المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تقليد القضاء من السلطان العادل والجائر ومن أهل البغي] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٦

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ]

- ‌[تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ]

- ‌خِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ)

- ‌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ

- ‌ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ

- ‌[أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ]

- ‌[شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ]

- ‌ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِهِ]

- ‌[اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا]

- ‌(بَابٌ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)

- ‌[يَبْطُلُ خِيَار الرُّؤْيَة بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ]

- ‌ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ

- ‌[لَا يُورَثُ خِيَار الرُّؤْيَة كَخِيَارِ الشَّرْطِ]

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا

- ‌[مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ]

- ‌[السَّرِقَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ]

- ‌ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ

- ‌ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبِ بِقَضَاءٍ

- ‌[قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا]

- ‌[اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا]

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[شَرَائِطُ صِحَّة الْإِقَالَة]

- ‌[صِفَة الْإِقَالَة]

- ‌[حُكْمُ الْإِقَالَة]

- ‌[رُكْنُ الْإِقَالَة]

- ‌[مَنْ يَمْلِكُ الْإِقَالَة وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا]

- ‌[إقَالَةُ الْإِقَالَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ)

- ‌[شَرْطُ الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(بَابُ الرِّبَا)

- ‌[عِلَّةُ الرِّبَا]

- ‌ بَيْعُ الْمَكِيلِ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَوْزُونِ كَالنَّقْدَيْنِ

- ‌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌ بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ)

- ‌(بَابُ الْحُقُوقِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي السَّمَكِ]

- ‌[السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ]

- ‌[أَقَلُّ أَجَلِ السِّلْم]

- ‌ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا

- ‌[اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً]

- ‌[أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا وَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ]

- ‌ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ)

- ‌[بَابُ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْبَيْع]

- ‌(فُرُوعٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَائِبِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا

- ‌[بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ]

- ‌ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا

- ‌ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا)

- ‌ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

- ‌[تَبْطُلُ الْكَفَالَة بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ لَا الطَّالِبِ]

- ‌ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ

- ‌[الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ]

- ‌ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ

- ‌ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ

- ‌لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)

- ‌[يَبْرَأ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ]

- ‌ صَالَحَ الْأَصِيلُ أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى نِصْفِ الدَّيْنِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ بِالْخَلَاصِ]

- ‌[الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌[كَفَالَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ)

- ‌(كِتَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌ أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌[فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌ أَهْلُ الْقَضَاءِ

- ‌[تَقْلِيد الْفَاسِقُ الْقَضَاءِ]

- ‌[كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ]

- ‌[أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ]

- ‌الْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا

- ‌[فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ لِلزَّجْرِ مُتَأَوِّلًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسْتَفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفْتِي]

- ‌[فَصْلٌ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْإِفْتَاءِ]

- ‌ طَلَبَ الْقَضَاءَ

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي إذَا تَقَلَّدَ الْقَضَاء]

- ‌[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

الفصل: ‌[تقليد القضاء من السلطان العادل والجائر ومن أهل البغي]

الْقَضَايَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ تَدَيُّنًا لِحِفْظِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَمَوُّلًا، وَيَبْعَثُ الْمَوْلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا مَأْمُونًا لِيَقْبِضَاهَا مِنْ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلُزُومِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْجَوَابِ مِنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الرَّعَايَا بِالْعَزْلِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَاهُ خَتَمَا عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ يَكْتُبَانِ عَدَدَ ضِيَاعِ الْوُقُوفِ وَمَوَاضِعَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كُتُبَ الْأَوْقَافِ تُغْنِي عَنْهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ تَوْلِيَتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ النَّظَرِ فِيمَا فُوِّضَ لَهُ فَإِنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ عَزَلَهُ الْإِمَامُ، وَلِذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَقْضَى رَجُلًا عَلَى الشَّامِ يُقَالُ لَهُ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ عَلَى قَضَاءِ حِمْصَ قَالَ لَهُ يَا حَابِسُ كَيْفَ تَقْضِي قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَأَسْتَشِيرُ جُلَسَائِي فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ ثُمَّ لَقِيَ عُمَرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ إلَى عَمَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي أَيْ خَوَّفَتْنِي قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ رَأَيْتُ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَقْبَلَتْ مِنْ الْمَشْرِقِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ الْقَمَرَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ حَتَّى اقْتَتَلَا قَالَ فَمَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ قَالَ مَعَ الْقَمَرِ فَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] كُنْتَ مَعَ الْقَمَرِ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ اُرْدُدْ إلَيْنَا عَهْدَنَا فَقُتِلَ بَعْدُ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ عَزْلَ الْقَاضِي إذَا تَأَخَّرَ وَعَلَى التَّفَاؤُلِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ.

