الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ مقتلهم بِموضع يُقَال لَهُ فخ على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة كَمَا قُلْنَا وَفِي ذَلِك يَقُول بعض شعراء ذَلِك الْعَصْر
(فلأبكين على الْحُسَيْن
…
بعولة وعَلى الْحسن)
(وعَلى ابْن عَاتِكَة الَّذِي
…
واروه لَيْسَ لَهُ كفن)
(تركُوا بفخ غدْوَة
…
فِي غير منزلَة الوطن)
فِي أَبْيَات وَالْحسن الَّذِي ذكره فِي هَذِه الأبيات هُوَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ أسر فِي ذَلِك الْيَوْم فَضربت عُنُقه صبرا وَابْن عَاتِكَة الَّذِي ذكره هُوَ عبد الله بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ حمل رَأس الْحُسَيْن وَمَعَهُ بَاقِي الرؤوس إِلَى الْهَادِي فَأنْكر عَلَيْهِم حمل رَأس الْحُسَيْن وَلم يعطهم جوائزهم غَضبا عَلَيْهِم
دُخُول إِدْرِيس بن عبد الله أَرض الْمغرب الْأَقْصَى
قد تقدم لنا أَن يحيى وَإِدْرِيس ابْني عبد الله حضرا وقْعَة فخ مَعَ الْحُسَيْن بن عَليّ الْمَذْكُور آنِفا فَأَما يحيى فَإِنَّهُ فر من الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة إِلَى بِلَاد الديلم فِي جِهَة الشرق ودعا النَّاس إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ واشتدت شوكته ثمَّ إِن الرشيد جهز إِلَيْهِ الْفضل بن يحيى الْبَرْمَكِي فِي جَيش كثيف فكاتبه الْفضل وبذل لَهُ الْأمان وَمَا يختاره فَأَجَابَهُ يحيى بن عبد الله إِلَى ذَلِك وَطلب يَمِين الرشيد وَأَن يكون بِخَطِّهِ وَيشْهد فِيهِ الأكابر فَفعل ذَلِك وَحضر يحيى بن عبد الله إِلَى بَغْدَاد فَأكْرمه الرشيد وَأَعْطَاهُ مَالا كثيرا ثمَّ حَبسه حَتَّى مَاتَ فِي السجْن
وَأما إِدْرِيس فَإِنَّهُ فر من الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة وَلحق بِمصْر وعَلى بريدها يَوْمئِذٍ وَاضح مولى صَالح بن الْمَنْصُور وَيعرف بالمسكين وَكَانَ وَاضح يتشيع لآل الْبَيْت فَعلم شَأْن إِدْرِيس وَأَتَاهُ إِلَى الْموضع الَّذِي كَانَ مستخفيا
بِهِ وَلم ير شَيْئا أخْلص لَهُ من أَن يحملهُ على الْبَرِيد إِلَى الْمغرب فَفعل وَلحق إِدْرِيس بالمغرب الْأَقْصَى هُوَ ومولاه رَاشد فَنزل بِمَدِينَة وليلى سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَبهَا يَوْمئِذٍ إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن عبد الحميد أَمِير أوربة من البربر البرانس فأجاره وأكرمه وَجمع البربر على الْقيام بدعوته وخلع الطَّاعَة العباسية وكشف القناع فِي ذَلِك وانْتهى الْخَبَر إِلَى الرشيد بِمَا فعله وَاضح فِي شَأْن إِدْرِيس فَقتله وصلبه
وَقَالَ ابْن أبي زرع فِي كتاب القرطاس إِن إِدْرِيس بن عبد الله لما قتلت عشيرته بفخ فر بِنَفسِهِ متسترا فِي الْبِلَاد يُرِيد الْمغرب فَسَار من مَكَّة حَتَّى وصل إِلَى مصر وَمَعَهُ مولى لَهُ اسْمه رَاشد فَدَخلَهَا وَالْعَامِل عَلَيْهَا يَوْمئِذٍ لبني الْعَبَّاس هُوَ عَليّ بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي فَبَيْنَمَا إِدْرِيس وَرَاشِد يمشيان فِي شوارع مصر إِذا مرا بدار حَسَنَة الْبناء فوقفا يتأملانها وَإِذا بِصَاحِب الدَّار قد خرج فَسلم عَلَيْهِمَا وَقَالَ مَا الَّذِي تنظرانه من هَذِه الدَّار فَقَالَ رَاشد أعجبنا حسن بنائها قَالَ وأظنكما غريبين ليسَا من هَذِه الْبِلَاد فَقَالَ رَاشد جعلت فدَاك إِن الْأَمر كَمَا ذكرت قَالَ فَمن