الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَار بسيرة أَبِيه وجده فِي الْعدْل فَكَانَ النَّاس فِي أَيَّامه فِي أَمن ودعة إِلَى أَن توفّي فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وعهد بِالْأَمر لِأَخِيهِ يحيى بن مُحَمَّد على مَا سَيَأْتِي
الْخَبَر عَن دولة يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس
قَالَ ابْن خلدون قَامَ يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بِالْأَمر وامتد سُلْطَانه وعظمت دولته وَحسنت آثَار أَيَّامه واستبحر عمرَان فاس وبنيت بهَا الحمامات والفنادق للتجار وبنيت خَارِجهَا الأرباض ورحل إِلَيْهَا النَّاس من الثغور القاصية
وَقَالَ ابْن أبي زرع قصد إِلَيْهَا النَّاس من الأندلس وإفريقية وَجَمِيع بِلَاد الْمغرب
بِنَاء مَسْجِد الْقرَوِيين بفاس
قَالَ ابْن أبي زرع كَانَ مَوضِع مسج الْقرَوِيين أَرضًا بَيْضَاء لرجل من هوارة كَانَ وَالِده قد حازها أَيَّام بِنَاء فاس وَلما قدم وَفد القيروان على إِدْرِيس الْأَصْغَر حَسْبَمَا تقدم كَانَ فيهم امْرَأَة اسْمهَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد الفِهري وتكنى أم الْبَنِينَ فَنزلت فِي أهل بَيتهَا بِالْقربِ من مَوضِع الْمَسْجِد الْمَذْكُور ثمَّ مَاتَ زَوجهَا وإخوتها فورثت مِنْهُم مَالا جسيما وَكَانَ من حَلَال فَأَرَادَتْ أَن تنفقه فِي وُجُوه الْخَيْر وَكَانَت لَهَا نِيَّة صَالِحَة فعزمت على بِنَاء مَسْجِد تَجِد ثَوَابه عِنْد الله فاشترت الْبقْعَة من رَبهَا وشرعت فِي حفر أساس الْمَسْجِد وَبِنَاء جدرانه وَذَلِكَ يَوْم السبت فاتح رَمَضَان الْمُعظم سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فبنته بالطابية والكدان
وَكَانَت الطَّرِيقَة الَّتِي سلكتها فِي بنائِهِ أَنَّهَا التزمت أَن تَأْخُذ التُّرَاب وَغَيره من مَادَّة الْبناء من نفس الْبقْعَة دون غَيرهَا مِمَّا هُوَ خَارج عَن مساحتها فحفرت فِي أعماقها كهوفا وَجعلت تستخرج مِنْهَا التُّرَاب الْجيد وَالْحجر الكدان وتبني بِهِ وأنبطت بهَا بِئْرا يستقى مِنْهَا المَاء للْبِنَاء وَالشرب وَغير ذَلِك وَكَانَ ذَلِك كُله تحريا مِنْهَا أَن لَا تدخل فِي بِنَاء الْمَسْجِد شُبْهَة فَعَادَت بركَة نِيَّتهَا وورعها على الْمَسْجِد الْمَذْكُور حَتَّى كَانَ مِنْهُ مَا ترى
قَالُوا وَلم تزل فَاطِمَة الْمَذْكُورَة صَائِمَة من يَوْم شرع فِي بنائِهِ إِلَى أَن تمّ وصلت فِيهِ شكرا لله تَعَالَى
وَكَانَت مساحة الْمَسْجِد يَوْم بني أَربع بلاطات وصحنا صَغِيرا وَجعلت محرابه فِي مَوضِع الثريا الْكُبْرَى وَجعلت طوله من الغرب إِلَى الشرق مائَة وَخمسين شبْرًا وَبنت بِهِ صومعة غير مُرْتَفعَة بِموضع الْقبَّة الَّتِي على رَأس العنزة الْيَوْم
وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن انقرضت دولة الأدارسة وَجَاءَت دولة زناتة من بعْدهَا وأداروا السُّور على العدوتين مَعًا الْقرَوِيين والأندلس وَزَادُوا فِي مسجديهما زِيَادَة كَثِيرَة فنقلوا الْخطْبَة من مَسْجِد الشرفاء إِلَى مَسْجِد الْقرَوِيين وَمن مَسْجِد الْأَشْيَاخ إِلَى مَسْجِد الأندلس وَذَلِكَ صدر الْمِائَة الرَّابِعَة
