الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح أفريقية
وَفتح فِي خلَافَة عُثْمَان رضي الله عنه إفريقية أَيْضا من بِلَاد الْمغرب وَكَانَ من خَبَرهَا أَنه لما كَانَت سنة سِتّ وَعشْرين من الْهِجْرَة عزل عُثْمَان رضي الله عنه عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه عَن خراج مصر وَاسْتعْمل مَكَانَهُ عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه فَلَمَّا قدم ابْن أبي سرح مصر كَانَ على خراجها وَعَمْرو بن الْعَاصِ على حربها فَكتب ابْن أبي سرح إِلَى عُثْمَان يشكو عمرا فاستقدمه عُثْمَان واستقل ابْن أبي سرح بالخراج وَالْحَرب مَعًا ثمَّ أمره عُثْمَان بغزو إفريقية بعد أَن كَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ اسْتَشَارَ عمر رضي الله عنه فِي غزوها فَمَنعه من ذَلِك وَقَالَ لَهُ تِلْكَ المفرقة وَلَيْسَت بإفريقية أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَلما أَمر عُثْمَان بن أبي سرح بغزوها قَالَ لَهُ إِن فتح الله عَلَيْك فلك خمس الْخمس من الْغَنَائِم ثمَّ عقد عُثْمَان لعبد الله بن نَافِع بن عبد الْقَيْس على جند ولعَبْد الله بن نَافِع بن الْحَارِث على آخر وسرحهما فَخَرجُوا إِلَى أفريقية فِي عشرَة آلَاف وصالحهم أَهلهَا على مَال يؤدونه وَلم يقدروا على التوغل فِيهَا لِكَثْرَة أَهلهَا ثمَّ إِن ابْن أبي سرح اسْتَأْذن عُثْمَان فِي ذَلِك واستمده فَاسْتَشَارَ عُثْمَان الصَّحَابَة رضي الله عنهم فأشاروا بِهِ فَجهز العساكر من الْمَدِينَة وَفِيهِمْ جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن عَمْرو بن الْعَاصِ وَابْن جَعْفَر وَالْحسن وَالْحُسَيْن رضي الله عنهم وَسَارُوا مَعَ ابْن أبي سرح سنة سِتّ وَعشْرين ولقيهم عقبَة بن نَافِع فِيمَن مَعَه من الْمُسلمين ببرقة ثمَّ سَارُوا إِلَى طرابلس فنهبوا
الرّوم عِنْدهَا ثمَّ سَارُوا إِلَى إفريقية وبثوا السَّرَايَا فِي كل نَاحيَة وَكَانَ ملكهم جرجير يملك مَا بَين طرابلس وطنجة تَحت ولَايَة هِرقل وَيحمل إِلَيْهِ الْخراج فَلَمَّا بلغه الْخَبَر جمع مائَة وَعشْرين ألفا من العساكر ولقيهم على يَوْم وَلَيْلَة من سبيطلة دَار ملكهم وَأَقَامُوا يقتتلون وَدعوهُ إِلَى الْإِسْلَام أَو الْجِزْيَة فاستكبر ولحقهم عبد الله بن الزبير مدَدا بَعثه عُثْمَان لما أَبْطَأت أخبارهم وَسمع جرجير بوصول المدد ففت فِي عضده وَشهد ابْن الزبير مَعَهم الْقِتَال وَقد غَابَ ابْن أبي سرح فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل إِنَّه سمع مُنَادِي جرجير يَقُول من قتل ابْن أبي سرح فَلهُ مائَة ألف دِينَار وأزوجه ابْنَتي فخاف وَتَأَخر عَن شُهُود الْقِتَال فَقَالَ لَهُ ابْن الزبير تنادي أَنْت بِأَن من قتل جرجير نفلته مائَة ألف وَزَوجته ابْنَته واستعملته على بِلَاده فخاف جرجير أَشد مِنْهُ ثمَّ قَالَ عبد الله بن الزبير لِابْنِ أبي سرح الرَّأْي أَن تتْرك جمَاعَة من أبطال الْمُسلمين الْمَشَاهِير متأهبين للحرب وتقاتل الرّوم بباقي الْعَسْكَر إِلَى أَن يضجروا فتركبهم بالآخرين على غرَّة لَعَلَّ الله ينصرنا عَلَيْهِم وَوَافَقَ على ذَلِك أَعْيَان الصَّحَابَة فَفَعَلُوا ذَلِك وركبوا من الْغَد إِلَى الزَّوَال