اي الأقاليم أَنْتُمَا قَالَا من الْحجاز قَالَ فَمن أَي بِلَاده قَالَا من مَكَّة قَالَ وأخالكما من شيعَة الحسنين الفارين من وقْعَة فخ فهما بالإنكار ثمَّ توسما فِيهِ الْخَيْر فَقَالَ رَاشد يَا سَيِّدي أرى لَك صُورَة حَسَنَة وَقد توسمت فِيك الْخَيْر أَرَأَيْت إِن أخبرناك من نَحن أَكنت تستر علينا قَالَ نعم وَرب الْكَعْبَة وأبذل الْجهد فِي صَلَاح حالكما فَقَالَ رَاشد هَذَا إِدْرِيس بن عبد الله بن حسن وَأَنا مَوْلَاهُ رَاشد فَرَرْت بِهِ خوفًا عَلَيْهِ من الْقَتْل وَنحن قاصدون بِلَاد الْمغرب فَقَالَ الرجل لتطمئن نفوسكما فَإِنِّي من شيعَة آل الْبَيْت وَأول من كتم سرهم فأنتما من الْآمنينَ ثمَّ أدخلهما منزله وَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا فاتصل خبرهما بعلي بن سُلَيْمَان صَاحب مصر فَبعث إِلَى الرجل الَّذِي هما عِنْده فَقَالَ لَهُ إِنَّه قد رفع إِلَيّ خبر الرجلَيْن الَّذين عنْدك وَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كتب إِلَيّ فِي طلب الحسينين والبحث عَنْهُم وَقد بَث عيونه على الطرقات وَجعل الرصاد
على أَطْرَاف الْبِلَاد فَلَا يمر بهم أحد حَتَّى يعرف نسبه وحاله وَإِنِّي أكره أَن أتعرض لدماء آل الْبَيْت فلك وَلَهُم الْأمان فَاذْهَبْ إِلَيْهِمَا وأعلمهما بمقالي وَأَمرهمَا بِالْخرُوجِ من عَمَلي وَقد أجلتهما ثَلَاثًا فَسَار الرجل فَاشْترى راحلتين لإدريس ومولاه وَاشْترى لنَفسِهِ أُخْرَى وَوضع زادا يبلغهما إِلَى إفريقية وَقَالَ لراشد اخْرُج أَنْت مَعَ الرّفْقَة على الجادة وَأخرج أَنا وَإِدْرِيس على طَرِيق غامض لَا تسلكه الرفاق وموعدنا مَدِينَة برقة فَخرج رَاشد مَعَ الرّفْقَة فِي زِيّ التُّجَّار وَخرج إِدْرِيس مَعَ الْمصْرِيّ فسلكا الْبَريَّة حَتَّى وصلا إِلَى برقة وَأَقَامَا بهَا حَتَّى لحق بهما رَاشد ثمَّ جدد الْمصْرِيّ لَهما زادا وودعهما وَانْصَرف
وَسَار إِدْرِيس وَرَاشِد يجدان السّير حَتَّى وصلا إِلَى القيروان فأقاما بهَا مُدَّة ثمَّ خرجا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى
وَكَانَ رَاشد من أهل النجدة والحزم وَالدّين والنصيحة لآل الْبَيْت فَعمد إِلَى إِدْرِيس حِين خرجا من القيروان فألبسه مدرعة صوف خشينة وعمامة كَذَلِك وصيره كالخادم لَهُ يَأْمُرهُ وينهاه كل ذَلِك خوفًا عَلَيْهِ وحياطة لَهُ ثمَّ وصلا إِلَى مَدِينَة تلمسان فأراحا بهَا أَيَّامًا ثمَّ ارتحلا نَحْو بِلَاد طنجة فسارا حَتَّى عبرا وَادي ملوية ودخلا بِلَاد السوس الْأَدْنَى وتقدما إِلَى مَدِينَة طنجة وَهِي يَوْمئِذٍ قَاعِدَة بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وَأم مدنه فأقاما بهَا أَيَّامًا فَلَمَّا لم يجد إِدْرِيس بهَا مُرَاده خرج مَعَ مَوْلَاهُ رَاشد حَتَّى انتهيا إِلَى مَدِينَة وليلى قَاعِدَة جبل زرهون
وَكَانَت مَدِينَة متوسطة حَصِينَة كَثِيرَة الْمِيَاه والغروس وَالزَّيْتُون وَكَانَ لَهَا سور عَظِيم من بُنيان الْأَوَائِل يُقَال إِنَّهَا الْمُسَمَّاة الْيَوْم بقصر فِرْعَوْن فَنزل بهَا إِدْرِيس على صَاحبهَا ابْن عبد الحميد الأوربي فَأقبل عَلَيْهِ ابْن عبد الحميد وَبَالغ فِي إكرامه وبره فَعرفهُ إِدْرِيس بِنَفسِهِ وأفضى إِلَيْهِ بسره فوافقه على مُرَاده وأنزله مَعَه فِي دَاره وَتَوَلَّى خدمته وَالْقِيَام بشؤونه
وَكَانَ دُخُول إِدْرِيس الْمغرب ونزوله على ابْن عبد الحميد بِمَدِينَة وليلى