قَوْلُهُ (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) أَيْ الْجَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْقَاضِي فَيَبْعَثُ الْقَاضِي ثِقَةً يُحْصِيهِمْ فِي السِّجْنِ، وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ وَسَبَبَ حَبْسِهِمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ، وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَا حُبِسَ بِسَبَبِهِ وَتَارِيخِهِ فَإِذَا عُزِلَ بَعَثَ النُّسْخَةَ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَنْظُرَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْوَالِي فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ مَنْ حُبِسَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ وَلَا مَالَ لَهُمْ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكِسْوَتَهُمْ، وَكَذَا أُسَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ لَا يَبِيتَ أَحَدٌ فِي قَيْدٍ إلَّا رَجُلٌ مَطْلُوبٌ بِدَمٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ رَجُلًا صَالِحًا يُثْبِتُ أَسْمَاءَهُمْ عِنْدَهُ وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدَمَهُمْ شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَيَدْعُو كُلَّ رَجُلٍ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَيُعْفِيهِمْ عَنْ الْخُرُوجِ فِي السَّلَاسِلِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ عَظِيمٌ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَإِنَّ تَجْهِيزَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ كُلَّ أَيَّامٍ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَدَبٌ أُدِّبَ وَأُطْلِقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خَلَّى سَبِيلَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ رحمه الله. قَوْلُهُ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ

ــ

[منحة الخالق]

[تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ]

(قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ سَبَبَ وُجُوبِ حَبْسِهِمْ وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةً كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي كِتَابَةُ اسْمِ الْمَحْبُوسِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ النَّظَرَ فِي حَالِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي بَعَثَهَا الْقَاضِي إلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ كِتَابَةِ مَا ذَكَرَ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ. اهـ.

قُلْت: وَرَأَيْت فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَعْلِيلَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ بَعْدَ الْحَبْسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي.

قَالَ ثُمَّ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ يَأْخُذُ هَذِهِ النُّسْخَةَ مِنْ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَيْضًا إلَخْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ فَعُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ كِتَابَةِ مَا ذُكِرَ لَا لِيَنْظُرَ الثَّانِي فِيهِ بَلْ لِحَاجَةِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فَلَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ وَمَعْنًى بَاهِرٌ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الْحَبْسِ حَيْثُ قَالَ إمَّا يَكْتُبُ اسْمَ الْمَحْبُوسِ وَنَسَبَهُ فَلِأَنَّ الطَّالِبَ رُبَّمَا طَالَبَ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ الْمَحْبُوسِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَرِّفَ الْقَاضِي اسْمَهُ وَنَسَبَهُ حَتَّى يُطَالِبَ السَّجَّانَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ مَنْ حُبِسَ لِأَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ رُبَّمَا جَاءَ إنْسَانٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ حَبَسَهُ فِي دَيْنِهِ وَيُخْرِجُهُ فَيَهْرَبُ مِنْ الْقَاضِي وَالْخَصْمِ الَّذِي حُبِسَ لِأَجْلِهِ غَيْرُهُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ مِقْدَارَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا جَاءَ الْمَحْبُوسُ بِمَالٍ قَلِيلٍ، وَيَقُولُ لِلْقَاضِي حَبَسْتنِي لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَهْرَبُ، وَإِمَّا يَكْتُبُ التَّارِيخَ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إفْلَاسِهِ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ هَلْ انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ بِالتَّارِيخِ اهـ

ص: 300

أَلْزَمَهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِسْكِينٌ أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَلْزَمَهُ بِالْحَقِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَقْرِيرُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ عُقُوبَةٍ خَالِصَةٍ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ إنِّي أَقْرَرْتُ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الزِّنَا، وَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ عَلَيَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْمَعْزُولِ بَطَلَ لَكِنْ يَسْتَقْبِلُ الْمَوْلَى الْأَمْرَ فَإِذَا أَقَرَّ حَدَّهُ ثُمَّ بَعْدَ الْحَدِّ يَتَأَنَّى وَيُنَادِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ حَبَسْتُهُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ، كَذَا لَوْ قَالَ كُنْتُ حَكَمْتُ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبِدَايَةِ بِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، رَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ عَلَى حُكْمِهِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ قَاضِيًا قَضَى عَلَيْهِ بِكَذَا لِفُلَانٍ اهـ.

وَقَوَاعِدُنَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَتِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله إطْلَاقَهُ بَعْدَ إلْزَامِهِ لِمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَعَرَفَهُ الْقَاضِي أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِنَسَبِهِ، وَأَحْضَرَ الْمَالَ لَهُ أَطْلَقَهُ بِلَا كَفِيلٍ، وَكَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُدَّعِي إطْلَاقَهُ وَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى الْقَاضِي أَمْرُ الْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا يُطْلِقُهُ بَلْ يَتَأَنَّى، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ خَوْفًا مِنْ الِاحْتِيَالِ اهـ.

قَوْلُهُ (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمَرَ مُنَادِيًا كُلَّ يَوْمٍ فِي مَحَلَّتِهِ وَقْتَ جُلُوسِهِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ وَادَّعَى وَهُوَ عَلَى إنْكَارِهِ ابْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا تَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ اتِّفَاقًا، وَأَطْلَقَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وَارِثٍ آخَرَ مَوْهُومٌ وَهُنَا الْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِحَقٍّ ظَاهِرٍ وَخِلَافُهُ مَوْهُومٌ فَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ كَفِيلًا وَجَبَ أَنْ يَحْتَاطَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَيُنَادِي شَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَطْلَقَهُ، وَقَدْ بَحَثَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حُبِسَ بِحَقٍّ يَجِبُ أَنْ لَا يُطْلِقَهُ بِقَوْلِهِ إنِّي مَظْلُومٌ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُطْلِقُ فِيهَا مُدَّعِيَ الْإِعْسَارِ كَانَ جَيِّدًا اهـ.

قُلْتُ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّا عَمِلْنَا بِمُقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرِ بِالنِّدَاءِ، وَأَخَذَ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَبْقَيْنَاهُ فِي الْحَبْسِ كَمَا ذَكَرَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرِ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ تَحَقَّقْنَا ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ عَزْلِ الْقَاضِي، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فِي الْمَحْبُوسِينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ قِصَاصٍ أَقَرَّ بِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، وَلَكِنْ لَا يُطْلِقُهُ فِي الطَّرَفِ إلَّا بِكَفِيلٍ احْتِيَاطًا وَإِنْ كَانَ قَالَ حُبِسْت بِسَبَبِ حَدِّ الزِّنَا لَا يَعْمَلُ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْآنَ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ شُهُودٍ عَلَيَّ بِهِ لَا يَحُدُّهُ بِذَلِكَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) كَذَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا أَخْبَرَ حَاكِمٌ حَاكِمَا بِقَضِيَّةٍ هَلْ يَكْفِي إخْبَارُهُ، وَيَسُوغُ لِلْحَاكِمِ الْعَمَلُ بِهَا أَجَابَ لَا يَكْفِي إخْبَارُهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ، وَيُخَالِفُهُ ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَمَا كَانَ مِنْ حُكْمٍ أَخْبَرَ بِهِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ، لَهُ بِذَلِكَ شُهُودٌ يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ كَمَا إذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى حُكْمِهِ، كَذَا مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي السَّادِسِ فِي طَرِيقِ ثُبُوتِهِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ كُنْتُ حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ اهـ.

إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ الِاخْتِلَافُ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى مُطْلَقًا أَوْ مَعَ عَدْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمُؤَلِّفِ فَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُطْلِقُهُ فِي الطَّرَفِ احْتِيَاطٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ آخَرَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي مَالِهِ فَهُوَ يَبْذُلُ الطَّرَفَ لِيَتَخَلَّصَ، فَيَفُوتُ حَقُّ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ فَيَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيُنَادِي ثُمَّ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الْآنَ) فَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رَجَمَهُ، وَإِلَّا جَلَدَهُ ثُمَّ يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيُنَادِي عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِلَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ لَا يَحُدُّهُ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْد الثَّانِي كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَفِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ، وَلَا يُطْلِقُهُ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ لَكِنْ يُنَادِي عَلَيْهِ، وَيَتَأَنَّى فِي أَمْرِهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ

ص: 301

وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ سَرِقَةٍ أَقْرَرْت بِهَا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حُبِسَ بِسَبَبِ حَدِّ الْخَمْرِ لَا يَحُدُّهُ سَوَاءٌ قَالَ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ بِسَبَبِ قَذْفٍ لِفُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ حُدَّ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ.