وألحوا عَلَيْهِم حَتَّى أتعبوهم ثمَّ افْتَرَقُوا وأركب عبد الله الْفَرِيق الَّذين كَانُوا مستريحين فكبروا وحملوا حَملَة رجل وَاحِد حَتَّى غشوا الرّوم فِي خيامهم فَانْهَزَمُوا وَقتل كثير مِنْهُم وَقتل ابْن الزبير جرجير وَأخذت ابْنَته سبية فنفلها ابْن أبي سرح ابْن الزبير ثمَّ حاصر ابْن أبي سرح سبيطلة حَتَّى فتحهَا وَكَانَ سهم الْفَارِس فِيهَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَسَهْم الراجل ألفا وَبث جيوشه فِي الْبِلَاد إِلَى قفصه فَسبوا وغنموا وَبعث عسكرا إِلَى حصن الأجم وَقد اجْتمع بِهِ أهل الْبِلَاد فحاصره وفتحه على الْأمان ثمَّ صَالحه أهل أفريقية على ألفي ألف وَخَمْسمِائة ألف دِينَار وَأرْسل عبد الله بن أبي سرح عبد الله بن الزبير بِخَبَر الْفَتْح وبالخمس إِلَى عُثْمَان رضي الله عنه فَاشْتَرَاهُ مَرْوَان بن الحكم بِخَمْسِمِائَة ألف دِينَار ثمَّ وَضعهَا عَنهُ عُثْمَان وَأعْطى ابْن أبي سرح خمس الْخمس من الْغَزْوَة الأولى ثمَّ بعد تَمام الصُّلْح رَجَعَ عبد الله بن أبي سرح
إِلَى مصر بعد مقَامه بأفريقية سنة وَثَلَاثَة أشهر وَيُقَال إِنَّه لما فتح إفريقية أَمر عُثْمَان رضي الله عنه عبد الله بن نَافِع أَن يسير إِلَى جِهَة الأندلس فغزا تِلْكَ الْجِهَة وَعَاد إِلَى أفريقية فَأَقَامَ بهَا واليا من قبل عُثْمَان وَرجع ابْن أبي سرح إِلَى مصر وَالله أعلم
وَفِي سنة ثَمَان وَعشْرين اسْتَأْذن مُعَاوِيَة عُثْمَان فِي غَزْو الْبَحْر فَأذن لَهُ وَقد كَانَ مُعَاوِيَة وَهُوَ بحمص أَيَّام عمر رضي الله عنه كتب إِلَيْهِ فِي شَأْن جَزِيرَة قبرص يَقُول إِن قَرْيَة من قرى حمص يسمع أَهلهَا نباح كلاب قبرص وصياح ديوكهم فَكتب عمر إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول صف لي الْبَحْر وراكبه فَكتب إِلَيْهِ عَمْرو يَقُول هُوَ خلق كَبِير يركبه خلق صَغِير لَيْسَ إِلَّا السَّمَاء وَالْمَاء إِن ركد أقلق الْقُلُوب وَإِن تحرّك أزاغ الْعُقُول يزْدَاد فِيهِ الْيَقِين قلَّة وَالشَّكّ كَثْرَة وراكبه دود على عود إِن مَال غرق وَإِن نجا فرق فَكتب عمر إِلَى مُعَاوِيَة وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَا أحمل فِيهِ مُسلما أبدا وَقد بَلغنِي أَن بَحر الشَّام يشرف على أطول جبل بِالْأَرْضِ فيستأذن الله كل يَوْم وَلَيْلَة فِي أَن يغرق الأَرْض فَكيف أحمل الْجنُود على هَذَا الْبَحْر الْكَافِر وَبِاللَّهِ لمُسلم وَاحِد أحب إِلَيّ مِمَّا حوت الرّوم فإياك أَن تعرض لي فِي ذَلِك فقد علمت مَا لَقِي الْعَلَاء مني ثمَّ لما كَانَت خلَافَة عُثْمَان ألح مُعَاوِيَة عَلَيْهِ فِي غَزْو الْبَحْر فَأَجَابَهُ على خِيَار النَّاس وطوعهم فَاخْتَارَ الْغَزْو جمَاعَة من الصَّحَابَة فيهم أَبُو ذَر وَأَبُو الدَّرْدَاء وَشَدَّاد بن أَوْس وَعبادَة بن الصَّامِت وزوجه أم حرَام بنت ملْحَان وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عبد الله بن قيس حَلِيف بني فَزَارَة وَسَارُوا إِلَى قبرص وَجَاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فَاجْتمعُوا عَلَيْهَا وصالحهم أَهلهَا على سَبْعَة آلَاف دِينَار لكل سنة ويؤدون مثلهَا للروم وَلَا مَنْعَة لَهُم على الْمُسلمين مِمَّن أَرَادَهُم من سواهُم وعَلى أَن يَكُونُوا عينا للْمُسلمين على عدوهم وَيكون طَرِيق الْغَزْو للْمُسلمين عَلَيْهِم وَكَانَت هَذِه
