المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بناء مسجد القرويين بفاس - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ١

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة فِي فضل علم التَّارِيخ

- ‌ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الْأَرْبَعَة رضي الله عنهم

- ‌خلَافَة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه

- ‌فتح أفريقية

- ‌خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

- ‌حَرْب صفّين

- ‌القَوْل فِي نسب البربر وَبَيَان أصلهم

- ‌القَوْل فِي تَقْسِيم شعوب البربر على الْجُمْلَة

- ‌الْخَبَر عَن حَال البربر قبل الْإِسْلَام وَذكر بعض أَمْصَار الْمغرب الْقَدِيمَة وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع يحيى بن يغمور بِأَهْل لبلة وإسرافه فِي ذَلِك

- ‌القَوْل فِي تَحْدِيد الْمغرب وَذكر حَال البربر بعد الْإِسْلَام

- ‌ولَايَة عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه وفتحه برقة وطرابلس

- ‌ ولَايَة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وفتحه إفريقية

- ‌ولَايَة مُعَاوِيَة بن حديج على الْمغرب

- ‌ولَايَة عقبَة بن نَافِع الفِهري على الْمغرب وبناؤه مَدِينَة القيروان

- ‌ولَايَة أبي المُهَاجر دِينَار وفتحه الْمغرب الْأَوْسَط

- ‌ولَايَة عقبَة بن نَافِع الثَّانِيَة وفتحه الْمغرب الْأَقْصَى ومقتله

- ‌ذكر من دخل الْمغرب من الصَّحَابَة مرتبَة أَسمَاؤُهُم على حُرُوف المعجم

- ‌ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي أَرض الْمغرب هَل فتحت عنْوَة أَو صلحا أَو غير ذَلِك

- ‌ولَايَة زُهَيْر بن قيس البلوي على الْمغرب ومقتل كسيلة وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ولَايَة حسان بن النُّعْمَان على الْمغرب وتخريبه قرطاجنة

- ‌ولَايَة مُوسَى بن نصير على الْمغرب وفتحه الأندلس

- ‌شغب العبيد على السُّلْطَان الْمولى عبد الله وفراره ثَانِيَة إِلَى البربر

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ زين العابدين بن إِسْمَاعِيل رحمه الله

- ‌ولَايَة مُحَمَّد بن يزِيد على الْمغرب

- ‌ولَايَة إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر على الْمغرب

- ‌ولَايَة يزِيد بن أبي مُسلم على الْمغرب

- ‌ولَايَة بشر بن صَفْوَان على الْمغرب

- ‌ولَايَة عُبَيْدَة بن عبد الرَّحْمَن على الْمغرب

- ‌ولَايَة عبيد الله بن الحبحاب على الْمغرب

- ‌ولَايَة كُلْثُوم بن عِيَاض على الْمغرب ومقتله

- ‌ولَايَة حَنْظَلَة بن صَفْوَان على الْمغرب

- ‌ذكر صَالح بن طريف البرغواطي المتنبي ومخرقته

- ‌الْخَبَر عَن تغلب آل عقبَة بن نَافِع على الْمغرب وَولَايَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب مِنْهُم

- ‌دُخُول عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي إِلَى إفريقية وجوازه إِلَى الأندلس وتأسيسه للدولة الأموية بهَا

- ‌اسْتِيلَاء إلْيَاس بن حبيب على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء حبيب بن عبد الرَّحْمَن على الْمغرب وفتنة عَاصِم بن جميل المتنبئ ومقتله

- ‌اسْتِيلَاء عبد الْملك بن أبي الْجَعْد على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء عبد الْأَعْلَى بن السَّمْح على الْمغرب وَظُهُور الصفرية من آل مدرار المكناسيين وبناؤهم مَدِينَة سجلماسة

- ‌ولَايَة مُحَمَّد بن الْأَشْعَث على الْمغرب

- ‌ولَايَة الْأَغْلَب بن سَالم التَّمِيمِي على الْمغرب

- ‌ولَايَة عمر بن حَفْص هزارمرد على الْمغرب

- ‌ولَايَة يزِيد بن حَاتِم على الْمغرب

- ‌ولَايَة روح بن حَاتِم على الْمغرب

- ‌القَوْل فِي مَذَاهِب أهل الْمغرب أصولا وفروعا وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌تَتِمَّة مهمة

- ‌الدولة الإدريسية

- ‌الْخَبَر عَن دولة آل إِدْرِيس بالمغرب الْأَقْصَى وَذكر السَّبَب فِي أوليتها

- ‌دُخُول إِدْرِيس بن عبد الله أَرض الْمغرب الْأَقْصَى

- ‌بيعَة الإِمَام إِدْرِيس بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن عبد الله بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى وفتحه إِيَّاهَا

