المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل تقليد من شاء من المجتهدين للإفتاء] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٦

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ]

- ‌[تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ]

- ‌خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)

- ‌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ

- ‌ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ

- ‌[أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ]

- ‌[شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ]

- ‌ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ]

- ‌[اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا]

- ‌(بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)

- ‌[يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ]

- ‌ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ

- ‌[لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا

- ‌[مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ]

- ‌[السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ]

- ‌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ

- ‌ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

- ‌[اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا]

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة]

- ‌[صِفَة الْإِقَالَة]

- ‌[حُكْمُ الْإِقَالَة]

- ‌[رُكْنُ الْإِقَالَة]

- ‌[مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا]

- ‌[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ)

- ‌[شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌[عِلَّةُ الرِّبَا]

- ‌ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ

- ‌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌ بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ)

- ‌(بَابُ الْحُقُوقِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي السَّمَكِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ]

- ‌[أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم]

- ‌ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا

- ‌[اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً]

- ‌[أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ]

- ‌ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ)

- ‌[بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع]

- ‌(فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا

- ‌[بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ]

- ‌ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا

- ‌ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا)

- ‌ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

- ‌[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]

- ‌ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ

- ‌[الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ]

- ‌ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ

- ‌ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

- ‌لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)

- ‌[يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ]

- ‌ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ)

- ‌(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌ أَهْلُ الْقَضَاءِ

- ‌[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

- ‌[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

- ‌[أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ]

- ‌الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا

- ‌[فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

- ‌ طَلَبَ الْقَضَاءَ

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]

- ‌[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

الفصل: ‌[فصل تقليد من شاء من المجتهدين للإفتاء]

ثُمَّ أَقْرَعَ نَعَمْ يَجِبُ تَقْدِيمُ نِسَاءٍ وَمُسَافِرِينَ تَهَيَّئُوا أَوْ تَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ إلَّا إنْ ظَهَرَ تَضَرُّرُ غَيْرِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ الْإِخْوَةِ فَصَّلَ فِي جَوَابِهِ ابْنُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ عَوْلٌ قَالَ الثُّمُنُ عَائِلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَسْقُطُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ بَيَّنَهُ وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْفَتْوَى الصَّحِيحَةِ إنْ عَرَفَ أَنَّهَا لِأَهْلِ الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَنَحْوُهُ، وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَيَخْتَصِرُ، وَإِنْ جَهِلَ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فَلَهُ أَمْرُهُ بِإِبْدَاءٍ لَهَا فَإِنْ تَعَسَّرَ أَجَابَ بِلِسَانِهِ، وَإِنْ عُدِمَ الْمُفْتِي فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهَا وَلَا مَنْ يَنْقُلُ لَهُ حُكْمَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بِشَيْءٍ يُصِيبُهُ إذْ لَا تَكْلِيفَ (فَرْعٌ)

أَفْتَاهُ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الْعَمَلِ كَفَّ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ فِرَاقُهَا كَمَا فِي الْقِبْلَةِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَدْ خَالَفَ دَلِيلًا قَاطِعًا نَقَضَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي يُقَلِّدُ الْإِمَامَ فَنَصُّ إمَامِهِ وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادِيًّا فِي حَقِّهِ كَالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، وَعَلَى الْمُفْتِي إعْلَامُهُ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ وَجَبَ النَّقْضُ، وَإِنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ لَا يَغْرَمُ وَلَوْ كَانَ أَهْلًا اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ) .

وَإِنْ دُوِّنَتْ الْمَذَاهِبُ كَالْيَوْمِ وَلَهُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبِهِ لَكِنْ لَا يَتَّبِعُ الرُّخَصَ فَإِنْ تَتَبَّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ فَهَلْ يَفْسُقُ وَجْهَانِ اهـ.