الْغُزَاة سنة ثَمَان وَعشْرين كَمَا قدمنَا وَقيل غير ذَلِك وفيهَا توفيت أم حرَام بنت ملْحَان سَقَطت عَن دابتها حِين خرجت من الْبَحْر وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أخْبرهَا بذلك وَهُوَ نَائِم عِنْدهَا كَمَا فِي الصَّحِيح وَأقَام عبد الله بن قيس على الْبَحْر فغزا خمسين غَزْوَة لم ينكب فِيهَا أحد إِلَى أَن نزل فِي بعض الْأَيَّام فِي سَاحل المرفأ من أَرض الرّوم فثاروا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَنَجَا الملاح وَكَانَ اسْتخْلف سُفْيَان بن عَوْف الْأَزْدِيّ على السفن فجَاء إِلَى أهل المرفأ وَقَاتلهمْ حَتَّى قتل وَقتل مَعَه جمَاعَة من الْمُسلمين
وَفِي سنة ثَلَاثِينَ جمع عُثْمَان الْقُرْآن الْجمع الثَّانِي فِي الْمَصَاحِف وفيهَا هلك يزدجرد كسْرَى فَارًّا من جيوش الْمُسلمين بِمَدِينَة مرو من خُرَاسَان وَهُوَ آخر الأكاسرة وبموته انقرضت دولة آل ساسان وَكَانَ من خبر جمع الْقُرْآن مَا أخرجه البُخَارِيّ عَن ابْن شهَاب أَن أنس بن مَالك حَدثهُ أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قدم على عُثْمَان وَكَانَ يغازي أهل الشَّام فِي فتح أرمينية وأذربيجان مَعَ أهل الْعرَاق فأفزع حُذَيْفَة اخْتلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة فَقَالَ حُذَيْفَة لعُثْمَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدْرك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَأرْسل عُثْمَان إِلَى حَفْصَة أَن أرسلي إِلَيْنَا بالصحف ننسخها فِي الْمَصَاحِف ثمَّ نردها إِلَيْك فَأرْسلت بهَا حَفْصَة إِلَى عُثْمَان فَأمر زيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام فنسخوها فِي الْمَصَاحِف وَقَالَ عُثْمَان للرهط القرشيين الثَّلَاثَة إِذا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فِي شَيْء من الْقُرْآن فاكتبوه بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا نزل بلسانهم فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا نسخوا الصُّحُف فِي الْمَصَاحِف رد عُثْمَان الصُّحُف إِلَى حَفْصَة فَأرْسل إِلَى كل أفق بمصحف مِمَّا نسخوا وَأمر بِمَا سواهُ من الْقُرْآن فِي كل صحيفَة أَو مصحف أَن يحرق قَالَ ابْن شهَاب وَأَخْبرنِي خَارِجَة بن زيد بن ثَابت أَنه سمع أَبَاهُ زيد بن ثَابت قَالَ فقدت آيَة من الْأَحْزَاب حِين نسخنا الْمُصحف قد كنت أسمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ بهَا فالتمسناها فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا}
عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ) فألحقناها فِي سورتها فِي الْمُصحف
