الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولَايَة يزِيد بن حَاتِم على الْمغرب
لما بلغ الْمَنْصُور انْتِقَاض إفريقية على عمر بن حَفْص وحصاره بطبنة أَولا ثمَّ بالقيروان ثَانِيًا بعث إِلَيْهِ يزِيد بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب بن أبي صفرَة فِي سِتِّينَ ألفا وَبلغ خَبره عمر بن حَفْص فَحَمله ذَلِك على الاستماتة كَمَا تقدم
وَبلغ أَبَا حَاتِم وَهُوَ بالقيروان مسير يزِيد بن حَاتِم إِلَيْهِ فَخرج للقائه فَلَقِيَهُ يزِيد بن حَاتِم بنواحي طرابلس واقتتلوا قتالا شَدِيدا فَانْهَزَمَ البربر وَقتل أَبُو حَاتِم فِي ثَلَاثِينَ ألفا من أَصْحَابه وتتبعهم يزِيد بِالْقَتْلِ طلبا بِدَم عمر بن حَفْص
ثمَّ ارتحل إِلَى القيروان فَدَخلَهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ لعشر مَضَت من جُمَادَى الأولى سنة خمس وَخمسين وَمِائَة فمهدها ورتب أسواقها وأفرد لكل صناعَة مَكَانا وجدد بِنَاء جَامعهَا وَضبط الْأُمُور أحسن ضبط
وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن عبد الرَّحْمَن الفِهري مَعَ أبي حَاتِم فلحق بكتامة فَبعث يزِيد فِي طلبه الْمخَارِق بن غفار فحاصره ثَمَانِيَة أشهر ثمَّ غلب عَلَيْهِ فَقتل جمَاعَة مِمَّن مَعَه وهرب الْبَاقُونَ فِي كل نَاحيَة وَنَجَا هُوَ إِلَى الأندلس
وَبعث يزِيد الْمخَارِق أَيْضا على الزاب فَنزل طبنة وأثخن فِي البربر وأوقع بهم وقائع عَظِيمَة
وَكَانَت حروب الْخَوَارِج مَعَ الْعَرَب مُنْذُ انتفضوا على عمر بن حَفْص إِلَى انْقِضَائِهَا ثَلَاثمِائَة وخمسا وَسبعين حَربًا قَالَه ابْن خلدون
ثمَّ انتقضت ورفجومة سنة سبع وَخمسين وولوا عَلَيْهِم رجلا اسْمه أَبُو زرجونة فسرح إِلَيْهِم يزِيد بن حَاتِم من عشيرته يزِيد بن مجزأَة المهلبي فهزموه واستأذنه ابْنه الْمُهلب وَكَانَ على الزاب وطبنة فِي الزَّحْف إِلَى
ورفجومة فَأذن لَهُ وأمده بِالْعَلَاءِ بن سعيد بن مَرْوَان المهلبي من عشيرتهم أَيْضا فأوقع بهم وقتلهم أَبْرَح قتل
وانتقضت نفزاوة من بعد ذَلِك فِي سلطنة ابْنه دَاوُد بن يزِيد فاستأصلهم قتلا أَيْضا فركدت ريح الْخَوَارِج من البربر وتداعت بدعتهم إِلَى الاضمحلال
قَالَ ابْن خلدون لم يزل أَمر الْخَوَارِج بالمغرب يَعْنِي أَيَّام يزِيد هَذَا فِي تنَاقض إِلَى أَن اضمحلت ديانتهم وافترقت جَمَاعَتهمْ وَبقيت آثَار نحلتهم فِي أعقاب البربر الَّذين دانوا بهَا فِي صدر الْإِسْلَام فَفِي بِلَاد زناتة بالصحراء مِنْهَا أثر بَاقٍ لهَذَا الْعَهْد وَكَذَلِكَ فِي جبال طرابلس أثر بَاقٍ من تِلْكَ النحلة وَالله يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء وَاسْتمرّ يزِيد بن حَاتِم ضابطا لأمر إفريقية وَالْمغْرب إِلَى أَن توفّي بهَا يَوْم الثُّلَاثَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر رَمَضَان سنة سبعين وَمِائَة فِي خلَافَة هَارُون الرشيد العباسي فَكَانَت ولَايَته خمس عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَولى النَّاس عَلَيْهِم ابْنه دَاوُد إِلَى أَن كَانَ مَا نذكرهُ
وَكَانَ يزِيد رحمه الله من السمحاء الأمجاد والفضلاء الأنجاد وكل بني الْمُهلب كَذَلِك وبهم ضرب الْمثل أَبُو مُحَمَّد الحريري فِي المقامات إِذْ قَالَ وَصَارَ الْأَدَب أعلق بِي من الْهوى ببني عذرة والشجاعة بآل أبي صفرَة وَقَالَ الشَّاعِر الحماسي
(نزلت على آل الْمُهلب شاتيا
…
بَعيدا عَن الأوطان فِي الزَّمن الْمحل)
(فَمَا زَالَ بِي معروفهم وافتقادهم
…
وبرهم حَتَّى حسبتهم أَهلِي)
فَأَما يزِيد هَذَا من بَينهم فحاله فِي الشجَاعَة وجودة الرَّأْي كَمَا رَأَيْت وَأما الْجُود والسخاء فَهُوَ فيهمَا الْمثل السائر كَانَ ربيع بن ثَابت الرقي الشَّاعِر مدح يزِيد بن أسيد بِالتَّصْغِيرِ السّلمِيّ وَهُوَ وَال على أرمينية فقصر فِي حَقه ثمَّ مدح يزِيد بن حَاتِم فَبَالغ فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ فَقَالَ ربيعَة من قصيدة
(لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى
…
يزِيد سليم والأغر بن حَاتِم)
(يزِيد سليم سَالم المَال والفتى
…
فَتى الأزد للأموال غير مسالم)