الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للولاة بهَا وعَلى أَن يحمل هُوَ من إفريقية إِلَى الْخَلِيفَة أَرْبَعِينَ ألفا وَبلغ الرشيد غناؤه وكفايته فَاسْتَشَارَ فِيهِ أَصْحَابه فَأَشَارَ هرثمة بن أعين بولايته فَكتب لَهُ بالعهد على إفريقية منتصف أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة فَقَامَ إِبْرَاهِيم بِالْأَمر وَضبط الْبِلَاد فسكنت واستراحت من الْفِتَن وابتنى مَدِينَة العباسية قرب القيروان وانتقل إِلَيْهَا بجملته وأورث بإفريقية ملكا لِبَنِيهِ من بعده
وَفِي هَذِه الْمدَّة انقسم الْمغرب إِلَى ثَلَاث ممالك فَكَانَ بَنو الْأَغْلَب بإفريقية والقيروان وَبَنُو خزر المغراويون بالمغرب الْأَوْسَط وتلمسان وَبَنُو إِدْرِيس بالمغرب الْأَقْصَى
وَقبل أَن نفرد الْكَلَام عَلَيْهِ نذْكر فصلا نشِير فِيهِ إِلَى مَذَاهِب أهل الْمغرب ونحلهم على الْجُمْلَة وَالله الْمُوفق
القَوْل فِي مَذَاهِب أهل الْمغرب أصولا وفروعا وَمَا يتبع ذَلِك
قد تقدم لنا مَا قَالَه الشَّيْخ ابْن أبي زيد رحمه الله من أَن البربر ارْتَدُّوا اثْنَتَيْ عشرَة مرّة وَأَنه لم تَسْتَقِر كلمة الْإِسْلَام فيهم إِلَّا لعهد مُوسَى بن نصير وَبعد فَتحه الأندلس ثمَّ كمل إسْلَامهمْ على يَد إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر وَتقدم أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه أرسل عشرَة من التَّابِعين يفقهُونَ أهل الْمغرب فِي دينهم فَكَانَ المغاربة فِي صدر الْإِسْلَام لذَلِك على مَذْهَب جُمْهُور السّلف من الْأمة واعتقادهم وَهُوَ الْمَذْهَب الْحق إِلَى أَن حدثت فيهم بِدعَة الخارجية لأوّل الْمِائَة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة نزع إِلَيْهِم بهَا بعض أهل النِّفَاق من خوارج الْعرَاق وبثوها فيهم فتلقوها مِنْهُم بِالْقبُولِ وَحسن موقعها لديهم بِسَبَب مَا كَانُوا يعانونه من ثقل وَطْأَة الْخلَافَة القريشية وجور بعض عمالها حَسْبَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فلقنهم أهل الْبدع أَن الْخلَافَة لَا تشْتَرط فِيهَا القريشية بل وَلَا الْعَرَبيَّة وَأَن كل من كَانَ أتقى لله كَانَ أَحَق بهَا وَلَو عبدا حَبَشِيًّا على ظَاهر الحَدِيث ودسوا إِلَيْهِم مَعَ ذَلِك بعض
تشديدات الْخَوَارِج وتعمقاتهم وأروهم مَا هم عَلَيْهِ من التصلب فِي دينهم فَظهر للبربر ببادئ الرَّأْي أَن تعمقهم ذَلِك إِنَّمَا هُوَ أثر من آثَار الخشية لله وَالْخَوْف مِنْهُ وَأَن ذَلِك هُوَ عين التَّقْوَى الْمَأْمُور بهَا شرعا وَغَابَ عَنْهُم أَن الدّين يسر كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم وَأَن مِلَّة الْإِسْلَام عرفت من بَين الْملَل بالحنيفية السمحة لذَلِك وَالله تَعَالَى يَقُول {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} وَمن أمعن نظره فِي نُصُوص الشَّرِيعَة من الْكتاب وَالسّنة علم يَقِينا أَن طَرِيق النجَاة إِنَّمَا هِيَ سلوك الْوسط وَإِن كلا من التعمق والانحلال ضلال وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة بقوله تَعَالَى {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله} الْآيَة وَقد قرر جمع من الْأَئِمَّة المقتدى بهم كالغزالي فِي الْإِحْيَاء وَغَيره أَن الْمَحْمُود فِي أُمُور الديانَات كلهَا إِنَّمَا هُوَ سلوك الْوسط بَين الإفراط والتفريط وَبِه يتم مُرَاد الله من خلقه وكلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم وَهَذَا مَبْحَث طَوِيل نَفِيس وَقد رمزنا إِلَيْهِ بِهَذِهِ النبذة الْيَسِيرَة والتوفيق بيد الله