قَوْلُهُ (وَعُمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ إقْرَارُ ذِي الْيَدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي فِي دِيَارِنَا مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْوَالَ الْأَوْقَافِ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يُوَلِّيهِمْ الْقَاضِي النَّظَرَ أَوْ الْمُبَاشَرَةَ فِيهَا، وَوَدَائِعَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الَّذِي يُسَمَّى أَمِينَ الْحُكْمِ اهـ.

وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَمْ يُوَلَّ فِي زَمَانِنَا أَمِينُ الْحُكْمِ قُيِّدَ بِغَلَّاتِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا جَحَدَهُ الْوَرَثَةُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّ هَذَا وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ سَلَّمْتُهُ إلَى هَذَا، وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَة لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَاضِي وَذُو الْيَدِ، وَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ لِي، وَقَالَ الْمَعْزُولُ إنَّهُ مَالُ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ فِي الْإِلْزَامِ حَتَّى الْخَلِيفَةُ الَّذِي قَلَّدَ الْقَضَاءَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِكَذَا لَا يُقْضَى بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ الْخَلِيفَةُ مَعَ آخَرَ، وَالْوَاحِدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ فَإِذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي فَأَقَرَّ الْقَاضِي بِأَنَّهَا الْآخَرُ وَحُكْمُهُ أَنْ تُسَلَّمَ الْعَيْنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ، وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلَهُ إنْ مِثْلِيًّا لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي فَيُسَلِّمُهَا لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ الْمَعْزُولِ. الثَّالِثُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يُقِرُّ بِهِ لِلْغَيْرِ عَكْسُ الْأَوَّلِ، وَحُكْمُهُ عَدَمُ قَبُولِ الثَّانِي. الرَّابِعُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي ثُمَّ يَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ، وَحُكْمُهُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَاضِي. الْخَامِسُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ تَسَلَّمَهُ مِنْ الْقَاضِي وَصَدَّقَ الْقَاضِي أَنَّهَا لِفُلَانٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، وَيُدْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِهِ فِي وَجْهٍ وَعُمِلَ بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ قَبْلَ عَزْلِهِ يَقُولُ هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ اسْتَوْدَعْته فُلَانًا، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَيُؤْخَذُ الْمَالُ لِمَنْ ذَكَرَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «حَكَمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ» «، وَقَالَ لِلْمَدْيُونِ قُمْ فَاقْضِهِ بَعْدَ أَمْرِ الدَّائِنِ بِوَضْعِ الشَّطْرِ، وَكَانَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا» «وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَقَدْ لَاعَنَ عُمَرَ رضي الله عنه عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْرِكِ يَدْخُلُهُ لِلْقَضَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَأَمَّا الْحَائِضُ فَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لِيَخْرُجَ إلَيْهَا الْقَاضِي أَوْ يُرْسِلَ نَائِبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَكَذَا السُّلْطَانُ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ أَطْلَقَ الْمَسْجِدَ فَشَمِلَ غَيْرَ الْجَامِعِ لَكِنَّهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ ثُمَّ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَاتُ وَإِنْ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ.

قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا فَلَا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَفِي السُّوقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَيْتِهِ وَحَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَيْتَهُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجْلِسُ لَهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَحْكُمُ، وَهُوَ مَاشٍ وَلَا رَاكِبٌ وَلَا بَأْسَ بِالْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا بَأْسَ بِالْحُكْمِ وَهُوَ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْله قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَهُ وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحُدُودِ إنْ طَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ شَرْطَ الْقَطْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الثُّبُوتُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ بِبَيِّنَةٍ لَا لِلتَّقَادُمِ) أَيْ لَا يَقْطَعُهُ لِأَجْلِ التَّقَادُمِ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الثَّانِي إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَلَا يُعَجَّلُ فِي إطْلَاقِهِ بَلْ يَفْعَلُ مَا قُلْنَا شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ ذُو الْيَدِ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي) وَهُوَ إقْرَارُهُ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ.

