الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة الإدريسية
الْخَبَر عَن دولة آل إِدْرِيس بالمغرب الْأَقْصَى وَذكر السَّبَب فِي أوليتها
أعلم أَنه قد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا كَبه الله على وَجهه مَا أَقَامُوا الدّين) وَفِيه أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان)
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر لَو فقد قرشي فكناني ثمَّ رجل من بني إِسْمَاعِيل ثمَّ عجمي على مَا فِي التَّهْذِيب أَو جرهمي على مَا فِي التَّتِمَّة ثمَّ رجل من بني إِسْحَاق وَأَن يكون شجاعا ليغزو بِنَفسِهِ ويعالج الجيوش ويقوى على فتح الْبِلَاد ويحمي الْبَيْضَة وَأَن يكون أَهلا للْقَضَاء بِأَن يكون مُسلما مُكَلّفا حرا عدلا ذكرا مُجْتَهدا ذَا رَأْي وَسمع وبصر ونطق
وتنعقد الْإِمَامَة ببيعة أهل الْحل وَالْعقد من الْعلمَاء ووجوه النَّاس المتيسر اجْتِمَاعهم وباستخلاف الإِمَام من يُعينهُ فِي حَيَاته وَيشْتَرط الْقبُول فِي حَيَاته ليَكُون خَليفَة بعد مَوته وباستيلاء متغلب على الْإِمَامَة وَلَو غير أهل لَهَا كصبي وَامْرَأَة إِن قهر النَّاس بشوكته وجنده وَذَلِكَ لينظم أَمر الْمُسلمين اه
ثمَّ نقُول قد تقدم لنا أَمر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَن السّلف أطبقوا على أَن ترتيبهم فِي الْفضل عل حسب ترتيبهم فِي الْخلَافَة وَتقدم لنا أَيْضا مَا كَانَ من عَليّ وَمُعَاوِيَة رضي الله عنهما وَأَن مَا صدر مِنْهُمَا كَانَ اجْتِهَادًا مَحْضا وطلبا للحق وَأَن الصَّوَاب كَانَ مَعَ عَليّ رضي الله عنه وَالْكل مأجور
ثمَّ لما قتل عَليّ رضي الله عنه بَايع أهل الْعرَاق ابْنه الْحسن رضي الله عنه وزحف إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فِي أهل الشَّام وَرَأى الْحسن مَا فِي حقن دِمَاء الْمُسلمين وَجمع كلمتهم من الثَّوَاب عِنْد الله والكرامة لَدَيْهِ فَاخْتَارَ الْأُخْرَى على الدُّنْيَا
وَقدم الآجل على العاجل وَسلم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة على شُرُوط مَعْرُوفَة وَأصْلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين كَمَا قَالَ جده صلى الله عليه وسلم
وَحَازَ مُعَاوِيَة الْخلَافَة وصفت لَهُ وتوارثها بنوا أُميَّة من بعده بعد مقاتلات ومنازعات كَانَت من بني هَاشم وَغَيرهم لَهُم يطول جلبها
وَكَانَ السوَاد الْأَعْظَم من الْمُسلمين يرَوْنَ أَن بني هَاشم أَحَق بِالْأَمر من بني أُميَّة لِأَن بني هَاشم هم آل بَيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وعشيرته الأقربون وهم أهل الْعلم وَالدّين والخصوصية الَّذين اجتباهم الله وأذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا فهم أَحَق بِمنْصب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غَيرهم وَهَذَا الرَّأْي صَوَاب غير أَن ذَلِك لَيْسَ بطرِيق الْوُجُوب عِنْد أهل السّنة بل بطرِيق الأحقية والأولوية إِذا توفرت الشُّرُوط فيهم وَفِي غَيرهم من سَائِر بطُون قُرَيْش وَإِلَّا فَمن انْفَرَدت بِهِ الشُّرُوط وَجب الْمصير إِلَيْهِ
وَكَانَ شيعَة عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه يوجبون الْخلَافَة لِبَنِيهِ دون من عداهم ويزعمون أَن ذَلِك كَانَ بِوَصِيَّة من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعَلي رضي الله عنه وَهَذِه الْوَصِيَّة لم تثبت عِنْد أهل السّنة من طَرِيق صَحِيح ومذاهب هَؤُلَاءِ الشِّيعَة فِي كَيْفيَّة سوق الْخلَافَة فِي عقب عَليّ رضي الله عنه مُتعَدِّدَة لَا حَاجَة لنا بذكرها