وَقد رسخت هَذِه الْبِدْعَة الخارجية فِي البربر زَمَانا طَويلا إِلَى أَن اضمحلت فِي أَوَاخِر الْمِائَة الثَّانِيَة وَمَا بعْدهَا وَمَعَ ذَلِك فقد بقيت مِنْهَا آثَار فِي أَعْقَابهم من أَصْحَاب الْأَطْرَاف كَمَا ذكره ابْن خلدون والناقد بَصِير
وَلما طهر الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس الْمغرب من هَذِه النزعة الشيطانية أَخذ أَهله بعْدهَا بمذاهب أهل الْعرَاق فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لِأَن ذَلِك الْمَذْهَب يَوْمئِذٍ هُوَ مَذْهَب الْخُلَفَاء بالمشرق وَالنَّاس على قدم إمَامهمْ
قَالَ عِيَاض فِي المدارك ظهر مَذْهَب أبي حنيفَة بإفريقية ظهورا كَبِيرا إِلَى قرب أَرْبَعمِائَة سنة فَانْقَطع مِنْهَا وَدخل مِنْهُ شَيْء إِلَى مَا وَرَاءَهَا من الْمغرب قَدِيما بِمَدِينَة فاس وبالأندلس وَكَذَا ظهر بالأندلس أَيْضا مَذْهَب عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ من أهل الشَّام
وَاخْتلف النَّاس فِي السَّبَب الَّذِي انْتقل بِهِ أهل الْمغرب عَن مَذْهَب أبي حنيفَة وَغَيره إِلَى مَذْهَب الإِمَام مَالك بن أنس الَّذِي هُوَ مَذْهَب السّلف من
أهل الْحجاز فَقَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة الْمعز بن باديس الصنهاجي الْمُتَوفَّى فِي أواسط الْمِائَة الْخَامِسَة مَا نَصه كَانَ مَذْهَب أبي حنيفَة رضي الله عنه بإفريقية أظهر الْمذَاهب فَحمل الْمعز الْمَذْكُور جَمِيع أهل الْمغرب على التَّمَسُّك بِمذهب الإِمَام مَالك رضي الله عنه وحسم مَادَّة الْخلاف فِي الْمذَاهب وَاسْتمرّ الْحَال من ذَلِك الْوَقْت إِلَى الْآن اه
قلت كَانَ الْمعز هَذَا وأسلافه من صنهاجة بإفريقية على مَذْهَب الرافضة من الشِّيعَة أَخَذُوهُ عَن خلفائهم العبيديين أَيَّام استيلائهم على الْمغرب فِي صدر الْمِائَة الرَّابِعَة وحملوا النَّاس عَلَيْهِ وامتحنوهم وطارت بدعتهم فِي أقطار الْمغرب كُله فَلَمَّا أفْضى الْأَمر إِلَى الْمعز بن باديس الْمَذْكُور قطع دَعْوَة الشِّيعَة من إفريقية ودعا لبني الْعَبَّاس وَحمل النَّاس على التَّمَسُّك بِمذهب مَالك عَالم الْمَدِينَة وَإِمَام دَار الْهِجْرَة
هَذَا وَالْمَعْرُوف أَن مَذْهَب مَالك ظهر أَولا بالأندلس ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى أَيَّام الأدارسة وَكَذَا ظهر بإفريقية ظهورا بَينا قبل وجود الْمغرب بِكَثِير بل قبل اسْتِيلَاء صنهاجة والعبيديين على الْمغرب وَذَلِكَ على يَد أَسد بن الْفُرَات وَعبد السَّلَام بن سعيد التنوخي الْمَعْرُوف بسحنون وَغَيرهمَا من أَئِمَّة المغاربة ثمَّ لما ظَهرت دولة الشِّيعَة بإفريقية حاولوا محوه فَلم يَتَيَسَّر لَهُم ذَلِك وَكَانَ فُقَهَاء الْمَالِكِيَّة فِي ذَلِك الْعَصْر مَعَهم فِي محنة عَظِيمَة مِنْهُم ابْن أبي زيد والقابسي وَأَبُو عمرَان الفاسي وطبقتهم وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن نَصره الْمعز الْمَذْكُور جزاه الله خيرا قَالُوا وَكَانَ ظُهُوره بالأندلس على يَد الْفَقِيه زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بشبطون فَهُوَ أول من أدخلهُ الأندلس وَكَانُوا قبل ذَلِك يتفقهون على مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام لمَكَان الدولة الأموية مِنْهُ فَلَمَّا ظهر مَالك رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ وَعظم صيته وانتشرت فَتَاوِيهِ بأقطار الأَرْض رَحل إِلَيْهِ جمَاعَة من أهل الأندلس وَالْمغْرب كَانَ من أمثلهم وأسبقهم شبطون الْمَذْكُور وقرعوس بن الْعَبَّاس وَعِيسَى بن دِينَار وسيعد بن ابي هِنْد وَغَيرهم أَيَّام هِشَام بن
عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل فَلَمَّا رجعُوا وصفوا من فضل مَالك وسعة علمه وجلالة قدره مَا عظم بِهِ ذكره بالأندلس فانتشر يَوْمئِذٍ علمه ورأيه بهَا
وَكَانَ رائد الْجَمَاعَة فِي ذَلِك هُوَ شبطون كَمَا قُلْنَا وَهُوَ أول من أَدخل كتاب الْمُوَطَّأ الْمغرب أَتَى بِهِ مكملا متقنا فَأَخذه عَنهُ يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ ثمَّ دخل بعد ذَلِك إِلَى مَالك فقرأه عَلَيْهِ وَعَاد إِلَى الأندلس فتمم مَا كَانَ قد بَقِي من شهرة الْمَذْهَب الْمَالِكِي
قَالَ ابْن حزم مذهبان انتشرا فِي بَدْء أَمرهمَا بالرئاسة وَالسُّلْطَان مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِنَّهُ لما ولى الرشيد أَبَا يُوسُف خطة الْقَضَاء كَانَت الْقُضَاة من قبله من أقْصَى الْمشرق إِلَى أقْصَى عمل إفريقية وَمذهب مَالك عندنَا بالأندلس فَإِن يحيى بن يحيى كَانَ مكينا عِنْد السُّلْطَان مَقْبُول القَوْل فِي الْقُضَاة وَكَانَ لَا يَلِي قَاض فِي أقطار الأندلس إِلَّا بمشورته واختياره وَلَا يُشِير إِلَّا بِأَصْحَابِهِ وَمن كَانَ على مذْهبه وَالنَّاس سراع إِلَى الدُّنْيَا فَأَقْبَلُوا على مَا يرجون بِهِ بُلُوغ أغراضهم على أَن يحيى لم يل قَضَاء قطّ وَلَا أجَاب إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك زَائِدا فِي جلالته عِنْدهم وداعيا إِلَى قبُول رَأْيه لديهم اه
وَرَأَيْت فِي بعض التآليف فِي سَبَب ظُهُور مَذْهَب مَالك بالأندلس وَالْمغْرب أَن حَاج الْمغرب والأندلس قدمُوا على مَالك رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُمْ عَن سيرة عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الْمَعْرُوف بالداخل فَقيل لَهُ إِنَّه يَأْكُل الشّعير ويلبس الصُّوف ويجاهد فِي سَبِيل الله فَقَالَ مَالك لَيْت الله زين حرمنا بِمثلِهِ فنقم عَلَيْهِ بَنو الْعَبَّاس هَذِه الْمقَالة وَكَانَ ذَلِك سَبَب توصلهم إِلَى ضربه فِي مَسْأَلَة الْإِكْرَاه كَمَا هُوَ مَشْهُور وَبَلغت مقَالَته صَاحب الأندلس فسر بهَا وَجمع النَّاس على مذْهبه فانتشر فِي أقطار الْمغرب من يَوْمئِذٍ وَالله أعلم
وَمِمَّا يُنَاسب هُنَا مَا نَقله المؤرخون أَن أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن خيرون الأندلسي الأَصْل القيرواني الدَّار رَحل إِلَى الْمشرق فِي صدر الْمِائَة الرَّابِعَة
فَأخذ عَن علمائه وقرائه وَعَاد إِلَى إفريقية بِقِرَاءَة نَافِع بن أبي نعيم وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِم الْقِرَاءَة بِحرف حَمْزَة فشاع حرف نَافِع من يَوْمئِذٍ فِي أقطار الْمغرب بعد أَن كَانَ لَا يقْرَأ بِهِ إِلَّا الْخَواص وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى الْيَوْم فَهَذَا حَال أهل الْمغرب فِي الْفُرُوع
وَأما حَالهم فِي الْأُصُول والإعتقادات فَبعد أَن طهرهم الله تَعَالَى من نَزعَة الخارجية أَولا والرافضية ثَانِيًا أَقَامُوا على مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة مقلدين لِلْجُمْهُورِ من السّلف رضي الله عنهم فِي الْإِيمَان بالمتشابه وَعدم التَّعَرُّض لَهُ بالتأويل مَعَ التَّنْزِيه عَن الظَّاهِر وَهُوَ وَالله أحسن الْمذَاهب وأسلمها وَللَّه در الْقَائِل
(
…
عقيدتنا أَن لَيْسَ مثل صِفَاته
