الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوْل فِي نسب البربر وَبَيَان أصلهم
أعلم أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي تَحْقِيق نسب البربر وَإِلَى أَي اصل من أصُول الخليقة يرجعُونَ فَذكر صَاحب كتاب الجمان فِي أَخْبَار الزَّمَان وَنَقله عَن أهل الْعلم بالسير أَن بني حام تنازعوا مَعَ بني سَام فَانْهَزَمَ بَنو حام أمامهم إِلَى الْمغرب وتناسلوا بِهِ واتصلت شعوبهم من أَرض مصر إِلَى آخر الْمغرب إِلَى تخوم السودَان وَكَانَ بسواحل الْمغرب الأفارقة والإفرنج فَكَانَت ذُرِّيَّة حام فِي المداشر والخيام والأعاجم الأول فِي الْبلدَانِ وَبَقِي أَكثر أَوْلَاد حام فِي بِلَاد فلسطين من أَرض الشَّام إِلَى زمن دَاوُد عليه الصلاة والسلام وَكَانَ ملكهم يُسمى جالوت فَلَمَّا قتل دَاوُد جالوت وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة وَعلمه مِمَّا يَشَاء أَمر بإجلائهم من بِلَاد كنعان وفلسطين إِلَى أَرض الْمغرب فَسَارُوا نَحْو إفريقية والزاب وانتشروا هُنَالك حَتَّى ضَاقَتْ بهم تِلْكَ الْبِلَاد وامتلأت مِنْهُم الْجبَال والكهوف والرمال وصاروا يتبعُون مواقع الْقطر بِالْإِبِلِ وبيوت الشّعْر وَلم تقدر الفرنج على ردهم ودفاعهم فانحازت الْأَعَاجِم للمدن وَبَقِي البربر فِيمَا عدى المدن وهم مَعَ ذَلِك على أَدْيَان مُخْتَلفَة يدين كل وَاحِد مِنْهُم بِمَا شَاءَ من الْأَدْيَان الْفَاسِدَة فَمنهمْ من تمجس وَمِنْهُم من تهود وَمِنْهُم من تنصر واستمروا على ذَلِك إِلَى زمَان الْإِسْلَام وَكَانَ فيهم رُؤَسَاء وملوك وكهان وَلَهُم حروب وملاحم عِظَام مَعَ من قارعهم من الْأُمَم
وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيره إِن البربر أخلاط من كنعان والعماليق وَغَيرهم فَلَمَّا قتل دَاوُد جالوت تفَرقُوا فِي الْبِلَاد
وَقَالَ الْكَلْبِيّ اخْتلف النَّاس فِيمَن أخرج البربر من الشَّام فَقيل دَاوُد بِالْوَحْي قيل يَا دَاوُد أخرج البربر من الشَّام فَإِنَّهُم جذام الأَرْض وَقيل يُوشَع بن نون عليه السلام وَقيل إفريقش الْحِمْيَرِي وَاخْتلف فِي إفريقش هَذَا فَقَالَ المَسْعُودِيّ هُوَ إفريقش بن أَبْرَهَة ذِي الْمنَار أحد التبابعة الْمَشْهُورين
وَقَالَ ابْن حزم هُوَ إفريقش بن قيس بن صَيْفِي أَخُو الْحَارِث الرائش مِنْهُم وَهُوَ الَّذِي ذهب بقبائل الْعَرَب إِلَى إفريقية وَبِه سميت وسَاق البربر إِلَيْهَا من أَرض كنعان مر بهَا عِنْدَمَا غلبهم يُوشَع بن نون وقتلهم فَاحْتمل الفل مِنْهُم وساقهم إِلَى إفريقية فأنزلهم بهَا وَقتل ملكهَا جرجير وَيُقَال إِنَّه الَّذِي سمى البربر بِهَذَا الإسم لِأَنَّهُ لما فتح الْمغرب وَسمع رطانتهم قَالَ مَا أَكثر بربرتهم فسموا البربر والبربرة فِي لُغَة الْعَرَب اخْتِلَاط أصوات غير مَفْهُومه وَمِنْه بربرة الْأسد وينسبون إِلَيْهِ فِي ذَلِك شعرًا وَهُوَ قَوْله