ثمَّ لما استولى عبد الرَّحْمَن النَّاصِر صَاحب الأندلس على فاس وبلاد العدوة اسْتعْمل على فاس عَاملا لَهُ اسْمه أَحْمد بن أبي بكر الزناتي ثمَّ اليفرني فَاسْتَأْذن النَّاصِر فِي إصْلَاح مَسْجِد الْقرَوِيين وَالزِّيَادَة فِيهِ فَأذن لَهُ وَبعث إِلَيْهِ بِمَال من خمس الْغَنَائِم فَزَاد فِيهِ زِيَادَة بَيِّنَة وأزال الصومعة الْقَدِيمَة عَن موضعهَا وَبنى الصومعة الْمَوْجُودَة الْآن وَكتب على بَابهَا فِي مربعة بالجص واللازورد هَذَا مَا أَمر بِهِ أَحْمد بن أبي بكر الزناتي هداه
الله ووفقه ابْتِغَاء ثَوَاب الله وجزيل إحسانه
وابتدأ الْعَمَل فِي هَذِه الصومعة يَوْم الِاثْنَيْنِ غرَّة رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَفرغ من بنائها فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة
وَركب فِي أَعلَى المنارة سيف الإِمَام إِدْرِيس بن إِدْرِيس تبركا بِهِ وَذَلِكَ أَن بعض حفدة إِدْرِيس رحمه الله تنازعوا فِي السَّيْف الْمَذْكُور وَأَرَادَ كل أَن يحوزه لنَفسِهِ فَقَالَ لَهُم الْأَمِير أَحْمد بن أبي بكر هَل لكم فِي أَن تبيعوني هَذَا السَّيْف قَالُوا وَمَا تصنع بِهِ قَالَ أجعله فِي أَعلَى المنارة فَقَالُوا أما إِذا أردْت هَذَا فَنحْن نهبه لَك مجَّانا فوهبوه لَهُ فَرَكبهُ فِي أَعلَى المنارة
وَكَانَت مَبْنِيَّة من الْحجر المنجور وفيهَا ثقب يعشش فِيهَا الطير من الْحمام والزرزور وَغَيرهمَا ويتأذى الْمَسْجِد وَالنَّاس بهَا وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن كَانَت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة أَيَّام السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني فَاسْتَأْذن القَاضِي أَبُو عبد الله بن أبي الصَّبْر السُّلْطَان يُوسُف الْمَذْكُور فِي تلبيس المنارة وتبييضها فَأذن لَهُ فلبسها وبيضها ودلكها حَتَّى صَارَت كالمرآة الصقلية
وَقَالَ ابْن خلدون ثمَّ أوسع فِي خطه الْمَسْجِد الْمَذْكُور الْمَنْصُور بن أبي عَامر صَاحب الأندلس وَأعد لَهُ السِّقَايَة والسلسلة بِبَاب الحفاة ثمَّ أوسع فِي خطته عَليّ بن يُوسُف اللمتوني ثمَّ مُلُوك الْمُوَحِّدين وَبني مرين واستمرت الْعِمَارَة بِهِ وانصرفت هممهم إِلَى تشييده والمنافسة فِي الاهتبال بِهِ فَبلغ الاحتفال فِيهِ مَا شَاءَ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تواريخ الْمغرب أه
وَفِي أَيَّام يحيى بن مُحَمَّد صَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَامَ رجل مُؤذن بِنَاحِيَة تلمسان يَدعِي النُّبُوَّة وَتَأَول الْقُرْآن على غير وَجهه فَاتبعهُ خلق كثير من الغوغاء
وَكَانَ من بعض شرائعه أَنه ينْهَى عَن قصّ الشّعْر وتقليم الْأَظْفَار ونتف الإبطين والاستحداد وَأخذ الزِّينَة وَيَقُول لَا تَغْيِير لخلق الله فَأمر أَمِير