وَكَانَ بَنو عَليّ رضي الله عنه فِي الصَّدْر الأول كثيرا مَا يثورون فِي النواحي شرقا وغربا طَالِبين حَقهم فِي الْخلَافَة منازعين فِيهَا لبني أُميَّة أَولا ثمَّ لبني الْعَبَّاس من بعدهمْ ثَانِيًا وخبرهم فِي ذَلِك مَعْرُوف وجلبه يطول إِلَى أَن كَانَ مِنْهُم عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم وَكَانَ من سادة أهل الْبَيْت يَوْمئِذٍ وَكَانَ لَهُ عدَّة أَوْلَاد مِنْهُم مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالنَّفسِ الزكية وَإِبْرَاهِيم ويحي وَسليمَان وَإِدْرِيس وَغَيرهم
وَلما صَار أَمر بني أُميَّة إِلَى الاختلال أَيَّام مَرْوَان الْحمار آخر خلفائهم اجْتمع أهل الْبَيْت بِالْمَدِينَةِ وَتَشَاوَرُوا فِيمَن يقدمونه للخلافة فَوَقع اختيارهم
على مُحَمَّد بن عبد الله النَّفس الزكية فَبَايعُوا لَهُ بالخلافة وسلموا لَهُ الْأَمر بأجمعهم وَحضر هَذَا العقد أَبُو جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ الْمَنْصُور وَذَلِكَ قبل أَن تنْتَقل الْخلَافَة إِلَى بني الْعَبَّاس فَبَايع للنَّفس الزكية فِيمَن بَايع لَهُ من أهل الْبَيْت وَأَجْمعُوا على ذَلِك لتقدمه فيهم لما علمُوا لَهُ من الْفضل عَلَيْهِم
قَالَ ابْن خلدون وَلِهَذَا كَانَ مَالك وَأَبُو حنيفَة رحمهمَا الله يحتجان لَهُ حِين خرج بالحجاز ويريان أَن إِمَامَته أصح من إِمَامَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور لانعقاد هَذِه الْبيعَة أَولا وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول بفضله ويحتج لحقه فتأدت إِلَى الْإِمَامَيْنِ المحنة بِسَبَب ذَلِك أَيَّام أبي جَعْفَر الْمَنْصُور حَتَّى ضرب مَالك رضي الله عنه على الْفتيا فِي طَلَاق الْمُكْره وَحبس أَبُو حنيفَة رضي الله عنه على الْقَضَاء
وَلما انقرضت دولة بني أُميَّة وَجَاءَت دولة بني الْعَبَّاس وَصَارَ الْأَمر إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور مِنْهُم سعى عِنْده بآل الْبَيْت وَأَن مُحَمَّد بن عبد الله يروم الْخُرُوج عَلَيْهِ وَأَن دعاته قد ظَهَرُوا بخراسان فَأمر الْمَنْصُور عَامله على الْمَدِينَة رَبَاح بن عُثْمَان المري بِحَبْس عبد الله بن حسن وَمن إِلَيْهِ من آل الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فحبسه جمَاعَة من بنيه وَإِخْوَته وَبني عَمه قَالَ ابْن خلدون فِي خَمْسَة وَأَرْبَعين من أكابرهم وَقدم الْمَنْصُور الْمَدِينَة فِي حجَّة حَجهَا فساقهم مَعَه إِلَى الْعرَاق وحبسهم بقصر ابْن هُبَيْرَة من ظَاهر الْكُوفَة حَتَّى هَلَكُوا فِي حَبسهم وجد الْمَنْصُور فِي طلب مُحَمَّد بن عبد الله النَّفس الزكية وأخيه إِبْرَاهِيم لِكَوْنِهِمَا تغيبا فَلم يحبسا فِي جملَة من حبس من عشيرتهم
ثمَّ لما كَانَت سنة خمس واربعين وَمِائَة وأرهق مُحَمَّد بن عبد الله الطّلب وأعيت عَلَيْهِ الْمذَاهب ظهر بِالْمَدِينَةِ المنورة ودعا النَّاس إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ
واستفتى أهل الْمَدِينَة الإِمَام مَالِكًا رضي الله عنه فِي الْخُرُوج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله وَقَالُوا فِي أعناقنا بيعَة للمنصور فَقَالَ إِنَّمَا بايعتم
مكرهين فَتسَارع النَّاس إِلَى مُحَمَّد وَأَجَابُوا دَعوته وَلزِمَ الإِمَام ملك بَيته وخطب مُحَمَّد بن عبد الله على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذكر الْمَنْصُور بِمَا نقمه عَلَيْهِ ووعد النَّاس واستنصر بهم وَتسَمى بالمهدي وَلم يتَخَلَّف عَن بيعَته من وُجُوه النَّاس إِلَّا الْقَلِيل
وَبلغ الْمَنْصُور خبر مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا كَانَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ فأشفق من ذَلِك غَايَة الإشفاق وَكتب إِلَى مُحَمَّد كتاب أَمَان ويعده الْجَمِيل إِن هُوَ رَاجع الطَّاعَة فَأَجَابَهُ مُحَمَّد بِعَدَمِ قبُول ذَلِك مِنْهُ ودارت بَينهمَا مكاتبات ومحاورات فِي الْأَفْضَلِيَّة وَاسْتِحْقَاق الْخلَافَة وَقد ذكر مكاتبتهما الْمبرد فِي كَامِله وَابْن خلدون فِي تَارِيخه