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن عبد الله أَرض الْمغرب الْأَوْسَط وَفتح مَدِينَة تلمسان

- ‌وَفَاة إِدْرِيس بن عبد الله وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌أَمر البربر بعد وَفَاة إِدْرِيس بن عبد الله رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌وُفُود الْعَرَب على إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌بِنَاء مَدِينَة فاس

- ‌غَزْو إِدْرِيس بن إِدْرِيس المغربين واستيلاؤه عَلَيْهِمَا

- ‌وَفَاة إِدْرِيس بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة مُحَمَّد بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين بني إِدْرِيس

- ‌وَفَاة مُحَمَّد بن إِدْرِيس رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة عَليّ بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌بِنَاء مَسْجِد الْقرَوِيين بفاس

- ‌الخبرعن دولة يحيى بن يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

- ‌لما توفّي يحيى بن مُحَمَّد الَّذِي بنى مَسْجِد الْقرَوِيين فِي أَيَّامه ولي الْأَمر من بعده ابْنه يحيى بن يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس فاساء السِّيرَة وَكثر عيثه فِي الْحرم وَدخل على جَارِيَة من بَنَات الْيَهُود فِي الْحمام وَكَانَت بارعة فِي الْجمال فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فاستغاثت وبادر النَّاس إِلَيْهَا

- ‌الْخَبَر عَن دولة عَليّ بن عمر بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن إِدْرِيس بن عمر بن إِدْرِيس

- ‌اسْتِيلَاء العبيديين من الشِّيعَة على الْمغرب الْأَقْصَى وقدوم قائدهم مصالة بن حبوس إِلَى فاس

- ‌عود الْمغرب الْأَقْصَى إِلَى الأدارسة وَظُهُور الْحسن الْحجام بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌خُرُوج الْحسن الْحجام إِلَى قتال مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة

- ‌الْخَبَر عَن دولة آل أبي الْعَافِيَة المكناسيين الناسخة لدولة آل إِدْرِيس بفاس وأعمالها

- ‌طرد مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة آل إِدْرِيس من أَعمال الْمغرب وحصره إيَّاهُم بِحجر النسْر

- ‌اسْتِيلَاء مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة على تلمسان وأعمالها

- ‌انحراف مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة عَن الشِّيعَة إِلَى بني مَرْوَان وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌ثورة أَحْمد بن بكر الجذامي بدعوة المروانيين بفاس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌حَرْب ميسور مَعَ مُوسَى بن أبي الْعَافِيَة

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار آل أبي الْعَافِيَة بالمغرب

- ‌الْخَبَر عَن الدولة الثَّانِيَة للأدارسة بِبِلَاد الرِّيف

- ‌الْخَبَر عَن رياسة الْقَاسِم كنون بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن إِدْرِيس

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْعَيْش احْمَد بن الْقَاسِم كنون

- ‌تغلب عبد الرَّحْمَن النَّاصِر على بِلَاد الْمغرب ومضايقته لأبي الْعَيْش بهَا

- ‌هِجْرَة أبي الْعَيْش إِلَى الأندلس بِقصد الْجِهَاد

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْحسن بن كنون

- ‌قدوم الْقَائِد جَوْهَر الشيعي من إفريقيا إِلَى الْمغرب واستيلاؤه عَلَيْهِ

- ‌قدوم بلكين بن زيزي بن مُنَاد الصنهاجي الشيعي من إفريقيا إِلَى الْمغرب

- ‌قدوم غَالب الْأمَوِي إِلَى الْمغرب وتغريب آل إِدْرِيس إِلَى الأندلس

- ‌حُدُوث النفرة بَين الحكم وَالْحسن وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌عود الْحسن بن كنون إِلَى الْمغرب وَمَا كَانَ من أمره إِلَى مَقْتَله وانقراض دولته

- ‌الْخَبَر عَن دولة زناتة من مغراوة وَبني يفرن بفاس وَالْمغْرب

- ‌الْخَبَر عَن دولة زيري بن عَطِيَّة المغراوي بفاس وَالْمغْرب

- ‌حَدِيث أبي البهار الصنهاجي مَعَ الْمَنْصُور ابْن أبي عَامر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌وفادة زيري بن عَطِيَّة على الْمَنْصُور بن أبي عَامر بالأندلس

