المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حَرْب صفّين   وَخرجت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَدخلت سنة سبع بعْدهَا فَاجْتمع - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ١

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة فِي فضل علم التَّارِيخ

- ‌ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم

- ‌خلَافَة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

- ‌فتح أفريقية

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

- ‌حَرْب صفّين

- ‌القَوْل فِي نسب البربر وَبَيَان أصلهم

- ‌القَوْل فِي تَقْسِيم شعوب البربر على الْجُمْلَة

- ‌الْخَبَر عَن حَال البربر قبل الْإِسْلَام وَذكر بعض أَمْصَار الْمغرب الْقَدِيمَة وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌القَوْل فِي تَحْدِيد الْمغرب وَذكر حَال البربر بعد الْإِسْلَام

- ‌ولَايَة عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه وفتحه برقة وطرابلس

- ‌ ولَايَة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وفتحه إفريقية

- ‌ولَايَة مُعَاوِيَة بن حديج على الْمغرب

- ‌ولَايَة عقبَة بن نَافِع الفِهري على الْمغرب وبناؤه مَدِينَة القيروان

- ‌ولَايَة أبي المُهَاجر دِينَار وفتحه الْمغرب الْأَوْسَط

- ‌ولَايَة عقبَة بن نَافِع الثَّانِيَة وفتحه الْمغرب الْأَقْصَى ومقتله

- ‌ذكر من دخل الْمغرب من الصَّحَابَة مرتبَة أَسمَاؤُهُم على حُرُوف المعجم

- ‌ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي أَرض الْمغرب هَل فتحت عنْوَة أَو صلحا أَو غير ذَلِك

- ‌ولَايَة زُهَيْر بن قيس البلوي على الْمغرب ومقتل كسيلة وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ولَايَة حسان بن النُّعْمَان على الْمغرب وتخريبه قرطاجنة

- ‌ولَايَة مُوسَى بن نصير على الْمغرب وفتحه الأندلس

- ‌شغب العبيد على السُّلْطَان الْمولى عبد الله وفراره ثَانِيَة إِلَى البربر

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ زين العابدين بن إِسْمَاعِيل رحمه الله

- ‌ولَايَة مُحَمَّد بن يزِيد على الْمغرب

- ‌ولَايَة إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر على الْمغرب

- ‌ولَايَة يزِيد بن أبي مُسلم على الْمغرب

- ‌ولَايَة بشر بن صَفْوَان على الْمغرب

- ‌ولَايَة عُبَيْدَة بن عبد الرَّحْمَن على الْمغرب

- ‌ولَايَة عبيد الله بن الحبحاب على الْمغرب

- ‌ولَايَة كُلْثُوم بن عِيَاض على الْمغرب ومقتله

- ‌ولَايَة حَنْظَلَة بن صَفْوَان على الْمغرب

- ‌ذكر صَالح بن طريف البرغواطي المتنبي ومخرقته

- ‌الْخَبَر عَن تغلب آل عقبَة بن نَافِع على الْمغرب وَولَايَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب مِنْهُم

- ‌دُخُول عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي إِلَى إفريقية وجوازه إِلَى الأندلس وتأسيسه للدولة الأموية بهَا

- ‌اسْتِيلَاء إلْيَاس بن حبيب على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء حبيب بن عبد الرَّحْمَن على الْمغرب وفتنة عَاصِم بن جميل المتنبئ ومقتله

- ‌اسْتِيلَاء عبد الْملك بن أبي الْجَعْد على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء عبد الْأَعْلَى بن السَّمْح على الْمغرب وَظُهُور الصفرية من آل مدرار المكناسيين وبناؤهم مَدِينَة سجلماسة

- ‌ولَايَة مُحَمَّد بن الْأَشْعَث على الْمغرب

- ‌ولَايَة الْأَغْلَب بن سَالم التَّمِيمِي على الْمغرب

- ‌ولَايَة عمر بن حَفْص هزارمرد على الْمغرب

- ‌ولَايَة يزِيد بن حَاتِم على الْمغرب

- ‌ولَايَة روح بن حَاتِم على الْمغرب

- ‌القَوْل فِي مَذَاهِب أهل الْمغرب أصولا وفروعا وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌تَتِمَّة مهمة

- ‌الدولة الإدريسية

- ‌الْخَبَر عَن دولة آل إِدْرِيس بالمغرب الْأَقْصَى وَذكر السَّبَب فِي أوليتها

- ‌دُخُول إِدْرِيس بن عبد الله أَرض الْمغرب الْأَقْصَى

- ‌بيعَة الإِمَام إِدْرِيس بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن عبد الله بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وفتحه إِيَّاهَا

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن عبد الله أَرض الْمغرب الْأَوْسَط وَفتح مَدِينَة تلمسان

- ‌وَفَاة إِدْرِيس بن عبد الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌أَمر البربر بعد وَفَاة إِدْرِيس بن عبد الله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌وُفُود الْعَرَب على إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌بِنَاء مَدِينَة فاس

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن إِدْرِيس المغربين واستيلاؤه عَلَيْهِمَا

- ‌وَفَاة إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة مُحَمَّد بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين بني إِدْرِيس

- ‌وَفَاة مُحَمَّد بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة عَليّ بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌بِنَاء مَسْجِد الْقرَوِيين بفاس

- ‌الخبرعن دولة يحيى بن يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌لما توفّي يحيى بن مُحَمَّد الَّذِي بنى مَسْجِد الْقرَوِيين فِي أَيَّامه ولي الْأَمر من بعده ابْنه يحيى بن يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس فاساء السِّيرَة وَكثر عيثه فِي الْحرم وَدخل على جَارِيَة من بَنَات الْيَهُود فِي الْحمام وَكَانَت بارعة فِي الْجمال فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فاستغاثت وبادر النَّاس إِلَيْهَا

- ‌الْخَبَر عَن دولة عَليّ بن عمر بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن إِدْرِيس بن عمر بن إِدْرِيس

- ‌اسْتِيلَاء العبيديين من الشِّيعَة على الْمغرب الْأَقْصَى وقدوم قائدهم مصالة بن حبوس إِلَى فاس

- ‌عود الْمغرب الْأَقْصَى إِلَى الأدارسة وَظُهُور الْحسن الْحجام بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌خُرُوج الْحسن الْحجام إِلَى قتال مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة

- ‌الْخَبَر عَن دولة آل أبي الْعَافِيَة المكناسيين الناسخة لدولة آل إِدْرِيس بفاس وأعمالها

- ‌طرد مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة آل إِدْرِيس من أَعمال الْمغرب وحصره إيَّاهُم بِحجر النسْر

- ‌اسْتِيلَاء مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة على تلمسان وأعمالها

- ‌انحراف مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة عَن الشِّيعَة إِلَى بني مَرْوَان وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌ثورة أَحْمد بن بكر الجذامي بدعوة المروانيين بفاس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌حَرْب ميسور مَعَ مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار آل أبي الْعَافِيَة بالمغرب

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للأدارسة بِبِلَاد الرِّيف

- ‌الْخَبَر عَن رياسة الْقَاسِم كنون بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَيْش احْمَد بن الْقَاسِم كنون

- ‌تغلب عبد الرَّحْمَن النَّاصِر على بِلَاد الْمغرب ومضايقته لأبي الْعَيْش بهَا

- ‌هِجْرَة أبي الْعَيْش إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْحسن بن كنون

- ‌قدوم الْقَائِد جَوْهَر الشيعي من إفريقيا إِلَى الْمغرب واستيلاؤه عَلَيْهِ

- ‌قدوم بلكين بن زيزي بن مُنَاد الصنهاجي الشيعي من إفريقيا إِلَى الْمغرب

- ‌قدوم غَالب الْأمَوِي إِلَى الْمغرب وتغريب آل إِدْرِيس إِلَى الأندلس

- ‌حُدُوث النفرة بَين الحكم وَالْحسن وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌عود الْحسن بن كنون إِلَى الْمغرب وَمَا كَانَ من أمره إِلَى مَقْتَله وانقراض دولته

- ‌الْخَبَر عَن دولة زناتة من مغراوة وَبني يفرن بفاس وَالْمغْرب

- ‌الْخَبَر عَن دولة زيري بن عَطِيَّة المغراوي بفاس وَالْمغْرب

- ‌حَدِيث أبي البهار الصنهاجي مَعَ الْمَنْصُور ابْن أبي عَامر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌وفادة زيري بن عَطِيَّة على الْمَنْصُور بن أبي عَامر بالأندلس

- ‌اسْتِيلَاء يدو بن يعلى اليفرني على فاس ومقتله

- ‌بِنَاء مَدِينَة وَجدّة

- ‌حُدُوث النفرة بَين زيري بن عَطِيَّة والمنصور بن أبي عَامر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمعز بن زيري بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة حمامة بن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْكَمَال تَمِيم بن زيري اليفرني واستيلائه على فاس وأعمالها

- ‌الْخَبَر عَن دولة دوناس بن حمامة ابْن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة فتوح بن دوناس المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة معنصر بن حَمَّاد بن معنصر بن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة تَمِيم بن معنصر المغراوي

الفصل: ‌ ‌حَرْب صفّين   وَخرجت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَدخلت سنة سبع بعْدهَا فَاجْتمع

‌حَرْب صفّين

وَخرجت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَدخلت سنة سبع بعْدهَا فَاجْتمع الجيشان بصفين وتراسوا وتداعوا إِلَى الصُّلْح فَلم يقْض الله بذلك وَكَانَت حَرْب يسيرَة بِالنِّسْبَةِ لما بعْدهَا وَلما دخل صفر وَقع بَينهمَا الْقِتَال فَكَانَت وقعات كَثِيرَة بصفين يُقَال إِنَّهَا تسعون وقْعَة وَكَانَت مُدَّة مقامهم على الْحَرْب مائَة يَوْم وَعشرَة أَيَّام وَعدد الْقَتْلَى بصفين من أهل الشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمن أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا مِنْهُم سِتَّة وَعِشْرُونَ من أهل بدر وَكَانَ عَليّ رضي الله عنه قد تقدم إِلَى أَصْحَابه أَن لَا يقاتلوهم حَتَّى يبدؤوهم بِالْقِتَالِ وَأَن لَا يقتلُوا مُدبرا وَلَا يكشفوا عَورَة وَلَا يأخذو من أَمْوَالهم شَيْئا وَقَاتل عمار بن يَاسر رضي الله عنه مَعَ عَليّ قتالا عَظِيما وَكَانَ عمره قد نَيف على تسعين سنة وَكَانَت الحربة فِي يَده وَيَده ترتعد فَقَالَ هَذِه راية قَاتَلت بهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث مَرَّات وَهَذِه الرَّابِعَة ودعا بقدح من لبن فَشرب مِنْهُ ثمَّ قَالَ صدق الله وَرَسُوله الْيَوْم ألْقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن آخر رِزْقِي من الدُّنْيَا ضيحة لبن وَرُوِيَ أَنه كَانَ يرتجز

(نَحن قتلناكم على تَأْوِيله

كَمَا قتلناكم على تَنْزِيله)

(ضربا يزِيل الْهَام عَن مقِيله

وَيذْهل الْخَلِيل عَن خَلِيله)

