الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريبَة معنصر بن حَمَّاد بن معنصر بن الْمعز بن عَطِيَّة فَبَايَعته قبائل مغراوة الَّذين بفاس وأحوازها وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ معنصر ذَا حزم ورأي وشجاعة وإقدام وشغل بِحَرب لمتونة وَكَانَت لَهُ عَلَيْهِم الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة
ثمَّ غلب يُوسُف بن ناشفين على فاس وَخلف عَلَيْهَا عَامله وارتحل إِلَى عمَارَة وَفتح الْكثير من بلادها حَتَّى أشرف على طنجة ثمَّ رَجَعَ إِلَى حِصَار قلعة فازاز فخالفه معنصر إِلَى فاس وملكها وَقتل الْعَامِل وَمن مَعَه من لمتونة وَمثل بهم بالحرق والصلب واتصل الْخَبَر بِيُوسُف بن تاشفين وَهُوَ محاصر لقلعة فازاز فاستدعى مهْدي بن يُوسُف الكزنائي صَاحب مكناسة ليستجيش بِهِ على فاس فاستعرضه معنصر فِي طَرِيقه قبل أَن تتصل أَيْدِيهِمَا وناجزه الْحَرْب ففض جموعه وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى وليه الْحَاجِب سكُوت البرغواطي صَاحب سبتة
واستصرخ أهل مكناسة بِيُوسُف بن تاشفين فسرح عَسَاكِر لمتونة إِلَى حِصَار فاس فَأخذُوا بمخنقها وَقَطعُوا الْمرَافِق عَنْهَا وألحوا بِالْقِتَالِ عَلَيْهَا حَتَّى اشْتَدَّ بِأَهْلِهَا الْحصار ومسهم الْجد وبرز معنصر لإحدى الراحتين فَكَانَت الدائرة عَلَيْهِ وفقد فِي الملحمة ذَلِك الْيَوْم سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَلم يدر مَا فعل الله بِهِ سبحانه وتعالى
الْخَبَر عَن دولة تَمِيم بن معنصر المغراوي
لما فقد معنصر بن حَمَّاد فِي الملحمة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين اللمتونيين بَايع أهل فاس من بعده لِابْنِهِ تَمِيم بن معنصر فَكَانَت أَيَّامه أَيَّام حِصَار وفتنة وَجهد وَغَلَاء
وشغل يُوسُف بن تاشفين عَنْهُم بِفَتْح بِلَاد غمارة حَتَّى إِذا كَانَت سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَفرغ من فتح غمارة صعد إِلَى فاس فحاصرها أَيَّامًا ثمَّ اقتحمها عنْوَة وَقتل بهَا زهاء ثَلَاثَة آلَاف من مغراوة وَبني يفرن ومكناسة وَغَيرهم
وَهلك تَمِيم بن معنصر فِي جُمْلَتهمْ حَتَّى عجز النَّاس عَن مواراتهم فُرَادَى فاتخذوا لَهُم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا من الْقَتْل مِنْهُم إِلَى تلمسان قَالَه ابْن خلدون
وَقَالَ فِي القرطاس دخل يُوسُف بن تاشفين مَدِينَة فاس الدخلة الثَّانِيَة الْكُبْرَى فَقتل بهَا من مغراوة وَبني يفرن فِي أزقتها وجوامعها مَا يزِيد على الْعشْرين ألف رجل وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وانقرضت دولة مغراوة من الْمغرب والبقاء لله وَحده
وَكَانَت مُدَّة دولتهم نَحْو مائَة سنة وَفِي دولتهم عظم شَأْن فاس وبنيت الأسوار على أرباضها وحصنت أَبْوَابهَا وَزيد فِي مسجديها الْقرَوِيين والأندلس زِيَادَة كَثِيرَة واتسع النَّاس فِي أَيَّام مغراوة فِي الْبناء فعظمت فاس واستبحر عمرانها وَكَثُرت خيراتها واتصل الْأَمْن والرخاء جلّ أيامهم إِلَى أَن ضعفت أَحْوَالهم وجاروا على رعيتهم بِأخذ أَمْوَالهم وَسَفك دِمَائِهِمْ والتعرض لحرمهم فَانْقَطَعت عَنْهُم الْموَاد وَكثر الْخَوْف فِي الْبِلَاد وغلت الأسعار وبلى الله عباده بِشَيْء من الْخَوْف والجوع وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات وَذَلِكَ فِي دولة الْفتُوح بن دوناس وَمن بعده فَكَانَ رُؤَسَاء مغراوة وَبني يفرن يلجون على النَّاس دُورهمْ فَيَأْخُذُونَ مَا يَجدونَ بهَا من الطَّعَام ويتعرضون لنسائهم وصبيانهم وَيَأْخُذُونَ أَمْوَال التُّجَّار فَلَا يقدر أحد أَن يصدهم عَن ذَلِك