- ‌اسْتِيلَاء يدو بن يعلى اليفرني على فاس ومقتله

- ‌بِنَاء مَدِينَة وَجدّة

- ‌حُدُوث النفرة بَين زيري بن عَطِيَّة والمنصور بن أبي عَامر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْمعز بن زيري بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة حمامة بن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي الْكَمَال تَمِيم بن زيري اليفرني واستيلائه على فاس وأعمالها

- ‌الْخَبَر عَن دولة دوناس بن حمامة ابْن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة فتوح بن دوناس المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة معنصر بن حَمَّاد بن معنصر بن الْمعز بن عَطِيَّة المغراوي

- ‌الْخَبَر عَن دولة تَمِيم بن معنصر المغراوي

الفصل: ‌بناء مسجد القرويين بفاس

وَسَار بسيرة أَبِيه وجده فِي الْعدْل فَكَانَ النَّاس فِي أَيَّامه فِي أَمن ودعة إِلَى أَن توفّي فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وعهد بِالْأَمر لِأَخِيهِ يحيى بن مُحَمَّد على مَا سَيَأْتِي

‌الْخَبَر عَن دولة يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس

قَالَ ابْن خلدون قَامَ يحيى بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بِالْأَمر وامتد سُلْطَانه وعظمت دولته وَحسنت آثَار أَيَّامه واستبحر عمرَان فاس وبنيت بهَا الحمامات والفنادق للتجار وبنيت خَارِجهَا الأرباض ورحل إِلَيْهَا النَّاس من الثغور القاصية

وَقَالَ ابْن أبي زرع قصد إِلَيْهَا النَّاس من الأندلس وإفريقية وَجَمِيع بِلَاد الْمغرب

‌بِنَاء مَسْجِد الْقرَوِيين بفاس

قَالَ ابْن أبي زرع كَانَ مَوضِع مسج الْقرَوِيين أَرضًا بَيْضَاء لرجل من هوارة كَانَ وَالِده قد حازها أَيَّام بِنَاء فاس وَلما قدم وَفد القيروان على إِدْرِيس الْأَصْغَر حَسْبَمَا تقدم كَانَ فيهم امْرَأَة اسْمهَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد الفِهري وتكنى أم الْبَنِينَ فَنزلت فِي أهل بَيتهَا بِالْقربِ من مَوضِع الْمَسْجِد الْمَذْكُور ثمَّ مَاتَ زَوجهَا وإخوتها فورثت مِنْهُم مَالا جسيما وَكَانَ من حَلَال فَأَرَادَتْ أَن تنفقه فِي وُجُوه الْخَيْر وَكَانَت لَهَا نِيَّة صَالِحَة فعزمت على بِنَاء مَسْجِد تَجِد ثَوَابه عِنْد الله فاشترت الْبقْعَة من رَبهَا وشرعت فِي حفر أساس الْمَسْجِد وَبِنَاء جدرانه وَذَلِكَ يَوْم السبت فاتح رَمَضَان الْمُعظم سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فبنته بالطابية والكدان

ص: 231

وَكَانَت الطَّرِيقَة الَّتِي سلكتها فِي بنائِهِ أَنَّهَا التزمت أَن تَأْخُذ التُّرَاب وَغَيره من مَادَّة الْبناء من نفس الْبقْعَة دون غَيرهَا مِمَّا هُوَ خَارج عَن مساحتها فحفرت فِي أعماقها كهوفا وَجعلت تستخرج مِنْهَا التُّرَاب الْجيد وَالْحجر الكدان وتبني بِهِ وأنبطت بهَا بِئْرا يستقى مِنْهَا المَاء للْبِنَاء وَالشرب وَغير ذَلِك وَكَانَ ذَلِك كُله تحريا مِنْهَا أَن لَا تدخل فِي بِنَاء الْمَسْجِد شُبْهَة فَعَادَت بركَة نِيَّتهَا وورعها على الْمَسْجِد الْمَذْكُور حَتَّى كَانَ مِنْهُ مَا ترى

قَالُوا وَلم تزل فَاطِمَة الْمَذْكُورَة صَائِمَة من يَوْم شرع فِي بنائِهِ إِلَى أَن تمّ وصلت فِيهِ شكرا لله تَعَالَى

وَكَانَت مساحة الْمَسْجِد يَوْم بني أَربع بلاطات وصحنا صَغِيرا وَجعلت محرابه فِي مَوضِع الثريا الْكُبْرَى وَجعلت طوله من الغرب إِلَى الشرق مائَة وَخمسين شبْرًا وَبنت بِهِ صومعة غير مُرْتَفعَة بِموضع الْقبَّة الَّتِي على رَأس العنزة الْيَوْم

وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن انقرضت دولة الأدارسة وَجَاءَت دولة زناتة من بعْدهَا وأداروا السُّور على العدوتين مَعًا الْقرَوِيين والأندلس وَزَادُوا فِي مسجديهما زِيَادَة كَثِيرَة فنقلوا الْخطْبَة من مَسْجِد الشرفاء إِلَى مَسْجِد الْقرَوِيين وَمن مَسْجِد الْأَشْيَاخ إِلَى مَسْجِد الأندلس وَذَلِكَ صدر الْمِائَة الرَّابِعَة

ثمَّ لما استولى عبد الرَّحْمَن النَّاصِر صَاحب الأندلس على فاس وبلاد العدوة اسْتعْمل على فاس عَاملا لَهُ اسْمه أَحْمد بن أبي بكر الزناتي ثمَّ اليفرني فَاسْتَأْذن النَّاصِر فِي إصْلَاح مَسْجِد الْقرَوِيين وَالزِّيَادَة فِيهِ فَأذن لَهُ وَبعث إِلَيْهِ بِمَال من خمس الْغَنَائِم فَزَاد فِيهِ زِيَادَة بَيِّنَة وأزال الصومعة الْقَدِيمَة عَن موضعهَا وَبنى الصومعة الْمَوْجُودَة الْآن وَكتب على بَابهَا فِي مربعة بالجص واللازورد هَذَا مَا أَمر بِهِ أَحْمد بن أبي بكر الزناتي هداه

ص: 232

الله ووفقه ابْتِغَاء ثَوَاب الله وجزيل إحسانه

وابتدأ الْعَمَل فِي هَذِه الصومعة يَوْم الِاثْنَيْنِ غرَّة رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَفرغ من بنائها فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة

وَركب فِي أَعلَى المنارة سيف الإِمَام إِدْرِيس بن إِدْرِيس تبركا بِهِ وَذَلِكَ أَن بعض حفدة إِدْرِيس رحمه الله تنازعوا فِي السَّيْف الْمَذْكُور وَأَرَادَ كل أَن يحوزه لنَفسِهِ فَقَالَ لَهُم الْأَمِير أَحْمد بن أبي بكر هَل لكم فِي أَن تبيعوني هَذَا السَّيْف قَالُوا وَمَا تصنع بِهِ قَالَ أجعله فِي أَعلَى المنارة فَقَالُوا أما إِذا أردْت هَذَا فَنحْن نهبه لَك مجَّانا فوهبوه لَهُ فَرَكبهُ فِي أَعلَى المنارة

وَكَانَت مَبْنِيَّة من الْحجر المنجور وفيهَا ثقب يعشش فِيهَا الطير من الْحمام والزرزور وَغَيرهمَا ويتأذى الْمَسْجِد وَالنَّاس بهَا وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن كَانَت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة أَيَّام السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني فَاسْتَأْذن القَاضِي أَبُو عبد الله بن أبي الصَّبْر السُّلْطَان يُوسُف الْمَذْكُور فِي تلبيس المنارة وتبييضها فَأذن لَهُ فلبسها وبيضها ودلكها حَتَّى صَارَت كالمرآة الصقلية

وَقَالَ ابْن خلدون ثمَّ أوسع فِي خطه الْمَسْجِد الْمَذْكُور الْمَنْصُور بن أبي عَامر صَاحب الأندلس وَأعد لَهُ السِّقَايَة والسلسلة بِبَاب الحفاة ثمَّ أوسع فِي خطته عَليّ بن يُوسُف اللمتوني ثمَّ مُلُوك الْمُوَحِّدين وَبني مرين واستمرت الْعِمَارَة بِهِ وانصرفت هممهم إِلَى تشييده والمنافسة فِي الاهتبال بِهِ فَبلغ الاحتفال فِيهِ مَا شَاءَ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تواريخ الْمغرب أه

وَفِي أَيَّام يحيى بن مُحَمَّد صَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَامَ رجل مُؤذن بِنَاحِيَة تلمسان يَدعِي النُّبُوَّة وَتَأَول الْقُرْآن على غير وَجهه فَاتبعهُ خلق كثير من الغوغاء

وَكَانَ من بعض شرائعه أَنه ينْهَى عَن قصّ الشّعْر وتقليم الْأَظْفَار ونتف الإبطين والاستحداد وَأخذ الزِّينَة وَيَقُول لَا تَغْيِير لخلق الله فَأمر أَمِير

ص: 233