الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدوم الْقَائِد جَوْهَر الشيعي من إفريقيا إِلَى الْمغرب واستيلاؤه عَلَيْهِ
لما اتَّصل بخليفة الشِّيعَة وَهُوَ الْمعز لدين الله معد بن إِسْمَاعِيل العبيدي غَلَبَة النَّاصِر على بِلَاد العدوة وَأَن جَمِيع من بهَا من قبائل زناتة والبربر رفضوا دعوتهم ودخلوا فِي دَعْوَة بني أُميَّة عظم الْأَمر عَلَيْهِ وَبعث قائده جَوْهَر بن عبد الله الرُّومِي الْمَعْرُوف بالكاتب فِي جَيش كثيف يشْتَمل على عشْرين ألف فَارس من قبائل كتامة وصنهاجة وَغَيرهم وَأمره أَن يطَأ بِلَاد الْمغرب ويذللها وَيُسْتَنْزَلُ من بهَا من الثوار ويشد وطأته عَلَيْهِم
فَخرج جَوْهَر من القيروان سنة سبع وَأَرْبَعين وثلاثمائة يؤم بِلَاد الْمغرب فاتصل خَبره بيعلى بن مُحَمَّد اليفرني صَاحب طنجة وَخَلِيفَة النَّاصِر على بِلَاد العدوة فحشد قبائل زناتة ونهض إِلَى الْقَائِد جَوْهَر فَكَانَ اللِّقَاء على تاهرت فالتحمت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ فَأخْرج الْقَائِد جَوْهَر الْأَمْوَال وبذلها فِي قواد كتامة فضمنوا لَهُ قتل أَمِير زناتة يعلى بن مُحَمَّد فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَال صممت عِصَابَة من قواد كتامة وأنجادها وقصدوا إِلَى يعلى بن مُحَمَّد فَقَتَلُوهُ واحتزوا رَأسه وَأتوا بِهِ إِلَى جَوْهَر فبذل لَهُم مَالا جَلِيلًا بِشَارَة عَلَيْهِ وَبعث بِالرَّأْسِ إِلَى مَوْلَاهُ الْمعز فطيف بِهِ بالقيروان
وَذكر ابْن خلدون أَن يعلى بن مُحَمَّد بَادر إِلَى لِقَاء جَوْهَر عِنْد قدومه وأذعن لَهُ وَبَايَعَهُ فأظهر جَوْهَر الْقبُول ثمَّ دس إِلَيْهِ من اغتاله وتفرق بَنو يفرن وزناتة بعد مقتل أَمِيرهمْ وَبعد مُدَّة التأم ملكهم على وَلَده يدو بن يعلى بن مُحَمَّد اليفرني
ثمَّ تقدم جَوْهَر إِلَى سجلماسة وَكَانَ قد قَامَ بهَا مُحَمَّد بن الْفَتْح بن مَيْمُون بن مدرار الْمَعْرُوف بالشاكر لله وَقد تقدم لنا أَنه ادّعى الْخلَافَة وَتسَمى بأمير الْمُؤمنِينَ وَضرب السِّكَّة باسمه وَكتب عَلَيْهَا تقدست عزة الله وَكَانَت سكته تعرف بالشاكرية وَكَانَت فِي غَايَة الطّيب وَكَانَ سنيا مالكي
الْمَذْهَب قد خَالف سلفه فِي مَذْهَب الصفرية فَنزل عَلَيْهِ جَوْهَر وحاصره بسجلماسة ثمَّ اقتحمها عنْوَة بِالسَّيْفِ وأفلت الشاكر ثمَّ عَاد بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَدخل سجلماسة متنكرا فَعرف وَقبض عَلَيْهِ وَأتي بِهِ إِلَى جَوْهَر فأوثقه فِي الْحَدِيد وَسَاقه أَسِيرًا بَين يَدَيْهِ حَتَّى نزل على فاس بعد أَن أفنى حماة الصفرية ورجالها بِالسَّيْفِ
وَكَانَ نُزُوله على فاس سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة فحاصرها وأدار بهَا الْقِتَال من كل جِهَة قَرِيبا من نصف شهر ثمَّ اقتحمها عنْوَة بِالسَّيْفِ على يَد زيري بن مُنَاد الصنهاجي فَإِنَّهُ تُسنم أسوارها لَيْلًا ودخلها فَقتل بهَا خلقا كثيرا وَقبض على أميرها أَحْمد بن أبي بكر الزناتي الَّذِي ولاه النَّاصِر عَلَيْهَا وَنهب الْمَدِينَة وَقتل حماتها وشيوخها وسبى أَهلهَا وَهدم أسوارها وَكَانَ الْحَادِث بهَا عَظِيما وَكَانَ دُخُول جَوْهَر إِيَّاهَا ضحوة يَوْم الْخَمِيس الموفي عشْرين من رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة
ثمَّ سَار جَوْهَر فِي بِلَاد الْمغرب يقتل أَوْلِيَاء المروانيين وَيَسْبِي وَيفتح الْبِلَاد والمعاقل وخافته البربر وفرت أَمَامه قبائلها فأنفذ الْأَمر فِي الْمغرب الْأَقْصَى ثَلَاثِينَ شهرا وانْتهى إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط وصاد من سمكه وَجعله فِي قلال المَاء وأرسله إِلَى مَوْلَاهُ الْمعز ثمَّ انْصَرف رَاجعا بعد أَن دوخ الْبِلَاد وأثخن فِيهَا وَقتل حماتها وَقطع دَعْوَة المروانيين مِنْهَا وردهَا إِلَى العبيديين فَخَطب لَهُم على جَمِيع مَنَابِر الْمغرب وانْتهى الْقَائِد جَوْهَر إِلَى المهدية دَار الْمعز لدين الله وَقد حمل مَعَه أَحْمد بن أبي بكر اليفرني أَمِير فاس وَخَمْسَة عشر رجلا من أشياخها وَحمل أَيْضا مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح أَمِير سجلماسة وَدخل بهم أُسَارَى بَين يَدَيْهِ فِي أقفاص من خشب على ظُهُور الْجمال وَجعل على رؤوسهم قلانس من لبد مستطيلة منبتة بالقرون فطيف بهم فِي بِلَاد إفريقية وأسواق القيروان ثمَّ ردوا إِلَى المهدية وحبسوا بهَا حَتَّى مَاتُوا فِي سجنها