ص: 302

مُتَّكِئٌ وَالْقَضَاءُ وَهُوَ مُسْتَوٍ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجَالِسَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه مَا كَانَ يَحْكُمُ حَتَّى يُحْضِرَ أَرْبَعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُشَاوِرَهُمْ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُحْضِرُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهم حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ دَخَلَهُ حَصْرٌ فِي قُعُودِهِمْ عِنْدَهُ أَوْ شَغَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ جَلَسَ وَحْدَهُ فَإِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ حِشْمَةِ الْفُقَهَاءِ عَنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْدَادُ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُهُ حَصْرٌ جَلَسَ وَحْدَهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ، وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ فَهِمَ حُجَّتَهُ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِ كَذَا يَقْتَضِي الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ عِرْضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ كَانَ أَوْلَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا، وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ فِي التَّقْلِيدِ خَلَلٌ يَصِيرُ حُكْمًا بِتَحْكِيمِهِمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضَى الْقَاضِي بِحَقٍّ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْقَضِيَّةَ ثَانِيًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي اهـ. وَفِيهَا وَإِنْ رَأَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ قَعَدُوا وَلَا يُشَاوِرُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ الْفُقَهَاءُ وَوَقَعَتْ الْحَادِثَةُ يُخْرِجُ الْخُصُومَ أَوْ يُبْعِدُهُمْ ثُمَّ يُشَاوِرُ الْفُقَهَاءَ، وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ الشَّاهِدَ فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقِفُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ فَإِنْ اعْتَرَاهُ هَمٌّ أَوْ غَضَبٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنْهُ حَتَّى يَزُولَ وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي طُولِ الْجُلُوسِ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا قَضَى وَطَرَهُ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ جَلَسَ لِلْقَضَاءِ وَلَا يَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ حُجَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَلِيلًا، وَلَا يُقَدِّمُ رَجُلًا جَاءَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ وَلَا يَضْرِبُ فِي الْمَسْجِدِ حَدًّا وَلَا تَعْزِيرًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

وَالْحَاصِلُ لَا يَقْضِي حَالَ شُغْلِ قَلْبِهِ وَلَوْ بِفَرَحٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَصْلُهُ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مَعْلُولٌ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ الْجُلُوسَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَخْرُجُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَأَعْدَلِ أَحْوَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَوَّابًا لِيَمْنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الِازْدِحَامِ وَلَا يُبَاحُ لِلْبَوَّابِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا عَلَى الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِذَا أَخَذَ الْبَوَّابُ شَيْئًا وَعَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَقَضَى كَانَ كَالْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَإِذَا جَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي فَإِذَا عَرَفَهُ يَقُولُ لَهُ مَاذَا تَدَّعِي وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ دَفْعًا لِلْمَهَابَةِ عَنْهُمْ، وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ أَرَادَ إحْضَارَ خَصْمِهِ الْغَائِبِ دَفَعَ لَهُ طِينَةً عَلَيْهَا خَتْمُ الْقَاضِي مَكْتُوبٌ فِيهَا أَجِبْ خَصْمَك إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَحْضَرَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَالْقَاضِي لَا يُعَدِّيهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ.

وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ قُضَاةً عَلَى الْكُوَرِ فِيمَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ احْتِرَازًا عَنْ مَشَقَّةِ الْأَعْدَاءِ، وَهُوَ إزَالَةُ الْعُدْوَانِ وَيَسْقُطُ الْأَعْدَاءُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً فَإِنْ تَوَارَى الْخَصْمُ فِي بَيْتِهِ خَتَمَ الْقَاضِي عَلَى بَيْتِهِ، وَجَعَلَ بَيْتَهُ عَلَيْهِ سِجْنًا وَسَدَّ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَيَخْرُجُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُجَوِّزُوا الْهُجُومَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي نِسَاءً يَطْلُبْنَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَعْوَانًا يَأْخُذُونَ السُّفْلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَغْرَةُ شِدَّةُ تَوَقُّدِ الْحُزْنِ وَمِنْهُ قِيلَ فِي صَدْرِهِ وَغْرٌ بِالتَّسْكِينِ أَيْ ضَغَنٌ وَعَدَاوَةٌ وَتَوَقُّدٌ مِنْ الْغَيْظِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَمَرَهُ) أَيْ السُّلْطَانُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَوَّابًا لِيَمْنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الِازْدِحَامِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ يَجْلِسُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ، وَالْجَامِعُ لَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَكِنَّ الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْعِ الْخُصُومِ (قَوْلُهُ لَا يُعْدِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يُحْضِرُهُ مِنْ أَعْدَاهُ أَيْ أَحْضَرَهُ وَتُسَمَّى مَسَائِلُهُ مَسَائِلَ الْعَدَوِيِّ، وَهُوَ الِاسْمُ مِنْهُ وَالْإِعْدَاءُ مَصْدَرُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَارَى الْخَصْمُ فِي بَيْتِهِ خَتَمَ الْقَاضِي عَلَى بَابِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ أَنْ يُكَلِّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا تَقْضِي بِهِ أَيْضًا فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ فَإِنَّ مَحَلَّ السَّمَرِ وَالْخَتْمِ إذَا ثَبَتَ

ص: 303

وَالْعُلْوَ كَيْ لَا يَهْرَبَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فَعَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَالصَّالِحُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ يَسْكُنُ دَارًا بِأُجْرَةٍ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيرِ الْبَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّرُ وَالتَّسْمِيرُ الضَّرْبُ بِالْمَسَامِيرِ اهـ.

فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَسَمَّرَهَا الْحَاكِمُ لِأَجْلِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِلْبَاقِي أَنْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَرْفَعَ الْمَسَامِيرَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعَدْلِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا لِلسُّلْطَانِ الْخَتْمُ عَلَى بَابِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَ فِي بَيْتِهِ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَهُ وَضْعُهُ فِي الْجَاوِيشِ فِي زَمَانِنَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ فِي الْمِصْرِ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ وَفِي الْخَارِجِ لِكُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَأُجْرَةُ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُشَخَّصُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الذَّهَابَ إلَى بَابِ السُّلْطَانِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِأَعْوَانِهِ أَوَّلًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَاضِي لَكِنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ الْقَاضِي، وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الِاخْتِلَافَ فِي قَبُولِ الْقَاضِي الْقِصَاصَ مِنْ الْخُصُومِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ، وَإِلَّا أَخَذَهَا ثُمَّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَاخَذُ بِمَا كَتَبَ فِيهَا، وَالْمَذْهَبُ لَا إلَّا إذَا أَقَرَّ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا صَالِحًا عَفِيفًا وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا ذِمِّيًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيَكْتُبُ الْخُصُومَةَ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ شَهْرٍ قِمَطْرًا.

(قَوْلُهُ وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَدِيَّةً لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه

ــ

[منحة الخالق]

امْتِنَاعُ الْخَصْمِ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ عُذْرًا يُبِيحُ تَرْكَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُجَوِّزُوا الْهُجُومَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَرَكُوا إلَخْ) أَيْ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصِبَ إنْسَانًا حَتَّى يُقْعِدَ النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَيُقِيمَهُمْ وَيُقْعِدَ الشُّهُودَ وَيُقِيمَهُمْ وَيَزْجُرَ مَنْ يُسِيءُ الْأَدَبَ وَيُسَمَّى صَاحِبَ الْمَجْلِسِ وَالْجِلْوَازَ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُ بِإِقْعَادِ الشُّهُودِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَلِلْوُكَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِينَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَالرَّجَّالَةُ يَأْخُذُونَ أُجُورَهُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ، وَهُمْ الْمُدَّعُونَ لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمِصْرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ، وَإِذَا خَرَجُوا إلَى الرَّسَاتِيقِ لَا يَأْخُذُونَ لِكُلِّ فَرْسَخٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا، وَضَعَهُ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الْكِبَارُ وَهِيَ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ لَهُ الْكِتَابَةَ وَأُجْرَةُ النُّوَّابِ عَلَى الْقَاضِي، وَإِذَا بَعَثَ أَمِينًا لِلتَّعْدِيلِ فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُدَّعِي كَالصَّحِيفَةِ. قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيُّ مُؤْنَةُ الرَّجَّالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا امْتَنَعَ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا مَالَ إلَيْهِ لِلزَّجْرِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْحَالَيْنِ الْمُزَكِّي يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ الْمُدَّعِي، كَذَا الْمَبْعُوثُ لِلتَّعْدِيلِ اهـ. كَلَامُ الْقُنْيَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ تَمَرُّدُهُ عَنْ الْحُضُورِ عَاقَبَهُ بِقَدْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُحْضَرِ وَلَا قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا النِّسَاءِ الْخُلَّصِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَرُّدُهُ إلَّا بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمُشْخِصِ كَمَا يُفْهَمُ جَمِيعُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَوْ اخْتَفَى لَا يَثْبُتُ تَمَرُّدُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْخَصْمُ عَنْ الْحُضُورِ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سَفْعٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَعْبِيسِ وَجْهٍ عَلَى مَا يَرَاهُ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ عَرَضَ الطِّينَةَ وَامْتَنَعَ الْخَصْمُ يَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُهُ أَنَّهُ الْقَاضِي فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَاقَبَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ مِنْ الرَّسُولِ وَعَجَزَ عَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ فِي ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُرُوبَهُ إلَّا بِقَوْلِهِ يُؤَدَّبُ عَلَى التَّفْرِيطِ لَهُ. اهـ.