وَلم يزل عمار يُقَاتل ذَلِك الْيَوْم حَتَّى اسْتشْهد رضي الله عنه

وَفِي الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (وَيْح عمار تقتله الفئة الباغية) وَبعد قتل عمار رضي الله عنه انتخب عَليّ اثْنَي عشر ألفا بعد أَن روى لَهُم حَدِيث عمار وَحمل بهم على عَسْكَر مُعَاوِيَة فَلم يبْق لأهل الشَّام صف إِلَّا انتفض ثمَّ نَادَى يَا مُعَاوِيَة على مَا نقْتل النَّاس بَيْننَا هَلُمَّ

ص: 104

أحاكمك إِلَى الله فأينا قتل صَاحبه استقام لَهُ الْأَمر فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ أنصفك فَقَالَ مُعَاوِيَة لكنك مَا أنصفت ثمَّ تقاتلوا لَيْلَة الهرير شبهت بليلة الْقَادِسِيَّة وَكَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة وَاسْتمرّ الْقِتَال إِلَى الصَّباح وَكَانَ عَليّ يسير بَين الصُّفُوف ويحرض كل كَتِيبَة على التَّقَدُّم حَتَّى أصبح والمعركة كلهَا خلف ظَهره

وَرُوِيَ أَنه كبر تِلْكَ اللَّيْلَة سَبْعمِائة تَكْبِيرَة وَكَانَت عَادَته أَنه كلما قتل قَتِيلا كبر ودام الْقِتَال إِلَى ضحى يَوْم الْجُمُعَة وَقَاتل الأشتر النَّخعِيّ قتالا عَظِيما حَتَّى انْتهى إِلَى معسكرهم وَقتل صَاحب رايتهم وأمده عَليّ بِالرِّجَالِ فَلَمَّا رأى عَمْرو شدَّة الْأَمر قَالَ لمعاوية مر النَّاس يرفعون الْمَصَاحِف على الرماح وَيَقُولُونَ كتاب الله بَيْننَا وَبَيْنكُم فَإِن قبلوا ذَلِك ارْتَفع عَنَّا الْقِتَال وَإِن أَبى بَعضهم وجدنَا فِي افتراقهم رَاحَة فَفَعَلُوا ذَلِك فَقَالَ النَّاس نجيب إِلَى كتاب الله فَقَالَ عَليّ يَا عباد الله امضوا على حقكم فِي قتال عَدوكُمْ فَإِن عمرا وَمُعَاوِيَة وَابْن أبي معيط وَابْن أبي سرح وَالضَّحَّاك بن قيس لَيْسُوا بأصحاب دين وَلَا قُرْآن وَأَنا أعرف بهم مِنْكُم وَيحكم وَالله مَا رفعوها إِلَّا خديعة ومكيدة فَقَالُوا لَا يسعنا أَن ندعى إِلَى كتاب الله فَلَا نقبل فَقَالَ عَليّ إِنَّمَا قاتلناهم ليدينوا بِكِتَاب الله فَإِنَّهُم نبذوه فَقَالَ جمَاعَة من الْقُرَّاء الَّذين صَارُوا خوارج يَا عَليّ أجب إِلَى كتاب الله وَإِلَّا دفعناك برمتك إِلَى الْقَوْم أَو فعلنَا بك مَا فعلنَا بِابْن عَفَّان فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه إِن تطيعوني فَقَاتلُوا وَإِن تعصوني فافعلوا مَا بدا لكم وَآخر الْأَمر إِنَّهُم اتَّفقُوا على أَن يحكموا رجلَيْنِ من الْجَانِبَيْنِ وَمَا حكما بِهِ عَلَيْهِم صَارُوا إِلَيْهِ فَاخْتَارَ أهل الشَّام عَمْرو بن الْعَاصِ داهية الْعَرَب وَاخْتَارَ أهل الْعرَاق أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بعد مراجعات وَقعت بَين عَليّ وَبينهمْ وَاجْتمعَ الحكمان عِنْد عَليّ لتكتب الْقَضِيَّة بِحُضُورِهِ فَكَتَبُوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا تقاضى عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِنَّمَا هُوَ أميركم وَلَيْسَ بأميرنا فَقَالَ الْأَحْنَف لَا تمحوا اسْم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقَالَ

ص: 105

الْأَشْعَث امحها فَقَالَ عَليّ الله أكبر سنة بِسنة وَالله إِنِّي لكاتب الْقَضِيَّة يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَكتبت مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت قُرَيْش لست برَسُول الله وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَأمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمحوه فَقلت لَا أَسْتَطِيع قَالَ فأرنيه فأريته فمحاه بِيَدِهِ فَقَالَ لي إِنَّك ستدعى إِلَى مثلهَا فتجيب ثمَّ كتب الْكتاب هَذَا مَا تقاضى عَلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قاضى عَليّ على أهل الْكُوفَة وَمن مَعَهم وقاضى مُعَاوِيَة على أهل الشَّام وَمن مَعَهم إِنَّا ننزل عِنْد حكم الله وَكتابه وَأَن لَا يجمع بَيْننَا غَيره وَإِن كتاب الله بَيْننَا من فاتحته إِلَى خاتمته نحيي مَا أحيى ونميت مَا أمات فَمَا وجد الحكمان فِي كتاب الله وهما أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس وَعَمْرو بن الْعَاصِ عملا بِهِ وَمَا لم يجدا فِي كتاب الله فَالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة وَأخذ الحكمان من عَليّ وَمُعَاوِيَة وَمن الجندين العهود والمواثيق إنَّهُمَا آمنان على أَنفسهمَا وأهلهما وَالْأمة لَهما أنصار على الَّذِي يتقاضيان عَلَيْهِ وعَلى عبد الله بن قيس وَعَمْرو بن الْعَاصِ عهد الله وميثاقه أَن يحكما بَين هَذِه الْأمة وَلَا يورداها فِي حَرْب وَلَا فرقة وأجلا الْقَضَاء إِلَى رَمَضَان من السّنة وَإِن أحبا أَن يؤخرا ذَلِك أخراه وَإِن مَكَان قضيتهما مَكَان عدل بَين أهل الْكُوفَة وَأهل الشَّام وَشهد رجال من أهل الْعرَاق وَرِجَال من أهل الشَّام وَوَضَعُوا خطوطهم فِي الصَّحِيفَة ودعي الأشتر النَّخعِيّ ليشهد فَقَالَ لَا صحبتني يَمِيني وَلَا نفعتني بعْدهَا شمَالي إِن وضع لي فِيهَا اسْم وَكتب الْكتاب فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وعينوا مَوضِع الحكم بدومة الجندل فَوَقع الِاجْتِمَاع للأجل الْمَذْكُور