قَالَ الشَّارِحُ أَوْجَهُهُمَا لَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ عَقَدَ فِي أَوَّلِ التَّتَارْخَانِيَّة فَصْلَيْنِ فِي الْفَتْوَى حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَا تَحِلُّ الْفَتْوَى إلَّا لِمُجْتَهِدٍ وَمُحَمَّدٌ جَوَّزَهَا إذَا كَانَ صَوَابُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَعَنْ الْإِسْكَافِ أَنَّ الْأَعْلَمَ بِالْبَلَدِ لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِفْتَاءِ مَاشِيًا جَوَّزَهُ الْبَعْضُ، وَمَنَعَهُ آخَرُ وَاخْتَارَ الْإِسْكَافُ أَنْ يُفْتِيَ إنْ كَانَ شَيْئًا ظَاهِرًا وَإِلَّا لَا، وَكَانَ ابْنُ سَلَامٍ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي وَقَالَ جِئْت مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَقُولُ

فَلَا نَحْنُ نَادَيْنَاكَ مِنْ حَيْثُ جِئْتنَا

وَلَا نَحْنُ عَمَّيْنَا عَلَيْكَ الْمَذَاهِبَا

وَلَكِنْ اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَإِنْ أَلَحَّ أَجَابَهُ بِذَلِكَ، وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْهُدَى تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ خُيِّرَ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إلَّا إذَا اصْطَلَحَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْآخَرِ فَيَتَّبِعُهُمْ كَمَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ.

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَخَذَ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مُجْتَهِدًا بِرَأْيِهِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ وُجُوهَ الْفِقْهِ، وَيُشَاوِرُ أَهْلَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ الْمَهْجُورِ لِجَرِّ مَنْفَعَةٍ وَلَا يَرْجُو عَلَيْهِ دُنْيَا، وَرَدَّ مُفْتٍ زِرًّا عَلَى خَيَّاطٍ مُسْتَفْتٍ وَقَلَعَهُ مِنْ ثَوْبِهِ تَحَرُّرًا عَنْ شُبْهَةِ الرِّشْوَةِ، وَمِنْ شَرَائِطِهَا حِفْظُهُ التَّرْتِيبَ وَالْعَدْلَ بَيْنَ الْمُسْتَفْتِينَ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَالْأُمَرَاءِ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ السَّابِقِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَرَقَةَ بِالْحُرْمَةِ وَيَقْرَأَ الْمَسْأَلَةَ بِالْبَصِيرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ السُّؤَالُ، ثُمَّ يُجِيبُ وَإِذَا لَمْ يَتَّضِحْ السُّؤَالُ سَأَلَ مَنْ الْمُسْتَفْتِي وَلَا يَرْمِي بِالْكَاغَدِ إلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ الرُّقْعَةَ مِنْ يَدِ امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ، وَكَانَ لَهُ تِلْمِيذٌ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُهَا وَيَرْفَعُهَا فَيَكْتُبُهَا تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ، وَالْأَحْسَنُ أَخْذُ الْمُفْتِي مِنْ كُلِّ أَحَدٍ تَوَاضُعًا، وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاقِفًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ مُجَانِبًا لِلشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَالْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ يَتَّبِعُ قَوْلَ الْأَفْقَهِ مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَعُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَقِبَ جَوَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ نَحْوَهُ وَقِيلَ فِي الْعَقَائِدِ يَكْتُبُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَنَحْوُهُ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْإِفْتَاءَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِلْأَهْلِ، وَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ إلَّا لِمَنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ، وَعَرَفَ مِنْ أَيْنَ قَالُوا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لَا يَخْتَارُ قَوْلًا

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

فَصْلٌ فِي التَّقْلِيدِ) .

ص: 292

يُجِيبُ بِهِ حَتَّى يَعْرِفَ حُجَّتَهُ وَيَنْبَغِي السُّؤَالُ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا تَحَرَّى. اهـ.

وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ لِلْمَشَايِخِ الْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مَعَ أَنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ؟ قُلْتُ: قَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَمْ أَرَ فِيهِ جَوَابًا إلَّا مَا فَهِمْته الْآنَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا حَتَّى نُقِلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ هَذَا سَبَبُ مُخَالَفَةِ عِصَامٍ لِلْإِمَامِ، وَكَانَ يُفْتِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الدَّلِيلَ، وَكَانَ يَظْهَرُ لَهُ دَلِيلٌ غَيْرُهُ فَيُفْتِيَ بِهِ فَأَقُولُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيُكْتَفَى بِالْحِفْظِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَحِلُّ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بَلْ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَمَا صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَقَدْ صَحَّحُوا أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فَيَنْتِجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا الْإِفْتَاءُ وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى دَلِيلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَوَاضِعِ الرَّدِّ عَلَى الْمَشَايِخِ فِي الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا لِضَعْفِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ الْأَحْوَطَ وَفِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي آخِرِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهَا.

ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ هُوَ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنَّظَرِ فِيهِ فَعَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ نَقَلُوا عَنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَلَامُهُ هُنَا مُوهِمٌ أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيُّ عَنْ الْمَشَايِخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ الْإِفْتَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قَالَ) اعْتَرَضَهُ الْمُحَشِّي الرَّمْلِيُّ فَقَالَ هَذَا مُضَادٌّ لِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا إذْ هُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْإِفْتَاءِ لِغَيْرِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِهِ فَنَقُولُ مَا يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ لَيْسَ بِإِفْتَاءٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ قَائِلٌ بِكَذَا وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَلْحَظِ تَجُوزُ حِكَايَةُ قَوْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا نَحْكِي فَتْوَاهُمْ لَا غَيْرُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

قُلْتُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ أَبُو جَعْفَرٍ بَعْدَمَا بَيَّنَ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْضِيَ بِالنَّاسِ إلَّا مَنْ كَانَ هَكَذَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، قَالَ إلَّا أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ قَدْ سَمِعَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَاكٍ مَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاوِي فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّاوِي مِنْ النَّقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ فَيَحْكِي مَا يَحْفَظُ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ اهـ.

فَقَوْلُهُ فَيَحْكِي مَا يَحْفَظُ إلَخْ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ الْتِزَامِ حِكَايَةِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَا عَمِلَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُخْتَارِ، وَأَنْتَ تَرَى أَصْحَابَ الْمُتُونِ الْمُعْتَمَدَةِ قَدْ يَمْشُونَ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَإِذَا أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِفَقْدِ الدَّلِيلِ فِي حَقِّهِمْ فَنَحْنُ نَتَّبِعُهُمْ إذْ هُمْ أَعْلَمُ، وَكَيْفَ يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ فَقَدَ الشَّرْطَ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمَشَايِخِ فَهَلْ تَرَاهُمْ ارْتَكَبُوا مُنْكَرًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْصَافَ الَّذِي يَقْبَلُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي زَمَانِنَا يَنْقُلُ مَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِذَا تَرْجِيحُ الْمَشَايِخِ دَلِيلَهُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى دَلِيلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيُجِيبُونَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مُخَالِفُهُ وَهَذَا أَمَارَةُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْفَتْوَى عَلَيْهِ إذْ التَّرْجِيحُ كَصَرِيحِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ طَائِحٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِالرَّاجِحِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْدِلُ الْمُفْتِي وَلَا الْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرَجِّحْ فِيهَا قَوْلَ غَيْرِهِ، وَرَجَّحُوا فِيهَا دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى دَلِيلِهِ فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَاضٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ الِانْتِقَاضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ أَيْضًا فِي صَدْرِ شَرْحِهِ عَلَى التَّنْوِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّصْحِيحِ قُلْتُ: يَعْمَلُ بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا مِنْ اعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ وَمَا هُوَ إلَّا رِفْقٌ، وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ التَّعَامُلُ وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ مِمَّنْ يُمَيِّزُ هَذَا حَقِيقَةً لَا ظَنًّا وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَنْ يَرْجِعَ لِمَنْ يُمَيِّزُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ هُوَ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ) الِاسْتِدْرَاكُ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَعْدِلُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا لِضَعْفِ دَلِيلِهِ يَعْنِي أَنَّ مِثْلَ الْمُحَقِّقِ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَأَمَّا مِثْلُنَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا.

