الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسطول الرّوم على قتالها فِي جموع عَظِيمَة من قبل قَيْصر وبأيديهم أسرى من الْمُسلمين فاستغاثوا بِهِ وَهُوَ فِي خف من أَصْحَابه فصمد إِلَيْهِم فِيمَن مَعَه وَقَاتل الرّوم حَتَّى قتل وَقتل مَعَه جمَاعَة من أَشْرَاف أَصْحَابه وَنَجَا الْبَاقُونَ إِلَى دمشق فَأخْبرُوا الْخَلِيفَة عبدا لملك بِمَا وَقع فآسفه ذَلِك
ولَايَة حسان بن النُّعْمَان على الْمغرب وتخريبه قرطاجنة
لما رَحل زُهَيْر بن قيس إِلَى الْمشرق وَاسْتشْهدَ ببرقة كَمَا قدمنَا واضطرمت بِلَاد الْمغرب بعده واضطربت نَار الْفِتَن وافترق أَمر البربر وتعدد سلطانهم فِي رُؤَسَائِهِمْ وَكَانَ من أعظمهم هم شَوْكَة يَوْمئِذٍ الكاهنة داهيا الزناتية ثمَّ الجراوية صَاحِبَة جبل أوراس وكبيرة قَومهَا جراوة والبتر فَبعث عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى عَامله على مصر حسان بن النُّعْمَان الغساني وَكَانَ يُقَال لَهُ الشَّيْخ الْأمين يَأْمُرهُ أَن يخرج إِلَى جِهَاد البربر وَبعث إِلَيْهِ بالمدد فزحف إِلَيْهِم سنة تسع وَسِتِّينَ فِي أَرْبَعِينَ ألف مقَاتل وَلما دخل القيروان سَأَلَ الأفارقة عَن أعظم مُلُوكهمْ فَقَالُوا صَاحب قرطاجنة وَهِي الْمَدِينَة الْعُظْمَى قريعة رومة وضرتها وَإِحْدَى عجائب الدُّنْيَا وَكَانَ با يَوْمئِذٍ من جموع الفرنج أُمَم لَا تحصى فصمد إِلَيْهَا حسان وافتتحها وَقتل أَكثر من بهَا وَنَجَا فَلهم فِي المراكب إِلَى صقلية والأندلس وَلما انْصَرف حسان عَنْهَا دَخلهَا أَقوام من أهل الضواحي والبادية وتحصنوا بهَا فَرجع إِلَيْهِم وَقَاتلهمْ أَشد قتال فافتتحها عنْوَة وَأمر بتخريبها وإعفاء رسمها وَكسر قنواتها فَذَهَبت كأمس الدابر وَلم يبْق بهَا الْآن إِلَّا آثَار خَفِيفَة تدل على مَا كَانَ بهَا من عَجِيب الصَّنْعَة وإحكام الْعَمَل وبأنقاضها عمرت مَدِينَة تونس كَمَا فِي الْقَامُوس
ثمَّ بلغ حسان أَن البربر والفرنج قد عسكروا فِي جموع عَظِيمَة بِبِلَاد صطفورة وبنزرت فصمد إِلَيْهِم وَهَزَمَهُمْ وشرد بهم من خَلفهم وانحاز فَلهم إِلَى باجة وبونة وَرجع حسان إِلَى القيروان فأراح بهَا أَيَّامًا ثمَّ سَأَلَ عَن بَقِيَّة الْمُلُوك الْمُخَالفَة فدلوه على الكاهنة داهيا وقومها جراوة وهم ولد جراو بن
الديديت بن زانا وزانا هُوَ أَبُو زناتة وَكَانَ لهَذِهِ الكاهنة بنُون ثَلَاثَة ورثوا رياسة قَومهمْ عَن سلفهم وربوا فِي حجرها فاستبدت عَلَيْهِم واعتزت على قَومهَا بهم وَبِمَا كَانَ لَهَا من الكهانة والمعرفة بِغَيْب أَحْوَالهم وعواقب أُمُورهم فانتهت إِلَيْهَا رياستهم ووقفوا عِنْد إشارتها قَالَ هانىء بن بكور الضريسي ملكت عَلَيْهِم خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وَعَاشَتْ مائَة وَسبعا وَعشْرين سنة وَكَانَ قتل عقبَة بن نَافِع وَأَصْحَابه فِي الْبَسِيط قبْلَة جبل أوراس بإغرائها برابرة الزاب عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُسلمُونَ يعْرفُونَ ذَلِك مِنْهَا فَلَمَّا قتل كسيلة وانفضت جموع البربر رجعُوا إِلَى هَذِه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وَقد انْضَمَّ إِلَيْهَا بَنو يفرن وَمن كَانَ بإفريقية من قبائل زناتة وَسَائِر البتر فَسَار إِلَيْهَا حسان حَتَّى نزل وَادي مليانة وزحفت هِيَ إِلَيْهِ فَاقْتَتلُوا بالبسيط أَمَام جبلها قتالا شَدِيدا ثمَّ انهزم الْمُسلمُونَ وَقتل مِنْهُم خلق كثير وَأسر خَالِد بن يزِيد الْقَيْسِي فِي ثَمَانِينَ رجلا من وُجُوه الْعَرَب وَلم تزل الكاهنة والبربر فِي إتباع حسان وَالْعرب حَتَّى أخرجوهم من عمل قابس وَلحق حسان بِعَمَل طرابلس فَلَقِيَهُ هُنَاكَ كتاب عبد الْملك يَأْمُرهُ بالْمقَام حَيْثُ يصله كِتَابه فَأَقَامَ ببرقة وَبنى قصوره الْمَعْرُوفَة لهَذَا الْعَهْد بقصور حسان ثمَّ رجعت الكاهنة إِلَى مَكَانهَا من الْجَبَل وأطلقت أسرى الْمُسلمين سوى خَالِد فَإِنَّهَا اتَّخذت عِنْده عهدا بإرضاعه مَعَ ولديها وصيرته أَخا لَهما وأقامت فِي سُلْطَان إفريقية والبربر خمس سِنِين بعد هزيمَة حسان ونفت الْعَرَب عَن بِلَاد الْمغرب وَقَالَت لقومها إِنَّمَا تطلب الْعَرَب من الْمغرب مدنه وَمَا فِيهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنحن إِنَّمَا نُرِيد الْمزَارِع والمراعي فَالرَّأْي أَن نخرب هَذِه المدن والحصون ونقطع أطماع الْعَرَب عَنْهَا
قَالَ ابْن خلدون وَكَانَت المدن والضياع من طرابلس إِلَى طنجة ظلا وَاحِدًا فِي قرى مُتَّصِلَة فخربت الكاهنة ديار الْمغرب وعضدت أشجاره ومحت جماله وجاست بِالْفَسَادِ خلاله فشق ذَلِك على البربر واستأمنوا إِلَى حسان وَكَانَ عبد الْملك قد بعث إِلَيْهِ بالمدد فَأَمنَهُمْ وَوجد السَّبِيل إِلَى تَفْرِيق أمرهَا ثمَّ دس إِلَى خَالِد بن يزِيد يستعلمه أمرهَا فأطلعه على كنه خَبَرهَا واستحثه
فزحف إِلَى الْمغرب سنة أَربع وَسبعين وبرزت إِلَيْهِ فأوقع بهَا وبجموعها وقتلها واحتز رَأسهَا عِنْد الْبِئْر الْمَعْرُوفَة بهَا لهَذَا الْعَهْد من جبل أوراس ثمَّ اقتحم الْجَبَل عنْوَة واستلحم فِيهِ زهاء مائَة ألف من البربر وَاسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ باقيهم على الْإِسْلَام وَالطَّاعَة وَشرط عَلَيْهِم حسان أَن يكون مَعَه مِنْهُم اثْنَا عشر ألفا لَا يفارقونه فِي مَوَاطِن جهاده فَأَجَابُوا وَأَسْلمُوا وَحسن إسْلَامهمْ وَعقد للأكبر من وَلَدي الكاهنة على قومه من جراوة وعَلى جبل أوراس فَقَالُوا قد لزمتنا لَهُ الطَّاعَة وسبقنا إِلَيْهَا وبايعناه عَلَيْهَا وَكَانَ ذَلِك بِإِشَارَة من الكاهنة لإثارة من علم كَانَت لَدَيْهَا بذلك من شياطينها
وَانْصَرف حسان إِلَى القيروان مؤيدا منصورا وَثَبت ملكه واستقام أمره فدون الدَّوَاوِين وَكتب الْخراج على عجم إفريقية وَمن أَقَامَ مَعَهم على النَّصْرَانِيَّة من البربر ثمَّ أوعز إِلَيْهِ الْخَلِيفَة عبد الْملك باتخاذ دَار الصِّنَاعَة بتونس لإنشاء الْآلَات البحرية حرصا على مراسم الْجِهَاد وَمِنْهَا كَانَ فتح صقلية أَيَّام زِيَادَة الله الأول من بني الْأَغْلَب على يَد أَسد بن الْفُرَات شيخ الْفتيا وَصَاحب الإِمَام ابْن الْقَاسِم بعد أَن كَانَ مُعَاوِيَة بن حديج أغزى صقلية أَيَّام ولَايَته على الْمغرب فَلم يفتح الله عَلَيْهِ وَفتحت على يَد ابْن الْأَغْلَب وقائده ابْن الْفُرَات كَمَا قُلْنَا وَاسْتمرّ حسان واليا على الْمغرب إِلَى أَن عَزله عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان صَاحب مصر وَكَانَ أَمر الْمغرب إِذْ ذَاك إِلَيْهِ فاستخلف حسان على الْمغرب رجلا من جنده اسْمه صَالح وارتحل إِلَى الْمشرق بِمَا جمعه من ذريع المَال ورائع السَّبي ونفيس الذَّخِيرَة فَلَمَّا انْتهى إِلَى مصر أهْدى إِلَى عبد الله مِائَتي جَارِيَة من بَنَات مُلُوك الفرنج والبربر فَلم يقنعه ذَلِك وانتزع كثيرا مِمَّا بِيَدِهِ وَلما قدم على الْخَلِيفَة بِدِمَشْق وَهُوَ يَوْمئِذٍ الْوَلِيد بن عبد الْملك شكا إِلَيْهِ مَا صنع بِهِ عَمه عبد الْعَزِيز فَغَاظَهُ ذَلِك وَأنْكرهُ ثمَّ أهْدى إِلَيْهِ حسان من غَرِيب النفائس الَّتِي أخفاها عَن عبد الله مَا استعظمه الْوَلِيد وشكره عَلَيْهِ ووعده برده إِلَى عمله فَحلف حسان أَن لَا يَلِي لبني أُميَّة عملا أبدا
وَذكر الْبكْرِيّ أَن حسان بن النُّعْمَان هَذَا هُوَ فاتح تونس وَقَالَ غَيره بل