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ تكلم جمَاعَة من أهل الْكُوفَة فِي عُثْمَان بِأَنَّهُ ولى جمَاعَة من أهل بَيته لَا يصلحون للولاية ونقموا عَلَيْهِ أمورا أخر لَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكرهَا مَعَ أَنه كَانَ فِيهَا مُجْتَهدا وَذَلِكَ أَن عُثْمَان رضي الله عنه كَانَ فِيهِ مزِيد حَيَاء ورأفة وبرور بأقاربه وَكَانَ عمر رضي الله عنه مرهوب الْجَانِب عِنْد الْخَاصَّة والعامة لَهُ عين كالئة على الرّعية بَصيرًا بِمَا يأْتونَ ويذرون مُحدثا فِي ذَلِك كَمَا أخبر عَنهُ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ من الحزم والضبط على مَا وَصفته عَائِشَة رضي الله عنها إِذْ قَالَت رحم الله عمر كَانَ أحوذ بِهِ نَسِيج وَحده قد أعد للأمور أقرانها فَكَانَ عُثْمَان أَلين جانبا من عمر فتوسع النَّاس فِي زَمَانه فِي أُمُور الدُّنْيَا أَكثر مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زمَان عمر واستعملوا النفيس من الملبس والمسكن والمطعم واقتنوا الضّيَاع والآثاث
قَالَ المَسْعُودِيّ فِي مروج الذَّهَب وَفِي أَيَّام عُثْمَان اقتنى الصَّحَابَة الضّيَاع وَالْمَال فَكَانَ لَهُ يَوْم قتل عِنْد خازنه خَمْسُونَ وَمِائَة ألف دِينَار وَألف ألف دِرْهَم وَقِيمَة ضيَاعه بوادي الْقرى وحنين وَغَيرهمَا مائَة ألف دِينَار وَخلف إبِلا وخيلا كَثِيرَة وَبلغ الثّمن الْوَاحِد من مَتْرُوك الزبير بعد وَفَاته خمسين ألف دِينَار وَخلف ألف فرس وَألف أمة وَكَانَت غلَّة إِلَى طَلْحَة من الْعرَاق ألف دِينَار كل يَوْم وَمن نَاحيَة السراة أَكثر من ذَلِك وَكَانَ على مربط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ألف فرس وَله ألف بعير وَعشرَة آلَاف من الْغنم وَبلغ الرّبع من متروكه بعد وَفَاته أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ ألفا وَخلف زيد بن ثَابت من الْفضة وَالذَّهَب مَا كَانَ يكسر بالفؤوس غير مَا خلف من الْأَمْوَال والضياع بِمِائَة ألف دِينَار وَبنى الزبير دَاره بِالْبَصْرَةِ وَكَذَلِكَ بنى بِمصْر والإسكندرية والكوفة وَكَذَلِكَ بنى طَلْحَة دَاره بِالْكُوفَةِ وشيد دَاره بِالْمَدِينَةِ وبناها بالجص والآجر والساج وَبنى سعد بن أبي وَقاص دَاره بالعقيق وَرفع سمكها وأوسع فضاءها وَجعل على أَعْلَاهَا شرفات وَبنى الْمِقْدَاد دَاره بِالْمَدِينَةِ وَجعلهَا مجصصة الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَخلف يعلى بن منية خمسين ألف دِينَار وَغير
ذَلِك مِمَّا قِيمَته ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم اه كَلَام المَسْعُودِيّ فاستحالت الْأَحْوَال فِي زمَان عُثْمَان كَمَا ترى وَلما رأى ذَلِك بعض النَّاس مِمَّن لم يكن لَهُ رسوخ فِي الْفِقْه وَالدّين وَلَا هُوَ من أهل السَّابِقَة من فضلاء الصَّحَابَة وَالْمُسْلِمين صَارُوا ينقمون على عُثْمَان بِأَنَّهُ أهمل أَمر الرّعية وَخَالف سيرة العمرين مَعَ مَا أنضاف إِلَى ذَلِك من تَوْلِيَة أَقَاربه وحاشاه من ذَلِك رضي الله عنه فَإِن الرجل كَانَ مُجْتَهدا وَهُوَ أهل للِاجْتِهَاد وَمَا تخيلوه من إهماله أَمر الرّعية حَتَّى اسْتَحَالَ أمرهَا إِلَى مَا ذكر تخيل بَاطِل إِذْ لَيْسَ فِي طوقه وَلَا بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا طبيعة الْعمرَان البشري تَقْتَضِي ذَلِك بِسَبَب مَا فتح على الْمُسلمين من الأقاليم والممالك والأقطار والنواحي والأمصار وترادف الجبايات الفائقة الْحصْر وانثيال كنوز كسْرَى وَقَيْصَر وَغَيرهم من مُلُوك الأَرْض عَلَيْهِم فَأنى يبْقى الْأَمر