الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزْو إِدْرِيس بن إِدْرِيس المغربين واستيلاؤه عَلَيْهِمَا
لما فرغ إِدْرِيس من بِنَاء مَدِينَة فاس وانتقل إِلَيْهَا بمحلته واستوطنها بحاشيته وأرباب دولته واتخذها دَار ملكه أَقَامَ بهَا إِلَى سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة فَخرج غازيا بِلَاد المصامدة فَانْتهى إِلَيْهَا وَاسْتولى عَلَيْهَا وَدخل مَدِينَة نَفِيس ومدينة أغمات وَفتح سَائِر بِلَاد المصامدة وَعَاد إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا إِلَى سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة فَخرج فِي الْمحرم برسم غَزْو قبائل نفزة من أهل الْمغرب الْأَوْسَط وَمن بَقِي هُنَاكَ على دين الخارجية من البربر فَسَار حَتَّى غلب عَلَيْهِم وَدخل مَدِينَة تلمسان فَنظر فِي أحوالها وَأصْلح سورها وجامعها وصنع فِيهَا منبرا قَالَ أَبُو مَرْوَان عبد الْملك الْوراق دخلت مَدِينَة تلمسان سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة فَرَأَيْت فِي رَأس منبرها لوحا من بَقِيَّة مِنْبَر قديم قد سمر عَلَيْهِ هُنَالك مَكْتُوبًا فِيهِ هَذَا مَا أَمر بِهِ الإِمَام إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن عبد الله بن حسن بن الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم فِي شهر الْمحرم سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة اه وَقد تقدم لنا مَا يُخَالف هَذَا وَالله أعلم
وَأقَام إِدْرِيس بِمَدِينَة تلمسان وأحوازها يدبر أمرهَا وَيصْلح أحوالها ثَلَاث سِنِين ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة فاس
قَالَ دَاوُد بن الْقَاسِم الأوربي شهِدت مَعَ إِدْرِيس بن إِدْرِيس بعض
غَزَوَاته مَعَ الْخَوَارِج الصفرية من البربر فلقيناهم وهم ثَلَاثَة أضعافنا فَلَمَّا تقَارب الْجَمْعَانِ نزل إِدْرِيس فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ودعا الله تَعَالَى ثمَّ ركب فرسه وَتقدم لِلْقِتَالِ قَالَ فقاتلناهم قتالا شَدِيد فَكَانَ إِدْرِيس يضْرب فِي هَذَا الْجَانِب مرّة ويكر فِي هَذَا الْجَانِب الآخر مرّة وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى ارْتَفع النَّهَار ثمَّ رَجَعَ إِلَى رايته فَوقف بإزائها وَالنَّاس يُقَاتلُون بَين يَدَيْهِ فطفقت أتأمله وأديم النّظر إِلَيْهِ وَهُوَ تَحت ظلال البنود يحرض النَّاس ويشجعهم فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْت من ثباته وَقُوَّة جأشه فَالْتَفت نحوي وَقَالَ يَا دَاوُد مَا لي أَرَاك تديم النّظر إِلَيّ قلت أَيهَا الإِمَام إِنَّه قد أعجبني مِنْك خِصَال لم أرها الْيَوْم فِي غَيْرك قَالَ وَمَا هِيَ قلت أولاها مَا أرَاهُ من ثبات قَلْبك وطلاقة وَجهك عِنْد لِقَاء الْعَدو قَالَ ذَاك ببركة جدنا صلى الله عليه وسلم ودعائه لنا وَصلَاته علينا ووراثة من أَبينَا عَليّ بن أبي طَالب قلت وأراك تبصق بصاقا مجتمعا وَأَنا أطلب قَلِيل الرِّيق فِي فمي فَلَا أجد قَالَ يَا دَاوُد ذَاك لقُوَّة جأشي واجتماع لبي عِنْد الْحَرْب وَعدم ريقك لطيش عقلك وافتراق لبك قلت وَأَنا أَيْضا أتعجب من كَثْرَة تقلبك فِي سرجك وَقلة قرارك عَلَيْهِ قَالَ ذَاك مني زمع إِلَى الْقِتَال وصرامة فِيهِ فَلَا تظنه رعْبًا وَأَنْشَأَ يَقُول
(أَلَيْسَ أَبونَا هَاشم شدّ أزره
…
وَأوصى بنيه بالطعان وبالضرب)
(فلسنا نمل الْحَرْب حَتَّى تملنا
…
وَلَا نشتكي مِمَّا يؤول من النصب)