المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في أحكام البيع الفاسد] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٦

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ]

- ‌[تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ]

- ‌خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)

- ‌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ

- ‌ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ

- ‌[أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ]

- ‌[شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ]

- ‌ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ]

- ‌[اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا]

- ‌(بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)

- ‌[يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ]

- ‌ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ

- ‌[لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا

- ‌[مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ]

- ‌[السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ]

- ‌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ

- ‌ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

- ‌[اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا]

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة]

- ‌[صِفَة الْإِقَالَة]

- ‌[حُكْمُ الْإِقَالَة]

- ‌[رُكْنُ الْإِقَالَة]

- ‌[مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا]

- ‌[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ)

- ‌[شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌[عِلَّةُ الرِّبَا]

- ‌ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ

- ‌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌ بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ)

- ‌(بَابُ الْحُقُوقِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي السَّمَكِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ]

- ‌[أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم]

- ‌ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا

- ‌[اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً]

- ‌[أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ]

- ‌ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ)

- ‌[بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع]

- ‌(فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا

- ‌[بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ]

- ‌ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا

- ‌ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا)

- ‌ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

- ‌[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]

- ‌ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ

- ‌[الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ]

- ‌ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ

- ‌ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

- ‌لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)

- ‌[يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ]

- ‌ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ)

- ‌(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌ أَهْلُ الْقَضَاءِ

- ‌[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

- ‌[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

- ‌[أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ]

- ‌الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا

- ‌[فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

- ‌ طَلَبَ الْقَضَاءَ

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]

- ‌[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

الفصل: ‌[فصل في أحكام البيع الفاسد]

بَيْعُهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَوْ بِقَضَاءِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيْعَ الْوُقُوفِ يَجُوزُ، وَيَشْتَرِي بِبَدَلِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْوَقْفُ كَالْحُرِّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمُجَوِّزَةِ لِبَيْعِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَدَّمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِفَسْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ، وَكُلُّ مَنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا تُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ، وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ إنَّمَا الْمَحْظُورَةُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَابِهِ بِالْقُبْحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَشَيْءٌ آخَرُ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبُ هُوَ الْقِيمَةُ، وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمِّنًا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذِكْرِ الْقَبْضِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي.

وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي بَابِ قَبْضِ الْمَبِيعِ أَنَّهَا قَبْضٌ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ قَبْضَ الْوَكِيلِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ صَحِيحٌ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْضِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اهـ.

وَخَرَجَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا مِلْكَ لَهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَبْضَ الْحُكْمِيَّ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَمَرَ الْبَائِعَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَحَّ عِتْقُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ حَيْثُ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْآمِرُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي الْأُصُولِ، وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدٌ أَوْ بَاعَ كَذَلِكَ فَالْقَبْضُ لَا يَكْفِي، وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) .

(قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَوْ كَانَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ، وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ مُخَرَّجًا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهَا حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ إلَخْ) قَدْ مَرَّ فِي أَمْرِ الذِّمِّيِّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرُ نَظِيرُهَا (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَبَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا) صَوَابُ الْعِبَارَةِ إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاعَ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ كَذَلِكَ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَيَسْتَعْمِلَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْ بَيْعِ الْهَازِلِ مَالٌ فَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ فَاسِدًا لَكِنَّهُ يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَاطِلٌ أَيْ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ فِي عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَاسِدُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَنَوْعٌ لَا يُفِيدُهُ.

ثُمَّ رَأَيْتُ فِي قَاضِي خَانْ التَّصْرِيحَ بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ التَّلْجِئَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَسْتَحْلِفُ الْآخَرُ، وَصُورَةُ التَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنِّي أَبِيعُ دَارِي مِنْكَ بِكَذَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ تَلْجِئَةٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَبِيعُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهَذَا الْبَيْعُ يَكُونُ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْهَازِلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ التَّلْجِئَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ، وَلَا يُشْبِهُ الْمُشْتَرَى مِنْ الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا اهـ.

مِنْ الْغَزِّيِّ، وَفِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ أَنَّ

ص: 99

الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْفَاسِدِ، وَفِي آخِرِ الْقُنْيَةِ مِنْ الْوَصَايَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَقَمَ آخَرُ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ اهـ.

أَقُولُ: يَنْبَغِي لَأَنْ يَجْرِيَ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوطِ اسْتِبْدَالُهُ أَوْ الْخَرَابِ الَّذِي جَازَ اسْتِبْدَالُهُ إذَا بِيعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي فِيهِمَا لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ، وَقَيَّدَ بِأَمْرِ الْبَائِعِ أَيْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ بِلَا إذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ، وَالْإِذْنُ دُونَ الرِّضَا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِذْنَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَسُكُوتُهُ عِنْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ إذْنٌ دَلَالَةً لِكَوْنِ الْبَيْعِ تَسْلِيطًا مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ إذْ مُرَادُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ بِتَسْلِيطٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِدُونِهِ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَهُوَ مِمَّا يَمْلِكُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إذْنًا بِالْقَبْضِ دَلَالَةً، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَبِيعِ عَمَلًا يُنْقِصُهُ أَوْ لَا يَنْقُصُهُ كَالْقِصَارَةِ وَالْغُسْلِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَمَا كَانَ يَنْقُصُهُ فَهُوَ قَبْضٌ، وَمَا لَا فَلَا، وَلِلْبَائِعِ الْأُجْرَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ لَا. اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بُرًّا فَخَلَطَهُ الْبَائِعُ بِطَعَامِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَارَ قَابِضًا وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ لِيَخْرُجَ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ، وَكُلُّ بَيْعٍ بَاطِلٍ كَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاطِلَ خَرَجَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ الْبَاطِلَةِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْفَاسِدِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَصَرَّحَ بِمَا يُخْرِجُهَا فَإِذَا بَاعَ عَرْضًا بِخَمْرٍ أَوْ بِمُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ مَلَكَ الْعَرْضَ بِالْقَبْضِ لَا مَا قَابَلَهُ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْفَسَادَ، وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَذَكَرَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُقَالُ إنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ حُكْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْمَالِيَّةِ فِي الْعِوَضَيْنِ اهـ.

كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي قَوْلِهِ مَلَكَ الْبَيْعَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ دُونَ الْعَيْنِ، وَهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ.

وَمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَهْلِ بَلْخٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْمُشْتَرِيَ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ صَحَّ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ قَطَعَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَهَذِهِ كُلُّهَا ثَمَرَاتُ الْمِلْكِ، وَبِدَلِيلِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

بَيْعَ الْهَازِلِ بَاطِلٌ. اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ إشْكَالِهِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالًا لَكِنْ لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا ذَكَرَا مِنْ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ مَعَ الْهَزْلِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُوجَدَا، وَإِنَّمَا جَازَ إذَا جَعَلَاهُ جَائِزًا بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ جَعْلِهِ إنْشَاءً، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْهَزْلِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُودَ الْبَيْعِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ لَكِنْ ذَكَرُوا فِي التَّلْجِئَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْبُطْلَانَ، وَقَالُوا فِيهِ إنَّهُ هَزْلٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّلْجِئَةِ وَالْهَزْلِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَفِي الصِّحَّةِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالْأَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِهِ أَيْ بِالْإِيجَابِ (قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: هَذَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْفَاسِدُ أَعَمُّ عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَذَا الْعَقْدِ لِإِخْرَاجِ الْبَاطِلِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَجَدَهُ كَالصَّرِيحِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ يَعْنِي لِيَظْهَرَ تَحَقُّقُهُ فَإِنَّ الْفَاسِدَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْبَاطِلِ أَيْضًا، وَهَذَا طِبْقُ مَا فَهِمْتُهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَاطِلِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إذْ الْبَاطِلُ إنَّمَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ كَمَا قَدْ عَلِمْتَ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مِنْ أَفْرَادِ الْبَاطِلِ مَا لَا يَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ هَذَا الْقَيْدِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ هَذَا الْفَرْدَ مِنْ الْبَاطِلِ يَكُونُ فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

قُلْتُ: وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَالًا مُطْلَقًا فَإِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ مَالِيَّتَهُمَا

ص: 100

عَلَى الْبَائِعِ إذَا رُدَّتْ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لَمْ تَجِبْ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَقَطْ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيَّ يَتِيمٍ بَاعَ عَبْدَهُ فَاسِدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيطِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ عَدَمِ حِلِّ أَكْلِهِ لَوْ كَانَ طَعَامًا، وَعَدَمِ حِلِّ لُبْسِهِ لَوْ كَانَ قَمِيصًا، وَعَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً، وَاسْتَبْرَأَهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ الْعُقْرُ إذَا فَسَخَ، وَعَدَمِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِشَفِيعِهَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحِلِّ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَمْلُوكٌ، وَلَا يَحِلُّ، وَالْأُخْتُ رَضَاعًا إذَا مَلَكَهَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّهِ لَا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ، وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ.

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ خِلَافًا فِي حُرْمَةِ وَطْئِهَا فَقِيلَ يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ الثَّمَنَ بِشَرْطِ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَبِيعِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَبِلَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا عُقْرُهَا، وَقِيلَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا، وَقِيمَتُهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ تَصَرُّفٍ تَجْرِي فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ تَحِلَّ الْمُبَاشَرَةُ كَعَصِيرٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا مُبَاشَرَتُهُ نَحْوُ أَكْلِهِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ إعْتَاقُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ بَاطِلٌ، وَبِحَضْرَتِهِ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ فَسْخًا. اهـ.

وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ إعْتَاقَهُ بَاطِلٌ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بَاعَ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ. اهـ.

وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي فَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي يَصِحُّ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ.

أَقُولُ: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ بِسَرِقَةِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْقَطْعَ يَقْتَضِي أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا شُبْهَةَ، وَقَوْلُهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا لِلْبَائِعِ يَقْتَضِي بَقَاءَ مِلْكِهِ أَوْ شُبْهَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ الْبَائِعُ لِلشُّبْهَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِ الْحَدَّادِيِّ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ نَقْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَهُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي قُطِعَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَقَيَّدَ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمِلْكَ فِي الصَّحِيحِ فَكَذَا فِي الْفَاسِدِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُ الْمَبِيعِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمِثْلِهِ، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْقِيَمِيِّ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَمَّا رَتَّبَ الْقِيمَةَ عَلَى الْقَبْضِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مِلْكُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَلَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَالْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ يَتَقَرَّرُ كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْقِنِّ ثُمَّ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَرِئَ إذْ الْقِيمَةُ تَجِبُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فَقَبْلَهُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ أَمَّا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الْقِنِّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبَ عَنْ الْقِيمَةِ حَالَ قِيَامِ الْمَغْصُوبِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَغْصُوبِ صَحَّ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَهَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِ الْأَصْحَابِ، وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إذَا هَلَكَ اهـ.