على حَاله مَعَ هَذَا الْفَتْح العجيب والنصر الْغَرِيب وَقد قيل دوَام الْحَال من الْمحَال وَالنَّاس لَيْسُوا على قدم وَاحِد فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا فَالْحق الَّذِي لَا عوج فِيهِ وَلَا أمت أَن عُثْمَان رضي الله عنه كَانَ على الْحق حَتَّى لَقِي ربه وَمَا يعتدون بِهِ عَلَيْهِ من مُخَالفَة الشَّيْخَيْنِ رضي الله عنهما إِن صَحَّ فمحله الِاجْتِهَاد كَمَا قُلْنَا وَمَعْلُوم أَن أَحْكَام الشَّرْع تَدور مَعَ الْمصَالح والمفاسد وتختلف باخْتلَاف الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال كَمَا لَا يخفى على من لَهُ أدنى مَسِيس بالفقه
قَالَ ابْن خلدون اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِنَّمَا يَقع فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة وينشأ عَن الِاجْتِهَاد فِي الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة والمدارك الْمُعْتَبرَة والمجتهدون إِذا اخْتلفُوا فَإِن قُلْنَا إِن الْحق فِي الْمسَائِل الاجتهادية فِي وَاحِد من الطَّرفَيْنِ وَمن لم يصادفه فَهُوَ مُخطئ فَإِن جِهَته لَا تتَعَيَّن بِإِجْمَاع فَيبقى الْكل على احْتِمَال الْإِصَابَة والتأثيم مَدْفُوع عَن الْكل إِجْمَاعًا وَإِن قُلْنَا إِن الْكل حق وَإِن كل مُجْتَهد مُصِيب فأحرى بِنَفْي الْخَطَأ والتأثيم ثمَّ اسْتمرّ أُولَئِكَ الناقمون على عُثْمَان رضي الله عنه وتمادوا فِي طعنهم وتشغيبهم حَتَّى تفاقم الْأَمر وشرى الدَّاء وأعوز الدَّوَاء وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل
(وَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا لست أذكرهُ
…
فَظن خيرا وَلَا تسْأَل عَن الْخَبَر)
وَآخر الْأَمر أَنه لما كَانَت سنة خمس وَثَلَاثِينَ قدم من مصر جمع قيل ألف وَقيل سَبْعمِائة وَقدم من الْكُوفَة جمع آخر وَمن الْبَصْرَة كَذَلِك وحاصروا عُثْمَان رضي الله عنه فِي دَاره وَكَانَت خطوب وَقَطعُوا عَنهُ المَاء وَاسْتمرّ الْحصار نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تسور عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل مصر دَاره فَقَتَلُوهُ وسال دَمه على الْمُصحف يُقَال أَن الَّذِي تولى قَتله كنَانَة بن بشر التجِيبِي وطعنه عَمْرو بن الْحمق طعنات وَجَاء عُمَيْر بن ضابئ البرجمي وَكَانَ أَبوهُ قد مَاتَ فِي سجن عُثْمَان فَوَثَبَ عَلَيْهِ حَتَّى كسر ضلعا من أضلاعه وَكَانَ قَتله لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا اثْنَي عشر يَوْمًا وَقيل أَنه قتل صَبِيحَة عيد الْأَضْحَى من السّنة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي عِنْد ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل وَابْن بدرون فِي شرح العبدونية وَيُؤَيِّدهُ قَول حسان بن ثَابت يرثيه
(ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ
…
يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا)
لتسمعن وشيكا فِي دِيَارهمْ
…
الله أكبر يَا ثَارَاتِ عثمانا)
وَقَول الفرزدق بعده
(عُثْمَان إِذْ قَتَلُوهُ وانتهكوا
…
دَمه صَبِيحَة لَيْلَة النَّحْر)
رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ ونفعنا بِهِ