وَمَوْضُوعُ السُّؤَالِ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي بِالتَّرْسِيمِ مَعَ رَسُولٍ لِيَرْضَى خَصْمُهُ بِالدَّفْعِ أَوْ بِالسِّجْنِ.

(قَوْلُهُ وَيَجْعَلُهَا فِي قِمَطْرِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْقِمَطْرُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِمَطْرُ كَسِجِلٍّ وَالْقِمَطْرِيُّ وَالْقِمَطْرَةُ بِالتَّشْدِيدِ شَاذٌّ.

(قَوْلُهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بِلَامٍ مَضْمُومَةٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَخُطِّئَ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ، وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ تَحْرِيكَهَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنُو لُتْبٍ بَطْنٌ مِنْ الْأَزْدِ وَيُقَالُ الْأَتْيَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ التَّاءِ قَالَ وَتُحَرَّكُ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهَا اسْمُ أُمِّهِ عُرِفَ بِهَا وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ لِأَلْفَاظِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ

ص: 304

كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً وَالْيَوْمُ رِشْوَةٌ فَتَعْلِيلُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ، وَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَاللُّقَطَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي يَتَأَذَّى بِالرَّدِّ يَقْبَلُهَا وَيُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا دَخَلَتْ الْهَدِيَّةُ لَهُ مِنْ الْبَابِ خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ مِنْ الْكُوَّةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْأَقْطَعِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ مَا كَانَ مَعَهَا شَرْطُ الْإِعَانَةِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَالٌ يُعْطِيهِ وَلَا يَكُونُ مَعَهَا شَرْطٌ وَالرِّشْوَةُ مَالٌ يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعِينَهُ.

وَذِكْرُ الْهَدِيَّةِ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ الْقَرِيبِ لِمَا فِيهَا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَرَدُّهَا قَطِيعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمُحَرَّمِ فَخَرَجَ ابْنُ الْعَمِّ مَثَلًا وَمُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ وَلَهُ شَرْطَانِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْعَادَةِ فَيَرُدُّ الْكُلَّ فِي الْأَوَّلِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الثَّانِي وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَظَاهِرُ الْعَطْفِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْ الْقَرِيبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَقْبَلُهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَانِعَ مَا كَانَ إلَّا الْفَقْرُ عَلَى وِزَانِ مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الزِّيَادَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا مُطْلَقًا وَمَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَبِلَ الْمُعْتَادَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِنْ وَالٍ تَوَلَّى الْأَمْرَ مِنْهُ أَوْ وَالٍ مُقَدَّمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ حَاكِمِ بَلَدِهِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْبَاشَاهْ وَاقْتَصَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَبُولُهَا عَلَى الْوَالِي وَالْمُفْتِي، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ عَنْهُ الْقَاضِي اهـ.

إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَامِعِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ وَفِيهَا ضَمُّ الْوَاعِظِ إلَى الْمُفْتِي مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُهْدَى إلَى الْعَالِمِ لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ النَّاسَ يُسَاهِلُونَهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا إذَا كَانَ يَكْفِي الْمُؤْنَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يُعَامِلُ مَنْ يُحَابِيهِ وَإِلَّا لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمَدْيُونِ أَوْ الْمَيِّتِ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَأَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ بِلَا زِيَادَةٍ اهـ. وَهُوَ سَهْوٌ وَالْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الْحَوَالَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ (وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) أَيْ يَرُدُّهَا فَلَا يَحْضُرُهَا؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الدَّاعِي لَهَا الْقَرِيبَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجِيبُهَا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُجِيبُهَا بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْهَدِيَّةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً وَدَعْوَى خَاصَّةً إلَّا مِنْ مُحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَهُ عَادَةٌ بِاتِّخَاذِهَا كَالْهَدِيَّةِ فَلَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الدَّعْوَةُ لَهُ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً فَدَعَاهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُجِيبُهُ، وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ طَعَامًا أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ قَدْ زَادَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ وِلَايَةٌ نَاشِئَةٌ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَالسَّاعِي وَالْعَاشِرِ اهـ.

وَبِهِ يَنْدَفِعُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْتِي تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عليه السلام أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ) ذِكْرُ الْخُصُوصِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِمَامٍ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبُولُهَا، وَإِلَّا انْتَفَتْ الْخُصُوصِيَّةُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي النَّهْرِ بَحَثَ كَذَلِكَ وَهَذَا يُؤَكِّدُ حَمْلَ الْإِمَامِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى إمَامِ الْجَامِعِ.