وَأَمَّا إيدَاعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَبَضَ الْكِرْبَاسَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِهِ، وَقَطَعَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْهُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي نُقْصَانُ الْقَطْعِ، وَفِيهَا، وَكُلُّ مَبِيعٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ، وَوَقَعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ. اهـ.

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ وَكِيلُ الْبَائِعِ بَرِئَ الْمُشْتَرِي إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ إلَخْ) أَسْقَطَ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهْمُ الْحُكْمِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ هَكَذَا، وَلَوْ قِنًّا فَتَقَابَضَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْقِنُّ يَلْزَمُ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْقِنِّ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ إذَا هَلَكَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْهَلَاكِ هُنَا الْهَلَاكُ حَقِيقَةً أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْإِصْرَارُ بِالْبَائِعِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ مَعَ التَّعَذُّرِ، وَأَمْرُهُ بِالتَّرَبُّصِ إلَى الْهَلَاكِ مُنَافٍ لِلشَّرْعِ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ إمَّا بِالْهَلَاكِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ

ص: 101

إلَى الْبَائِعِ بِرَهْنٍ، وَكَذَا فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ بِأَنْ غَصَبَ قِنًّا فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ شَرَاهُ غَاصِبُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَاصِبِهِ، وَلَا لِمَالِكِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ شَرَاهُ بِدَرَاهِمَ فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهُ بِدَنَانِيرَ مِنْ بَائِعِهِ يَكُونُ فَسْخًا إذَا قَبَضَ لَا قَبْلَهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِجِهَةٍ إذَا وَصَلَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ بِجِهَةٍ أُخْرَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ، وَاصِلًا بِجِهَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَلَا حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فَاسِدًا إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ أَوْ بَاعَهُ فَوَهَبَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَسَلَّمَهُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ قِيمَتِهِ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْعَيْنُ، وَاصِلًا إلَى الْبَائِعِ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِمَا وَصَلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَالْمَهْرُ لَوْ عَيْنًا فَوَهَبَتْهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا، وَهُوَ وَهَبَهُ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِزَوْجِهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَيْهَا، وَلَوْ وَهَبَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ) أَيْ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى لِأَنَّ رَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةَ الْفَسْخِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ لَزِمَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِكُلٍّ ذَلِكَ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لَا بِرِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ كَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ عِلْمَ الْآخَرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْآدَمِيِّ أَنْ يَفْسَخَهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِمْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي الْقُنْيَةِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، وَلَا الْقِيمَةُ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ سَلَّامٍ بِأَنْ يَكُونَ فَسَادُ الْبَيْعِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِقَبُولِهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ سَلَّامٍ أَشْبَهُ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَفَسْخِ الْإِجَارَةِ لِلْعُذْرِ اهـ.

وَفِيهَا تَبَايَعَا فَاسِدًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِوَرَثَتِهِ النَّقْضُ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ مِنْهُ صَحِيحًا ثُمَّ بَاعَهُ فَاسِدًا مِنْهُ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِهِ فَكَذَا لَوْ كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسِدًا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ صَحِيحًا اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَالَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وِلَايَةِ الْفَسْخِ فَوَقَعَ تَعْلِيلُهُ أَخَصَّ مِنْ دَعْوَاهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى، وَمِنْهُ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وَكَانَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَعَلَّلَ بِمَا سَمِعْت، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ التَّعْلِيلُ أَخَصَّ مِنْ الدَّعْوَى، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ هَذَا الْجَعْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُرِيدَ بَيَانَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْفَسْخِ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ سَاكِتًا عَنْ إفَادَةِ وُجُوبِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْجَعْلِ يَكُونُ كَلَامًا مُفِيدًا لِلشَّيْئَيْنِ إذْ الْوُجُوبُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ الشَّرْطُ إلَخْ) أَصْلُهُ لِابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ بَقِيَ هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ لِشَرْطٍ زَائِدٍ، وَمَنْ لَهُ الشَّرْطُ غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ، وَيَنْتَظِمُهُ تَصْوِيرُ قَاضِي خَانْ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوَاهُ. اهـ.

وَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِذَا فَسَخَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ يَتَمَكَّنُ كُلٌّ مِنْ فَسْخِهِ. اهـ.

وَهَذَا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْمَنْفَعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْفَسْخِ بِالْمُتَعَاقِدِينَ اهـ.

(قَوْلُهُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلٍ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الضَّمَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ مَا نَصُّهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا جَاءَ بِالْمَبِيعِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ فَأَعَادَهُ الْمُشْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ثُمَّ حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا فِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ فَسَادُ الْبَيْعِ غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَجَاءَ بِهِ إلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ فَأَعَادَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا غَصْبًا مُبْتَدَأً. اهـ.

وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ تَصْحِيحَ قَاضِي خَانْ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهَا، وَأَنَّ قَاضِيَ خَانْ، وَصَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَحَّحَا أَنَّهَا قَبْضٌ

ص: 102

ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَاعَ فَاسِدًا، وَسَلَّمَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ، وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، وَقَبَضَهُ، وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْقَبْضِ فِي الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ، وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِقَبْضِ الثَّانِي ثُمَّ قَالَ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِيَّتِهِ اهـ.

ثُمَّ قَالَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لِلْقَاضِي فَسْخَ الْفَاسِدِ جَبْرًا عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِذَا أَصَرَّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى إمْسَاكِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا، وَعَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لَهُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَبِأَيِّ طَرِيقَةٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ صَارَ تَارِكًا لِلْمَبِيعِ، وَبَرِئَ عَنْ ضَمَانِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، وَإِنَّمَا نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنَقْضِ الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ.

وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ، وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ أَرَادَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحَ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَوْ لَا، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى بَيْعِهِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يَقْبَلُ فَلِلْبَائِعِ الْأَخْذُ لَا لَوْ صَدَّقَهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ. اهـ.

وَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِقَضَاءٍ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ لَمْ يَقْضِ بِقِيمَتِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَعُودُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، وَسَيَأْتِي فِي الضَّابِطِ، وَقَيَّدَ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ، وَقَبْضِهِ، وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَالْقَبْضِ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ، وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِقَبْضِ الثَّانِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِهِ بِالْبَيْعِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى لَوْ بَاعَهُ لِبَائِعِهِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا، وَفَسْخًا لِلْبَيْعِ، وَالثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي كُلَّهَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ.

كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجَرِ فَاسِدًا أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ إجَارَةً صَحِيحَةً اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ إلَى آخِرِهِ، وَقِيلَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ كَمُشْتَرٍ فَاسِدٍ لَهُ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ نَقْضُ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ (قَوْلُهُ أَوْ يَهَبَ) يَعْنِي إذَا وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي ارْتَفَعَ الْفَسَادُ، وَلَا يُفْسَخُ لَمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ، وَشَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ التَّسْلِيمَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ كَفَكِّ رَهْنٍ وَرُجُوعِ هِبَةٍ، وَعَجْزِ مُكَاتَبٍ وَرَدِّ مَبِيعٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِقَضَاءٍ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ لَمْ يَقْضِ بِقِيمَةٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبْ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ. اهـ.

وَلَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَطِيبُ لِمَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَيْهِ لِكَوْنِ الثَّانِي مَلَكَهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، وَأَخَذَ مَالَ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ طِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ، وَيَفْنَى بِالرَّدِّ، وَيَقْضِي لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ، وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) سَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَيَّدَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ شَاهِينَ بِمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الْحَجْرِ اهـ.

فَإِنْ قُلْتُ: إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ جِهَةَ الْمَيِّتِ حَتَّى يَكُونَ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِيهِ قُلْتُ: يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى دُونَ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ تَمَامِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ اهـ.

(قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ صَوَابُهُ لَا يَحِلُّ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مِنْهُ ذَلِكَ جَازَ الشِّرَاءُ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَإِنَّ فَسَادَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهُ

ص: 103

كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.

(قَوْلُهُ أَوْ يُحَرِّرُ) أَيْ يَعْتِقُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَتَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ كَهُوَ مِنْ التَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِالِاسْتِيلَادِ فَقَالَ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَصَرَّحَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ بِالْكِتَابَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّدْبِيرِ، وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ.

وَأَشَارَ بِالتَّحْرِيرِ إلَى الْوَقْفِ، وَلَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلَوْ وَقَفَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَا لَمْ يُبِنْ اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ كَالتَّحْرِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ أَمَّا إذَا قَضَى بِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِلُزُومِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَبَعًا لِلْعِمَادِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ فِي أَحْكَامِ الْأَوْقَافِ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا وَوَقَفَهَا وَقْفًا صَحِيحًا، وَجَعَلَ آخِرَهَا لِلْمَسَاكِينِ فَقَالَ الْوَقْفُ فِيهَا جَائِزٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا حِينَ وَقَفَهَا، وَأَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَفَاتَهُ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَيَمْنَعُ حَقَّ الرَّدِّ فَإِذَا فَكَّ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَادَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَفَاتَهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ فَإِذَا وَصَّى بِهِ الْمُشْتَرِيَ ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لِوَارِثِهِ الْفَسْخُ، وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالُوا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا الْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ فَلَا يَمْنَعَانِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ فِيهِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ، وَلَكِنْ إذَا رُدَّتْ الْجَارِيَةُ إلَى الْبَائِعِ، وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ، وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ. اهـ.

وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ لَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَدْ انْعَدَمَ مِثْلُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا هُنَا وُجُوبُ الرَّدِّ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ مِلْكِهِمْ، وَلِغَدْرِ الْأَمَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فَلِهَذَا يُفْتِي بِالرَّدِّ كَمَا يُفْتِي بِهِ الْبَائِعُ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَقَالَ بَعْدَهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ بَعْدَمَا أَفْتَى بِهِ، وَأَوْرَدَ بَيْعَهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَرَادَ بَيْعَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْقَبْضِ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا نَفَذَ فِيهِ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا اهـ.

وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمَّا وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا تَمَكَّنَ فِيهِ الْخُبْثُ فَلَمْ يَطِبْ لَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَلِذَا طَابَ لَهُ، وَإِنْ شِرَاؤُهُ مَكْرُوهًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّدْبِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: قَدْ رَأَيْته، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ قَالَ فِي السِّرَاجِ مَا لَفْظُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ دَبَّرَهُ صَحَّ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً اسْتَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ، وَلَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَرُدُّ الْعُقْرَ، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، وَلَمْ تُعَلَّقْ مِنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ، وَالْعُقْرَ. اهـ.

(قَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْفُصُولِ رِوَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَإِذَا زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ فَاسِدًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الرَّقَبَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ مِلْكُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ مَعَ الِاسْتِرْدَادِ النِّكَاحَ قَائِمٌ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْبَائِعُ نَعَمْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَهُ مَنْعُهَا، وَعَدَمُ تَبْوِئَتِهَا مَعَهُ بَيْتًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ظَفِرَ بِهَا لَهُ وَطْؤُهَا. اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ، وَمِثْلِهِ فِي الْمُجْتَبَى حَيْثُ قَالَ إلَّا الْإِجَارَةَ وَتَزَوُّجَ الْجَارِيَةِ لَكِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالِاسْتِرْدَادِ دُونَ النِّكَاحِ اهـ.

وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ، وَأَخَذَهَا الْبَائِعُ مَعَ مَا نَقَصَهَا التَّزْوِيجُ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْ النُّقْصَانِ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نُقْصَانَ تَزْوِيجٍ، وَلَكِنْ ابْيَضَّتْ إحْدَى عَيْنَيْهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ، وَعَادَ إلَى الْحَالِ الْأُولَى فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا اهـ.

فَفِيهِ مَعَ إفَادَةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَائِدَةٌ أُخْرَى فَهَذِهِ نُصُوصُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُوَافِقَةٌ لِمَا قَالَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَبِيعَةُ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ أَعَمُّ

ص: 104

مِنْ الْأَصْلِ مَعْنًى فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا اهـ.

إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْ يَظْهَرَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ يَبْنِي) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ عَنْهُ يَعْقُوبَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّهُ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ، وَتُرَدُّ الدَّارُ، وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ، وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ الدَّوَامَ، وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ جِهَةَ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ، وَلِهَذَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي، وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ، وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ إلَّا الْبِنَاءَ قَالُوا مَتَى فَعَلَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَا إذَا زَادَ الْمَبِيعُ أَوْ نَقَصَ إلَّا الزِّيَادَةَ بِالْبِنَاءِ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ فَاسِدًا لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا مُتَّصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ كَصِبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي لَا بِدُونِهِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الْمُتَوَلِّدَةُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الزَّوَائِدِ، وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ فَلَهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ، وَلَا تَطِيبُ لَهُ، وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَهْلَكَهَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُمَاثِلُهَا زَوَائِدُ الْغَصْبِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الزَّوَائِدُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْغَصْبِ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَقَطْ، وَأَمَّا حُكْمُ نُقْصَانِهِ فَلَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَكَذَا لَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعِ، وَلَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْغَصْبِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمَبِيعَ عَنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْمَنْعُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَاتَ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ أَوْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَاسِدًا أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا، وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَ، وَمَا ارْتَهَنَ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ اعْتِبَارًا لِلْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا.

وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُسْتَقْرِضُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا لِلْبَائِعِ، وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ قَالُوا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ عَبْدًا بِدَيْنٍ سَابِقٍ لَهُ عَلَيْهِ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبَضَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَوْ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجِيِّ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَلَامَ السِّرَاجِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُفِيدِ لِلْمِلْكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ إلَخْ فَقَيَّدَ انْتِقَاضَهُ مِنْ الْأَصْلِ بِمَا إذَا انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْتَقِضُ مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى مِنَحِ الْغَفَّارِ الْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا عَقَدَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ بِإِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَلَئِنْ كَانَ كَلَامُ السِّرَاجِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ فَاسِدَ الْبَيْعِ كَجَائِزِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ مِنْ الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الْمُتَوَلِّدَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ بِأَنْ هَلَكَتْ الْمُتَوَلِّدَةُ لَا الْمَبِيعُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الزِّيَادَةَ ضَمِنَهَا، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا حُكْمُ نُقْصَانِهِ فَلَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، وَأَبَى الْبَائِعُ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ؟ الْجَوَابُ أَنَّهُ يُجْبَرُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حِينَئِذٍ لَوْ قَطَعَ ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا، وَلَمْ يَخِطْهُ حَتَّى أَوْدَعَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ يَضْمَنُ نَقْصَ الْقَطْعِ لَا قِيمَتَهُ لِوُصُولِهِ إلَى رَبِّهِ إلَّا قَدْرَ نَقْصِهِ فَوَقَعَ عَنْ الرَّدِّ الْمُسْتَحَقِّ قَالَ هَذَا التَّعْلِيلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ إذْ لَوْ بَطَلَ لَمَا كَانَ الرَّدُّ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ اهـ. فَهُوَ كَمَا تَرَى نَاطِقٌ بِمَا أَجَبْنَا.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) الْعِبَارَةُ

ص: 105

الْحَبْسُ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ الْفَاسِدُ لَوْ كَانَ بِدَيْنٍ سَابِقٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُضِيفَ لِلدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْمِلْكُ فِي الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِذَا وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ الدَّيْنِ صَارَ الثَّمَنُ قِصَاصًا لِاسْتِوَائِهِمَا قَدْرًا، وَوَصْفًا فَيَصِيرُ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا ثَمَنَهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَاعْتُبِرَ بِمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً، وَثُمَّ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا هَذَا، وَفِي الْفَاسِدِ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَنَ بَلْ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَالْقِيمَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُقَرَّرَةٍ لِاحْتِمَالِهَا السُّقُوطَ كُلَّ سَاعَةٍ بِالْفَسْخِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ، وَدَيْنُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مُقَرَّرٌ، وَالْمُقَاصَصَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْوَاجِبَيْنِ وَصْفًا.

