الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا ناله من أبي المُهَاجر فَاعْتَذر إِلَيْهِ ووعده برده إِلَى عمله ثمَّ ولاه ابْنه يزِيد على الْمغرب سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن عقبَة ولي الْمغرب سنة سِتّ وَأَرْبَعين فاختط القيروان ثمَّ عَزله يزِيد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِأبي المُهَاجر فَحِينَئِذٍ قبض على عقبَة وضيق عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ يزِيد يَأْمُرهُ ببعثه فَبَعثه إِلَيْهِ ثمَّ أَعَادَهُ واليا على إفريقية وَالله أعلم
ولَايَة عقبَة بن نَافِع الثَّانِيَة وفتحه الْمغرب الْأَقْصَى ومقتله
لما توفّي مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رضي الله عنه وَولي بعده ابْنه يزِيد بعث عقبَة بن نَافِع واليا على الْمغرب فقدمه فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم واعتقل ابا المُهَاجر وَخرب مدينته وَعمر القيروان وعزم على الْجِهَاد فاستخلف زُهَيْر بن قيس البلوي على القيروان وَيُقَال ولاه على مُقَدّمَة جَيْشه وَخرج فِي جَيش كثيف فَفتح حصن لميس ومدينة باغانة المطل عَلَيْهَا جبل أوراس وَفتح بِلَاد الجريد فتحا ثَانِيًا وَصَالح أهل فزان وَسَار إِلَى الزاب وتاهرت فشتت جموع البربر وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من الفرنج ثمَّ تقدم إِلَى الْمغرب الْأَقْصَى فأثخن فِي أَهله إِلَى إِن وصل إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط فَكَانَ عقبَة رحمه الله أول أَمِير الْمُسلمين وطِئت خيله الْمغرب الْأَقْصَى
وَقَالَ ابْن خلدون قدم عقبَة بن نَافِع الْمغرب فِي ولَايَته الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فاضطغن على كسيلة صحبته لأبي المُهَاجر ونكبه وَتقدم أَبُو المُهَاجر إِلَى عقبَة فِي اصطناعه فَلم يقبل ثمَّ زحف إِلَى الْمغرب وعَلى مقدمته زُهَيْر بن قيس البلوي فدوخه وَلَقي مُلُوك البربر وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من الفرنجة بالزاب وتاهرت فَهَزَمَهُمْ واستباحهم وأذعن لَهُ يليان أَمِير غمارة ولاطفه وهاداه ودله على عورات البربر وَرَاءه بِمَدِينَة وليلى وبلاد المصامدة والسوس
وَقَالَ صَاحب الجمان افْتتح عقبَة الْمغرب وَنزل على طنجة فحاصرها واستنزل ملكهَا يليان الغماري وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَنزل على حكمه بعد أَن أعطَاهُ أَمْوَالًا جليلة ثمَّ أَرَادَ عقبَة اللحاق بالجزيرة الخضراء من عدوة الأندلس فَقَالَ لَهُ يليان أتترك كفار البربر خَلفك وَتَرْمِي بِنَفْسِك فِي بحبوحة الْهَلَاك مَعَ الفرنج وَيقطع الْبَحْر بَيْنك وَبَين المدد فَقَالَ عقبَة وَأَيْنَ كفار البربر قَالَ بِبِلَاد السوس وهم أهل نجدة وبأس قَالَ عقبَة وَمَا دينهم قَالَ لَيْسَ لَهُم دين وَلَا يعْرفُونَ إِن الله حق وَإِنَّمَا هم كَالْبَهَائِمِ وَكَانُوا على دين الْمَجُوسِيَّة يَوْمئِذٍ فَتوجه عقبَة نحوهم فَنزل على مَدِينَة وليلى