وَحَاصِل مَا كَانَ من ذَلِك أَن الْحكمَيْنِ اتفقَا على خلع عَليّ وَمُعَاوِيَة وَيكون الْأَمر شُورَى بَين النَّاس حَتَّى يختاروا من يقدمونه لِلْأَمْرِ وَقدم عَمْرو بن الْعَاصِ أَبَا مُوسَى على نَفسه فِي الْكَلَام فَتكلم أَبُو مُوسَى على رُؤُوس النَّاس بِمَا اتفقَا عَلَيْهِ من خلع عَليّ وَمُعَاوِيَة حَتَّى ينظر النَّاس لأَنْفُسِهِمْ فَلَمَّا سكت أَبُو مُوسَى قَامَ عَمْرو فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن هَذَا قد خلع

ص: 106

صَاحبه وَقد خلعته كَمَا خلعه وَأثبت مُعَاوِيَة فَهُوَ ولي ابْن عَفَّان وأحق النَّاس بمقامه فكذبه أَبُو مُوسَى وتنازعا وتشاتما ومرج أَمر النَّاس وَلم يحصلوا على طائل وانسل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا وَلم يرجع إِلَى عَليّ حَيَاء مِنْهُ وَمضى عَمْرو بن الْعَاصِ فِي أهل الشَّام فَسَلمُوا على مُعَاوِيَة بالخلافة وَلَام عَليّ أَصْحَابه فِيمَا كَانَ مِنْهُم من عصيانه أَولا وانخداعهم لأهل الشَّام آخرا وَقَالَ فِيمَا قَالَ كَأَنِّي وَإِيَّاكُم كَمَا قَالَ أَخُو جشم

(أَمرتهم أَمْرِي بمنعرج اللوا

فَلم يستبينوا الرشد إِلَّا ضحى الْغَد)

وَقَالَ إِن هذَيْن الْحكمَيْنِ اللَّذين اخترتموهما تركا حكم الله وَحكما بهوى النَّفس وَاخْتلفَا فِي حكمهمَا فَلم يرشدهما الله فتأهبوا للْجِهَاد واستعدوا للسير وَأصْبح عَليّ رضي الله عنه غاديا يُرِيد الشَّام فِي ثَمَانِيَة وَسبعين ألفا

وَكَانَت الْخَوَارِج قد خَرجُوا عَلَيْهِ واعتزلوه وَقَالُوا حكمت الرِّجَال فِي دين الله وَلَا حكم إِلَّا لله وبلغه أَن الْخَوَارِج قد اجْتَمعُوا بالنهروان وتعاهدوا على حَرْب الْمُسلمين ثمَّ بلغه أَن الْخَوَارِج الْبَصْرَة لقوا عبد الله بن خباب صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرِيبا من النهروان فعرفهم بِنَفسِهِ فَسَأَلُوهُ عَن أبي بكر وَعمر فَأثْنى خيرا ثمَّ عَن عُثْمَان فِي أول خِلَافَته وَآخِرهَا فَقَالَ كَانَ محقا فِي الأول وَالْآخر فَسَأَلُوهُ عَن عَليّ قبل التَّحْكِيم وَبعده فَقَالَ هُوَ أعلم بِاللَّه وَأَشد توقيا على دينه فَقَالُوا إِنَّك توالي الرِّجَال على أسمائها ثمَّ ذبحوه وبقروا بطن امْرَأَته وَقتلُوا مَعَهُمَا ثَلَاث نسْوَة من طَيء وَمن عَجِيب أَمرهم أَنهم لقوا مُسلما ونصرانيا فَقتلُوا الْمُسلم وَقَالُوا احْفَظُوا ذمَّة نَبِيكُم فِي النَّصْرَانِي فَسَار إِلَيْهِم عَليّ رضي الله عنه وَأرْسل إِلَيْهِم أَن ادفعوا قتلة إِخْوَاننَا مِنْكُم فنكف عَنْكُم حَتَّى نلقى أهل الْمغرب فَلَعَلَّ الله يردكم إِلَى خير فأرسلوا إِلَيْهِ كلنا قد قَتلهمْ وكلنَا يسْتَحل دماءكم فَأَتَاهُم عَليّ رَضِي الله عَنهُ