وَلِذَا لَا تَجِبُ الْمُقَاصَصَةُ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَصَةُ لَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا الثَّمَنَ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا بِأَنْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا، وَرَهَنَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرًا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَالْكُلُّ مِنْ الْكَافِي شَرْحِ الْوَافِي، وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ كَانَ دَرَاهِمَ، وَهِيَ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَطَابَ لِلْبَائِعٍ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي) أَيْ طَالَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَهُ فِي ثَمَنِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي رِبْحُ الْمَبِيعِ فَلَا يَتَصَدَّقُ الْأَوَّلُ، وَيَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ فَتَمَكَّنَ الْخَبِيثُ فِيهِ، وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ مَا رَبِحَهُ الْغَاصِبُ، وَالْمُودَعُ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ لَهُ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْخُبْثَ فِي الْأَوَّلِ لِفَسَادِ الْمِلْكِ، وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِهِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً، وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ تَبَعًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ النَّقْدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

مَقْلُوبَةٌ، وَالصَّوَابُ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ) هُنَا سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ، وَالْعِبَارَةُ فِي الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَهُ هَكَذَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهَا، وَقَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَبْدَ ثُمَّ فَسَخَ الْمُؤَجِّرُ الْإِجَارَةَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ يَعْنِي لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا نُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ شَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ فَاسِدًا فَفَسَخَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ أَجَرَ مِنْ دَائِنِهِ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَائِزًا ثُمَّ فَسَخَ فَلَهُ الْحَبْسُ لِدَيْنِهِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخُبْثَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْفَاسِدِ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ فِي الْغَصْبِ، وَتَوْضِيحُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَعِبَارَةُ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ الْكَمَالِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، وَالْخُبْثُ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَالثَّانِي لِفَسَادِ الْمِلْكِ فَالْخُبْثُ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْخُبْثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الْخُبْثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخُبْثِ، وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا جَرَمَ انْعَدَمَ الطَّيِّبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَالْخُبْثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ يُوَرِّثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ الْخُبْثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَيُوَرِّثُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا تَصَدَّقَ الَّذِي أَخَذَ الْمَبِيعَ بِالرِّبْحِ، وَلَمْ يَتَصَدَّقْ الَّذِي أَخَذَ الثَّمَنَ بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ تَعْيِينِ النَّقْدِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ رِوَايَةَ التَّعْيِينِ هِيَ الْأَصَحُّ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا رَبِحَ غَيْرَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْوَاقِعَ فِي الْكِتَابِ هُوَ صَرِيحُ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْفَاسِدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ شَبَهَيْنِ شَبَهًا بِالْغَصْبِ، وَشَبَهًا بِالْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً اعْتَبَرَ شُبْهَةَ الْغَصْبِ سَعْيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا يَعْتَبِرُ شُبْهَةَ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى بَدَلِهِ قَالَ يَعْقُوبْ بَاشَا هَذَا التَّوْفِيقُ إنَّمَا يُفِيدُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِالتَّعْيِينِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ التَّعْيِينُ فِي صُورَةِ كَوْنِهَا قَائِمَةً لَا تَعْيِينُهَا مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فِي الْفَاسِدِ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ اهـ.

وَعِبَارَتُهُ فِي الْعِنَايَةِ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى

ص: 106

النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ يُخَالِفُهُ فَإِنْ اُعْتُبِرَ تَصْحِيحُ التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ عَلَى الْبَائِعِ، وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ مِنْ الشَّارِحِينَ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مُنَافَاةٌ بَيْنَهُمَا فَقَالُوا فِيمَا مَضَى إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ رَدِّ غَيْرِ مَا أَخَذَهُ، وَقَالُوا هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَهُ فَهُوَ مُتَعَيَّنٌ مِنْ جِهَةِ فَسَادِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ، وَغَيْرُ مُتَعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فَاسِدَ الْمُعَاوَضَاتِ كَصَحِيحِهَا فَاعْتَبَرُوا الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فِي لُزُومِ رَدِّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ، وَالثَّانِي فِي حِلِّ رِبْحِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ لِدَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْقَامُوسِ غَلَّةُ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهَا إيَّاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ طَابَ لَهُ رِبْحُهُ) أَيْ مَا رَبِحَهُ فِي الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْجَارِيَةُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَبَطَلَ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ فَبَاعَهُ عِنْدَ الْغَيْرِ بِالدَّيْنِ فَقَبَضَهُ الْحَالِفُ، وَفَارَقَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ، وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ لِأَنَّ الْمَدِينَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ بَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَدَلًا عَمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ مَلَكَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ دَعْوَاهُ الدَّيْنُ مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ. اهـ.

وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ وُجُوبُهُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا زَعْمُ الْمُدَّعِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ، وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا، وَبَاعَهُ بِدَيْنِهِ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ النَّجْشُ) شُرُوعٌ فِي مَكْرُوهَاتِ الْبَيْعِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَهَذِهِ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ بَحَثَ هُنَا بَحْثًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ تَرَكْتُهُ عَمْدًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَبِيحٌ فَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ أَفَادَ بُطْلَانَهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِوَصْفٍ كَبَيْعِ الرِّبَا وَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَفَادَ فَسَادَهُ، وَإِنْ كَانَ لِمُجَاوِرٍ كَهَذِهِ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ أَفَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ، وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَنْ تُسَامَ السِّلْعَةُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَرَاك الْآخَرُ فَيَقَعُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَأَصْلُهُ مِنْ نَجْشِ الصَّيْدِ، وَهُوَ إثَارَتُهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْقَامُوسِ النَّجْشُ أَنْ تُوَاطِئَ رَجُلًا إذَا أَرَادَ بَيْعًا أَنْ تَمْدَحَهُ أَوْ أَنْ يُرِيدَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَبِيعَ بِيَاعَةً فَتُسَاوِمُهُ بِهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لِيَنْظُرَ إلَيْكَ نَاظِرٌ فَيَقَعَ فِيهَا أَوْ أَنْ تُنَفِّرَ النَّاسَ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِثَارَةُ الصَّيْدِ، وَالْبَحْثُ عَنْ الشَّيْءِ وَإِثَارَتُهُ وَالْجَمْعُ وَالِاسْتِخْرَاجُ وَالْإِنْقَاذُ وَالْإِسْرَاعُ كَالنِّجَاشَةِ بِالْكَسْرِ. اهـ.

وَحَدِيثُ النَّهْيِ لَا تَنَاجَشُوا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَيَّدَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ.

(قَوْلُهُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) لِلْحَدِيثِ «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنٍ فِي الْمُسَاوَمَةِ فَإِذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي

ــ

[منحة الخالق]

الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبَ أَوْ ثَمَنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ فِي الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إلَخْ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَخَذَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَ يَعْقُوبْ بَاشَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ. اهـ.

وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي السَّعِيدِيَّةِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ قَبْلَ إطْلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَأَنَا فِي عَجَبٍ عَجِيبٍ مِنْ فَهْمِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ التَّنَاقُضَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ مَعَ ظُهُورِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّقُودِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً صَحِيحًا بِمَا قَبَضَهُ فِي الْفَاسِدِ إذَا رَبِحَ فَقَدْ رَبِحَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ ذَلِكَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُهُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا بِإِرْثٍ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيلَهُ أَوْفَاهُ لِأَبِيهِ فَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ حِينَئِذٍ فَيَطِيبُ لَهُ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ، وَأَقَرَّهُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ

ص: 107

النِّكَاحِ أَيْضًا، وَفِي الْقَامُوسِ السَّوْمُ فِي الْمُبَايَعَةِ كَالسُّوَامِ بِالضَّمِّ سُمْت السِّلْعَةَ، وَسَاوَمْت بِالسِّلْعَةِ وَاسْتَمْت بِهَا، وَعَلَيْهَا غَالَيْت، وَاسْتَمْته إيَّاهَا، وَعَلَيْهَا سَأَلْته سَوْمَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَقُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا، وَلِلْمُتَلَقَّى صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ، وَثَانِيهَا أَنْ يُشْتَرَى مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ، وَمَحْمَلُ النَّهْيِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَبَسَ أَمَّا إذَا انْتَفَيَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ جَلَبَ الشَّيْءَ جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ جَلْبًا وَالْجَلَبُ الْمَجْلُوبُ، وَمِنْهُ نُهِيَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ، وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَطَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ، وَفَسَّرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنْ يَجْلُبَ الْبَادِي السِّلْعَةَ فَيَأْخُذُهَا الْحَاضِرُ لِيَبِيعَهَا لَهُ بَعْدَ وَقْتٍ بِأَغْلَى مِنْ السِّعْرِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْجَلْبِ اهـ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحَاضِرُ مَالِكٌ بَائِعٌ، وَالْبَادِي مُشْتَرٍ، وَعَلَى الثَّانِي الْحَاضِرُ سِمْسَارٌ، وَالْبَادِي صَاحِبُ السِّلْعَةِ، وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي آخِرُ الْحَدِيثِ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا» ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا التَّفْسِيرُ أَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ، وَعَلَى هَذَا فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ صُورَةُ النَّهْيِ بَلْ تَفْسِيرٌ لِضِدِّهَا، وَهِيَ الْجَائِزَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّمْسَارِ، وَتَعَرُّضِهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ نُكْتَةِ نَهْيِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَالَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَنَهَى عَنْهُ بِالسِّمْسَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَفِي الْهِدَايَةِ كُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَبَايَعَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ إلَيْهَا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُشْكِلٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فَمَنْ جَوَّزَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا، وَهُوَ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ لَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِضْرَارِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ» ، وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «، وَوَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا قَالَ أَدْرِكْ أَدْرِكْ، وَيُرْوَى اُرْدُدْ اُرْدُدْ» ، وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ، وَالْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ، وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلِذَا قَيَّدَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَيْ الْمُحَرَّمِ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ، وَإِلَّا يُرَدُّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ رَحِمٌ مُحَرَّمٌ، وَلَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ، وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ، وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمِنْ التَّفْرِيقِ بِحَقٍّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَعْرَابًا قَدِمُوا الْكُوفَةِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَمْتَارُوا مِنْهَا، وَيَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَمْنَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلْدَةِ يَمْنَعُونَ عَنْ الشِّرَاءِ لِلْحُكْرَةِ فَهَذَا أَوْلَى اهـ مِنْ الْغَزِّيِّ قَوْلُهُ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا» كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا «يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْفَتْحِ يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِدُونِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ وَقَعَ لِشَارِحٍ أَنَّهُ زَادَ فِي غَفَلَاتِهِمْ، وَنَسَبَهُ