وَآخر الْأَمر أَن الْمَنْصُور بعث لِحَرْب مُحَمَّد الْمهْدي ابْن عَمه عِيسَى بن مُوسَى العباسي فاستعد الْمهْدي لِلْقِتَالِ وأدار على الْمَدِينَة الخَنْدَق الَّذِي حفره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الْأَحْزَاب وقدمت جيوش العباسيين ونزلوا على الْمَدِينَة
وَخرج إِلَيْهِم مُحَمَّد بن عبد الله فِيمَن بَايعه واقتتل النَّاس قتالا شَدِيدا وأبلى مُحَمَّد الْمهْدي فِي ذَلِك الْيَوْم بلَاء عَظِيما وَقتل بِيَدِهِ سبعين رجلا
وَلما اشْتَدَّ الْقِتَال وعاين مخايل الاختلال انْصَرف فاغتسل وتحنط وَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَمضى فَأحرق الدِّيوَان الَّذِي كَانَ فِيهِ أَسمَاء من بَايعه وَجَاء إِلَى السجْن فَقتل رَبَاح بن عُثْمَان عَامل الْمَنْصُور على الْمَدِينَة وَقتل مَعَه جمَاعَة كَانُوا مسجونين عِنْده ثمَّ عَاد إِلَى المعركة وَقد تفرق عَنهُ جلّ أَصْحَابه وَلم يبْق مَعَه إِلَّا نَحْو ثَلَاثمِائَة فَقَالَ لَهُ بَعضهم نَحن الْيَوْم فِي عدَّة أهل بدر ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل ضرب فَسقط لِرُكْبَتَيْهِ وطعنه حميد بن قَحْطَبَةَ فِي صَدره ثمَّ احْتَرز رَأسه وأتى بِهِ عِيسَى بن مُوسَى فَبعث بِهِ إِلَى الْمَنْصُور
وَكَانَ مقتل مُحَمَّد الْمهْدي رحمه الله فِي منتصف رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقتل مَعَه جمَاعَة من أهل بَيته وَأَصْحَابه وَلحق ابْنه عَليّ بن
مُحَمَّد بالسند إِلَى أَن هلك هُنَاكَ واختفى ابْنه الآخر عبد الله الأشتر إِلَى أَن هلك أَيْضا فِي خبر طَوِيل
ثمَّ خرج إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَخُو الْمهْدي الْمَذْكُور بِالْبَصْرَةِ عقب ذَلِك فَبعث إِلَيْهِ الْمَنْصُور عِيسَى بن مُوسَى الْمَذْكُور آنِفا فقاتله آخر ذِي الْقعدَة من السّنة فَانْهَزَمَ إِبْرَاهِيم وَقتل رحمه الله بعد أَن بَايعه أَكثر من مائَة ألف
ثمَّ لما كَانَت سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي أَيَّام مُوسَى الْهَادِي بن مُحَمَّد الْمهْدي بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور خرج بِالْمَدِينَةِ الْحُسَيْن بِالتَّصْغِيرِ بن عَليّ بن الْحسن المثلث بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَكَانَ مَعَه جمَاعَة من أهل بَيته مِنْهُم إِدْرِيس وَيحيى وَسليمَان بَنو عبد الله بن الْحسن الْمثنى وهم إخْوَة مُحَمَّد النَّفس الزكية فَاشْتَدَّ أَمر الْحُسَيْن الْمَذْكُور بِالْمَدِينَةِ وَجرى بَينه وَبَين عَامل الْهَادِي على الْمَدِينَة وَهُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب قتال فَانْهَزَمَ عمر الْمَذْكُور وَبَايع النَّاس الْحُسَيْن الْمَذْكُور على كتاب الله وَسنة نبيه للمرتضى من آل مُحَمَّد وَكَانُوا يكنون بذلك عَن الإِمَام المستور إِلَى أَن يقدر على إِظْهَار أمره وَأقَام الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ يَتَجَهَّزُونَ أَيَّامًا ثمَّ خَرجُوا إِلَى مَكَّة يَوْم السبت لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة فَانْتهى الْحُسَيْن إِلَى مَكَّة وانضم إِلَيْهِ جمَاعَة من عبيدها
وَكَانَ قد حج تِلْكَ السّنة جمَاعَة من وُجُوه بني الْعَبَّاس وشيعتهم فَمنهمْ سُلَيْمَان بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ وانضم إِلَيْهِم من حج من قوادهم ومواليهم واقتتلوا مَعَ الْحُسَيْن الْمَذْكُور يَوْم التَّرويَة الثَّامِن من ذِي الْحجَّة فَانْهَزَمَ الْحُسَيْن وَأَصْحَابه وَقتل فاحتزوا رَأسه وأحضروه أَمَام بني الْعَبَّاس وَهُوَ مَضْرُوب على قَفاهُ وجبهته ثمَّ جمعت رُؤُوس أَصْحَابه فَكَانَت مائَة ونيفا وَكَانَ فِيهَا رَأس سُلَيْمَان بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى فِي قَول وَاخْتَلَطَ المنهزمون بالحاج فَذَهَبُوا فِي كل وَجه