الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِرَارًا عَنْ الرِّبَا فَبَلْخٌ اعْتَادُوا الدَّيْنَ وَالْإِجَارَةَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ فِي الْكُرُومِ.
وَأَهْلُ بُخَارَى اعْتَادُوا الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا تُمْكِنُ فِي الْأَشْجَارِ فَاضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهَا وَفَاءً وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ.
وَقَدْ نَصَّ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا فِي الْعُقْدَةِ وَهِيَ وَالْوَفَاءُ وَاحِدٌ وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَعْرُوفُ بِبَدْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الرَّدِّ عِنْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ يَمْلِكُهُ انْتِفَاعًا فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ أَجَابُوا سِوَى عَلَاءِ الدِّينِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ إلَى الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ الْقَوْلُ السَّابِعُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَوْلَادُهُ وَمَشَايِخُ زَمَانِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَعْنِي لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ الْغَيْرِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ لَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَسُئِلَ الصَّدْرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ فَاسِدًا وَيُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْفَاسِدِ وَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ.
قَالَ هَذَا كَبَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَكَلَ الْمُشْتَرِي غَلَّةَ الْكَرْمِ وَالْأَرْضِ وَالدَّارِ قَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّوَائِدِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَغْرَمُ إنْ هَلَكَ كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ الْقَوْلُ الثَّامِنُ الْجَامِعُ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ وَصَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْبَيْعِ وَرَهْنٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ قَطْعَ الشَّجَرِ وَلَا هَدْمَ الْبِنَاءِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَانْقَسَمَ الثَّمَنُ إنْ دَخَلَهُ نُقْصَانٌ كَمَا فِي الرَّهْنِ.
قُلْتُ: هَذَا الْعَقْدُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ كَالزَّرَافَةِ فِيهَا صِفَةُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ وَالنَّمِرِ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَدَلَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا اهـ.
وَفِي الْمُسْتَطْرَفِ الزَّرَافَةُ حَيَوَانٌ عَجِيبُ الْخِلْقَةِ وَلَمَّا كَانَ مَأْلُوفَهَا الشَّجَرُ خَلَقَ اللَّهُ يَدَيْهَا أَطْوَلَ مِنْ رِجْلَيْهَا وَهِيَ أَلْوَانٌ عَجِيبَةٌ يُقَالُ إنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ ثَلَاثِ حَيَوَانَاتٍ النَّاقَةِ الْوَحْشِيَّةِ وَالضَّبُعِ وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ فَيَنْزُو الضَّبُعُ عَلَى النَّاقَةِ فَتَأْتِي بِذَكَرٍ فَيَنْزُو ذَلِكَ الذَّكَرُ عَلَى الْبَقَرَةِ فَتَتَوَلَّدُ مِنْهُ الزَّرَافَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خِلْقَةٌ بِذَاتِهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى كَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ وَقَدْ فَرَّعَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فُرُوعًا كَثِيرَةً يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ تَرَكْنَاهَا خَوْفًا مِنْ الْإِطَالَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَدَّمْنَا صِفَةَ انْعِقَادِهِ فِي الِابْتِدَاءِ إمَّا فَاسِدٌ أَوْ مَوْقُوفٌ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَمْ أَرَ ثَمَرَةً لِلِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ إذَا أَسْقَطَهُ قَبْلَ دُخُولِ الرَّابِعِ جَازَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَخَلَ تَقَرَّرَ فَسَادُهُ اتِّفَاقًا وَلَعَلَّ الثَّمَرَةَ تَظْهَرُ فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فَمَنْ قَالَ بِفَسَادِهِ أَثْبَتَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ نَفَاهُ.
(قَوْلُهُ وَ
خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)
لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ فَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ عَنْ مِلْكِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَهُمَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ بِخِيَارٍ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حُكْمٌ لِلْحَالِ وَالْخِيَارُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْحُكْمِ وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْأَصْلِ يَسْرِي إلَى الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ يَثْبُتُ فِي الزَّوَائِدِ اهـ.
