الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلَافَة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه
هُوَ أَبُو بكر واسْمه عبد الله وَقيل عَتيق بن أبي قُحَافَة واسْمه عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب التَّيْمِيّ الْمَعْرُوف بِالصديقِ يجْتَمع مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مرّة بن كَعْب ولي الْخلَافَة بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِإِجْمَاع من الصَّحَابَة وَمن تَأَخّر عَنْهَا أَولا رَجَعَ إِلَيْهَا ثَانِيًا إِلَّا مَا كَانَ من سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ توقف عَن بيعَته وَذَلِكَ أَنه لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اجْتمعت الْأَنْصَار فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وهموا بمبايعة سعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ أَنهم أَحَق بِالْأَمر لأَنهم الَّذين آووا ونصروا وتبوأوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبل الْمُهَاجِرين وَلما انْتهى الْخَبَر إِلَى أبي بكر وَعمر أفزعهما ذَلِك وبادرا إِلَى السَّقِيفَة ومعهما أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فوجدوا الْأَنْصَار بهَا على مَا بَلغهُمْ من الْعَزْم على بيعَة سعد فحاجهم أَبُو بكر رضي الله عنه وَقَالَ نَحن أَوْلِيَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وعشيرته وأحق النَّاس بِالْأَمر بعده فَنحْن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر لَا وَالله لَا نَفْعل منا أَمِير ومنكم أَمِير وَإِن شِئْتُم أعدناها جَذَعَة أَنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب فَقَامَ بشير بن سعد الْأنْصَارِيّ فَقَالَ أَلا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم من قُرَيْش وَإِن قومه أَحَق وَأولى بِالْأَمر بعده وَنحن وَإِن كُنَّا أولي فضل فِي الْجِهَاد وسابقة فِي الدّين فَمَا أردنَا بذلك إِلَّا رضى الله وَطَاعَة نبيه فَلَا نبتغي بِهِ من الدُّنْيَا عوضا وَلَا نستطيل بِهِ على النَّاس ثمَّ أَشَارَ أَبُو بكر بِأَن يبايعوا أحد الرجلَيْن إِمَّا عمر بن الْخطاب وَإِمَّا أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح فكرها ذَلِك وَبَايِعًا أَبَا بكر وسبقهما إِلَيْهِ بشير بن سعد ثمَّ تناجى الْأَوْس فِيمَا بَينهم وَكَانَ فيهم أسيد بن حضير أحد النُّقَبَاء فكرهوا إِمَارَة الْخَزْرَج عَلَيْهِم ومالوا إِلَى بيعَة أبي بكر فَبَايعُوهُ وَأَقْبل النَّاس من كل جَانب يبايعون أَبَا بكر حَتَّى كَادُوا يطؤون سعد بن عبَادَة وَهُوَ مُضْطَجع بَينهم يوعك فَقَالَ رجل من أَصْحَابه قتلتم سعد بن عبَادَة فَقَالَ
عمر قَتله الله فَقَالَ أَبُو بكر مهلا يَا عمر الرِّفْق هُنَا أبلغ ثمَّ لحق سعد بِالشَّام فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى توفّي أَيَّام عمر رحم الله جَمِيعهم وَكَانَت بيعَة أبي بكر يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّانِي من وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل دَفنه وَلما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّت عَامَّة الْعَرَب لِأَن كلمة الْإِسْلَام لم تكن رسخت فِي قُلُوبهم على مَا يَنْبَغِي وَمنع آخَرُونَ مِنْهُم الزَّكَاة وَقَالُوا نصلي وَلَا نُؤَدِّي الزَّكَاة ظنا مِنْهُم أَن ذَلِك كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِم فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَط واضطرب أَمر الْمُسلمين عِنْد وَفَاته صلى الله عليه وسلم لقلتهم وَكَثْرَة عدوهم قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّت الْعَرَب وَنجم النِّفَاق واشرأبت الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَنزل بِأبي بكر مَا لَو نزل بالجبال الراسية لهاضها وَصَارَ الْمُسلمُونَ كالغنم الْمَطِيرَة فِي اللَّيْلَة الشَّاتِيَة لفقد نَبِيّهم وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش سَمِعت أَبَا حُصَيْن يَقُول مَا ولد بعد النَّبِيين أفضل من أبي بكر الصّديق لقد قَامَ مقَام نَبِي من الْأَنْبِيَاء فِي قتال أهل الرِّدَّة
وَفِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف ابو بكر وَكفر من كفر من الْعَرَب قَالَ عمر يَا أَبَا بكر كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فقد عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ وحسابه على الله) قَالَ أَبُو بكر وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعهَا قَالَ عمر فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت أَن قد شرح الله صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ فَعرفت أَنه الْحق
وَحكى ابْن خلدون أَن أَبَا بكر رضي الله عنه لما عزم على قتال أهل الرِّدَّة اسْتخْلف أُسَامَة بن زيد بعد رُجُوعه من بَعثه الَّذِي كَانَ بَعثه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ قبل وَفَاته فَبَقيَ فِي الْمَدِينَة حَتَّى أنفذه أَبُو بكر بعد
وَفَاته صلى الله عليه وسلم فَخرج أَبُو بكر فِي جمَاعَة من الْمُسلمين إِلَى ذِي حسي وَإِلَى ذِي الْقِصَّة موضِعين قرب الْمَدِينَة ثمَّ سَار حَتَّى نزل على أهل الربذَة بالإبريق وَبهَا عبس وذبيان وَبَنُو بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وثعلبة بن سعد وَغَيرهم فَقَاتلهُمْ أَبُو بكر وَهَزَمَهُمْ وَرجع إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ خرج إِلَى ذِي الْقِصَّة ثَانِيًا فعقد فِيهِ أحد عشر لِوَاء على أحد عشر جندا لقِتَال أهل الرِّدَّة وَأمر كل وَاحِد باستنفار من يَلِيهِ من الْمُسلمين من كل قَبيلَة وَعقد لِلْأُمَرَاءِ على تِلْكَ الأجناد مِنْهُم خَالِد بن الْوَلِيد وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيرهم وَكتب لَهُم عهودهم بِنَصّ وَاحِد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا عهد من أبي بكر خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لفُلَان حِين بَعثه فِيمَن بَعثه لقِتَال من رَجَعَ عَن الْإِسْلَام وعهد إِلَيْهِ أَن يَتَّقِي الله مَا اسْتَطَاعَ فِي أمره كُله سره وجهره وَأمره بالجد فِي أَمر الله ومجاهدة من تولى عَنهُ وَرجع عَن الْإِسْلَام إِلَى أماني الشَّيْطَان بعد أَن يعْذر إِلَيْهِم فيدعوهم بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَإِن أجابوه أمسك عَنْهُم وَإِن لم يُجِيبُوهُ شن غارته عَلَيْهِم حَتَّى يقرُّوا لَهُ ثمَّ ينبئهم وَالَّذِي عَلَيْهِم وَلِذِي لَهُم فَيَأْخُذ مَا عَلَيْهِم ويعطيهم الَّذِي لَهُم لَا ينظرهم وَلَا يرد الْمُسلمين عَن قتال عدوهم فَإِن أجَاب إِلَى أَمر الله تَعَالَى وَأقر لَهُ قبل ذَلِك مِنْهُ وأعانه عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يُقَاتل من كفر بِاللَّه على الْإِقْرَار بِمَا جَاءَ من عِنْد الله فَإِذا أجَاب الدعْوَة لم يكن عَلَيْهِ سَبِيل كَانَ الله حسيبه بعد فِيمَا استسر بِهِ وَمن لم يجب إِلَى دَاعِيَة الله قوتل وَقتل حَيْثُ كَانَ وَحَيْثُ بلغ مراغمة لَا يقبل الله من أحد شَيْئا مِمَّا أعْطى إِلَّا الْإِسْلَام فَمن أَجَابَهُ وَأقر بِهِ قبل مِنْهُ وأعانه وَمن أَبى قَاتله فَإِن أظهره الله عَلَيْهِ قَتلهمْ فِيهِ كل قتلة بِالسِّلَاحِ والنيران ثمَّ قسم مَا أَفَاء الله عَلَيْهِ إِلَّا الْخمس فَإِنَّهُ يبلغناه وَيمْنَع أَصْحَابه العجلة وَالْفساد وَأَن لَا يدْخل فيهم حَشْوًا حَتَّى يعرفهُمْ وَيعلم مَا هم لِئَلَّا يَكُونُوا عيُونا وَلِئَلَّا يُؤْتى الْمُسلمُونَ من قبلهم وَأَن يقتصد بِالْمُسْلِمين ويرفق بهم فِي السّير والمنزل ويتفقدهم وَلَا يعجل بَعضهم عَن بعض ويستوصي بِالْمُسْلِمين فِي حسن الصُّحْبَة ولين القَوْل اه