ص: 107

فَقَالَ أيتها الْعصبَة الَّتِي أخرجهَا المراء من الْحق إِلَى الْبَاطِل وأصبحت فِي اللّبْس والخطب الْعَظِيم إِنِّي نَذِير لكم أَن تصبحوا تلقاكم الْأمة غَدا صرعى بأثناء هَذَا النَّهر بِغَيْر بَيِّنَة مِنْكُم وَلَا برهَان ألم تعلمُوا أَنِّي قد نَهَيْتُكُمْ عَن الْحُكُومَة إِلَيّ وأخبرتكم أَن الْقَوْم إِنَّمَا طلبوها خديعة فعصيتموني وحملتموني على أَن حكمت وَلما حكمت شرطت وَأخذت على الْحكمَيْنِ أَن يحيى يَا مَا أَحْيَا الْقُرْآن ويميتا مَا أمات فانقلبا وَحكما بِغَيْر حكم الْكتاب فنبذنا أَمرهمَا وَنحن على أمرنَا الأول فَمَا الَّذِي أَصَابَكُم وَمن أَيْن أتيتم قَالُوا حكمنَا وَكُنَّا بذلك كَافِرين وَقد تبنا فَإِن تبت كَمَا تبنا فَنحْن قَوْمك وَإِلَّا فاعتزلنا وَنحن ننابذك على سَوَاء إِن الله لَا يحب الخائنين فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه صبحكم صَاحب وَلَا بَقِي مِنْكُم وَافد أبعد إيماني برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وجهادي فِي سَبِيل الله وهجرتي مَعَ رَسُول الله أشهد على نَفسِي بالْكفْر {قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين} وَرُوِيَ أَنه لما كَلمهمْ وَاحْتج عَلَيْهِم تنادوا لَا تخاطبوهم وَلَا تكلموهم وتهيؤوا للقاء الرب الرواح الرواح إِلَى الْجنَّة فَخرج عَليّ رضي الله عنه فعبأ النَّاس ميمنة وميسرة ووقف هُوَ فِي الْقلب فِي مُضر وَجعل على الْخَيل ابا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وعَلى أهل الْمَدِينَة وَكَانُوا سَبْعمِائة قيس بن سعد بن عبَادَة وعبأت الْخَوَارِج على نَحْو هَذِه التعبية وَرفع عَليّ رضي الله عنه مَعَ أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ راية الْأمان فَنَادَى أَبُو أَيُّوب من أَتَى هَذِه الرَّايَة وَلم يُقَاتل وَلم يستعرض فَهُوَ آمن وَمن انْصَرف إِلَى الْكُوفَة أَو الْمَدَائِن فَهُوَ آمن وَمن انْصَرف عَن هَذِه الْجَمَاعَة فَهُوَ آمن فاعتزل فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ فِي خَمْسمِائَة وَقَالَ أعتزل حَتَّى يَتَّضِح لي الْأَمر فِي قتال عَليّ فَنزل الدسكرة وَخرج آخَرُونَ إِلَى الْكُوفَة وَرجع آخَرُونَ إِلَى عَليّ رضي الله عنه وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف فَبَقيَ مِنْهُم ألف وَثَمَانمِائَة فَحمل عَلَيْهِم عَليّ وَالنَّاس وزحفوا هم إِلَى عَليّ رضي الله عنه ينادون الرواح الرواح إِلَى الْجنَّة فَاسْتَقْبَلَهُمْ الرُّمَاة وعطفت عَلَيْهِم الْخَيل من المجنبتين ونهض إِلَيْهِم الرِّجَال بِالسِّلَاحِ فهلكوا

ص: 108

كلهم فِي سَاعَة وَاحِدَة كَأَنَّمَا قيل لَهُم موتوا فماتوا وَكَانَ جملَة من قتل من أَصْحَاب عَليّ رضي الله عنه سَبْعَة نفر فَطلب عَليّ رضي الله عنه المخدج فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد فَقَامَ رضي الله عنه وَعَلِيهِ أثر الْحزن لفقده فَانْتهى إِلَى قَتْلَى بَعضهم فَوق بعض فَقَالَ أفرجوا ففرجوا يَمِينا وَشمَالًا فاستخرجوه فَقَالَ الله أكبر وَالله مَا كذبت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإنَّهُ لناقص الْيَد مَا فِيهَا عظم طرفها مثل ثدي الْمَرْأَة عَلَيْهَا خمس شَعرَات أَو سبع رؤوسها معقفة ثمَّ قَالَ أئتوني بِهِ فَنظر إِلَى مَنْكِبه فَإِذا اللَّحْم مُجْتَمع على مَنْكِبه كثدي الْمَرْأَة عَلَيْهَا شَعرَات سود إِذا مدت اللحمة امتدت حَتَّى تحاذي بطن يَده الْأُخْرَى ثمَّ تتْرك فتعود إِلَى مَنْكِبه فَقَالَ أَصْحَاب عَليّ رَضِي لله عَنهُ قد قطع الله دابرهم آخر الدَّهْر فَقَالَ عَليّ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم لفي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء لَا تخرج خَارِجَة إِلَّا خرجت بعْدهَا مثلهَا حَتَّى تخرج خَارِجَة بَين الْفُرَات ودجلة يُقَال لَهُم الشمط فَيخرج إِلَيْهِم رجل منا أهل الْبَيْت فيقتلهم فَلَا تخرج لَهُم بعْدهَا خَارِجَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَفِي الصَّحِيح عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ قَالَ عَليّ رضي الله عنه إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا فوَاللَّه لِأَن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب عَلَيْهِ وَإِذا حدثتكم فِيمَا بيني وَبَيْنكُم فَإِن الْحَرْب خدعة وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (سيخرج قوم فِي آخر الزَّمَان أَحْدَاث الْأَسْنَان سُفَهَاء الأحلام يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فَإِن فِي قَتلهمْ أجرا لمن قَتلهمْ

ثمَّ إِن عليا رضي الله عنه ندب أَصْحَابه إِلَى غَزْو الشَّام فتثاقلوا عَلَيْهِ وَلما وصلوا إِلَى الْكُوفَة تسللوا إِلَى بُيُوتهم وَتركُوا المعسكر خَالِيا وَلما رأى عَليّ ذَلِك دخل الْكُوفَة ثمَّ ندبهم ثَانِيًا فَلم ينفروا ثمَّ ثَالِثا فَلم ينشط مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل فخطبهم وَأَغْلظ فِي عتابهم وأعلمهم بِمَا لَهُ عَلَيْهِم من الطَّاعَة فِي الْحق والنصح فتثاقلوا وسكتوا وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن اسْتَأْثر بِهِ ربه وأراحه من