ص: 305

قَيَّدَ بِالْخَاصَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَامَّةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِهَا خُصُومَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ خَاصَّةٌ وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْخَاصَّةَ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ صَاحِبُهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا، وَالْعَامَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّ الْعَامَّةَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدِي أَنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْعَامَّةَ هَاتَانِ، وَرُبَّمَا مَضَى عُمْرٌ وَلَمْ نَعْرِفْ مَنْ اصْطَنَعَ طَعَامًا عَامًّا ابْتِدَاءً لِعَامَّةِ النَّاسِ بَلْ لَيْسَ إلَّا هَاتَيْنِ الْخُصْلَتَيْنِ أَوْ بِخُصُوصٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَضْبَطَ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْقَاضِي لَمْ يَصْنَعْ أَوْ يَصْنَعُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَوَائِحُ لَيْسَ كَضَبْطِ هَذَا وَتَكْفِي عَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَعَادَةُ النَّاسِ هِيَ مَا ذَكَرَ النَّسَفِيُّ اهـ.

وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ عُرْفًا لَا تَنْحَصِرُ فِي هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا طَعَامُ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ وَفِي زَمَانِنَا يُصْنَعُ طَعَامٌ عَامٌّ فِي الْعِيدَيْنِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا. اهـ.

وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ مِنْ الْعَامِّ إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ فَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ لَيْسَ بِضَابِطٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَضْبَطَ وَكَوْنِهَا لَا يَعْمَلُهَا إلَّا لِأَجْلِ الْقَاضِي لَيْسَ بِخَفِيٍّ، وَبَعْضُهُ يُعْلَمُ بِالتَّصْرِيحِ وَبَعْضُهُ يُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ كَالصَّرِيحِ.

قَوْلُهُ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَفِي الْحَدِيثِ «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ حُقُوقٍ إذَا دَعَاهُ يُجِيبُهُ وَإِذْ مَرِضَ يَعُودُهُ وَإِذَا مَاتَ يَحْضُرُهُ وَإِذَا لَقِيَهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ يَنْصَحُهُ وَإِذَا عَطَسَ يُشَمِّتُهُ» كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا يَعُودُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا خُصُومَةَ وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ وَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمَا جُلُوسًا) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ لِلْحَدِيثِ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَبِمِثْلِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ التَّسْوِيَةِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيُجْلِسُهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يُجْلِسُ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا أَطْلَقَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَشَمِلَ الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرَهُ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّوَازِلِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ وَيُجْلِسُ خَصْمَ السُّلْطَانِ فِيهِ، وَيَقْعُدُ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمَا اهـ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ شُرَيْحٍ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَقَيَّدَ بِالْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا بِالْقَلْبِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ فَقَدْ حُكِيَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى بِالْقَلْبِ إلَّا فِي خُصُومَةِ نَصْرَانِيٍّ مَعَ الرَّشِيدِ لَمْ أُسَوِّ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْت عَلَى الرَّشِيدِ ثُمَّ بَكَى وَمِمَّا حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خَادِمًا مِنْ أَكْبَرِ خُدَّامِ الْخَلِيفَةِ جَاءَ مَعَ خَصْمَهُ لِلدَّعْوَى فَتَرَافَعَ عَلَى خَصْمِهِ فَأَمَرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْمُسَاوَاةِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ فَقَالَ الْقَفَا يَا غُلَامُ ائْتِنِي بِعَمْرٍو النَّخَّاسِ يَبِيعُ هَذَا الْخَادِمَ وَأَرْسِلْ ثَمَنَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَوَى وَانْقَضَتْ الدَّعْوَى، فَذَهَبَ الْخَادِمُ إلَى الْخَلِيفَةِ وَقَصَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى وَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ لَوْ بَاعَكَ لَأَجَزْتُ بَيْعَهُ وَلَمْ أَرُدّكَ إلَى مِلْكِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَتَرَبَّعَانِ وَلَا يَقْعَيَانِ وَلَا يَحْتَبِيَانِ، وَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مَنَعَهُمَا الْقَاضِي تَعْظِيمًا لِلْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ ادَّعَى أَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الدَّعْوَةِ الْعَامَّةِ هَاتَيْنِ غَيْرُ وَارِدٍ.

ص: 306