وَكَانَ سفهاؤهم وعبيدهم يصعدون على قنة جبل الْعرض فَيَنْظُرُونَ إِلَى الدّور الَّتِي بِالْمَدِينَةِ فَإِذا رَأَوْا دَارا بهَا دُخان قصدوها وَأخذُوا مَا وجدوا بهَا من طَعَام أَو غَيره وَمن تعرض لَهُم فِي ذَلِك قَتَلُوهُ فَلَمَّا ارتكبوا هَذِه العظائم سلبهم الله ملكه وَغير مَا بهم من نعْمَة {الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} فَسلط عَلَيْهِم المرابطين فمحوا آثَارهم من الْمغرب ونفوهم عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ وطهروه من جَوْرهمْ
وَفِي أيامهم اتخذ أهل فاس المطامير فِي بُيُوتهم للطحن والطبخ لِئَلَّا
يسمع دوِي الرَّحَى فتقصدهم سُفَهَاء مغراوة وفيهَا أَيْضا اتَّخذُوا غرفا لَا مراقي لَهَا حَتَّى إِذا كَانَ عشى النَّهَار صعد الرجل بأَهْله وَعِيَاله إِلَيْهَا بسلم ثمَّ يرفع السّلم مَعَه لِئَلَّا يدْخل عَلَيْهِ فَجْأَة وَكَانَ من هَذَا شَيْء كثير
وَكَانَ من الْأَحْدَاث فِي هَذِه الْمدَّة أَنه فِي لَيْلَة الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ظهر نجم فِي السَّمَاء كَانَ فِي رَأْي الْعين مثل الصومعة الْعَظِيمَة طلع من جِهَة الْمشرق وتهافت جَريا فِيمَا بَين الْمغرب والجوف وتطاير مِنْهُ شرر عَظِيم فزع النَّاس مِنْهُ واستغاثوا رَبهم فِي صرف مَكْرُوهَة عَنْهُم
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بعْدهَا كَانَ الْكُسُوف الْكُلِّي الَّذِي أذهب جَمِيع الفرص
وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة كَانَت الرّيح الهائلة الَّتِي نظر النَّاس فِيهَا إِلَى الْبَهَائِم تمر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض نَعُوذ بِاللَّه من سخطه
وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين وثلاثمائة طلع الْكَوْكَب الْوَقَّاد وَهُوَ نجم عَظِيم ضخم الجرم كثير الضياء
وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة طلع نجم عَظِيم من ذَوَات الأذناب شَدِيد الارتعاد
وَفِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة انقرضت دولة بني أُميَّة بالأندلس وَقَامَت بهَا دولة بني حمود فَكَانَت مدَّتهَا نَحْو سبع سِنِين وانقرضت أَيْضا وافترق أَمر الْجَمَاعَة بالأندلس وَصَارَ الْملك بهَا طوائف إِلَى أَن نسخ ذَلِك يُوسُف بن تاشفين
وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة اشْتَدَّ الْقَحْط بِبِلَاد الْمغرب كلهَا من تاهرت إِلَى سجلماسة وَكثر الفناء فِي النَّاس نسْأَل الله الْعَافِيَة
وَفِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة بالأندلس اضْطَرَبَتْ لَهَا الأَرْض وانهدت الْجبَال
وَفِي سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة توفّي الْفَقِيه ابْن الْعَجُوز بفاس
وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة توفّي الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو عمرَان الفاسي قَالَ فِي التشوف أَبُو عمرَان مُوسَى بن عِيسَى بن أبي حَاج الفاسي أَصله من مَدِينَة فاس وَنزل بالقيروان فَأخذ عَن ابي الْحسن الْقَابِسِيّ ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فَحَضَرَ مجْلِس القَاضِي أبي بكر بن الطّيب ثمَّ عَاد إِلَى القيروان وَبهَا مَاتَ لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ مقدما فِي الْفضل وَالْأَمَانَة اه