الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهَا وسلبه جَمِيع أَمْوَاله وسلبه الْقطعَة أَيْضا فَبَقيت فِي خزانَة الأمويين إِلَى أَن غلب ابْن حمود الإدريسي على ملك الأندلس وَدخل قرطبة وَاسْتقر بِالْقصرِ مِنْهَا فألفى تِلْكَ العنبر لَا زَالَت قَائِمَة الْعين قد عقبتها الْأَيَّام حَتَّى صَارَت إِلَى أَيدي العلوية أَرْبَابهَا
وَلما نكب الحكم الْحسن أَمر بِإِخْرَاجِهِ وَإِخْرَاج عشيرته من قرطبة وإجلائهم إِلَى الْمشرق فَرَكبُوا الْبَحْر من المرية إِلَى تونس سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ قصد الحكم بتغريبهم التخفف مِنْهُم والراحة من نفقاتهم مَعَ مَا كَانَ قومه يعذلونه عَلَيْهِم فَسَار الْحسن بن كنون وعشيرته إِلَى مصر فنزلوا بهَا على خَليفَة الشِّيعَة وَهُوَ الْعَزِيز بِاللَّه نزار بن الْمعز العبيدي وَكَانَ العبيديون قد ملكوا مصر يَوْمئِذٍ ونقلوا كرْسِي خلافتهم إِلَيْهَا فَأقبل الْعَزِيز نزار على الأدارسة وَبَالغ فِي إكرامهم ووعد الْحسن النَّصْر وَالْأَخْذ بثأره مِمَّن غَلبه على ملك سلفه
عود الْحسن بن كنون إِلَى الْمغرب وَمَا كَانَ من أمره إِلَى مَقْتَله وانقراض دولته
لما اسْتَقر الْحسن بن كنون بِمصْر عِنْد الْعَزِيز نزار أَقَامَ عِنْده مُدَّة طَوِيلَة إِلَى أَن دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة فِي أَيَّام هِشَام الْمُؤَيد بِاللَّه الْأمَوِي فَكتب نزار لِلْحسنِ بعهده على الْمغرب وَأمر عَامله على إفريقية بلكين بن زيري بن مُنَاد الصنهاجي أَن يقويه بالجيوش فَسَار الْحسن إِلَى بلكين فَأعْطَاهُ عسكرا يشْتَمل على ثَلَاثَة آلَاف فَارس فاقتحم بهم بِلَاد الْمغرب فسارعت إِلَيْهِ قبائل البربر بِالطَّاعَةِ فشرع فِي إِظْهَار دَعوته
واتصل خَبره بالمنصور بن أبي عَامر حَاجِب هِشَام الْمُؤَيد والقائم بِملكه فَبعث إِلَيْهِ ابْن عَمه الْوَزير أَبَا الحكم عَمْرو بن عبد الله بن أبي عَامر الْمَعْرُوف بعسكلاجة فِي جَيش كثيف وقلده أَمر الْمغرب وَسَائِر أَعماله وَأمره
بِقِتَال الْحسن بن كنون فنفذ لوجهه وَركب الْبَحْر إِلَى سبتة وَخرج إِلَى حَرْب الْحسن فأحاط بِهِ وحاصره أَيَّامًا ثمَّ أجَاز الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَلَده عبد الْملك فِي أثر الْوَزير أبي الحكم فِي جَيش كثيف مُمِدًّا لَهُ
فَلَمَّا رأى ذَلِك الْحسن بن كنون سقط فِي يَده وَلم يجد حِيلَة فَطلب الْأمان على نَفسه على أَن يسير إِلَى الأندلس كَمثل حَالَته الأولى فَأعْطَاهُ الْوَزير أَبُو الحكم من ذَلِك مَا وثق بِهِ وَكتب إِلَى ابْن عَمه الْمَنْصُور يُخبرهُ بذلك فَأمر بتعجيله إِلَى قرطبة موكلا بِهِ فَبعث بِهِ إِلَيْهِ
وَلما انْتهى الْخَبَر إِلَى الْمَنْصُور بقدوم الْحسن لم يمض أَمَان ابْن عَمه وأنفذ إِلَيْهِ من قَتله من طَرِيقه وَأَتَاهُ بِرَأْسِهِ وَدفن شلوه بمَكَان مَقْتَله وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة وركدت ريح العلوية بالمغرب وتفرق جمعهم وانقرضت دولتهم وَتَفَرَّقَتْ الأدارسة فِي قبائل الْمغرب ولاذوا بالاختفاء إِلَى أَن خلعوا شارة ذَلِك النّسَب الشريف واستحالت صبغتهم مِنْهُ إِلَى البداوة
وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن أشرفت دولة بني أُميَّة بالأندلس على الانقراض وَكَانَ بالأندلس رجلَانِ من آل إِدْرِيس دخلوها فِي جملَة البربر الَّذين كَانُوا هُنَاكَ وهم عَليّ وَالقَاسِم ابْنا حمود بن مَيْمُون بن أَحْمد بن عَليّ بن عبيد الله بن عمر بن إِدْرِيس فطار لَهما ذكر فِي الشجَاعَة والإقدام ثمَّ ترقت بهم الْأَحْوَال إِلَى أَن ورثوا خلَافَة الأندلس من يَد الأمويين بهَا فِي خبر طَوِيل
وَلما قتل الْحسن بن كنون هبت ريح عاصف احتملت رداءة فَلم يُوجد بعد قَالُوا وَكَانَ الْحسن هَذَا فظا غليظا قاسي الْقلب كَانَ إِذا ظفر بعدو أَو
سَارِق أَو قَاطع طَرِيق أَمر بِهِ فَطرح من ذرْوَة قلعته الْمُسَمَّاة بِحجر النسْر فَيهْوِي مِنْهَا إِلَى الأَرْض مد الْبَصَر يدْفع الرجل بخشبة تمد إِلَيْهِ فَلَا يصل إِلَى الأَرْض إِلَّا وَقد تقطع
قَالَ ابْن أبي زرع كَانَت مُدَّة ملك الأدارسة بالمغرب من يَوْم بُويِعَ إِدْرِيس بن عبد الله وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس السَّابِع من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة إِلَى أَن قتل الْحسن بن كنون وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة مِائَتي سنة وَثَلَاث سِنِين سوى شَهْرَيْن تَقْرِيبًا وَكَانَ عَمَلهم بالمغرب من السوس الْأَقْصَى إِلَى مَدِينَة وهران وَقَاعِدَة ملكهم مَدِينَة فاس ثمَّ الْبَصْرَة وَكَانُوا يكابدون دولتين عظيمتين دولة العبيديين بأفريقة ودولة بني أُميَّة بالأندلس وَكَانُوا يزاحمون الْخُلَفَاء إِلَى ذرْوَة الْخلَافَة وَيقْعد بهم عَنْهَا ضعف سلطانهم وَقلة مَالهم فَكَانَ سلطانهم إِذا امْتَدَّ وَقَوي يَنْتَهِي إِلَى مَدِينَة تلمسان وَإِذا اضْطربَ الْحَال عَلَيْهِم وضعفوا لَا يُجَاوز سلطانهم الْبَصْرَة وَأَصِيلا وحجز النسْر إِلَى أَن انْقَضتْ أيامهم وانقرضت مدتهم والبقاء لله وَحده
وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث أَنه فِي سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة كَانَت ريح شَدِيدَة قلعت الْأَشْجَار وهدمت الديار وَقتلت الرِّجَال
وَفِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّامِن عشر من رَجَب مِنْهَا ظهر فِي الْبَحْر شهَاب ثاقب ماثل كالعمود الْعَظِيم أَضَاء اللَّيْل لسطوع نوره وأشبهت تِلْكَ اللَّيْلَة لَيْلَة الْقدر وقارب ضوءها ضوء النَّهَار
وَفِي هَذَا الشَّهْر أَيْضا كسف النيرَان فَخسفَ الْقَمَر لَيْلَة أَربع عشرَة مِنْهُ وطلعت الشَّمْس كاسفة فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين مِنْهُ
وَفِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة كَانَ الْجَرَاد بالمغرب
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بعْدهَا دخل مغراوة الْمغرب وملكوه وتعرف هَذِه السّنة بِسنة لُقْمَان المغراوي وفيهَا توفّي الشَّيْخ الْفَقِيه الصَّالح الْفَاضِل أَبُو مَيْمُونَة دراس بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ أول من أَدخل مدونة سَحْنُون مَدِينَة فاس