(بربرت كنعان لما سقتها
…
من بِلَاد الضنك للخصب العجيب)
(اي أَرض سكنوها وَلَقَد
…
فازت البربر بالعيش الخصيب)
وَلما قفل إفريقش من غَزْو الْمغرب ترك هُنَالك حامية من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهما بهَا إِلَى الْآن وَلَيْسوا نم نسب البربر قَالَه الطَّبَرِيّ والجرجاني والمسعودي وَابْن الْكَلْبِيّ والسهيلي وَجَمِيع النسابين من الْعَرَب
وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب التَّمْهِيد لَهُ اخْتلف النَّاس فِي نسب البربر اخْتِلَافا كثيرا وأنسب مَا قيل فيهم أَنهم من ولد قبط بن حام وَأَنه لما نزل مصر خرج بنوه يُرِيدُونَ الْمغرب فسكنوا من آخر عمالة مصر وَذَلِكَ فِيمَا وَرَاء برقة إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر مَعَ بَحر الأندلس إِلَى مُنْقَطع الرمل متصلين السودَان وَقيل إِن البربر صنفان البرانس والبتر وَأَن البتر مِنْهُم من ولد بر بن قيس بن عيلان بن مُضر وَاخْتلفُوا فِي تَوْجِيه ذَلِك فَقَالَ الطَّبَرِيّ خرج بر بن قيس بن عيلان ينشد ضَالَّة لَهُ بأحياء البربر فَرَأى جَارِيَة مِنْهُم فَخَطَبَهَا من أَبِيهَا وَتَزَوجهَا فَولدت لَهُ
وَقَالَ فِي كتاب الجمان وَأما تسميتهم بالبربر فَإِنَّهُ لما صَار ملك مُضر لقيس بن عيلان كَانَ لَهُ ولد اسْمه بر فَخرج مغاضبا لِأَبِيهِ وَإِخْوَته إِلَى جِهَة الْمغرب فَقَالَ النَّاس بربر أَي توحش فِي البراري فسموا بربرا وَنقل ابْن
أبي زرع وَابْن خلدون عَن النسابين من البربر وَحَكَاهُ أَيْضا الْبكْرِيّ وَغَيره أَنه كَانَ لمضر بن نزار ولدان إلْيَاس وعيلان أمهما الربَاب بنت حيدة بن عَمْرو بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مُضر وَلدين وهما قيس ودهمان ابْنا عيلان أما دهمان فولده قَلِيل وهم أهل بَيت من قيس يُقَال لَهُم بَنو أُمَامَة وَأما قيس بن عيلان فولد أَرْبَعَة بَنِينَ وَجَارِيَة وهم سعد وَعَمْرو وخصفة أمّهم مزنة بنت أَسد بن ربيعَة بن نزار ثمَّ بر وَأُخْته تماضر أمهما تمريغ بنت يجدول بن غمار بن مصمود الْبَرْبَرِي اليجدولي
وَكَانَت قبائل البربر إِذْ ذَاك يسكنون الشَّام ويجاورون الْعَرَب فِي المساكن والأسواق والمساعي ويشاركونهم فِي الْمِيَاه والمسارح والمراعي ويصاهر بَعضهم بَعْضًا وَكَانَت الْبَهَاء بنت دهمان بن عيلان بن مُضر من أجمل نسَاء زمانها وأكملهن ظرفا وأدبا فَكثر خطابها من سَائِر قبائل الْعَرَب فَقَالَ بَنو عَمها وهم عَمْرو وَسعد وخصفة وبر لَا يتَزَوَّج ابْنة عمنَا إِلَّا أَحَدنَا وَلَا تخرج منا إِلَى غَيرنَا