وَكتب إِلَى كل من بعث إِلَيْهِ الْجنُود من الْمُرْتَدين كتابا وَاحِدًا أَيْضا وَجعله فِي نسخ مُتعَدِّدَة بيد رسل تقدمُوا أَمَام الْأُمَرَاء يَأْمُرهُم فِيهِ بالتمسك بِكَلِمَة الْإِسْلَام وينهاهم عَن الارتداد ويحذرهم عاقبته وَسُوء أَثَره تركنَا ذكره اختصارا وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد رحمه الله من الْقِتَال قتال طليحة بن خويلد الْأَسدي أَسد خُزَيْمَة وَكَانَ كَاهِنًا وَادّعى النُّبُوَّة فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَتَبعهُ أفاريق من قومه بني أَسد وَمن غَيرهم فَوجه إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الْأَزْوَر ليقاتله فَبَيْنَمَا ضرار يُرِيد مناجزته إِذْ ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بوفاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ففت ذَلِك فِي عضد ضرار وانكفأ رَاجعا بِمن مَعَه من الْمُسلمين إِلَى الْمَدِينَة وَعظم أَمر طليحة حِينَئِذٍ واستطار شرره وانضمت إِلَيْهِ غطفان وَبَعض طييء وأخلاط من الْعَرَب على مَاء من مياه بني أَسد يُقَال لَهُ بزاخة فَسَار إِلَيْهِم خَالِد رحمه الله فأوقع بهم وقْعَة شنعاء فل بهَا جمعهم وَقتل من قتل مِنْهُم وَنَجَا طليحة إِلَى الشَّام بِرَأْس طمرة ولجام وَبَقِي هُنَاكَ إِلَى أَن أسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَت لَهُ فِي قتال فَارس وَالروم زمَان الْفَتْح الْيَد الْبَيْضَاء ثمَّ تتبع خَالِد رحمه الله أهل الرِّدَّة قَبيلَة قَبيلَة وجمعا جمعا فَقتل وَحرق ورضخ بِالْحِجَارَةِ وَرمى من رُؤُوس الْجبَال وأبلغ فِي النكاية بِكُل وَجه فخشعت نفوس الْمُرْتَدين وخامر قُلُوبهم الرعب وَقوم اعواججهم الطعْن وَالضَّرْب حَتَّى راجعوا الْإِسْلَام كرها وَكَانَ من اعظمهم شَوْكَة وأشدهم قُوَّة بَنو حنيفَة قوم مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَكَانَ موطنهم بِالْيَمَامَةِ وَهِي بِلَاد وَاسِعَة ذَات نخل وَزرع على أَرْبَعَة أَيَّام من مَكَّة وَكَانَ مُسَيْلمَة هَذَا قد قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيوفد بني حنيفَة فَأسلم ثمَّ ارْتَدَّ وَادّعى النُّبُوَّة اسْتِقْلَالا ثمَّ مُشَاركَة مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَشهد لَهُ بذلك الرِّجَال بن عنفوة أحد أَشْرَاف بني حنيفَة وَكَانَ قد هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأقَام عِنْده وَقَرَأَ الْقُرْآن وتفقه فِي الدّين فَلَمَّا ارْتَدَّ مُسَيْلمَة بَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلم معلما لأهل الْيَمَامَة ومشغبا عَن مُسَيْلمَة فَكَانَ من أعظم الْفِتَن على بني حنيفَة فَإِنَّهُ شهد لمُسَيْلمَة بِالنُّبُوَّةِ وَاتبعهُ على شَأْنه وَصَارَ مُؤذنًا لَهُ يشْهد لَهُ بالرسالة بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعظم شَأْنه