ص: 109

شغبهم وَقَبضه إِلَيْهِ وَنَقله إِلَى كرامته وجنته سَابق مضمار الْإِيمَان وَالْهجْرَة والنصرة والنجدة والصهر والقربى والقناعة وَالْجهَاد وَالْعلم والزهد رضي الله عنه

وَكَانَ من خبر وَفَاته أَن ثَلَاثَة من الْخَوَارِج مِمَّن نجا من وقْعَة النهروان وهم عبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي وَعَمْرو بن بكر التَّمِيمِي السَّعْدِيّ وَالْحجاج بن عبد الله التَّمِيمِي الصريمي ويلقب بالبرك اجْتَمعُوا بِمَكَّة فَذكرُوا إخْوَانهمْ الَّذين قتلوا بالنهروان وَقَالُوا مَا نصْنَع بِالْبَقَاءِ بعدهمْ فَلَو شرينا أَنْفُسنَا وقتلنا أَئِمَّة الضلال وَأَرِحْنَا مِنْهُم النَّاس فَقَالَ ابْن ملجم وَكَانَ من مصر أَنا أكفيكم عليا وَقَالَ البرك أَنا أكفيكم مُعَاوِيَة وَقَالَ عَمْرو بن بكر أَنا أكفيكم عَمْرو بن الْعَاصِ وتعاهدوا أَن لَا يرجع أحد مِنْهُم عَن صَاحبه حَتَّى يقْتله أَو يَمُوت دونه وتواعدوا سبع عشرَة لَيْلَة تمْضِي من رَمَضَان من هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَرْبَعِينَ وَانْطَلَقُوا فلقي ابْن ملجم أَصْحَابه بِالْكُوفَةِ فطوى خَبره عَنْهُم إِلَّا أَنه جَاءَ إِلَى شبيب بن شَجَرَة الْأَشْجَعِيّ وَدعَاهُ إِلَى الْمُوَافقَة على شَأْنه فَقَالَ شبيب ثكلتك أمك فَكيف تقدر على قَتله فَقَالَ أكمن لَهُ فِي الْمَسْجِد عِنْد صَلَاة الْغَدَاة فَإِن قَتَلْنَاهُ وَإِلَّا فَهِيَ الشَّهَادَة قَالَ وَيحك لَا أجدني أنشرح لقَتله مَعَ سابقته وفضله قَالَ ألم يقتل الْعباد الصَّالِحين أَصْحَاب النهروان قَالَ بلَى قَالَ فنقتله بِمن قَتله مِنْهُم فَأَجَابَهُ ثمَّ لَقِي امْرَأَة من تيم الربَاب فائقة الْجمال اسْمهَا قطام قتل أَبوهَا وأخوها يَوْم النهروان فَخَطَبَهَا ابْن ملجم فشرطت عَلَيْهِ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وعبدا وقنية وَأَن يقتل عليا وَقَالَت فَإِن قتلته شفيت النُّفُوس وَإِلَّا فَهِيَ الشَّهَادَة قَالَ وَالله مَا جِئْت إِلَّا لذَلِك وَلَك مَا سَأَلت وَفِي ذَلِك قيل

(ثَلَاثَة آلَاف وَعبد وقنية

وَضرب عَليّ بالحسام المسمم)

(فَلَا مهر أغْلى من عَليّ وَإِن غلا

وَلَا فتك إِلَّا دون ابْن ملجم)

ثمَّ قَالَت سأبعث مَعَك من يشد ظهرك ويساعدك وَبعثت مَعَه رجلا من قَومهَا اسْمه وردان

ص: 110

فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي وَاعد ابْن ملجم أَصْحَابه فِيهَا وَكَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة جَاءَ إِلَى الْمَسْجِد وَمَعَهُ شبيب ووردان وجلسوا قبالة السدة الَّتِي يخرج مِنْهَا عَليّ للصَّلَاة فَلَمَّا خرج ونادى للصَّلَاة علاهُ شبيب بِالسَّيْفِ فَوَقع فِي عضادة الْبَاب وضربه ابْن ملجم على مقدم رَأسه وَقَالَ الحكم لله يَا عَليّ لَا لَك وَلَا لأصحابك وهرب وردان إِلَى منزله وهرب شبيب مغلسا وَنَجَا فِي غمار النَّاس وَقبض على ابْن ملجم فجيء بِهِ مكتوفا إِلَى عَليّ وَقد حمل إِلَى بَيته فَقَالَ أَي عَدو الله مَا حملك على هَذَا ثمَّ قَالَ إِن هَلَكت فَاقْتُلُوهُ كَمَا قتلني وَإِن بقيت رَأَيْت فِيهِ رَأْيِي يَا بني عبد الْمطلب لَا تحرضوا على دِمَاء الْمُسلمين وَتَقولُوا قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تقتلُوا إِلَّا قاتلي يَا حسن إِن أَنا مت من ضربتي هَذِه فَاضْرِبْهُ بِسَيْفِهِ وَلَا تمثلن بِالرجلِ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (إيَّاكُمْ الْمثلَة) وَقَالَ لَهُ جُنْدُب بن عبد الله أنبايع الْحسن إِن فقدناك فَقَالَ مَا آمركُم بِهِ وَلَا أنهاكم عَنهُ أَنْتُم أبْصر وَلما حَضرته الْوَفَاة كتب وَصيته الْعَامَّة ثمَّ لم ينْطق إِلَّا بِلَا إِلَه إِلَّا الله حَتَّى قبض رضي الله عنه