فخيروها فِيمَن شَاءَت مِنْهُم فَاخْتَارَتْ برا وَكَانَ أَصْغَرهم سنا وأكملهم شبَابًا فَتَزَوجهَا دون اخوته فحسدوه عَلَيْهَا وهموا بقتْله من أجلهَا وَكَانَت أمه تمريغ من دهاة النِّسَاء فَبعثت إِلَى أَبِيهَا دهمان وأعلمته الْخَبَر وواطأته على الْخُرُوج بِوَلَدِهَا إِلَى أَرض قَومهَا من البربر حَيْثُ تأمن عَلَيْهِ ثمَّ بعثت إِلَى قَومهَا فأتوها سرا فارتحلت مَعَهم هِيَ وَوَلدهَا بر وكنتها الْبَهَاء بنت دهمان فَلَحقُوا بِبِلَاد البربر وهم يَوْمئِذٍ مستوطنون فلسطين وأكناف الشَّام فَنزل بر على أَخْوَاله واعتز بهم وَبنى بابنة عَمه الْبَهَاء فَولدت لَهُ هُنَاكَ وَلدين علوان ومادغيس ابْني بر بن قيس بن عيلان فَأَما علوان فَمَاتَ صَغِيرا وَلم يعقب وَأما مادغيس فَكَانَ يلقب الأبتر وَهُوَ أَبُو البتر من البربر وَإِلَيْهِ يرفعون أنسابهم وَمن وَلَده جَمِيع زناته كَمَا سَيَأْتِي ويزعمون أَن تماضر أُخْت بر بكته بعد فرقته بِشعر تَقول فِيهِ
(لتبك كل باكية أخاها
…
كَمَا أبْكِي على بر بن قيس)
(تحمل عَن عشيرته فأضحى
…
وَدون لِقَائِه انضاء عنس)
وَمِمَّا ينْسب إِلَيْهَا أَيْضا قَوْلهَا
(وشطت ببر دَاره عَن بِلَادنَا
…
وطوح بر نَفسه حَيْثُ يمما)
(وأزرت ببر لكنة أَعْجَمِيَّة
…
وَمَا كَانَ بر فِي الْحجاز بأعجما)
(كأنا وَبرا لم نقف بجيادنا
…
بِنَجْد وَلم نقسم نهابا ومغنما)
وَأنْشد عُلَمَاء البربر لعبيدة بن قيس الْعقيلِيّ
(أَلا أَيهَا السَّاعِي لفرقة بَيْننَا
…
توقف هداك الله سبل الأطايب)
(فأقسم أَنا والبرابر إخْوَة
…
تناولنا جد كريم الْمُنَاسب)
(أَبونَا أبوهم قيس عيلان فِي الذرى
…
لَهُ حومة تشفي غليل الْمُحَارب)
(وبر بن قيس عصبَة مضرية
…
وَفِي الْفَرْع من أحسابها والذوائب)
(فَنحْن وهم ركن منيع وإخوة
…
على رغم أَعدَاء لئام المناقب)
فِي أَبْيَات غير هَذِه وينشد أَيْضا ليزِيد بن خَالِد يمدح البربر قَوْله
(أَيهَا السَّائِل عَنَّا أصلنَا
…
قيس عيلان بَنو الغر الأول)
(نَحن مَا نَحن بَنو بر الندى
…
طارد الأزمة نحار الْإِبِل)
(قد بنى الْمجد فأورى زنده
…
وكفانا كل خطب ذِي جلل)
(إِن قيسا يعتزي بر لَهُ
…
ولبر يعتزي قيس الْأَجَل)
(فلنا الْفَخر بقيس إِنَّه
…
جدنا الْأَكْبَر فكاك الكبل)
(إِن قيسا قيس عيلان هم
…
مَعْدن الْخَيْر على الْخَيْر دلل)
(حسبي البربر قومِي إِنَّهُم
…
ملكوا الأَرْض بأطراف الأسل)
فِي أَبْيَات أخر
وَاعْلَم أَن الْخلاف فِي نسب البربر طَوِيل وَقد تركنَا جله اختصارا وأشبه هَذِه الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ مَا نَقَلْنَاهُ أَولا مِمَّا يدل على أَن جيل البربر من ولد حام وَأَنَّهُمْ جيل قديم قد سكنوا الْمغرب عِنْدَمَا تناسلت ذُرِّيَّة نوح عَلَيْهِ