يَعْنِي فَالْأَصْلُ وَإِنْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ إذَا أُجِيزَ الْبَيْعُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ تَدُورُ مَعَ الْأَصْلِ فَإِنْ أُجِيزَ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَحَدَثَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَكَذَا الْجَوَابُ وَإِنْ حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ لَهُ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ انْتَقَضَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ دَائِرَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَبَلْخٌ إلَخْ) هَكَذَا وُجِدَ بِعَامَّةِ النُّسَخِ مُكَرَّرًا مَعَ السَّابِقِ وَلَيْسَ تَكْرَارًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ دَعَا إلَيْهِ تَعْلِيلُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. مُصَحِّحُهُ
[خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ]
(قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ إلَخْ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ كَالْأَوْلَادِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي مَعَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَمَّ الْعَقْدُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَتَعَيُّبِهِ
مَعَ الْأَصْلِ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ إلَى الْبَائِعِ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بَطَلَ خِيَارُهُ لَا لَوْ سَلَّمَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُهُ اهـ.
وَقَالَ قَبْلَهُ بَاعَ بِخِيَارٍ فَوَهَبَ ثَمَنَهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ أَوْ أَبْرَأهُ عَنْ ثَمَنِهِ أَوْ شَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُشْتَرِي صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ اهـ.
وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ مِنْ الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَلَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ الْبَيْعَ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ مُبْطِلًا كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَفِيهَا أَيْضًا مِنْ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ لُزُومِ أَدَائِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُطْلَقِ عَنْهُ وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَدَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يَنْتَقِصُ الْبَيْعُ فِيهِ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ بِهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ أَجَازَهُ فَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى ابْنَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْبَائِعُ عَتَقَ الِابْنُ وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ اهـ.
فَعَدَمُ إرْثِهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ وَلَكِنْ عِتْقُهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنَادِ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَبِقَبْضِ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا بِيَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ الْبَدَلُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَالْقِيَمِيَّ هُوَ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي حُكْمِ الْمُشَبَّهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مَعَ بَقَائِهِ أَوْ بَعْدَمَا فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ فِيهَا فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ هَلَاكَهُ فِي يَدِهِ وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ لَهُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَيَاتُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَتِمُّ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْإِبَاقَ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْمَوْتَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نُقْصَانَهُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَاعَ أَرْضًا بِخِيَارٍ وَتَقَابَضَا فَنَقَضَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ حَبْسُهَا لِثَمَنٍ دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي فِي زِرَاعَتِهَا فَزَرَعَهَا تَصِيرُ الْأَرْضُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهَا مِنْهُ مَتَى شَاءَ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَسْبُهَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَعَهَا صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَى الْبَائِعِ اهـ.
وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْمُشَبَّهَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ بِأَنْ يُسَمَّى ثَمَنُهُ وَعِبَارَةُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بُيُوعِ الْعُيُونِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَالَ اذْهَبْ بِهَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ رَضِيتَهُ اشْتَرَيْتَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ لَا يُضْمَنُ وَإِنْ قَالَ إنْ رَضِيتَهُ اشْتَرَيْته
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَعَدَمُ إرْثِهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ الْمَارَّ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْإِكْسَابَ إلَخْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُعَيِّنُ كَوْنَهُ مُسْتَنِدًا وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الزَّوَائِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَنِدْ الْإِرْثُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا كَالْعِتْقِ إذْ سَبَبُهُ إنَّمَا هُوَ الْقَرَابَةُ فَتَدَبَّرْهُ.
بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْقُولَاتٍ فَتَحَرَّرَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ إنْ ذَكَرَ الثَّمَنَ حَالَةَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ هَذَا الثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ فَجَعَلَ ذِكْرَ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلضَّمَانِ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ إنْ رَضِيته أَخَذْته بِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشْرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ فِيهِ وَقَالَ فَلْيُعْتَنَ بِهَذَا التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قُلْتُ: هُوَ خَطَأٌ وَبَيَانُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ كَافٍ لِضَمَانِهِ.