاستعداد لملاقاته وَكتب إِلَى جَمِيع قبائل زناتة يستصرخهم فَأَتَتْهُ الْوُفُود من بِلَاد ملوية وتلمسان والزاب وَسَائِر بوادي وناتة فَنَهَضَ بهم إِلَى قتال عبد الْملك المظفر بن الْمَنْصُور بن أبي عَامر وبرز عبد الْملك من طنجة وَمَعَهُ وَاضح الْفَتى فِي جيوش لَا تحصى والتقى الْجَمْعَانِ بوادي منى من أحواز طنجة فَكَانَت بَينهم
حَرْب أعظم من الأولى ودام الْقِتَال بَينهم يَوْمًا إِلَى اللَّيْل
وَكَانَ فِي عَسْكَر زيري بن عَطِيَّة غُلَام أسود اسْمه سَلام كَانَ زيري قد قتل أَخَاهُ فَوجدَ الفرصة إِلَيْهِ فانتهزها وضربه بسكين فِي نَحره ثَلَاث ضربات فأشواه أَي لم يصب مَقْتَله وَمر الْأسود يشْتَد نَحْو المظفر وبشره بقتل زيري فاستكذبه ثمَّ سقط إِلَيْهِ الْخَبَر الصَّحِيح بِأَن زيري قد أثبت فَشد عَلَيْهِم عبد الْملك وهم فِي حَال دهشة من جرح أَمِيرهمْ فَهَزَمَهُمْ واستمرت الْهَزِيمَة على زيري وَأَصْحَابه واثخن فيهم عبد الْملك بِالْقَتْلِ وَملك محلّة زيري بأسرها واحتوى على جَمِيع مَا فِيهَا من المَال وَالسِّلَاح والكراع وَالْإِبِل وَالْعدة فاستولى من ذَلِك على مَا لَا يَأْخُذهُ الْحصْر
وَمضى زيري على وَجهه حَتَّى انْتهى إِلَى مَوضِع يعرف بمضيق الْحَيَّة بِالْقربِ من مكناسة فَعَسْكَرَ بِهِ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الفل من قومه وعزم على الرُّجُوع لمناجزة المظفر فاتصل الْخَبَر بالمظفر فانتخب من عسكره خَمْسَة آلَاف فَارس وَقدم عَلَيْهِم وَاضحا الْفَتى ونهضوا إِلَى زيري بن عَطِيَّة فَضربُوا فِي محلته لَيْلًا بمضيق الْحَيَّة وهم آمنون فأوقعوا بهم وقْعَة عَظِيمَة أسر فِيهَا من اشراف مغراوة نَحْو ألفي رجل وَذَلِكَ فِي منتصف رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فامتن عَلَيْهِم عبد الْملك المظفر وأركبهم مَعَه فَكَانُوا من جنده وفر زيري بن عَطِيَّة فِي شرذمة من أَصْحَابه وَبني عَمه فَانْتهى إِلَى فاس فأغلق أَهلهَا الْأَبْوَاب دونه فَسَأَلَهُمْ أَن يخرجُوا إِلَيْهِ عِيَاله وَأَوْلَاده فأخرجوهم إِلَيْهِ وَأَعْطوهُ مَعَ ذَلِك الزَّاد وَالدَّوَاب فَأَخذهُم وَانْصَرف إِلَى الصَّحرَاء فَنزل بِلَاد صنهاجة وَكَانَ مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قدوم عبد الْملك المظفر بن الْمَنْصُور بن أبي عَامر مَدِينَة فاس وَمَا كَانَ من شَأْنه بهَا
لما انهزم زيري بن عَطِيَّة من مضيق الْحَيَّة إِلَى الصَّحرَاء نَهَضَ عبد الْملك المظفر من مُعَسْكَره يؤم فاسا فَدَخلَهَا يَوْم السبت منسلخ شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فَاسْتَقْبلهُ أَهلهَا مستبشرين بِهِ فَأحْسن لقاءهم وَكتب إِلَى أَبِيه الْمَنْصُور بِالْفَتْح فَقَرَأَ الْكتاب على مِنْبَر جَامع الزهراء من قرطبة وعَلى مَنَابِر مَسَاجِد الأندلس كلهَا شرقا وغربا وَأعْتق الْمَنْصُور ألفا وَخَمْسمِائة مَمْلُوك وثلاثمائة مَمْلُوكَة شكرا لله تَعَالَى وَفرق أَمْوَالًا كَثِيرَة على الْفُقَرَاء وَذَوي الْحَاجَات وَكتب إِلَى وَلَده المظفر بعهده على الْمغرب وأوصاه بِحسن السِّيرَة وَالْعدْل فَقَرَأَ كِتَابه على مِنْبَر مَسْجِد الْقرَوِيين وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة آخر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة
وَانْصَرف وَاضح إِلَى الأندلس واستوطن عبد الْملك مَدِينَة فاس وَعدل فِيهَا عدلا لم يعهدوه من أحد قبله وَأقَام بهَا سِتَّة أشهر ثمَّ صرفه وَالِده عَنْهَا إِلَى الأندلس وَبعث إِلَيْهَا عوضا عَنهُ عِيسَى بن سعيد صَاحب الشرطة فَأَقَامَ واليا عَلَيْهَا إِلَى صفرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فَعَزله الْمَنْصُور عَنْهَا وَعَما كَانَ ولاه من بِلَاد العدوة وَولى عَلَيْهَا وَاضحا الْفَتى وَانْصَرف عِيسَى بن سعيد إِلَى الأندلس من السّنة الْمَذْكُورَة بَقِيَّة أَخْبَار زيري بن عَطِيَّة
لما نزل زيري بن عَطِيَّة بِبِلَاد صنهاجة وجدهم قد اخْتلفُوا على ملكهم باديس بن مَنْصُور بن بلكين بن زيري بن مُنَاد صَاحب إفريقية فَأرْسل زيري بن عَطِيَّة فِي قبائل زناتة حاشرين فَأتى مِنْهُم خلق كثير من مغراوة