وَلما قبض أخرج عبد الرَّحْمَن بن ملجم من السجْن فَقطع عبد الله بن جَعْفَر يَده ثمَّ رجله ثمَّ لِسَانه وكحلت عَيناهُ بمسمار محمى وأحرق لَعنه الله وَأما البرك فَوَثَبَ على مُعَاوِيَة تِلْكَ اللَّيْلَة وضربه بِالسَّيْفِ فَوَقع فِي إليته وَأخذ البرك فَقَالَ لمعاوية عِنْدِي بشرى أتنفعني إِن أَنا أَخْبَرتك بهَا قَالَ نعم قَالَ إِن أَخا لي قتل عليا هَذِه اللَّيْلَة فَقَالَ مُعَاوِيَة لَعَلَّه لم يقدر عَلَيْهِ فَقَالَ بلَى إِن عليا لَيْسَ مَعَه من يحرصه فَقتله مُعَاوِيَة وَقيل قطع يَده وَرجله وَأقَام إِلَى أَيَّام زِيَاد فَقتله بِالْبَصْرَةِ وَأما عَمْرو بن بكر التَّمِيمِي فَإِنَّهُ جلس تِلْكَ اللَّيْلَة لعَمْرو بن الْعَاصِ فَلم يخرج عَمْرو إِلَى الصَّلَاة لمَرض أَصَابَهُ واستناب خَارِجَة بن حذافة الْعَدوي فِي الصَّلَاة فَشد عَلَيْهِ عَمْرو بن بكر وَهُوَ يظنّ أَنه عَمْرو بن الْعَاصِ فَقتله فَلَمَّا أَخَذُوهُ وأدخلوه على عَمْرو قَالَ فَمن قتلت إِذا قَالُوا قتلت خَارِجَة بن حذافة فَقَالَ أردْت عمرا وَأَرَادَ الله خَارِجَة فأرسلها

ص: 111

مثلا وَأمر بِهِ عَمْرو فَقتل وَيرْحَم الله ابْن عبدون إِذْ يَقُول

(وليتها إِذْ فدت عمرا بخارجة

فدت عليا بِمَا شَاءَت من الْبشر)

وَكَانَت وَفَاة عَليّ رضي الله عنه صَبِيحَة الْجُمُعَة لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ كَمَا ذكرنَا وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين إِلَّا ثَلَاثَة أشهر وَاخْتلف فِي مَوضِع قَبره فَقيل دفن مِمَّا يَلِي قبْلَة الْمَسْجِد بِالْكُوفَةِ وَقيل عِنْد قصر الْإِمَارَة بهَا وَقيل نَقله ابْنه الْحسن إِلَى الْمَدِينَة وَدَفنه بِالبَقِيعِ عِنْد زوجه فَاطِمَة رضي الله عنها

قَالَ أَبُو الْفِدَاء وَالأَصَح وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْن الْأَثِير وَغَيره إِن قَبره هُوَ الْمَشْهُور بالنجف وَهُوَ الَّذِي يزار الْيَوْم

وفضائل عَليّ رضي الله عنه ومناقبه فِي الْعدْل وَحسن السِّيرَة أجل من أَن يحاط بهَا من ذَلِك مشاهده الْمَشْهُورَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومؤاخاته لَهُ وَسبق إِسْلَامه وَقَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) وَقَوله صلى الله عليه وسلم يَوْم خَيْبَر (لَأَبْعَثَن الرَّايَة غَدا مَعَ رجل يحب الله وَرَسُوله وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله) وَقَوله صلى الله عليه وسلم لَهُ (أما ترْضى ان تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (أقضاكم عَليّ) وَالْقَضَاء يَسْتَدْعِي معرفَة أَبْوَاب الْفِقْه كلهَا بِخِلَاف قَوْله عليه السلام (أفرضكم زيد وأقرأكم أبي) وَلم يضع رضي الله عنه لبنة على لبنة حَتَّى لَقِي الله وَكَانَ يقسم مَا فِي بَيت المَال كل جُمُعَة حَتَّى لَا يتْرك فِيهِ شَيْئا وَدخل مرّة بَيت المَال فَوجدَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَقَالَ يَا صفراء اصفري وَيَا بَيْضَاء ابيضي وغري غَيْرِي لَا حَاجَة لي فِيك

وَرُوِيَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب بِسَنَدِهِ إِلَى مجمع التَّمِيمِي أَن عليا رضي الله عنه قسم مَا فِي بَيت المَال بَين الْمُسلمين ثمَّ أَمر بِهِ فكنس ثمَّ صلى فِيهِ رَجَاء أَن يشْهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة

وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه قَالَ قدم على عَليّ مَال من أَصْبَهَان فَقَسمهُ سَبْعَة اسباع وَوجد فِيهِ رغيفا فَقَسمهُ سبع كسر وَجعل على

ص: 112

كل جُزْء كسرة ثمَّ أَقرع بَينهم أَيهمْ يُعْطي أَولا قَالَ ابْن عبد الْبر وأخباره رضي الله عنه فِي مل هَذَا من سيرته لَا يحيى ط بهَا كتاب وَيرْحَم الله من قَالَ

(أحسن من عود وَمن ضَارب

وَمن فتاة ناهد كاعب)

(وَمن مدام فِي قواريرها

يسْعَى بهَا سَاق إِلَى شَارِب)

(وَمن جِيَاد الْخَيل فِي مهمه

وضارب يَسْطُو على ضَارب)

(أحسن من ذَاك وَهَذَا وَذَا

حب عَليّ بن أبي طَالب)

(لَو فتشوا قلبِي لألفوا بِهِ

سطرين قد خطا بِلَا كَاتب)

(الْعلم والتوحيد فِي جَانب

وَحب آل الْبَيْت فِي جَانب)

(إِن كنت فِيمَا قلته كَاذِبًا

فلعنه الله على الْكَاذِب)