ص: 108

ذِمِّيٌّ لَهُ عَبْدٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَوَلَدُهُ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَابْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ اهـ.

وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّفْرِيقُ بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ تَدْبِيرِهِ أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ أَوْ كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّ مُرَادَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذْ لَوْ مَنَعَ عَنْ الْكُلِّ لَصَارَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ رَأْسًا، وَكَذَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ صَغِيرٌ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا هُوَ مَظِنَّةُ الضَّيَاعِ وَالِاسْتِيحَاشِ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الثَّالِثِ، وَفِي الْكِفَايَةِ اجْتَمَعَ لَهُ عَدَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ كَالْعَمِّ وَالْخَالِ أَوْ اتَّحَدَتْ كَخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَتَوَحَّشُ بِفِرَاقِ الْكُلِّ، وَالصَّحِيحُ فِي الْمُذْهَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الصَّغِيرِ أَبَوَاهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ أَوْ أَخٌ أَوْ أُمٌّ، وَعَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ أَخٌ جَازَ بَيْعُ مَنْ سِوَى الْأُمِّ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَمَّنْ سِوَاهَا، وَلِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَهَذِهِ الصُّوَرُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَدَّةٌ، وَعَمَّةٌ، وَخَالَةٌ جَازَ بَيْعُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ عَمَّةٌ، وَخَالَةٌ لَا يُبَاعُوا إلَّا مَعًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ إخْوَةٌ كِبَارٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَا سِوَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ، وَعِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الْجِهَةِ وَالدَّرَجَةِ أَحَدُهُمَا يُغْنِي، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ سِتَّةَ إخْوَةٍ ثَلَاثَةٌ كِبَارًا، وَثَلَاثَةٌ صِغَارًا فَبَاعَ مَعَ كُلِّ صَغِيرٍ كَبِيرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ، وَأُخْتٌ لِأُمٍّ بَاعَ غَيْرَ الشَّقِيقَةِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَصَارَ أَبَوَيْنِ لَهُ ثُمَّ مَلَكُوا جُمْلَةً الْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِاتِّحَادِ جِهَتِهِمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُبَاعُ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ الَّذِي بِيعَ فَيَمْتَنِعُ احْتِيَاطًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ أَحَدُهُمْ أَبْعَدُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ فَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَبِ، وَالْأُمِّ، وَالْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ لَا يُفَرَّقُ، وَلَكِنْ يُبَاعُ الْكُلُّ أَوْ يُمْسَكُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْأَخَوَيْنِ، وَالْعَمَّيْنِ، وَالْخَالَيْنِ جَازَ أَنْ يَمْسِكَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا، وَيَبِيعَ مَا سِوَاهُ.

وَمِثْلُ الْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ أَخٌ لِأَبٍ، وَأَخٌ لِأُمٍّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمَ مِنْ الشِّرَاءِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَرِدُ مَا إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِعْتَاقِ فَهَذِهِ عَشْرَةُ مَسَائِلَ يَجُوزُ فِيهَا التَّفْرِيقُ، وَلَا بَأْسَ بِسَرْدِهَا دَفْعُ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَةٍ، وَبَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَرَدُّهُ بِعَيْبٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا أَوْ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهَا وَكِتَابَتُهُ وَبَيْعُهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، وَبَيْعُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَالْحَادِيَةَ عَشَرَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُرَاهِقًا، وَرَضِيَتْ أُمُّهُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَةٍ مَسْبِيَّةٍ صَبِيٌّ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَلَوْ بَاعَ الْأُمَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ التَّنْفِيذُ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ، وَاشْتَرَى أُمَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَكَانَتَا كَبِيرَتَيْنِ أُخْتَيْنِ» ، وَلَا يَدْخُلُ الزَّوْجَانِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ فَإِنْ فَرَّقَ فِي مَوْضِعِ الْمَنْعِ كُرِهَ، وَجَازَ الْعَقْدُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ، وَالرَّدُّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهِيَةَ الِاسْتِيَامِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ

ــ

[منحة الخالق]

لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ غَلَطٌ لَا وُجُودَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي مُسْلِمٍ بَلْ وَلَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ كَمَا قَضَى بِهِ سَبْرُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَرَضِيَتْ أُمُّهُ بِبَيْعِهِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُرَاهِقًا فَرَضِيَ بِالْبَيْعِ، وَاخْتَارَهُ، وَرَضِيَتْ أُمُّهُ جَازَ بَيْعُهُ.

ص: 109