ص: 293

الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ هُنَا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا مُمَيِّزًا بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى مَا لَمْ يَصِرْ صَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوَابَ مَتَى كَثُرَ فَقَدْ غَلَبَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَغْلُوبِ بِمُقَابَلَةِ الْغَالِبِ فَإِنَّ أُمُورَ الشَّرْعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَقَدْ سُئِلَ مَتَى يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ وَيَلِيَ الْقَضَاءَ؟ قَالَ: إذَا كَانَ بَصِيرًا بِالْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ عَارِفًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ أَمَّا بَعْدَ التَّقَرُّرِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّقْلِيدُ اهـ.

وَمِنْ الْعَجَبِ مَا سَمِعْتُ مِنْ بَعْضِ حَنَفِيَّةِ عَصْرِنَا حِينَ تَكَلَّمْتُ قَدِيمًا مَعَهُ فِيهَا إنْ قَالَ لَمَّا أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِشَيْءٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ فَقُلْتُ إنَّهُ خَطَأٌ لِأَنَّهُمْ يُبَيِّنُونَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ زُفَرَ، وَسَمِعْتُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ الْكُلُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْتُ نَعَمْ لَكِنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ لِمَا قَرَّرُوهُ فِي الْأُصُولِ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ صُدُورِ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ مُجْتَهِدٍ، وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ قَوْلًا لَهُ كَمَا ذَكَرُوهُ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ التَّقْلِيدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) كَيْ لَا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مُبَاشَرَةِ الظُّلْمِ، وَهُنَا نُسْخَتَانِ التَّقْلِيدُ أَيْ النَّصْبُ مِنْ السُّلْطَانِ، وَالتَّقَلُّدُ أَيْ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الْأَوْلَى، وَالْحَيْفُ بِمَعْنَى الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ مِنْ حَافَ عَلَيْهِ يَحِيفُ إذَا جَارَ وَخَوْفُ عَدَمِ إقَامَةِ الْعَدْلِ لِعَجْزِهِ كَخَوْفِ الْجَوْرِ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ أَوْ الْعَجْزَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْوُقُوعُ فِي مَحْظُورِهِ حِينَئِذٍ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنْ انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ، وَيَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ السُّلْطَانَ فَصْلُ الْقَضَايَا وَفِي الْبَلَدِ قَوْمٌ صَالِحُونَ لَهُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ هَلْ يَفْسُقُ الْمُمْتَنِعُ الظَّاهِرُ نَعَمْ لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لِلْمُمْتَنِعِ فِي الْغَالِبِ تَأْوِيلًا، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْفِسْقِ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ هَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ الْمُنْحَصِرُ فِيهِ الظَّاهِرُ جَوَازُ جَبْرِهِ عَلَى الْقَبُولِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ، وَكَذَا جَوَازُ جَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ وَغَيْرُ الْمُتَأَهِّلِ كَالْمَعْدُومِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمِنَهُ لَا) أَيْ إنْ أَمِنَ الْحَيْفَ لَمْ يُكْرَهْ التَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِكَوْنِ الدُّخُولِ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْنِ رُخْصَةً فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ أَوْ عَزِيمَةً فَالْأَوْلَى الدُّخُولُ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ التَّقَلُّدَ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكَ عَزِيمَةٌ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَحَامَى مِنْهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ أَصْلَحُ دِينًا وَدُنْيَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ أَمِنَ أُبِيحَ رُخْصَةً وَالتَّرْكُ هُوَ الْعَزِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمِنَ فَالْغَالِبُ خَطَأٌ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْمُتَأَهِّلِ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ لَكِنْ رُخْصَةٌ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ خَوْفِ الْعَجْزِ أَوْ الْحَيْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا عِنْدَ غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُورُ فِي الْحُكْمِ وَمُبَاحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ أَمَّا غَيْرُ الْأَهْلِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ قَطْعًا، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا خَافَ الْجَوْرَ مَعَ التَّعَيُّنِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي النِّكَاحِ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْقَبُولُ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دُعِيَ لِلْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى حُبِسَ وَجُلِدَ كُلَّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَقَلَّدْتَ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ. فَنَظَرَ إلَيْهِ شِبْهَ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: لَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَقْطَعَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً لَكُنْتَ أَقْدَرَ عَلَيْهِ فَكَأَنِّي بِكَ قَاضِيًا، نَكَّسَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ بَعْدُ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ، قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ إلَخْ) . قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ الْحَاكِمُ: إمَّا الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكِّمُ أَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلسَّلْطَنَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ جِنْسٌ آخَرُ، وَفِي النَّوَازِلِ السُّلْطَانُ إذَا حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يَنْفُذُ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يَنْفُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ.

ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَظَهَرَ ضَعْفُ الرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ حَجَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ جَوَازُ جَبْرِهِ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ خَافَ الْجَوْرَ مَعَ التَّعَيُّنِ) قَدْ ذَكَرَ

ص: 294

كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ، لِذَا لَمْ يَقْبَلْ، بِهِ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَبُولُ إلَّا لِمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلِذَا ضُرِبَ الْإِمَامُ أَيَّامًا وَقُيِّدَ بِضْعًا وَخَمْسِينَ، امْتَنَعَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَبُولِ، مَاتَ عَلَى الْإِبَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ رِوَايَاتٌ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَكْرَهَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى الْقَضَاءِ وَأَبَى حَبَسَهُ وَضَرَبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ فِي الْحَبْسِ مَبْطُونًا.

الثَّانِيَةُ أَنَّهُ حُبِسَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا، ثُمَّ أُخْرِجَ وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَمُنِعَ مِنْ الْجُلُوسِ لِلنَّاسِ إلَى أَنْ مَاتَ. الثَّالِثَةُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَجَزُوا مِنْهُ قَتَلُوهُ بِالسُّمِّ. الرَّابِعَةُ أَنَّهُ طِيفَ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ. الْخَامِسَةُ أَنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالسُّمِّ سَجَدَ فَخَرَجَتْ رُوحُهُ سَاجِدًا سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ أَنَّهُ جِيءَ بِجِنَازَتِهِ فَازْدَحَمَ النَّاسُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى دَفْنِهِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ عَلَى قَبْرِهِ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَحُزِرَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ خَمْسُونَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِالسُّمِّ، وَقِيلَ قَبْلَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ بَرِّ الْمَنْصُورِ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ تُرِكَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَاقِعَةَ الْمَنْصُورِ مَعَهُ هِيَ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ، وَالْأُولَى أَكْرَهُهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالِي الْكُوفَةِ عَلَى قَضَائِهَا، وَضَرَبَهُ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَحَبَسَهُ فَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ بِإِطْلَاقِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ الْمَوْلَى لِلْقُضَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ أَوْ السُّلْطَانُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي الْأَمِيرُ الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً، وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّعِيَّةِ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْإِمَارَةُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَيَعْزِلَ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْأَمْوَالَ فَقَطْ، وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الْأَصْلِ وَمَاتَ الْقَاضِي لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَنْصِبَ قَاضِيًا، وَإِنْ وَلِيَ عُشْرَهَا وَخَرَاجَهَا وَإِنْ حَكَمَ الْأَمِيرُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْمَوْلَى بِكِتَابِ الْخَلِيفَةِ إلَيْهِ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إمْضَاءً لِقَضَائِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّوْلِيَةَ لِلْقَضَاءِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ عَبْدًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَيُشْتَرَطُ لِلسُّلْطَانِ الْمُوَلِّي لِلْقُضَاةِ الْبُلُوغُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَاتَ السُّلْطَانُ وَاتَّفَقَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى سَلْطَنَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ أُمُورَ التَّقْلِيدِ إلَى وَالٍ، وَيَعُدُّ هَذَا الْوَالِي نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَان لِشَرَفِهِ، وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الِابْنُ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِذْنِ وَالْجُمُعَةِ لِمَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي إذَا بَلَغَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا النَّصْرَانِيُّ إذَا اُسْتُؤْمِرَ وَفِي الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَوْلِيَةِ وَاحِدٍ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَّوْا سُلْطَانًا بَعْدَ مَوْتِ سُلْطَانِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْهَا أَيْضًا، وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَلَوْ قَالَ السُّلْطَانُ وَلَّيْتُ عَالِمًا أَوْ أَحَدَ هَذَيْنِ أَوْ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَوْ قَالَ السُّلْطَانُ لِلْوَالِي قَلِّدْ مَنْ شِئْتَ يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ قَلِّدْ أَحَدًا لَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ وَكِّلْ مَنْ شِئْتَ يَصِحُّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا. اهـ.