بِإِزَاءِ جبل زرهون وَهِي يَوْمئِذٍ من أكبر مدن الْمغرب فِيمَا بَين النهرين العظيمين سبو وورغة وَهَذِه الْمَدِينَة هِيَ الْمُسَمَّاة الْيَوْم فِي لِسَان الْعَامَّة بقصر فِرْعَوْن فافتتحها عقبَة وغنم وسبى ثمَّ توجه إِلَى بِلَاد درعة والسوس فلقتيه جموع البربر فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا ثمَّ انْهَزَمت البربر بعد حروب صعبة وقتلهم الْمُسلمُونَ قتلا ذريعا وتبعوا آثَارهم إِلَى صحراء لمتونة لَا يلقاهم أحد إِلَّا هزموه
ثمَّ عطف عقبَة على سَاحل الْبَحْر الْمُحِيط الغربي فَانْتهى إِلَى بِلَاد آسفي وَأدْخل قَوَائِم فرسه فِي الْبَحْر ووقف سَاعَة ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه ارْفَعُوا أَيْدِيكُم فَفَعَلُوا وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أخرج بطرا وَلَا أشرا وَإنَّك لتعلم إِنَّمَا نطلب السَّبَب الَّذِي طلبه عَبدك ذُو القرنين وَهُوَ أَن تعبد وَلَا يُشْرك بك شَيْء اللَّهُمَّ إِنَّا معاندون لدين الْكفْر ومدافعون عَن دين الْإِسْلَام فَكُن لنا وَلَا تكن علينا يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام ثمَّ انْصَرف رَاجعا
وَقَالَ ابْن خلدون أَيْضا وصل عقبَة إِلَى جبال درن وَقَاتل المصامدة بهَا فَكَانَت بَينه وَبينهمْ حروب وحاصروه بجبل درن فَنَهَضت إِلَيْهِم جموع زناتة وَكَانُوا خَالِصَة للْمُسلمين مُنْذُ إِسْلَام مغراوة فأفرجت المصامدة عَن عقبَة وأثخن فيهم حَتَّى حملهمْ على طَاعَة الْإِسْلَام ودوخ بِلَادهمْ ثمَّ أجَاز إِلَى بِلَاد السوس لقِتَال من بهَا من صنهاجة أهل اللثام وهم يَوْمئِذٍ على دين
الْمَجُوسِيَّة وَلم يدينوا بالنصرانية فأثخن فيهم وانْتهى إِلَى تارودانت وَهزمَ جموع البربر وَقَاتل مسوقة من وَرَاء السوس ودوخهم وقفل رَاجعا
وَكَانَ كسيلة الأوربي فِي جَيش عقبَة قد استصحبه فِي غَزَوَاته هَذِه وَكَانَ يستهين بِهِ ويمتهنه فَأمره يَوْمًا بسلخ شَاة بَين يَدَيْهِ فَدَفعهَا كسيلة إِلَى غلمانه فأراده عقبَة على أَن يتولاها بِنَفسِهِ وانتهره فَقَامَ إِلَيْهَا كسيلة مغضبا وَجعل كلما دس يَده فِي الشَّاة مسح بلحيته وَالْعرب يَقُولُونَ مَا هَذَا يَا بربري فَيَقُول هُوَ أجِير فَيَقُول لَهُم شيخ مِنْهُم إِن الْبَرْبَرِي يتوعدكم وَبلغ ذَاك أَبَا المُهَاجر وَهُوَ معتقل عِنْد عقبَة فَبعث إِلَيْهِ ينهاه وَيَقُول كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْتَأْنف جبابرة الْعَرَب وَأَنت تعمد إِلَى رجل جَبَّار فِي قومه وبدار عزه حَدِيث عهد بالشرك فستفسده وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يتوثق مِنْهُ وخوفه غائلته فتهاون عقبَة بقوله فَلَمَّا قفل من غزاته هَذِه وانْتهى إِلَى طبنة من أَرض الزاب وكسيلة أثْنَاء هَذَا كُله فِي صحبته صرف العساكر إِلَى القيروان أَفْوَاجًا ثِقَة بِمَا دوخ من الْبِلَاد وأذل من البربر حَتَّى بَقِي فِي قَلِيل من الْجند فَلَمَّا وصل إل تهودة وَأَرَادَ أَن ينزل بهَا الحامية نظر إِلَيْهِ الفرنجة وطمعوا فِيهِ فراسلوا كسيلة ودلوه على الفرصة فِيهِ فانتهزوها وراسل بني عَمه وَمن تَبِعَهُمْ من البربر فاتبعوا أثر عقبَة وَأَصْحَابه حَتَّى إِذا غشوهم بتهودة ترجل الْقَوْم وكسروا أجفان سيوفهم وَنزل الصَّبْر واستلحم عقبَة وَأَصْحَابه فَلم يفلت مِنْهُم أحد وَكَانُوا زهاء ثَلَاثمِائَة من كبار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اسْتشْهدُوا فِي مسرع وَاحِد وَفِيهِمْ أَبُو المُهَاجر كَانَ عقبَة قد استصحبه فِي اعتقاله كَمَا قُلْنَا فأبلى رضي الله عنه فِي ذَلِك الْيَوْم الْبلَاء الْحسن
قَالَ ابْن خلدون واجداث الصَّحَابَة رضي الله عنهم أُولَئِكَ الشُّهَدَاء أَعنِي عقبَة وَأَصْحَابه بمكانهم من أَرض الزاب لهَذَا الْعَهْد وَقد جعل على قُبُورهم أسنمة ثمَّ جصصت وَاتخذ على الْمَكَان مَسْجِد عرف باسم عقبَة وَهُوَ فِي عداد المزارات ومظان البركات بل هُوَ أشرف مزور من الأجداث فِي بقاع الأَرْض لما توفر فيهه من عدد الشُّهَدَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذين لَا
يبلغ أحد مد أحدهم وَلَا نصيفه
وَأسر من الصَّحَابَة يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ وَيزِيد بن خلف الْعَبْسِي وَنَفر مَعَهُمَا ففداهم ابْن مصاد صَاحب قفصة وَبعث بهم إِلَى القيروان
ثمَّ زحف كسيلة بعد الْوَقْعَة إِلَى جِهَة القيروان إِذْ هِيَ دَار الْإِمَارَة بالمغرب يَوْمئِذٍ وَبهَا جُمْهُور الْعَرَب ووجوده الْإِسْلَام فَبَلغهُمْ الْخَبَر وَعظم عَلَيْهِم الْأَمر فَقَامَ زهر بن قيس البلوي فيهم خَطِيبًا وَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين إِن أصحابكم قد دخلُوا الْجنَّة فاسلكوا سبيلهم أَو يفتح الله عَلَيْكُم فَخَالف حَنش بن عبد الله الصَّنْعَانِيّ لما علم أَنه لَا طَاقَة للْمُسلمين بِمَا دهمهم من أَمر البربر وَرَأى أَن النجَاة بِمن مَعَه من الْمُسلمين أولى ونادى فِي النَّاس بالرحيل إِلَى مشرقهم فَاتَّبعُوهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَبَقِي زُهَيْر فِي أهل بَيته فاضطر إِلَى الْخُرُوج وَسَار إِلَى برقة فَأَقَامَ بهَا مطلا على الْمغرب ومنتظرا للمدد من الْخُلَفَاء
وَاجْتمعَ إِلَى كسيلة جَمِيع أهل الْمغرب من البربر والفرنجة وَعظم أمره وَتقدم إِلَى القيروان فاستولى عَلَيْهَا فِي الْمحرم سنة أَربع وَسِتِّينَ وفر مِنْهَا بَقِيَّة الْعَرَب فَلَحقُوا بزهير وَلم يقم بهَا إِلَّا أَصْحَاب الذَّرَارِي والأثقال فَأَمنَهُمْ كسيلة وَثبتت قدمه بالقيروان وَاسْتمرّ أَمِيرا على البربر وَمن بَقِي بهَا من الْعَرَب خمس سِنِين
وقارن ذَلِك مهلك يزِيد بن مُعَاوِيَة وفتنة الضَّحَّاك بن قيس مَعَ مَرْوَان ابْن الحكم بمرج راهط من أَرض الشَّام وحروب آل الزبير فاضطرب أَمر الْخلَافَة بالمشرق واضطرم الْمغرب نَارا وفشت الرِّدَّة فِي زناتة والبرانس إِلَى أَن اسْتَقل عبد الْملك بن مَرْوَان بالخلافة وأذهب آثَار الْفِتْنَة من الْمشرق فَالْتَفت إِلَى الْمغرب وتلافى أمره على مَا نذكرهُ