فيهم وَكَانَ مُسَيْلمَة يَنْتَهِي إِلَيْهِ رَأْيه وَكَانَ يَأْتِي بأسجاع كَثِيرَة يزْعم أَنَّهَا قُرْآن ينزل عَلَيْهِ وَيَأْتِي بمخارق من الشعبذة وَيَقُول إِنَّهَا معجزاته فَتَقَع على خلاف الْمَقْصُود إهانة من الله لَهُ فَنَهَضَ خَالِد رحمه الله بعد الْفَرَاغ من طليحة وَغَيره من أهل الرِّدَّة إِلَى بني حنيفَة وهم يَوْمئِذٍ كثير يُقَال كَانُوا أَرْبَعِينَ ألف مقَاتل وَلما سمعُوا بدنو خَالِد مِنْهُم خَرجُوا وعسكروا فِي مُنْتَهى ريف الْيَمَامَة واستنفروا النَّاس فنفروا مَعَهم وَأَقْبل خَالِد وعَلى مقدمته شُرَحْبِيل بن حَسَنَة ونازل بني حنيفَة وَكَانَ الرِّجَال بن عنفوة على مُقَدّمَة مُسَيْلمَة فَالْتَقوا واقتتلوا واشتدت الْحَرْب وانكشف الْمُسلمُونَ حَتَّى دخل بَنو حنيفَة خباء خَالِد ثمَّ تراجع الْمُسلمُونَ وكروا على بني حنيفَة وَقَاتل ثَابت بن قيس بن شماس حَتَّى قتل ثمَّ زيد بن الْخطاب أَخُو عمر كَذَلِك ثمَّ أَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة ثمَّ مَوْلَاهُ سَالم ثمَّ الْبَراء أَخُو أنس بن مَالك وَكَانَ تَأْخُذهُ عِنْد الْحَرْب رعدة حَتَّى ينتفض وَيقْعد عَلَيْهِ الرّحال حَتَّى يَبُول ثمَّ يثور كالأسد فقاتل ذَلِك الْيَوْم وَفعل الأفاعيل واستحر الْقَتْل فِي الْمُسلمين خُصُوصا قراء الْقُرْآن وَأهل السَّابِقَة
قَالَ ابْن خلدون قتل يَوْم الْيَمَامَة من الْأَنْصَار مَا ينيف على الثلاثمائة وَسِتِّينَ وَمن الْمُهَاجِرين مثلهَا وَمن التَّابِعين لَهُم مثلهَا أَو يزِيدُونَ وفشت الْجِرَاحَات فِيمَن بَقِي ثمَّ هزم الله الْعَدو وألجأهم الْمُسلمُونَ إِلَى حديقة كَانَت هُنَاكَ وفيهَا مُسَيْلمَة فَقَالَ الْبَراء بن مَالك ألقوني عَلَيْهِم من أَعلَى الْجِدَار فاقتحم وَقَاتلهمْ على بَاب الحديقة حَتَّى دخل بعض الْمُسلمين عَلَيْهِم واقتحم الْبَاقُونَ من أَعلَى الْحِيطَان فَقتل من بني حنيفَة يَوْمئِذٍ سَبْعَة عشر ألف مقَاتل فسميت الحديقة حديقة الْمَوْت وَأما مُسَيْلمَة فَقتله وَحشِي بالحربة الَّتِي قتل بهَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب يَوْم أحد وشاركه فِي قَتله رجل من الْأَنْصَار ثمَّ صَالح خَالِد بني حنيفَة فِي خبر طَوِيل وَهَذِه الْوَقْعَة من أعظم الوقعات الَّتِي كَانَت فِي زمن أبي بكر رضي الله عنه وَهِي كَانَت السَّبَب الدَّاعِي إِلَى جمع الْقُرْآن فِي الْمُصحف وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن جمعه عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه الْجمع الثَّانِي فِي الْمُصحف
فَفِي الصَّحِيح عَن زيد بن ثَابت رضي الله عنه قَالَ أرسل إِلَى أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة فَإِذا عمر بن الْخطاب عِنْده قَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه إِن عمر أتأني فَقَالَ إِن الْقَتْل قد استحر يَوْم الْيَمَامَة بقراء الْقُرْآن وَإِنِّي أخْشَى أَن يستحر الْقَتْل بالقراء فِي المواطن فَيذْهب كثير من الْقُرْآن وَإِنِّي أرى أَن تَأمر بِجمع الْقُرْآن قَالَ أَبُو بكر قلت لعمر كَيفَ أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عمر هُوَ وَالله خير فَلم يزل عمر يراجعني فِيهِ حَتَّى شرح الله لذَلِك صَدْرِي وَرَأَيْت الَّذِي رأى عمر قَالَ زيد بن ثَابت وَعمر عِنْده جَالس لَا يتَكَلَّم فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّك رجل شَاب عَاقل لَا نتهمك وَقد كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع الْقُرْآن فاجمعه فو الله لَو كلفوني نقل جبل من الْجبَال مَا كَانَ أثقل عَليّ مِمَّا أَمرنِي بِهِ من جمع الْقُرْآن قلت كَيفَ تفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بكر هُوَ وَالله خير فَلم أزل أراجعهم حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح لَهُ صدر أبي بكر وَعمر فَقُمْت فتتبعت الْقُرْآن أجمعه من الرّقاع والأكناف والعسف واللخاف وصدور الرِّجَال حَتَّى وجدت آخر سُورَة التَّوْبَة مَعَ أبي خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ لم أَجدهَا مَعَ أحد غَيره {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} حَتَّى خَاتِمَة بَرَاءَة فَكَانَت الصُّحُف عِنْد أبي بكر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد عمر حَيَاته حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد حَفْصَة بنت عمر اه