وَالتَّوْلِيَةُ لِلْقَاضِي إمَّا بِالْمُشَافَهَةِ لِلْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ بَلْدَةِ كَذَا أَوْ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ بِإِرْسَالِ ثِقَةٍ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ بِكِتَابٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ كَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ فِي دِيَارِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَلِّيَ لَا يُوَاجِهُهُمْ بِالتَّقْلِيدِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ الْمَنْشُورَ وَيَكْتُبُ فِي كُلِّ فَصْلٍ عَادَةً مَنْ تَقَدَّمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ الْمُقَدَّمُ وَلَوْ مَحَاهُ بَعْدَهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ كَتَبَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ مَحَى الْمُبْطِلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ.

وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ قَبُولُهُ لَهَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ رَدِّهِ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ الرَّدَّ كَالْوَكَالَةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ فَرَدَّهُ مُشَافَهَةً، ثُمَّ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَعَثَ إلَيْهِ مَنْشُورًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ فَرَدَّهُ، ثُمَّ قَبِلَ إنْ قَبِلَ قَبْلَ بُلُوغِ الرَّدِّ إلَى السُّلْطَانِ يَصِحُّ الْقَبُولُ لَا بَعْدَ بُلُوغِ الرَّدِّ إلَيْهِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِرَدِّ الْوَكَالَةِ ثُمَّ يَقْبَلُ وَكَذَا إذَا كَتَبَتْ الْمَرْأَةُ إلَى رَجُلٍ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ فَبَلَغَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ قَبِلَ

ــ

[منحة الخالق]

حُكْمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِذَا انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَخْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا يَدْفَعُ التَّوَقُّفَ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ تَأَمَّلْ

ص: 295

وَالرِّسَالَةُ كَالْكِتَابَةِ. اهـ.

وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا مَجْمُوعًا مَا يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ، وَقَدْ جَمَعْتُهُ مِنْ مَوَاضِعِهِ فَيَمْلِكُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحُكْمِ، وَيَمْلِكُ حَبْسَ الْمُمْتَنِعِ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْزِيرٌ وَرَأَى حَبْسَهُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ، وَيَمْلِكُ إقَامَةَ التَّعَازِيرِ مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا طَلَبِ أَحَدٍ وَمَا كَانَ حَقَّ عَبْدٍ بِطَلَبِهِ، وَيَمْلِكُ إقَامَةَ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِهَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ أَنَّهَا إلَى الْإِمَامِ، وَأُمَرَاءُ الْأَمْصَارِ دُونَ أُمَرَاءِ السَّوَادِ وَعُمَّالُ الْخَرَاجِ فِي الرَّسَاتِيقِ اهـ.

وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْيَتَامَى وَالْأَيْتَامِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهُمْ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي هَذِهِ تَوْلِيَتُهُ لَهُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَيَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ بِالْإِذْنِ الصَّرِيحِ أَوْ بِقَوْلِهِ جَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُ وَيَمْلِكُ وِلَايَةَ أَمْوَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ مِمَّنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ وَلِيٌّ فَلَا إلَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ كَانَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا فَلَهُ مَنْعُهُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ، وَيَمْلِكُ وِلَايَةَ الْوُقُوفِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي وَقْفِهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَيَبْحَثُ عَنْ وُلَاتِهَا فَيَعْزِلُ الْخَائِنَ عَنْهَا وَلَوْ كَانَ ابْنَ الْوَاقِفِ وَيُحَاسِبُهُمْ وَيُحَلِّفُ مَنْ يَتَّهِمُهُ مِنْهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَلَهُ نَصْبُ الْأَوْصِيَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ التَّاسِعِ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ.

قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْوَصِيَّ فِي مَوَاضِعَ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مَهْرًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ امْتِنَاعِ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ مِنْ الْبَيْعِ لِلْقَضَاءِ أَوْ وَصِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً فَيَنْصِبُهُ الْقَاضِي لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ أَوْ لِحِفْظِ مَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا لِمَالِ الصَّغِيرِ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِحِفْظِ مَالِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عَيْبٍ نَصَّبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّهُ الْأَبُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الْخَصَّافُ نَصْبَ الْوَصِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَهُ وَارِثٌ كَبِيرٌ غَائِبًا بِانْقِطَاعِهِ عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا يَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا لَا يَنْصِبُ، وَكَذَا يَنْصِبُ وَصِيًّا عَلَى الصَّغِيرِ عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهِ، وَاحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْأَبِ مُنْقَطِعَةً وَإِلَّا فَلَا وَيَنْصِبُ وَصِيًّا عَنْ الْمَفْقُودِ لِحِفْظِ حُقُوقِهِ وَلَا يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ اهـ.

فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ يَمْلِكُ فِيهَا نَصْبَ الْوَصِيِّ، ثُمَّ رَأَيْتُ ثَامِنًا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَصَمَّ أَعْمَى أَخْرَسَ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا، وَيَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِالْخُصُومَةِ مَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ أَوْ وَصِيُّهُمَا اهـ.

قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا يَلِي النَّصْبَ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ وَيَنْصِبُ عَدْلًا أَمِينًا كَافِيًا لَا غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ، وَيُثْبِتُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ كَوْنُهُ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي لَا التَّرِكَةِ، وَفِي الْوَقْفِ كَوْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ هَكَذَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ عَلَى الْمَدْيُونِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَجْرِ، وَلَهُ وِلَايَةُ إقْرَاضِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَوِلَايَةُ إقْرَاضِ مَالِ الْغَائِبِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ التَّلَفَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُ الْغَائِبِ فَإِذَا عُلِمَ مَكَانُهُ بَعَثَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ دَلَّ هَذَا عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَا يُنْصَبُ عَلَى الْغَائِبِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ غَائِبًا، وَيَكْتُبُ فِي نُسْخَةِ الْوِصَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَوَارِثُهُ غَائِبٌ مُدَّةَ السَّفَرِ اهـ.

وَوَفَّقَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ بِإِمْكَانِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَلَمْ تَكُنْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً وَعَلَى مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ قَالَ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ وَتَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ لَهُ إقْرَاضَ مَالِ الْغَائِبِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت ثَامِنًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ مَاتَ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَادَّعَى إنْسَانٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ نَصَبَ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يُخَاصِمَ الْغَرِيمَ لَيَصِلَ إلَى حَقِّهِ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي الْمَنْسُوبِ إلَى صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ وَصِيًّا يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ غَائِبًا فِي رِوَايَةٍ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ إلَخْ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ اشْتِرَاطُ حُضُورِ الصَّبِيِّ عِنْدَ الْقَاضِي فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِلُزُومِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَفِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ نَصْبِ الْوَصِيِّ كَوْنُ الْيَتِيمِ أَوْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي إذَا نَصَبَ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ أَيْتَامٍ وَهُمْ فِي وِلَايَتِهِ وَالتَّرِكَةُ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ وَالْأَيْتَامُ لَمْ يَكُونُوا فِي وِلَايَتِهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَالْبَعْضُ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَكُونُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ أَيْنَمَا كَانَتْ التَّرِكَةُ، وَكَانَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ يَصِيرُ وَصِيًّا وَمَا لَا فَلَا أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ فَصْلِ النَّصْبِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ دَلَّ هَذَا عَلَى

ص: 296