…
وَلَا ذَاته شَيْء عقيدة صائب)
(سلم آيَات الصِّفَات بأسرها
…
وأخبارها للظَّاهِر المتقارب)
(ونؤيس عَنْهَا كنه فهم عقولنا
…
وتأويلنا فعل اللبيب المراقب)
(ونركب للتسليم سفنا فَإِنَّهَا
…
لتسليم دين الْمَرْء خير المراكب)
وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك مُدَّة إِلَى أَن ظهر مُحَمَّد بن تومرت مهْدي الْمُوَحِّدين فِي صدر الْمِائَة السَّادِسَة فَرَحل إِلَى الْمشرق وَأخذ عَن علمائه مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ومتأخري أَصْحَابه من الْجَزْم بعقيدة السّلف مَعَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه من الْكتاب وَالسّنة وتخريجه على مَا عرف فِي كَلَام الْعَرَب من فنون مجازاتها وضروب بلاغاتها مِمَّا يُوَافق عَلَيْهِ النَّقْل وَالشَّرْع ويسلمه الْعقل والطبع ثمَّ عَاد مُحَمَّد بن تومرت إِلَى الْمغرب ودعا النَّاس إِلَى سلوك هَذِه الطَّرِيقَة وَجزم بتضليل من خالفها بل بتكفيره وسمى أَتْبَاعه الْمُوَحِّدين تعريضا بِأَن من خَالف طَرِيقَته لَيْسَ بموحد وَجعل ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى الإنتزاء على ملك الْمغرب حَسْبَمَا تقف عَلَيْهِ مفصلا بعد إِن شَاءَ
الله لكنه مَا أَتَى بطريقة الْأَشْعَرِيّ خَالِصَة بل مزجها بِشَيْء من الخارجية والشيعية حَسْبَمَا يعلم ذَلِك بإمعان النّظر فِي أَقْوَاله وأحواله وأحوال خلفائه من بعده وَمن ذَلِك الْوَقْت أقبل عُلَمَاء الْمغرب على تعَاطِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَتَقْرِيره وتحريره درسا وتأليفا إِلَى آلان وَإِن كَانَ قد ظهر بالمغرب قبل ابْن تومرت فظهورا مَا وَالله أعلم
وَقد كَانَ عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَبَنوهُ من بعده منعُوا النَّاس من التَّقْلِيد فِي الْفُرُوع وحملوا الْأَئِمَّة على أَخذ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة مُبَاشرَة على طَريقَة الإجتهاد الْمُطلق وحرقوا شَيْئا كثيرا من كتب الْفُرُوع الحديثة التصنيف وَوَقع ذَلِك من بعض عُلَمَاء عصرهم موقع الإستحسان مِنْهُم الإِمَام الْحَافِظ أبوبكر بن الْعَرَبِيّ فقد ذكر فِي كتاب القواصم والعواصم لَهُ مَا يشْعر بذلك قَالَ بعد ذكره مَا وَقع بالمغرب من الْفِتَن مَا نَصه عطفنا عنان القَوْل إِلَى مصائب نزلت بالعلماء فِي طَرِيق الْفَتْوَى لما كثرت الْبدع وَذهب الْعلمَاء وتعاطت المبتدعة منصب الْفُقَهَاء وتعلقت أطماع الْجُهَّال بِهِ فنالوه بِفساد الزَّمَان ونفوذ وعد الصَّادِق صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله (اتخذ النَّاس رؤوساء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا) وَبقيت الْحَال هَكَذَا فَمَاتَتْ الْعُلُوم إِلَّا عِنْد آحَاد النَّاس واستمرت الْقُرُون على موت الْعلم وَظُهُور الْجَهْل وَذَلِكَ بقدرة الله تَعَالَى وَجعل الْخلف مِنْهُم يتبع السّلف حَتَّى آلت الْحَال إِلَى أَن لَا ينظر فِي قَول مَالك وكبراء أَصْحَابه وَيُقَال قد قَالَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أهل قرطبة وَأهل طلمنكة وَأهل طليطلة وَصَارَ الصَّبِي إِذا عقل وسلكوا بِهِ أمثل طَريقَة لَهُم علموه كتاب الله تَعَالَى ثمَّ نقلوه إِلَى الْأَدَب ثمَّ إِلَى الْمُوَطَّأ ثمَّ إِلَى الْمُدَوَّنَة ثمَّ إِلَى وثائق ابْن الْعَطَّار ثمَّ يختمون لَهُ بِأَحْكَام ابْن سهل ثمَّ يُقَال قَالَ فلَان الطليطي وَفُلَان المجريطي وَابْن مغيث لَا أغاث الله ثراه فَيرجع