وَلما فرغ خَالِد من أَمر الْيَمَامَة بعث إِلَيْهِ أَبُو بكر فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْ عشرَة يَأْمُرهُ بالسير إِلَى الْعرَاق وَذَلِكَ عِنْدَمَا أَجمعت الْعَرَب على الْإِسْلَام وَاتَّفَقُوا على التَّمَسُّك بكلمته وَأَخْلصُوا الطَّاعَة لله ولخليفة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَمت لأبي بكر رضي الله عنه همة فِي قتال فَارس وَالروم أهل الدولتين العظيمتين فِي الْعَالم يَوْمئِذٍ فَتوجه خَالِد رحمه الله نَحْو فَارس وَكَانَ عذَابا من عَذَاب الله أرْسلهُ على أهل الْكفْر والضلال وَمَا مثله إِلَّا قَول المتنبي
(وَمَا كَانَ إِلَّا النَّار فِي كل مَوضِع
…
يثير غبارا فِي مَكَان دُخان)
فَتوجه خَالِد رحمه الله وَفتح الْحيرَة وَمَا وَرَاءَهَا من أَعمال الْعرَاق وَفتح الأنبار وَعين التَّمْر وأوقع الوقائع الْعَظِيمَة بمسالح أهل فَارس وجيوشهم حَتَّى أَخَافهُم فِي بِلَادهمْ وهم بالاقتحام عَلَيْهِم ومقاتلتهم فِي عقر دَارهم وَكتب إِلَيْهِم بكتابين يتوعدهم ويتهددهم ثمَّ صرفه أَبُو بكر رضي الله عنه إِلَى الشَّام فَشهد اليرموك مَعَ جيوش الْمُسلمين الَّذين كَانُوا هُنَاكَ فَفِي الأكنفاء عَن عبد الله بن أبي أوفى الْخُزَاعِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ لما أَرَادَ أَبُو بكر أَن يُجهز الْجنُود إِلَى الشَّام دَعَا عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد بن أبي وَقاص وَأَبا عُبَيْدَة بن الْجراح ووجوه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من أهل بدر وَغَيرهم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَأَنا فيهم فَقَالَ إِن الله لَا تحصى نعمه وَلَا تبلغ جزاءها الْأَعْمَال فَلهُ الْحَمد كثيرا على مَا اصْطنع عنْدكُمْ ثمَّ جمع كلمتكم وَأصْلح ذَات بَيْنكُم وهداكم إِلَى الْإِسْلَام وَنفى عَنْكُم الشَّيْطَان فَلَيْسَ يطْمع أَن تُشْرِكُوا بِاللَّه وَلَا أَن تَتَّخِذُوا إِلَهًا غَيره فالعرب الْيَوْم بَنو أم وَأب وَقد رَأَيْت أَن أستنفرهم إِلَى الرّوم بِالشَّام فَمن هلك مِنْهُم هلك شَهِيدا وَمَا عِنْد الله خير للأبرار وَمن عَاشَ مِنْهُم عَاشَ مدافعا عَن الدّين مستوجبا على الله ثَوَاب الْمُجَاهدين هَذَا رَأْيِي الَّذِي رَأَيْت فليشر عَليّ امْرُؤ بمبلغ رَأْيه فَأجَاب كل من الْحَاضِرين باستصواب رَأْيه وتقوية عزمه فَجهز أَبُو بكر رضي الله عنه جيوشا وَأمر عَلَيْهِم أُمَرَاء كخالد بن سعيد بن الْعَاصِ وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعِكْرِمَة بن أبي جهل والوليد بن عقبَة وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وَأمر أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح على جَمِيعهم وَعين لَهُ حمص وَأوصى كل وَاحِد مِنْهُم بِمَا تنبغي الْوَصِيَّة بِهِ فَكَانَ بِسَبَب تِلْكَ الجموع وقْعَة اليرموك بَين الْمُسلمين وَالروم فِي رَجَب سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة بعد وَفَاة أبي بكر رضي الله عنه بِنَحْوِ شهر لِأَن وَفَاته رضي الله عنه كَانَت مسَاء لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين العشاءين لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة فَكَانَت خِلَافَته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَعشرَة لَيَال وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة رضي الله عنه ونفعنا بِهِ