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَشْتَرِيَ فَأَعْطَاهُ الْبَائِعُ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ فَقَالَ هَذَا بِعَشَرَةٍ وَهَذَا بِعِشْرِينَ وَهَذَا بِثَلَاثِينَ فَاحْمِلْ الثِّيَابَ إلَى مَنْزِلِك فَأَيَّ ثَوْبٍ تَرْضَى بِعْتُهُ مِنْكَ فَحَمَلَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ هَلَكَتْ الْكُلُّ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الَّذِي هَلَكَ أَوَّلًا وَلَا الَّذِي بَعْدَهُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثُلُثَ كُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ عَرَفَ الْأَوَّلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالثَّوْبَانِ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ هَلَكَتْ الثَّوْبَانِ وَبَقِيَ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثَّالِثَ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَأَمَّا الثَّوْبَانِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيَّهَا هَلَكَ أَوَّلًا وَإِنْ هَلَكَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ ثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْهَالِكِ وَيَرُدُّ الثَّوْبَيْنِ وَإِنْ احْتَرَقَ الثَّوْبَانِ وَنَقَصَ الثَّالِثُ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهمَا احْتَرَقَ أَوَّلًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّالِثِ وَلَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَرْقِ بِقَدْرِهِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَيَانَ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يَكْفِي لِلضَّمَانِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اذْهَبْ بِهِ إنْ رَضِيَتْهُ اشْتَرَيْت فَذَهَبَ بِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ ضَمِنَ اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بِالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَإِنْ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ إنَّمَا قَالَ الْمُسَاوِمُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ أَمَانَةٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى إنَّمَا قَالَ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ وَهُوَ يُسَاوِمُهُ وَالْبَائِعُ يَقُولُ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَالَ الْبَائِع حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَاوَمَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ فَضَاعَ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِلنَّظَرِ وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَقَوْلُهُ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ لَا يُخْرِجُهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ الْبَائِعِ فَكَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِ لَا لَهُ نَعَمْ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَهُ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْتُ: وَنَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا رَجُلٌ يَبِيعُ سِلْعَةً فَقَالَ لِغَيْرِهِ اُنْظُرْ فِيهَا فَأَخَذَهَا لِيَنْظُرَ فِيهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ النَّاظِرُ بَعْدَمَا نَظَرَ بِكَمْ تَبِيعُ قَالُوا يَكُونُ ضَامِنًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا إذَا قَالَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِكَذَا. اهـ.
وَأَوَّلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِكَذَا لِيُوَافِقَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهُمْ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِبَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ وَهَذَا يُبْعِدُ مَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَدْرِ مُرَادَ الطَّرَسُوسِيِّ فَحَمَلَهُ عَلَى الْخَطَأِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدُهُمَا وَيَصْدُرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى مَا سَمَّى بَلْ جَعَلَهُ مُغَيًّا بِالنَّظَرِ وَأَعْرَضَ عَمَّا سَمَّى وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا وَحَكَمُوا بِالضَّمَانِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ الثَّانِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَمَنْ نَظَرَ عِبَارَةَ الطَّرَسُوسِيِّ وَجَدَهَا تُنَادِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ مَا يُنَادِي بِمَا ذَكَرَهُ بَلْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُسَاوِمُ فِي حَالَةِ الْمُسَاوِمَةِ ثَمَنًا أَوْ ذَكَرَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ يَكْتَفِي بِذَكَرِ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ لَكَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي قَوْلِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ أَوْ خُذْهُ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ وَضَاعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَقَدْ نَصُّوا فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَنَصُّوا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسَاوِمِ وَحْدَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ. اهـ.
وَبَعْدَ هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهُ الْمَبِيعَ صَارَ رَاضِيًا بِهَا فَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِهَا
عَنْ الضَّمَانِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا لِأَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى النَّظَرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ قَالَ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ هَاتِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَضَاعَ كَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذِهِ النُّقُولِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بَيْنَ بَيَانِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَقَدْ صَدَقَ خِتَامُ الْمُحَقِّقِينَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إنَّ الطَّرَسُوسِيَّ بَعِيدٌ عَنْ الْفِقْه ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا صَرِيحًا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَمِنْهَا نَقَلْت قَالَ لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ لَك بِعَشَرَةٍ فَقَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ فَضَاعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يَعْنِي يَهْلِكُ أَمَانَةً وَإِنْ قَالَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَمَرَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ لِيُرِيَهُ غَيْرَهُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْآخَرِ أَمَرَهُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ لِيَرْضَاهُ وَيَأْخُذَهُ وَذَلِكَ بَيْعٌ بِدُونِ الْأَمْرِ فَمَعَ الْأَمْرِ أَوْلَى. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيمَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ هَلَكَ فَمَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَمَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي. اهـ.
وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ وَأَمَّا مَقْبُوضُ الْوَكِيلِ بِالسَّوْمِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَرَاهُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْوَكِيلُ بِالْأَخْذِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَلِطَ وَسَلَّمَ غَيْرَ الْمَبِيعِ وَهَلَكَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ بَعَثَ رَسُولًا إلَى الْبَزَّازِ وَقَالَ ابْعَثْ إلَيَّ ثَوْبَ كَذَا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْبَزَّازَ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْآمِرِ وَتَصَادَقُوا عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ ثُمَّ إنْ كَانَ رَسُولَ الْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ رَسُولَ الْبَزَّازِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ إذَا وَصَلَ إلَى الْآمِرِ ضَمِنَ الْآمِرُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَأَمَّا فِي الْفَصْل الْآخَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَخَذَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَقَالَ أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ اشْتَرَيْتُهُ فَذَهَبَ بِهِ وَضَاعَ الثَّوْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى اهـ.