وَلما توفّي عَليّ رضي الله عنه بَايع النَّاس ابْنه الْحسن رضي الله عنه وَأول من بَايعه قيس بن سعد بن عبَادَة قَالَ لَهُ ابْسُطْ يدك على كتاب الله وَسنة رَسُوله وقتال الْمُلْحِدِينَ فَقَالَ الْحسن على كتاب الله وَسنة رَسُوله ويأتيان على كل شَرط ثمَّ بعد ذَلِك نزل لمعاوية عَن الْأَمر فِي خبر طَوِيل نذْكر مِنْهُ مَا فِي الصَّحِيح فَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ رحمه الله قَالَ اسْتقْبل وَالله الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب أَمْثَال الْجبَال فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِنِّي لأرى كتائب لَا تولي حَتَّى تقتل أقرانها فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة وَكَانَ وَالله خير الرجلَيْن أَي عَمْرو إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ فَمن لي بِأُمُور النَّاس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فَبعث إِلَيْهِ رجلَيْنِ من قُرَيْش من بني عبد شمس عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَعبد الله بن عَامر بن كريز فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرجل فاعرضا عَلَيْهِ وقولا لَهُ واطلبا إِلَيْهِ فَأتيَاهُ فدخلا عَلَيْهِ فتكلما وَقَالا لَهُ وطلبا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهما الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما إِنَّا بني عبد الْمطلب قد أصبْنَا من هَذَا المَال وَإِن هَذِه الْأمة قد عاثت فِي دمائها قَالَا فَإِنَّهُ يعرض عَلَيْك كَذَا وَكَذَا وَيطْلب إِلَيْك ويسألك قَالَ فَمن لي بِهَذَا قَالَا نَحن لَك بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئا إِلَّا قَالَا نَحن لَك بِهِ فَصَالحه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رحمه الله وَلَقَد سَمِعت أَبَا بكرَة يَقُول رَأَيْت

ص: 113

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر وَالْحسن بن عَليّ إِلَى جنبه وَهُوَ يقبل على النَّاس مرّة وَعَلِيهِ أُخْرَى وَيَقُول (إِن ابْني هَذَا سيد وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين)

وَهَا هُنَا فَائِدَتَانِ الأولى هَذِه الحروب الَّتِي وَقعت بَين الصَّحَابَة رضي الله عنهم محملها الإجتهاد كَمَا قدمنَا والذب عَن الدّين وَكَانَ النَّاس من السذاجة فِي الدّين والتمسك بِهِ على مَا عهد مِنْهُم فَكَانُوا إِذا رَأَوْا مَا يَظُنُّونَهُ مُنْكرا غيروه وَلَو بِإِتْلَاف مهجهم إِلَّا أَنهم كَانَ مِنْهُم الْمُجْتَهد الْمُصِيب وَهُوَ ذُو الأجرين كَمَا فِي الحَدِيث وَمِنْهُم الْمُجْتَهد المخطىء وَهُوَ ذُو الْأجر الْوَاحِد كَمَا فِي الحَدِيث أَيْضا وَكَانَ عَليّ رضي الله عنه مصيبا فِي جَمِيع أمره من أَوله إِلَى آخِره فعلى الْعَاقِل المحتاط لدينِهِ أَن يظنّ بصحابة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الظَّن الْجَمِيل وَيعْمل بوصيته فيهم إِذْ قَالَ عليه الصلاة والسلام (الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تتخذوهم غَرضا بعدِي فَمن أحبهم فبحبي أحبهم وَمن أبْغضهُم فببغضي أبْغضهُم) الحَدِيث وإياي وإياه أَن يجرح من زكاهم الله تَعَالَى بقوله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} وزكاهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زمرتهم وأمتنا على سنتهمْ وطريقتهم يَا أكْرم الأكرمين وَيَا أرْحم الرَّاحِمِينَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم

الْفَائِدَة الثَّانِيَة أطبق السّلف على أَن تَرْتِيب الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم فِي الْفضل على حسب ترتيبهم فِي الْخلَافَة وَذهب بعض السّلف إِلَى تَقْدِيم عَليّ على عُثْمَان وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ سُفْيَان الثَّوْريّ لَكِن قيل إِنَّه رَجَعَ عَنهُ وَقَالَت الشِّيعَة وَكثير من الْمُعْتَزلَة الْأَفْضَل بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَليّ بن أبي طَالب وَالْحق هُوَ القَوْل الأول وَهل التَّفْضِيل بَين الْخُلَفَاء قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فَالَّذِي مَال إِلَيْهِ الْأَشْعَرِيّ هُوَ الأول وَالَّذِي مَال إِلَيْهِ القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني وَاخْتَارَهُ

ص: 114

إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَاد هُوَ الثَّانِي وَعبارَته لم يقم عندنَا دَلِيل قَاطع على تَفْضِيل بعض الْأَئِمَّة على بعض إِذْ الْعقل لَا يدل على ذَلِك وَالْأَخْبَار الورادة فِي فضائلهم متعارضة وَلَكِن الْغَالِب على الظَّن أَن أَبَا بكر أفضل الْخَلَائق بعد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ثمَّ عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون فِي عُثْمَان وَعلي

وَهَا هُنَا انْتهى بِنَا القَوْل فِيمَا قصدناه من التَّبَرُّك بِذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذكر خلفائه الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم ولنرجع إِلَى مَا نَحن بصدده من ذكر أَخْبَار الْمغرب الْأَقْصَى مقدمين القَوْل أَولا فِي نسب البربر وَبَيَان حَالهم قبل الْإِسْلَام وَبعده على الْجُمْلَة لنتخلص بعده للمقصود وَالله تَعَالَى يعصمنا من الزلل بمنه وَكَرمه

ص: 115