وَهَذَا بِالْقَوَاعِدِ أَمَسُّ مِمَّا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ أَنَّهُ فِي الثَّانِي يَكُونُ بَيْعًا اهـ.
(قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الطَّرَسُوسِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفَقُّهًا بَلْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالْمَبِيعِ دَلَالَةً حَمْلًا لِقَوْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَعَزَاهُ فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا إلَى الْمُنْتَقَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْقِيمَةُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ بِهَا الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَذَا هَذَا اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.
قُلْتُ: وَلَا يَرِدُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمُسَاوِمَ إذَا اسْتَهْلَكَ الثَّوْبَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَصَحَّ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ وَارِثِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ عَاقِدٍ فَقَوْل الْمُؤَلِّفِ وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ مَمْنُوعٌ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي آخُذُهُ بِعَشَرَةٍ فَذَهَبَ بِالثَّوْبِ وَهَلَكَهُ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ ثَمَنًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ صَارَ الْبَيْعُ بِالْمُسَمَّى دَلَالَةً حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت عَمَّا قُلْتُ: أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي رَضِيتُ انْتَقَضَ جِهَةُ الْبَيْعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَوْ انْتَقَضَ يَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا فَكَذَا هُنَا اهـ.
فَحَيْثُ انْتَفَضَ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُوَرِّثِ وَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَحْضَ أَمَانَةٍ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ اسْتِهْلَاكِ الْمُوَرِّثِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِضًا بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي إلَخْ وَأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَكُونُ كَاسْتِهْلَاكِ الْوَارِثِ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِمَا قُلْنَا
وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَى آخَرَ وَقَالَ أَرْسَلَ إلَيَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَأَرْسَلَ مَعَهُ فَالْآمِرُ ضَامِنٌ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ رَسُولُهُ فَإِنْ بَعَثَهُ مَعَ غَيْرِ رَسُولِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ وَكَذَا الدَّائِنُ إذَا بَعَثَ رَسُولًا لِقَبْضِ دَيْنِهِ فَبَعَثَ مَعَهُ وَضَاعَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الدَّائِنِ وَإِنْ مَعَ الْآخَرِ لَا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا بُيِّنَ ثَمَنُهُ مَضْمُونٌ وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِبَاع قَوْسًا وَتَقَرَّرَ الثَّمَنُ فَمَدَّهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَالَ لَهُ إنْ انْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك فَمَدَّهُ وَانْكَسَرَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّرْ الثَّمَنُ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ بَاطِلٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَرَاهُ الدِّرْهَمَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَغَمَزَهُ أَوْ قَوْسًا فَمَدَّهُ فَانْكَسَرَ أَوْ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْغَمْزِ وَالْمَدِّ وَاللُّبْسِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يُرَى إلَّا بِالْغَمْزِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمَا سَاوَمَ كَمَقْبُوضٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُنَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنْ الْقَرْضِ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ يَعْنِي لَوْ قَبَضَ أَمَةَ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَالْمَهْرُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ مَضْمُونٌ وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَيْنٍ أَوْ خَالَعَهَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ اهـ ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وَلَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَفَ وَقَالَ إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بِخِيَارٍ لَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَيَكُونُ إمْضَاءً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّ بَائِعَ الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي قَوْلِهِمْ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ جَازَ وَيَكُونُ إسْقَاطًا لِلْخِيَارِ وَيَتِمُّ وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهِمَا وَيَغْرَمُ قِيمَةَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَمَا قُبِضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ آخِرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَبْلَهُ فَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَا قَبَضَ نَكِرَةٌ بِمَعْنَى رَهْنٍ (قَوْلُهُ وَمَا قَبَضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ لَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى قِيَاسًا عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعِبَارَةُ يَقْتَضِي الضَّمَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَعَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ.
وَكَذَا الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا سَمَّى مَا يَرْهَنُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي فَرْقٌ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ وَبَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالْمُقَدَّرُ شَرْعًا مُسَمًّى شَرْعًا وَالْمُسَمَّى شَرْعًا مُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ صَحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ لَا ثَمَنَ كَانَ بَاطِلًا اعْتِبَارًا لِلتَّسْمِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَهْرِ وَلِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونًا سَوَاءٌ سَمَّى الْمَهْرَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُسَمًّى شَرْعًا فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَمَا يَرْهَنُ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهَا اهـ.
وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا لَمْ يَظْهَرْ لِي هَذَا الْفَرْقُ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ إذَا سُمِّيَ الثَّمَنُ فَيَهْلِكُ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ هُوَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلِمَا سُمِّيَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ وَأَمَّا الْمَهْرُ وَإِنْ كَانَ مُسَمًّى شَرْعًا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْمُتْعَةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ فَلَا تُوجِبُ تَسْمِيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا دَخْلَ لِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ التَّأَمُّلِ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْبَيْعِ الْمَالَ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِ الثَّمَنِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا دَفَعَهُ لِلْمُسْتَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالْمُسْتَامُ إنَّمَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا سَمَّى ثَمَنًا فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَتَى بَيَّنَ ثَمَنًا يَكُونُ الِاسْتِيَامُ أَخْذًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ وَسِيلَةَ الْعَقْدِ فَأُلْحِقَ بِحَقِيقَةِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَصَارَ الْقَابِضُ مُلْتَزِمًا لِلْعِوَضِ وَعِوَضُهُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْقِيمَةُ مَا لَمْ يَصْطَلِحَا وَيَتَّفِقَا عَلَى الْمُسَمَّى.
وَصَرَّحَ فِي الدُّرَرِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ بِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَمَتَى لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنًا لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَذَا فِي
الْجَارِيَةِ وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْجَارِيَةِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْعَكَسَتْ الْأَحْكَام اهـ.
وَقَالَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ رُبَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبَهُ فَيَفُوتُ النَّظَرُ وَأُورِدَ عَلَى قَوْلِهِ لُزُومُ السَّائِبَةِ وَرُدَّ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي لَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ وَلَا عُلْقَةَ مِلْكٍ وَالْعُلْقَةُ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَأُورِدَ أَيْضًا اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِمَا بِيعَ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مِلْكِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْمِلْكِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِهَا تَصَرُّفًا بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْبَيْعَ يَنْبَرِمُ فِي ضِمْنِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَيَثْبُتُ مُقْتَضًى تَصْحِيحًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي دَلِيلِهِمَا وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ مَعْنَاهُ فِي بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمُعَاوَضَاتِ فَانْدَفَعَ عَنْهُمَا مَا أُورِدَ مِنْ شِرَاءِ مُتَوَلِّي أَمْرِ الْكَعْبَةِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِخِدْمَتِهَا وَعَبْدُ الْوَقْفِ إذَا ضَعُفَ وَبِيعَ وَاشْتَرَى بِبَدَلِهِ آخَرَ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَوْقَافِ.
وَكَذَا لَا تَرِدُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ خُيِّرَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ فَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ أَجَازَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَخُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَجَنَى فِي يَدِهِ فِي مُدَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ وَلَا يَكُونُ وُجُودُ الْقَتِيلِ عَيْبًا فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا عَيْبٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مَعْنَاهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ إذَا غُصِبَ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَابُ السَّلَمِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مَلَكَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي الْمُعَاوَضَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَأُورِدَ الْمَنَافِعُ وَالْأُجْرَةُ الْمُعَجَّلَةُ مَلَكَهُمَا الْمُؤَجِّرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَلَا مِلْكَ لَهَا وَإِذَا حَدَثَتْ مَلَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ مَوْقُوفَةٌ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ فَسَخَ لِلْبَائِعِ اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَوْ رَهَنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا جَازَ الرَّهْنُ بِهِ اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ. اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَيْضًا قُلْتُ: الْإِبْرَاءُ يَعْتَمِدُ الدَّيْنَ وَلَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالرَّهْنُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ وُجُودُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
ــ
[منحة الخالق]
الْحَوَاشِي الْحَمَوِيَّةِ مِنْ النِّكَاحِ أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ الْفَرْقِ إنَّمَا هُوَ فِي جَانِبِ الْبَيْعِ وَأَمَّا فِي جَانِبِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ مَعَ أَنَّهُ مَحَلُّ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْ كَلَامِهِ فَائِدَةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ أَيْضًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ وَقَوْلُهُ قُلْتُ: إلَخْ جَوَابٌ عَنْهُ.